أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد علي سليفاني - جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع














المزيد.....


جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8254 - 2025 / 2 / 15 - 02:53
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ أن بدأ الإنسان يستر جسده بالملابس، لم يكن ذلك مجرد حاجة جسدية، بل انعكاسًا لرغبة أعمق في إخفاء أجزاء من الحقيقة. كما يغطي الثوب الجسد، تغطي الروايات المختلفة الحقائق، فلا حقيقة مطلقة، بل زوايا نظر متعددة.

الحقيقة مفهوم متغير ومتعدد الأوجه، فمنذ الأزل والإنسان يسعى وراءها، محاولًا الإمساك بها، غير أنها غالبًا ما تكون وجهة نظر أكثر من كونها حقيقة ثابتة. فهل هناك حقيقة مطلقة؟ أم أن الحقيقة مجرد انعكاس للزاوية التي ننظر منها؟ إن العالم الذي نعيش فيه شديد التعقيد، حيث تتداخل المصالح والاعتبارات، مما يجعل الحقيقة دائمًا خاضعة للتأويلات المختلفة.

يظهر هذا الأمر جليًا في حياتنا اليومية، بدءًا من الخلافات الشخصية داخل الأسرة. فعندما يختلف الأب مع ابنه المراهق، يرى الأب أنه يقدم له النصيحة لمصلحته، بينما يشعر الابن بأن والده يفرض عليه قيودًا غير مبررة. كلاهما يملك جزءًا من الحقيقة، لكن من منظوره الخاص. وكذلك الحال بين الأزواج، فكل طرف يعتقد أنه المظلوم، في حين أن لكل منهما روايته التي تستند إلى مشاعره وتجربته الخاصة. هذه الظاهرة تمتد إلى نطاق أوسع، حيث يمكننا رؤيتها في الخلافات التي تنشب بين الأصدقاء، إذ يرى كل طرف نفسه الضحية بينما يُحمّل الآخر مسؤولية المشكلة.

تنعكس هذه الفكرة أيضًا في بيئة العمل، حيث قد يرى المدير أن سياساته تهدف إلى تحسين الإنتاجية، بينما يشعر الموظفون بأنها تزيد من الضغط عليهم وتُهمل احتياجاتهم. أما في الإعلام، فنجد أن الخبر ذاته يُعرض بصور مختلفة وفقًا للجهة التي تبثه، فبينما يرى طرف ما أن الأحداث تعبر عن نضال مشروع، يراها الطرف الآخر فوضى أو مؤامرة.

أما على مستوى الدول، فالأمثلة لا تُحصى. كل حكومة تقدم نفسها لشعبها على أنها المدافع عن حقوقه وحرياته، في حين تنظر إليها شعوب أخرى على أنها السبب في إشعال الحروب والأزمات. فمثلًا، الشعب الأمريكي يرى في حكومته الحامي لمصالحه والمدافع عن أمنه، بينما تنظر إليها دول أخرى كقوة تحرك الصراعات من أجل الهيمنة. في العالم العربي، تتعدد الصراعات، وكل طرف يزعم أنه الممثل الحقيقي للإسلام أو للقومية العربية، بينما يرى الطرف الآخر أنه مجرد أداة لمصالح خفية.

هذه الازدواجية ليست إلا انعكاسًا لحقيقة نسبية، تتشكل وفقًا للمنظور الذي تُروى من خلاله القصة، إذ لا حقيقة مطلقة في عالم تديره المصالح والتصورات المختلفة. وهذا الفهم يمنحنا إدراكًا أعمق لطبيعة الوجود الإنساني، ويدفعنا نحو تقبل التنوع والاختلاف. حينما ندرك أن الحقيقة ليست ملكًا لطرف واحد، وأنها ليست سيفًا يُشهر في وجه الآخر لإثبات السيادة الفكرية، نبدأ في بناء جسور الحوار بدلاً من حواجز الصراع.

إن التمسك بفكرة أن "الحقيقة نسبية" يحررنا من قيود التعصب ويجعلنا أكثر مرونة وانفتاحًا. فبدلًا من الانغلاق على وجهة نظر واحدة، يصبح الإنصات للآخر ضرورة، والتفاعل مع وجهات النظر المختلفة فرصة للنمو، لا تهديدًا يجب مقاومته. فالحياة مليئة بالاختلافات، وما يبدو صحيحًا اليوم قد يتغير غدًا، وما نراه حقيقة قد يكون في أعين الآخرين مجرد وهم.

وفي نهاية المطاف، لا أحد يمتلك الحقيقة كاملة، وما نملكه حقًا هو أجزاء متفرقة منها، تتكامل عندما نتبادل الرؤى ونتحاور بعقلٍ مفتوح وقلبٍ متقبل.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا وجه له
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...
- دور المهرجانات السينمائية في دعم القضايا القومية والوطنية: د ...
- الأنظمة القمعية تسقط، لكن الفكر القمعي يبقى إرثًا متجذرًا
- سارع إلى تعلم السباكة قبل غيرك: متغيرات قادمة والمستقبل مجهو ...
- فلسفة السرد الروائي: الأخطاء التي تشوّه البنية الأدبية
- التفاهة: نظام بين التافه والأتفه
- بوصلة التيه
- الدكتاتوريات الصغيرة وسياسة الفصل الطبقي في المؤسسات الحكومي ...
- لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية
- كوردستان في التاريخ المعاصر: استكشاف الأبعاد السياسية والاجت ...
- قراءة في كتاب سياسة الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991) ...
- خطاب التغيير وزيف الممارسة: المثقف بين النظرية والتطبيق
- النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موع ...
- بين بَيْنَيْن بَيْنٌ
- طقوس بناء النصوص
- كذبة نيسان
- شاهد عيان على نوم القمر
- مقامات السليفاني- وعاظ الأمير
- عزم الكردي


المزيد.....




- مصر تُعلن اكتشاف مقبرة الملك تحتمس الثاني المفقودة في الأقصر ...
- ترامب يزعم كذبًا أن أوكرانيا بدأت الحرب مع روسيا.. شاهد ما ق ...
- الاتحاد الأوروبي يقرّ حزمة العقوبات الـ16ضد روسيا
- هل نبدأ في فقدان شبابنا بعد الخامسة والثلاثين؟
- حذر وترقب لما قد يحدث.. سكان الشمال في إسرائيل خائفون من الع ...
- البرازيل: الرئيس السابق بولسونارو متهم بمحاولة اغتيال لولا و ...
- ترامب يحمل أوكرانيا مسؤولية بدء الحرب ويشكك في شرعية رئيسها ...
- السعودية كعبة السياسة: انتظار مرتقب للقمة الأمريكية الروسية ...
- -حماس- تعلن عزمها الإفراج عن 6 رهائن إسرائيليين و4 جثامين غد ...
- مسؤول أوروبي: أوروبا عاجزة عسكريا بمعزل عن الولايات المتحدة ...


المزيد.....

- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف
- أنغام الربيع Spring Melodies / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد علي سليفاني - جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع