|
الإسقاط الجغرافي لإقليم مصر بجزيرة العرب (3)
محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث
(Mohamed Mabrouk Abozaid)
الحوار المتمدن-العدد: 8254 - 2025 / 2 / 15 - 15:03
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تقول التوراة: وَيَأْتِي سَيْفٌ عَلَى مِصْرَايم، وَيَكُونُ فِي كُوشَ خَوْفٌ شَدِيدٌ، عِنْدَ سُقُوطِ الْقَتْلَى فِي مِصْرَايم، وَيَأْخُذُونَ ثَرْوَتَهَا وَتُهْدَمُ أُسُسُهَا. يَسْقُطُ مَعَهُمْ بِالسَّيْفِ كُوشُ وَفُوطُ وَلُودُ وَكُلُّ العرب، (سفر حزقيال 30 :4-5) وفي الترجمة الأحدث تم استبدال كلمة (كل العرب بـ كل اللفيف، حتى لا يفتضح الأمر ويفهم الجميع أن مصر هذه المذكورة من عشائر العرب وليست إمبراطورية وادي النيل لأنها أجنبية وليست عربية. وهذا النص يؤكد النصوص الواردة أعلاه من أن الأنهار الأربعة هي أربعة رؤوس تتفرع من نهر واحد لتروي أراضي كوش ومصر وما حولها. بينما مصر الإفريقية يرويها نهر النيل بمفرده.
فجميع المصادر تثبت أن أرض كوش تقع في جنوب الجزيرة العربية، نقلاً من المجاور أن "أرض كوش " هي منطقة زَبيد في تهامة اليمن (انظر تاريخ المستبصر 100)، وأن زوجة موسى كما جاء بالتوراة كانت من هذه الأرض وهي جغرافياً تقع جنوب منطقة جازان، وإذا رجعنا للنصوص التوراتية التي ذكرت كوش نجدها جميعاً تؤيد ما ذهب إليه ابن المجاور أن أرض كوش هي تلك المنطقة من جنوب غرب الجزيرة العربية، فكثيراً ما تقرن التوراة بين كوش ومصر وشبأ والأعراب في سياقات توحي يقيناً بأن هذه الأسماء تدل على أماكن وقبائل تقع إلى جوار واحد جنوب الجزيرة، ومن ذلك النص الذي يقول: فَقَالَ الرَّبُّ: «كَمَا مَشَى عَبْدِي إِشَعْيَاءُ مُعَرًّى وَحَافِيًا ثَلاَثَ سِنِينٍ، آيَةً وَأُعْجُوبَةً عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُوشَ، هكَذَا يَسُوقُ مَلِكُ أَشُّورَ سَبْيَ مِصْرَ وَجَلاَءَ كُوشَ، الْفِتْيَانَ وَالشُّيُوخَ، عُرَاةً وَحُفَاةً وَمَكْشُوفِي الأَسْتَاهِ خِزْيًا لِمِصْرَ. فَيَرْتَاعُونَ وَيَخْجَلُونَ مِنْ أَجْلِ كُوشَ رَجَائِهِمْ، وَمِنْ أَجْلِ مِصْرَ فَخْرِهِمْ. وَيَقُولُ سَاكِنُ هذَا السَّاحِلِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: هُوَذَا هكَذَا مَلْجَأُنَا الَّذِي هَرَبْنَا إِلَيْهِ لِلْمَعُونَةِ لِنَنْجُو مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ، فَكَيْفَ نَسْلَمُ نَحْنُ؟»