أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - ابن رشد بين الفلسفة والعقيدة: جدلية العقل والنقل في الفكر الإسلامي














المزيد.....


ابن رشد بين الفلسفة والعقيدة: جدلية العقل والنقل في الفكر الإسلامي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8255 - 2025 / 2 / 16 - 09:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


د.حمدي سيد محمد محمود

لطالما شكلت العلاقة بين العقل والنقل إشكالية جوهرية في الفكر الإسلامي، وكان ابن رشد أحد أبرز الفلاسفة الذين سعوا إلى التوفيق بينهما، مُقدِّمًا رؤية عقلانية استندت إلى الفلسفة الأرسطية والتأويل العقلي للنصوص الدينية. إلا أن مشروعه لم يمر دون جدل، بل واجه نقدًا حادًا من علماء الكلام والأشاعرة والصوفية الذين رأوا في أطروحاته خطرًا على العقيدة الإسلامية. فقد تركزت الاعتراضات على قضايا جوهرية مثل تأويل النصوص، وقدم العالم، والسببية، وطبيعة النبوة، مما جعل فكر ابن رشد محل نزاع بين التأصيل الديني والنزعة العقلانية. في هذا السياق، يتناول هذا البحث نقد أفكار ابن رشد من منظور فلسفي إسلامي، محاولًا تفكيك التوتر القائم بين الفلسفة والعقيدة في فكره، واستكشاف أبعاد الجدل الذي أثاره داخل المنظومة الفكرية الإسلامية.

نقد أفكار ابن رشد من منظور فلسفي إسلامي

يُعدّ ابن رشد (1126-1198م) أحد أبرز الفلاسفة الذين سعوا إلى التوفيق بين الفلسفة الأرسطية والعقيدة الإسلامية، إلا أن مشروعه الفكري لم يمر دون نقد حاد من داخل المنظومة الفلسفية الإسلامية ذاتها. فقد تعرضت أفكاره لهجوم من تيارات متعددة، أبرزها التيار الأشعري، والتيار الصوفي، بل وحتى من بعض الفقهاء الذين رأوا في فلسفته خروجًا على العقيدة الصافية.
الإشكالية الأساسية: العقل والدين

كان المحور الرئيسي الذي انصب عليه النقد هو علاقة العقل بالنقل، إذ ذهب ابن رشد إلى ضرورة تأويل النصوص الدينية التي تتعارض مع البرهان العقلي، مؤكدًا أن الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له. غير أن هذه الفكرة وُوجهت باعتراضات جذرية من قبل علماء الكلام، وعلى رأسهم الغزالي في تهافت الفلاسفة، حيث رأى أن هذا النهج يفضي إلى تأويلات تعسفية قد تخرج النص الديني عن مقصده الظاهر، وتفتح الباب أمام تحكيم العقل الفردي في قضايا الغيب والوحي، وهو ما يمثل تهديدًا للبنية العقدية الصارمة التي أرساها الفكر الإسلامي.
مسألة قدم العالم

من القضايا التي أثارت جدلًا واسعًا في فكر ابن رشد موقفه من مسألة "قدم العالم"، حيث انحاز إلى الرؤية الأرسطية التي ترى أن العالم أزلي في وجوده، بمعنى أن الله لم يخلقه من عدم، وإنما أوجده في صورة دائمة التحقق. هذا الطرح لم يكن مقبولًا من الناحية العقدية لدى أغلب المدارس الكلامية الإسلامية، التي أجمعت على أن العالم مخلوق حادث بإرادة إلهية مطلقة. وقد رأى الفلاسفة الأشاعرة والماتريدية في موقف ابن رشد إخلالًا بمفهوم التوحيد، إذ أن القول بأزلية العالم يجعله شريكًا لله في القدم، وهو ما يناقض عقيدة التنزيه الإسلامي.
إشكالية السببية والحرية الإلهية

كذلك، كان مفهوم السببية عند ابن رشد أحد المواضع التي استوجبت نقدًا حادًا، إذ اعتبر أن للأسباب علية ضرورية في حدوث الأشياء، وهو ما يتعارض مع مبدأ القدرة المطلقة لله في التصور الأشعري. فالأشاعرة، وعلى رأسهم الغزالي، رفضوا هذه النظرة الجبرية للسببية الطبيعية، واعتبروا أن الله هو الفاعل الحقيقي لكل شيء، وأن العلاقات السببية ما هي إلا عادات أودعها الله في الكون، ويمكنه أن يعطلها متى شاء. وقد مثل هذا الخلاف جوهر النزاع بين الفلسفة والعقيدة في الفكر الإسلامي.

مفهوم النبوة والعقلانية الفلسفية

أما في ما يتعلق بمفهوم النبوة، فقد نظر إليه ابن رشد نظرة عقلانية تأويلية، معتبرًا أن الوحي يخاطب الجماهير بلغة رمزية تتناسب مع مستواهم المعرفي، في حين أن الفلاسفة يدركون الحقيقة المجردة. وقد رأى منتقدوه في هذا الطرح تقليلًا من شأن الوحي وجعله مجرد وسيلة تواصلية تخضع لمقتضيات الفهم البشري، بدل أن يكون مصدرًا إلهيًا قاطعًا للحقيقة. كما اعتُبر هذا الطرح مقدمة لفصل الدين عن الفلسفة، وجعل الحقيقة الفلسفية مستقلة عن الوحي، وهو ما أدى لاحقًا إلى حظر فكر ابن رشد في العالم الإسلامي وصعود تيارات أكثر تشددًا تجاه الفلسفة.

