أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم ابو جويدة - (جماليات المقاومة والموت: قراءة سيميائية-تقنية للمشهد التأسيسي في فيلم -المسألة الكبرى- بين الخطاب البصري والأيديولوجيا السياسية)















المزيد.....


(جماليات المقاومة والموت: قراءة سيميائية-تقنية للمشهد التأسيسي في فيلم -المسألة الكبرى- بين الخطاب البصري والأيديولوجيا السياسية)


كاظم ابو جويدة

الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 10:55
المحور: الادب والفن
    


(جماليات المقاومة والموت: قراءة سيميائية-تقنية للمشهد التأسيسي في فيلم "المسألة الكبرى" بين الخطاب البصري والأيديولوجيا السياسية)
بقلم الكاتب والناقد العراقي: كاظم أبو جويدة
المشهد البصري الفخم "المشهد التأسيسي" / "Establishing Shot" الذي قدمه المخرج محمد شكري جميل في فيلم "المسألة الكبرى" كما ترونه بجلاء من خلال هذه الصورة المنتقاة من استهلال الفيلم مثَّل علامة فارقة في تاريخ السينما العراقية، حيث كان تجسيداً عميقاً لمدرسة "السرد البصري المركب" / "Complex Visual Narrative". وقد تجلت في هذا المشهد براعة المخرج في توظيف التقنيات السينمائية لخدمة المضمون الفكري والجمالي معاً. المشهد، في جوهره، كشف عن أيديولوجيا عميقة حولت الموت من نهاية حتمية إلى بداية متجددة، ومن حدث فردي إلى ظاهرة جمعية. العراقيون، في هذا السياق البصري، في تحول دائم إلى "مشاريع استشهاد" كيانات معلقة بين الحضور والغياب، بين الحياة والموت، في حالة انتظار دائم للحظة التحول النهائي. هذا التوظيف السينمائي المعقد يكشف عن عمق الوعي الجمعي العراقي بفكرة الموت كمصير جماعي مؤجل، وعن تحول الاستشهاد من حدث تاريخي إلى أيديولوجيا ثقافية مستمرة. المشهد، بهذا المعنى، ليس مجرد تصوير جمالي للحظة درامية، بل هو نص بصري عميق يكشف عن البنى العميقة للوعي الجمعي العراقي المعاصر.
وفي إطار التحليل السيميائي العميق للمشهد، كانت حركة الفرسان من اليمين إلى اليسار قد شكلت خروجاً واعياً على المألوف في السينما الغربية. وهي حركة معاكسة لاتجاه القراءة في الثقافة الانكليزية حركة خلقت توتراً دلالياً كشف عن استثمار المخرج تقنية بث الدلالات في خلق توتر بصري يتناغم مع موضوع الفيلم الذي تناول ثورة العشرين ومقاومة الاحتلال الإنجليزي. وكان هذا التوظيف قد أسس لخطاب بصري مقاوم عبر اللغة السينمائية نفسها.
تجلّت في هذا المشهد براعةٌ استثنائيةٌ في توظيف تقنية التصوير الظِّلي، حيث تجاوزَ المخرجُ حدودَ الجماليات البصرية، ليؤسسَ خطاباً بصرياً عميقاً حول ثنائية الوجود والعدم في الوعي العراقي المعاصر. وقد استثمرَ المخرجُ تقنيةَ الإضاءة الخلفية بحرفيةٍ عالية، محوِّلاً الفرسانَ إلى أيقوناتٍ رمزية تراقصت على حافة الأفق، في حوارٍ بصريٍّ مع قرص الشمس المتوهج أو الغارب. الإضاءة الخلفية (Backlight) لعبت دوراً محورياً في تجريد الفرسان من فرديتهم وتحويلهم إلى رموز مجردة للتضحية. هذا التجريد البصري يتوازى مع التجريد المفاهيمي للموت في الثقافة العراقية المعاصرة، حيث تحول الاستشهاد من فعل فردي إلى مشروع جمعي مستمر.