( سفر إشعياء 20 : 4، 5، 6). وقوله: كُوشٌ قُوَّتُهَا مَعَ مِصْرَ وَلَيْسَتْ نِهَايَةٌ. فُوطٌ وَلُوبِيمُ كَانُوا مَعُونَتَكِ) (سفر ناحوم 3: 9) وقوله (لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، مُخَلِّصُكَ. جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ، كُوشَ وَسَبَا عِوَضَكَ.) (سفر إشعياء 43) وكذلك قوله: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «تَعَبُ مِصْرَ وَتِجَارَةُ كُوشٍ وَالسَّبَئِيُّونَ ذَوُو الْقَامَةِ إِلَيْكِ يَعْبُرُونَ وَلَكِ يَكُونُونَ. خَلْفَكِ يَمْشُونَ. بِالْقُيُودِ يَمُرُّونَ وَلَكِ يَسْجُدُونَ. إِلَيْكِ يَتَضَرَّعُونَ قَائِلِينَ: فِيكِ وَحْدَكِ اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. لَيْسَ إِلهٌ». (سفر إشعياء 45) وقوله: وَيَأْتِي سَيْفٌ عَلَى مِصْرَ، وَيَكُونُ فِي كُوشَ خَوْفٌ شَدِيدٌ، عِنْدَ سُقُوطِ الْقَتْلَى فِي مِصْرَ، وَيَأْخُذُونَ ثَرْوَتَهَا وَتُهْدَمُ أُسُسُهَا. يَسْقُطُ مَعَهُمْ بِالسَّيْفِ كُوشُ وَفُوطُ وَلُودُ وَكُلُّ الأعراب ..." (سفر حزقيال 30) وقوله: وَأَهَاجَ الرَّبُّ عَلَى يَهُورَامَ رُوحَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَالْعَرَبَ الَّذِينَ بِجَانِبِ الْكُوشِيِّينَ" (سفر أخبار الأيام الثاني 21) وقد ذكر جواد علي نقلاً عن مرجليوث أن " المراد بالعرب الذين بجوار الكوشيين هم العرب الجنوبيين أي سكان اليمن " (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 2 / 293) وحدد موطن الكوشيين نقلاً عن "موسل" بأنه جنوب غرب الجزيرة العربية (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 2 / 210)
وكما تقدم أن حام كان له أبناء أربعة هم كوش وفوط وكنعان ومصريم الذي تنسب إليه التوراة قبيلة فلستيم، وَفَتْرُوسِيمَ وَكَسْلُوحِيمَ. الَّذِينَ خَرَجَ مِنْهُمْ فِلِشْتِيمُ وَكَفْتُورِيمُ. (تكوين10) ونجد أن التوراة تذكر كما تقدم سبأ من جملة أبناء كوش وتذكر كذلك من أبنائه حويلة، وقد اعترفت موسوعة (المحيط الجامع في شرح الكتاب المقدس) أن كوش وجميع أبنائه الذين ذكروا في التوراة كان موطنهم جميعاً في جنوب الجزيرة العربية (انظر :الموسوعة المسيحية العربية الإلكترونية (4/11/1437هـ)) وعرف قاموس الكتاب المقدس حويلة بالقول: حويلة مقاطعة في بلاد العرب يسكن بعضها الكوشيون ويسكن البعض الآخر اليقطانيون (القحطانيون) تذكر كتب الأنساب العربية أن قحطان هو يقطان في التوراة (ينظر أنساب الأشراف 1/4 والإنباه على قبائل الرواة 27 والأنساب للسمعاني (حيدر آباد) 10/344 ونهاية الأرب في معرفة أنساب العرب 396 وقلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان 37 نقلاً عن د. أحمد القشاش الأستاذ في جامعة الباحة، بحث بعنوان ( ألفاظ جغرافية من القرآن والسنة النبوية ؛ دراسة في الدلالة الجغرافية والتاريخية منشور بمجلة الجامعة الإسلامية - ملحق العدد 183 (الجزء التاسع) ص 353).