بين النقد والاستيعاب

رغم النقد الشديد الذي تعرض له ابن رشد من داخل المنظومة الفلسفية الإسلامية، إلا أن أفكاره ظلت تلهم تيارات فكرية لاحقة، خاصة في الغرب اللاتيني، حيث عُدّ "المعلم الثاني" بعد أرسطو في تشكيل الفكر الفلسفي الأوروبي. ويبقى السؤال الأهم: هل كان نقد ابن رشد مجرد رفض لمنهجه، أم أنه شكل دافعًا لإعادة التفكير في العلاقة بين العقل والنقل في سياق إسلامي أوسع؟ هذا السؤال لا يزال مفتوحًا حتى اليوم، ويعكس عمق الجدل الذي أثارته أفكار ابن رشد في التراث الإسلامي.

لقد كان ابن رشد نموذجًا للفيلسوف الذي حاول بناء جسر بين العقل والوحي، إلا أن محاولته لم تكن بمنأى عن النقد الحاد من داخل المنظومة الإسلامية ذاتها. فقد رأى منتقدوه أن تأويله العقلي للنصوص، وقوله بقدم العالم، ورؤيته للسببية، تمثل انحرافًا عن جوهر العقيدة، مما أدى إلى عزله فكريًا داخل السياق الإسلامي، رغم تأثيره العميق في الفلسفة الغربية. ومع ذلك، فإن الجدل الذي أثاره لا يزال حاضرًا، حيث تعيد إشكالياته الكبرى طرح الأسئلة حول حدود العقل في تفسير الدين، ودور الفلسفة في بناء الفكر الإسلامي. وهكذا، يبقى نقد فكر ابن رشد جزءًا من حوار ممتد بين التراث العقلاني والتفسير الديني، في رحلة البحث عن الحقيقة داخل الفكر الإسلامي.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلاح التجويع: أداة الحرب الأمريكية الخفية
- القومية الإيطالية وتحديات التوحيد: من جوزيبي غاريبالدي إلى ف ...
- نظرية هابرماس في الاتصال: من فلسفة الوعي إلى العقلانية التوا ...
- رؤية مستقبلية: كيف يمكن تحقيق مشروع عربي نهضوي متكامل؟
- الرأسمالية والأخلاق: هل يمكن تحقيق توازن بين الربح والقيم ال ...
- الإسلام وأزمة القيم في العالم المعاصر: رؤية حضارية بديلة
- الوعي والعقل: جدلية الإدراك والوجود في الفكر الفلسفي
- النظرة الاستعلائية في الحضارة الغربية: الجذور التاريخية والت ...
- من التطور إلى التفكيك: كيف تؤثر علمنة الدين على المجتمعات ال ...
- الأخلاق السياسية وحقوق الإنسان في فكر ديتريش بونهوفر
- الفيزياء الحتمية والمعادلة الكبرى هل يستطيع العلم فك شفرة ال ...
- السياسات العامة: رؤية شاملة لإدارة الدولة والمجتمع
- الدولة في الاشتراكية رؤية روزا لوكسمبورغ نحو التحرر والديمقر ...
- الدفاع الفلسفي عن وجود الله: رؤية وليام كريج في مواجهة الإلح ...
- إسرائيل كأداة للهيمنة الأمريكية: قراءة في الأدوار والوظائف ا ...
- الحروب الناعمة والعلاقات العامة: صناعة السرديات وإعادة تشكيل ...
- الأمن القومي العربي بين الواقعية السياسية والتحديات غير التق ...
- حق العودة الفلسطيني: جوهر القضية أم عقبة أمام التسويات السيا ...
- الوجود الإسلامي في أوربا: بين العزلة والاندماج
- الموت في الفكر الفلسفي: بين الوجود والعدم


المزيد.....




- شاهد كيف تخطى آيساب روكي مقاعد المحكمة لعناق ريانا لحظة الحك ...
- ألقى بنفسه بين ذراعيها في المحكمة.. ريانا تعبر عن سعادتها بت ...
- حزب البديل من أجل ألمانيا مهدد بغرامات ضخمة بسبب تبرعات غير ...
- زعيمة حزب المحافظين البريطاني ترد على وصف ترامب لزيلينسكي بـ ...
- من نجم على السوشيال ميديا إلى متهم بتصنيع المخدرات.. قرار قض ...
- إفريقيا قارة المستقبل
- خامنئي: نعتبر قطر دولة صديقة وشقيقة لنا رغم بعض -القضايا الم ...
- روسيا تحذر من مخاطر تفكك ليبيا وتؤكد ضرورة دعم جهود توحيد ال ...
- ترامب يقول إن زيلينسكي -ديكتاتور من دون انتخابات- وينتقد شرع ...
- لماذا ترفض إسرائيل الانسحاب الكامل من جنوب لبنان وما الأهمية ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمدي سيد محمد محمود - ابن رشد بين الفلسفة والعقيدة: جدلية العقل والنقل في الفكر الإسلامي