اكتسبت حركةُ الفرسان "البطيئة والمنتظمة" / "Synchronized Slow Motion" بُعداً روحياً عميقاً عبر تناغمها مع لحظات الغروب أو الشروق الكونيتان، وتجلّت براعةُ المخرج في توظيف الواقعية الشاعرية، حيث تحولت الأجسادُ البشرية إلى رموزٍ مجردةٍ عبّرت عن فلسفة المقاومة والخلود.
أسّسَ المشهدُ لما يمكن تسميته بـ "جماليات الصمود الجمعي" حيث تحولت حركةُ الفرسان نحو الأفق إلى طقسٍ بصريٍّ حاكى الموروثَ الملحمي العراقي. وعبر توظيف تقنية "الإضاءة المنخفضة" / "Low-Key Lighting" خلقَ المخرجُ تضاداً درامياً بين ظلال الفرسان السوداء والخلفية المتوهجة، مؤسساً لخطابٍ بصريٍّ رفضَ ثنائية الاستسلام والمقاومة، وأكّدَ على حتمية المواجهة التاريخية.
كما مثّلَ هذا المشهدُ ذروةَ الصورة المتحركة، حيث تحولت الحركةُ الجسدية للفرسان إلى حركةٍ فكريةٍ أسّست لأيديولوجيا المقاومة المستمرة. وعبر هذا التوظيف البارع للعناصر السينمائية، تحولَ المشهدُ من مجرد لقطةٍ جماليةٍ إلى وثيقةٍ بصريةٍ أرّخت لروح الصمود العراقي في مواجهة كل أشكال الهيمنة والاحتلال. توازى التجريد البصري مع التجريد المفاهيمي للموت في الثقافة العراقية المعاصرة، حيث تحول الاستشهاد من فعل فردي إلى مشروع جمعي مستمر من خلال تتابع حركة الفرسان باتجاه غياب قرص الشمس وهذا ما يؤكد عليه خطاب السلطة في كون المواطن العراقي مشروع استشهاد مؤجل وبهتاف واحد "نموت نموت ويحيا الوطن" وبتراتبية طوعية أدلجتها أغنيات التوجيه السلطوي كما في "إحنا مرة نعيش" إشارة للولادة "ومرة نموت" إشارة للغياب الطبيعي والقسري والذي لابد أن يكون من أجل الوطن ظاهرياً من أجل السلطة تعبوياً "مرّة بكل عمرنا" أي تجريد الإنسان من حريته وتقبل هذا المفهوم وفي النهاية يا حبذا لو كان هذا المسار الحتمي من أجل الوطن.
التل بارتفاعه المهيب مَثّل عنصراً محورياً في بناء المشهد، إذ عمل كحد فاصل بين عالمين: العالم الأرضي بواقعيته المادية، والعالم السماوي برمزيته الميثولوجية. وقد عززت زاوية التصوير المنخفضة هذا الفصل البصري، مؤكدة على ثنائية الحياة والموت، مع الحفاظ على جسر بصري بينهما من خلال حركة الفرسان المستمرة نحو الأفق.
في المستوى الأيديولوجي، كشف المشهد عن بعد مستتر خلف جمالياته البصرية. فلم يكن مجرد لقطة سينمائية جمالية، بل كان تجسيداً بصرياً لمنظومة أيديولوجية متكاملة. وقد وظف المخرج الأسلوب البصري على مستويين متوازيين: جمالي: قدم صورة مثالية للاستشهاد، وأيديولوجي أسس لثقافة تطبيع الموت وتقديسه.
الفروسية، كعنصر درامي وثقافي، لعبت دوراً حيوياً محورياً في تشكيل المعنى. فالفارس على صهوة جواده مثَّل امتداداً لتقليد عربي عريق يربط بين الفروسية والشرف والشجاعة. هذا الارتباط حوَّل الاستشهاد من مجرد موت إلى فعل بطولي نبيل، يستحق أن يُؤدى بكل ما يليق به من كبرياء وشموخ. العلاقة بين الفارس وجواده تجاوزت البعد المادي لتصبح تجسيداً للوحدة بين الإرادة والفعل، بين الروح والجسد. الجواد هنا ليس مجرد وسيلة حركة، بل هو امتداد لروح الفارس وإرادته، يشاركه رحلته نحو المصير المحتوم بنفس الكبرياء والشموخ.
وفي قراءة تحليلية أولى لما مر والتي سيظهر في قادم المقالة ما يخالفها، برزت الحركة البطيئة للفرسان "البطيئة والمنتظمة" / "Synchronized Slow Motion" كلحظة تأمل وجودي عميق، وليست تردداً أو خوفاً من المجهول. إنها لحظة وعي كامل بالمصير، حيث تحوّل الزمن من تتابع خطي إلى لحظة ممتدة من التأمل الواعي. البطء هنا يعمل كآلية سينمائية لتكثيف المعنى وتعميق الدلالة، محولاً الحركة المادية إلى تأمل روحي وليس استسلاماً. كما إنّ الانسياب البطيء لحركة الفرسان كشف عن جدلية عميقة أخرى بين الإرادة والقدر. فهو ليس استسلاماً سلبياً للمصير، بل قبولاً واعياً به، تجلى ذلك في التناغم بين حركة الفرسان وحركة الشمس نحو الغروب أو حتى الشروق في رؤية معاكسة. هذا التناغم حول القلق من المجهول إلى سكينة روحية عميقة، والخوف من الموت إلى تصالح مع المصير. حيث نشير بقوة الى أن المشهد مثل نموذجاً لكيفية توظيف الفن السينمائي كأداة للهندسة الاجتماعية والسيطرة السياسية الفكرية.
لكن في قراءة أخرى مضادة نجد أن المخرج قد نجح في خلق مشهد يعمل على مستويين متناقضين. فبينما قدم ظاهر المشهد الصورة التي تريدها السلطة، فرسان يتجهون نحو الاستشهاد في لحظة مهيبة، جاءت الموسيقى الجنائزية الحزينة، مقترنة بالحركة البطيئة المترددة للفرسان، لتكشف عن الحقيقة المؤلمة خلف قناع البطولة السياسية المؤدلجة المفروضة.
لم تكن تقنية الحركة البطيئة مجرد خيار جمالي، بل كانت تعبيراً صامتاً عن مقاومة المصير المفروض. فقد اختار المخرج إظهار التردد والخوف الطبيعي من الموت، كاشفاً بذلك زيف الخطاب الرسمي. وكان التباين اللوني والتدرج الضوئي قد أسهما في خلق عمق بصري خدم الرؤية الدرامية، فيما عزز التكوين الذهبي من جماليات المشهد وقوته التعبيرية. وهكذا تحول المشهد إلى وثيقة نقدية كشفت العنف الرمزي للسلطة، متخفياً خلف جمالية بصرية بدت للوهلة الأولى متماهية مع الخطاب الرسمي. وكانت تلك براعة عظيمة من المخرج في استخدام الفن كأداة للمقاومة الناعمة، حيث نجح في قول الحقيقة دون الاصطدام المباشر مع السلطة.
وفي النهاية، مثَّل هذا المشهد في ضوء الوعي النقدي المعاصر الحر نموذجاً متميزاً في السينما العراقية، جمع بين البراعة التقنية والعمق الفكري، وأظهر قدرة المخرج على خلق خطاب بصري متعدد المستويات، حمل في طياته رسائل مضادة للخطاب الرسمي، مغلفة بجماليات سينمائية رفيعة المستوى.



#كاظم_ابو_جويدة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية بعنوان (شعرية الألم: تحليل خطاب الجسد وتجليات ال ...
- مقالة نقدية للعرض المسرحي جنون الحمائم تأليف واخراج د.عواطف ...


المزيد.....




- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...
- رحيل أنتونين ماييه.. الروائية الكندية التي رفعت صوت الأكادية ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم ابو جويدة - (جماليات المقاومة والموت: قراءة سيميائية-تقنية للمشهد التأسيسي في فيلم -المسألة الكبرى- بين الخطاب البصري والأيديولوجيا السياسية)