وأما سبأ فهو علم تاريخي معروف تنسب إليه معظم قبائل اليمن بفروعها، وليس عجيباً أن الذاكرة الشعبية لأهل السراة في اليمن ما زالت تحتفظ بالاسم "كوش" وتستعمله في صيغ متقاربة من ذلك كوشان والكيشة والكُوشي(مجلة الجامعة الإسلامية - نقلاً عن :غامد وزهران ... السكان والمكان 31، 34،94،96 - نقلاً عن بحث د. أحمد القشاش). وقد تكرر ذكر مصر مقترنة بأرض كوش وفوط ولود في سفر إرميا وفي السياق نفسه ذكرت مصر مقترنة بشجرة الضِّرو التي لا تنبت إلا في غرب جزيرة العرب وجنوبها الغربي (انظر : النبات في جبال السراة والحجاز 1/661 - 663 والنباتات الصمغية بين العربية والعبرية (مبحث الضرو)- نقلاً عن بحث الدكتور أحمد القشاش)، وذلك في النص الذي يخاطب فيه إرميا فتاة عذراء من أرض مصر تبحث لنفسها عن علاج، فقال (اصعدي إلى جلعاد وخذي ضرواً أيتها العذراء ابنة مصر) (سفر إرميا 46/9-11) ويفترض شراح الكتاب المقدس أن جلعاد المذكورة هذه تقع في منطقة جبلية وعرة شرق الأردن، فهل يستقيم الأمر، فكيف يمكن لفتاة عذراء أن تصعد من شرق الأردن إلى أرض وادي النيل بغرض البحث عن شجر الضرو، فتعبر صحارى ووهاد وجبال قاطعة مسافة آلاف الكيلومترات، في حين أن فتاة مصر الواقعة جنوب غرب الجزيرة العربية يمكنها أن تحصل على الضرو متى شاءت وذلك لوجود تلك الشجرة في موطنها من جبال جنوب غرب الجزيرة العربية... وقد سبقت الإشارة إلى أن الكنعانيين هم الكنانيين الذين يسكنون معظم سهول تهامة من جنوب حرة كنانة شمال منطقة جازان إلى مكة المكرمة ومنهم بطون تسكن السراة (بحث بعنوان" ألفاظ جغرافية من القرآن والسنة النبوية- د.أحمد سعيد القشاش- منشور بمجلة الجامعة الإسلامية -ملحق العدد 183 (الجزء التاسع)ص359).
وهنا رواية رائعة للإمام ابن تيمية في تفسير قولته تعالى: ﴿اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم ﴾ قال ما نصه: اهبطوا ؛ لأن الهبوط يكون من علوّ إلى أسفل، وعند أرض السراة حيث كان بنو إسرائيل حِيال السُّراة المشرفة على المصر الذي يهبطون إليه، ومن هبط من جبل إلى وادٍ قيل له "هَبَط " (مجموع الفتاوى 4/348) وكذلك ورد النص عن ابن القيم حيث قال " وبنو إسرائيل كانوا بجبال السراة المشرفة على مصر" (مفتاح دار السعادة 1/29 انظر :اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 3/1129) وهذه إشارة صريحة من هذين العالمين على أن مصر المذكورة في القرآن تقع في منطقة جبال السراة جنوب غرب الجزيرة العربية، حيث جبال السراة تشرف على ذلك المكان سواء كان المراد به مصراً من الأمصار كما تفيد عبارة ابن تيمية أو كان اسم بلد بعينه كما تفيد عبارة ابن القيم .
ويجوز أن تكون الصاد مبدلة من الضاد، فيكون لفظ مُضَر هو الأصل، ومضر كانوا من أهل تهامة وجل كتب الأنساب العربية تجعل مضر الأصل لقبيلة كنانة التي سيطرت على الحرم بعد جرهم كما قال عليه الصلاة والسلام (اللهم اشدد وطأتك على مُضر) ويعني قبيلة قريش التي تنسب إلى مُضر، وربما كان المراد ديار مُضر، ففي حديث جابر رضي الله عنه قال: حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مُضَر فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك) (مسند أحمد بن حنبل (ط. قرطبة) 3/322 وانظر البداية والنهاية (ط إحياء التراث) 3/194))؛ أي أنه أطلق اسم القبيلة على المكان أو حملت القبيلة اسمها من المكان بدليل أنه ذكر مضر مقابل اليمن وهو اسم مكان وكما قلنا أن اللسان السرياني لا ينطق حرف الصاد، وهناك فصائل عربية تنطق الضاد ظاء أو قريباً منها، وهذا ما يجعل من المنطقي أن مُصري هي هي مُزر أو مُظر أو مُضر .
وأورد ابن المجاور أيضاً في ثنايا تاريخه أقوالاً تدل على أن موطن فرعون موسى وآل عمران كان في جنوب غرب الجزيرة العربية في سهول تهامة خاصة، وقد ذكر أن حبس الفراعنة كان في عدن وأنها بقيت حبساً للفراعنة إلى آخر دولتهم (انظر: تاريخ المستبصر 69 ، 100 ، 128 ، 129).
وخلاصة القول أنه كان لدى كوش المزيد من الأبناء، من بينهم الخولانيين والسبأيين، وقد كانت زوجة نبي الله موسى كوشية وتدعى "صفورة أو صفراء" (كتاب الأعداد وهو الكتاب الرابع من أصل خمس كتب تشكل التوراة)، ما يعني أن كل فصائل أنساب كوش كانت داخل الجزيرة العربية وفي نطاق جغرافي واحد، يقول سفر التكوين 10؛ (وَبَنُو كُوشَ: سَبَا وَحَوِيلَةُ وَسَبْتَةُ وَرَعْمَةُ وَسَبْتَكَا. وَبَنُو رَعْمَةَ: شَبَا وَدَدَانُ ((سبأ وعدنان)). إنما كلام اليهود بأن مصرايم بن حام الذي هاجر إلى إفريقيا وأنجب (فلشتيم وقفطيم ومصرايم، وأن كوش هاجر إلى إثيوبيا !) على اعتبار أن هؤلاء هم شعوب الهلال الخصيب (فلسطين ومصر وادي النيل وليبيا وتونس والسودان وإثيوبيا ..إلخ) وهذا محض تخريف لأن التوراة تثبت أن أبناء كوش كانوا عصابات قطاع طرق داخل الجزيرة العربية ذاتها ومنهم الخولانيين والسبأيين، هذا في الوقت الذي لم يطل فيه الطوفان أي نطاق جغرافي خارج الجزيرة العربية، وكانت ضفاف وادي النيل تعج بالسكان ومعالم الحضارة، ولم يسمعوا عن هذا الطوفان العربي، بينما العراقيين القدامى وصلتهم بعض آثاره وسجلوا ملاحظات عنه.
إذن الموطن الأصلي لليهود كان في جزيرة العرب، وكل تحركاتهم كانت في جزيرة العرب بين اليمن والحجاز، لكنهم ينكرون أن تكون جذورهم قد نبتت هناك... ويبرر ذلك الرغبة الجامحة لليهود خلال عمليات الإصحاح المتكررة للتوراة في اقتلاع الخريطة التوراتية من جزيرة العرب التي لاقوا فيها العذاب والذل والهوان ولعنوها بعدما تم سحق ممالكهم فيها أكثر من مرة، ورغبتهم في استزراع الخريطة التوراتية من جديد في أرض نظيفة، منطقة جديدة خصبة وغنية تعوضهم عما سلف. وإذا كانت المنطقة التي عاشوا فيها واستوطنوها منذ البدء عبارة عن قرية أو ضاحية جبلية تنقلوا منها إلى قرى وضواحي مجاورة هروباً من الجوع والقحط مرة، ومرة أخرى هروباً من الاضطهاد، فقد حاولوا عند استزراع الخريطة من جديد في منطقة جديدة أن تكون على مساحة أكبر، لا أن تقف في حدود القرية والعشيرة وإنما تتمدد لتشمل دول بأكملها ممتدة بين قارتين مختلفين... تمتد من نهر الفرات شمالاً بالعراق إلى نهر النيل جنوباً بمصر مروراً بأرض الحجاز والشام، فلسطين وسوريا والأردن ولبنان، باعتبار هذه الدول هي القرى التي ورد ذكرها في تاريخهم التوراتي... وتلاقت رغباتهم مع رغبات أبناء عمومتهم بني سعود في اقتلاع اليهود من جزيرة العرب حتى لا يتم تقليب ذكرى الأقوام العربية البائدة بالدمار الشامل أو يتم افتضاح أمر فرعون موسى السعودي، وهارون السعودي وهامان السعودي، بعدما عرف العالم زوراً أنهم مصريين من أرض وادي النيل، فقد استطاعوا إقناع الناس بتفسير القرآن على هذا النحو وفقاً لما جاء بالتوراة...وتلاقت رغباتهم مع رغبات الإسرائيليين.. وهكذا أصبحت قرية نهرين(التوراتية غرب جزيرة العرب) هي الآن بلاد ما بين النهرين (العراق) وأصبحت قرية مصرايم (التوراتية غرب جزيرة العرب) هي الآن إمبراطورية وادي النيل التي مساحتها مليون كيلومتر مربع، وأصبح اليم (التوراتي الجدول المنحدر في سهول عسير جنوب غرب السعودية) هو الآن نهر النيل ! وأصبحت قرية " قُدس" اليهودية الواقعة باليمن هي الآن مدينة القدس العاصمة الفلسطينية. وأصبحت عشيرة بني إسرائيل الجبلية البدوية المتنقلة بين القرى، هي الآن إمبراطورية إسرائيل العظمى التي تمتد حدودها من نهر الفرات شمالاً إلى النيل جنوباً !
ولذلك أصرت إسرائيل بعد معاهدة كامب ديفيد أن تكون سفارتها في القاهرة على الضفة الغربية لنهر النيل وليس الضفة الشرقية؛ أي في نطاق محافظة الجيزة وليس القاهرة، برغم أن القاهرة هي العاصمة ومقر السفارات الأجنبية، لكن نظراً لأن حدود إسرائيل المرصودة على العَلَم الإسرائيلي تمتد من النهر إلى النهر (من النيل إلى الفرات) فلا يُعقل أن تكون لها سفارة داخل حدود دولتها... ولذلك أسرع شباب 25 يناير بعد الثورة إلى إسقاط العلم الإسرائيلي من أعلى مبنى السفارة وإحراقه على الأرض، ما اضطرها إلى لملمة أطرافها جزئياً بشكل مؤقت وسحب بعثتها الدبلوماسية على مضض إلى داخل القاهرة بمنطقة المعادي... لأنهم لا يمكنهم مخالفة الشعار الإسرائيلي الذي يعلقونه على جدران الكنيست ملخصاً في عبارة" هذه أرضك يا إسرائيل من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات"... وهو ذات الشعار الذي وجد مدوناً على قاعدة الكوبري الكبير على نهر الفرات، ففي عام 1921م كان هناك جندياً ضمن قوات الجيش الإنجليزي في العراق، وكان يهودياً، وقد وصل إلى القاعدة الخرسانية لآخر عمود في الكوبري العابر على نهر الفرات فنحت بإزميله عبارة " هذه النقطة هي آخر حدود إسرائيل العظمى" ..
فهم يحلمون طول الوقت باحتلال أراضي الشعوب، وذلك فقط لأن هذه الشعوب نائمة في غيبوبة من أمرها، فلا يكفي أن تعرف تاريخها ووطنها وأرضها، إنما هي بحاجة ماسة لمعرفة تاريخ ووطن وأرض اليهود الحقيقية كذلك. لأن اليهود يتخيلون أن إبراهيم عندما يقف على باب الخيمة تحت أشجار ممرا وينظر شرقاً وغرباً أن يرى مساحات من الأرض تمتد من الفرات إلى النيل ويحددها كمرعى لغنماته كما هو وارد في التفسير الصهيوني للتوراة، ويترك مساحات وأراضي دولة الأردن مرعى لغنمات ابن أخيه لوط !، والحقيقة أن مرعى إبراهيم كانت ضيعة في سفوح جبال بلاد غامد حيث يطل يميناً أو غرباً على قرية المصرين ويساراً أو شرقاً على وادي الثرات " الفرات" من تلك الجبال، أي منطقة فضاء بين قريتين جنوب مكة.. لكن هذه الخريطة الرعوية تضخمت في المخيلة اليهودية فأصبحت المرعى تمتد من نهر الفرات بالعراق إلى نهر النيل بمصر!، هذا مع الوضع في الاعتبار أنه لا علاقة ليهود العالم بالمرعى الخاصة بإبراهم (ع) سواء كان قد اشترى مزرعة أو حدد لنفسه قطعة من الأرض للرعي فيها.
والجـدير بالـذكر أن كمـال الصـليبي (كتابه "التـوراة جــاءت مــن جزيــرة العــرب") ســبق في تحديــد " الأرض الموعــودة الأولى" كمــا فصــلها الفريــق اليهــودي البــابلي ولكــن بتعــيين أسمــاء العشــائر المتنــاثرة في الجزيــرة العربيــة بمنهجية لغوية، ووصل إلى نتيجة مفادها أن الأراضي المعنية في التوراة هي أراضٍ تقـع في جزيرة العرب وفي جبال السراة التهامية وتحديداً في منطقة عسـير. وأن:" نهر مصريم " في وعد " يهوه " لإبراهيم لم يكن نهر النيل الذي في شمال شرق أفريقيا، بل وادي " ليّة " الذي ينبع من الجبال اليمنيّة ومجرى هذا الوادي في ناحية "سامطة " بجنوب منطقة " جيزان ". و يمرّ بقرية " مصرم " التي ما زالت بهذا الاسم حتّى اليوم، و يبدو أنّها أعطت اسمها لهذا الوادي فيما مضى، وأما " نهر فرت " هو بلا أدنى شكّ وادي " أضم " حيث هناك إلى اليوم قرية " الفرت" و قريتا " الفرات السفلى " و " شعبة الفرات " .
كمـا وصـل إلى نفـس النتيجـة الـدكتور أحمـد داوود (كتاب العرب والساميّون والعبرانيّون وبنو إسرائيل واليهود) إذ عـرّف معـالم مملكـة داوود تراثيـاً وحـدد موقـع مدينة أورشليم التي تبين له أنها مجرد مغارة تقع على تقاطع خـط تجـاري قـديم قـرب مدينة الباحة جنوب مكة. ووصل إلى نتيجة مفادها أن بني إسرائيل مـا هـم إلا عشـيرة مـن بضـع مئـات مـن العـرب السـريانين الـذين كـانوا يقطنـون منطقـة عسـير منـذ أيـام موسى. وقد حدد د. أحمد داوود موقع مصر موسـى بتعـيين المواقـع الجغرافيـة الـتي وردت ضـمن تقسيمات التوراة لبني إسرائيل، فوجد أنها تقع في أعالي جبـال السـراة بمنطقـة غامـد في الجزيرة العربية. واعتمد الباحث آلية تفكيـك النصـوص التوراتيـة ودراسـة الروايات التراثية العربيـة الخاصـة بتـاريخ المنطقـة ليـتمكن مـن تعـيين المنطقـة المطلوبـة. كمـا أنـه رسم خريطة تحدد المنطقة التي تحتوي الأرض الموعودة.
يُتبع ... ( قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت ( (رابط الكتاب على أرشيف الانترنت ): https://archive.org/details/1-._20230602 https://archive.org/details/2-._20230604 https://archive.org/details/3-._20230605 #مصر_الأخرى_في_اليمن): https://cutt.us/YZbAA #ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني
#محمد_مبروك_أبو_زيد (هاشتاغ)
Mohamed_Mabrouk_Abozaid#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإسقاط الجغرافي لإقليم مصر بجزيرة العرب (2)
-
الإسقاط الجغرافي لإقليم مصر بجزيرة العرب (1)
-
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (12)
-
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (11)
-
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (10)
-
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (9)
-
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (8)
-
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (7)
-
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (6)
-
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (5)
-
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (4)
-
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (3)
-
حرب الإسرائيليات التاريخية في صدر الإسلام (2)
-
حرب الإسرائيليات التاريخية في صدر الإسلام (1)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (5)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (4)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (3)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (2)
-
مراسلات تل العمارنة مزورة (1)
-
التبادل التاريخي بين مصر وإيجبت (6)
المزيد.....
-
مصر تُعلن اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة في الأقصر
...
-
ترامب يزعم كذبًا أن أوكرانيا بدأت الحرب مع روسيا.. شاهد ما ق
...
-
الاتحاد الأوروبي يقرّ حزمة العقوبات الـ16ضد روسيا
-
هل نبدأ في فقدان شبابنا بعد الخامسة والثلاثين؟
-
حذر وترقب لما قد يحدث.. سكان الشمال في إسرائيل خائفون من الع
...
-
البرازيل: الرئيس السابق بولسونارو متهم بمحاولة اغتيال لولا و
...
-
ترامب يحمل أوكرانيا مسؤولية بدء الحرب ويشكك في شرعية رئيسها
...
-
السعودية كعبة السياسة: انتظار مرتقب للقمة الأمريكية الروسية
...
-
-حماس- تعلن عزمها الإفراج عن 6 رهائن إسرائيليين و4 جثامين غد
...
-
مسؤول أوروبي: أوروبا عاجزة عسكريا بمعزل عن الولايات المتحدة
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|