أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - صناعة الضحية؟… جيجيك مواجهًا فوكو/ شعوب الجبوري - ت:من الألمانية أكد الجبوري














المزيد.....


صناعة الضحية؟… جيجيك مواجهًا فوكو/ شعوب الجبوري - ت:من الألمانية أكد الجبوري


أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8253 - 2025 / 2 / 14 - 20:58
المحور: الادب والفن
    


"السلطة لا تعمل على تأديب الأجساد فحسب، بل إنها تشكل أيضًا الرغبات والمعاني في لعبة مستمرة من الفرض والمقاومة"()

- سؤال المقال: صناعة الضحية: هل نحن ضحايا السيطرة أم شركاء في خضوعنا إليها؟
يختلف سلافوي جيجيك (1949-)() وميشال فوكو (1926-1984)() في رؤيتهما للسلطة: هل هي شبكة متفرقة أم جهاز أيديولوجي مركزي؟ أم يستوقفنا أو يدفعنا ذلك بحث وإيضاحات المزيد من النقاش الرئيسي في الفلسفة المعاصرة. الامتداد والتوسعة. قد يدخلنا في فرضيات ومناهج. وموضوعات متعددة. لكن لنتوقف لموضوعنا الاساسي. المشار إليه أعلاه.

يُعتبر ميشيل فوكو وسلافوي جيجيك اثنين من أكثر المفكرين تأثيراً في الفلسفة المعاصرة، ولكن تفسيراتهما للسلطة لا يمكن أن تكون أكثر تناقضاً. في حين يرى فوكو (مؤلف كتاب "المراقبة والعقاب”) () أن السلطة عبارة عن شبكة لامركزية تعمل على تشكيل الأجساد والذاتيات من خلال المؤسسات والخطابات، يصر جيجك (الذي يعيد صياغة الماركسية في كتابه "الموضوع السامي للأيديولوجيا"() في ضوء التحليل النفسي. على أن السلطة تعمل في المقام الأول من خلال الأيديولوجية، وهي بنية رمزية تحدد ما نعتبره حقيقيا.

إن هذه المواجهة ليست نظرية فحسب، بل إنها تحدد طريقتين مختلفتين لفهم كيفية عمل الهيمنة في العالم الحديث. هل السلطة عبارة عن آلية منتشرة ولامركزية تعمل على تأديبنا بطريقة خفية، كما يقترح فوكو؟ أم أنها آلة أيديولوجية تخدعنا لقبول الاضطهاد الذي نتعرض له، كما يدعي جيجيك؟

بالنسبة لفوكو، السلطة ليست قوة تنحدر من سلطة مركزية، بل هي تدفق العلاقات التي تعبر المجتمع. لا يوجد قمع واحد، بل أشكال متعددة من الانضباط تعمل في المستشفيات والسجون والمدارس والخطابات المعيارية. في كتابه تاريخ الجنس، يوضح كيف أن الدولة الحديثة لا تفرض القواعد فحسب، بل تدير الحياة نفسها أيضًا، وتنظم الأجساد والسكان في ممارسة مستمرة للتطبيع. ومن وجهة نظره، فإن القوة لا تُفرض بالعنف الواضح، بل إنها تجعلنا نعتقد أن بعض السلوكيات "طبيعية" أو "صحيحة"، مما يدفعنا إلى استيعاب المعايير دون الحاجة إلى شخص يجبرنا بشكل مباشر. إن عبقرية السلطة الحقيقية، حسب فوكو، تكمن في أنها تمكن الناس من ضبط أنفسهم دون الحاجة إلى ديكتاتور عظيم يعطي الأوامر.

من ناحية أخرى، يزعم جيجيك أن القوة الحقيقية تكمن في البنية الأيديولوجية التي تحدد ما يمكننا أن نفكر فيه وندركه. بالنسبة له، فإن الأيديولوجية ليست مجرد مجموعة من المعتقدات التي تفرضها القوى المهيمنة، بل هي الطريقة التي نختبر بها الواقع. في كتابه "مرحبًا بكم في صحراء الواقع"()، يحلل جيجك كيف تجعل أنظمة السلطة رعاياها يشاركون في هيمنتها دون حتى التشكيك في ذلك. لا يكفي أن تكون هناك آليات للمراقبة والانضباط، كما يقول فوكو، بل يجب على الناس أن يقبلوا هذه الآليات وحتى أن يرغبوا فيها. تبيعنا الأيديولوجية الوهم بأننا أحرار بينما نبقى محاصرين في إطار فكري يمنع أي تغيير حقيقي. وكما يقول هو نفسه ساخراً، فإن الأيديولوجية الأكثر خطورة ليست تلك التي تُفرض علينا بالعنف، بل تلك التي لا نعترف حتى بأنها أيديولوجية.

الفرق الرئيسي بين المفكرين يكمن في الطريقة التي يفهمون بها المقاومة. بالنسبة لفوكو، كما يوضح في كتابه الدفاع عن المجتمع، فإن السلطة لا تكون مطلقة أبدا: هناك دائما شقوق ومساحات حيث يمكن للأفراد أن يقوضوها. إن المقاومة لا تأتي من خلال فعل ثوري حاسم، بل من خلال انشقاقات صغيرة داخل النظام، ومن خلال ممارسات هامشية تتحدى التطبيع. لكن جيجيك يرى أن المقاومة عملية أكثر تعقيداً بكثير، لأن الأيديولوجية قادرة على الاستيلاء حتى على أشكال المعارضة. يمكن للنظام أن يتسامح مع الاحتجاج، وحتى تشجيعه، دون أن يؤدي هذا إلى تغيير هيكلي حقيقي. في كثير من الأحيان يتم امتصاص التمرد من قبل النظام نفسه وتحويله إلى سلعة، ليصبح وظيفيا للقوة التي يحاول تحديها. ويصبح هذا التباين حاسما عندما نقوم بتحليل العصر الرقمي.

ويسمح لنا فوكو برؤية كيفية تجزئة السيطرة في شبكات المراقبة، بدءاً من الخوارزميات ووصولاً إلى المعايير الضمنية للسلوك على الشبكات الاجتماعية. اليوم لم تعد الدولة وحدها هي التي تراقب وتنظم، بل إننا نعرض أنفسنا طوعاً لمراقبة الآخرين وحكمهم. ولكن جيجيك يحذرنا من أن المشكلة لا تكمن فقط في من يراقبنا، بل في الكيفية التي تعلمنا بها الرغبة في تلك المراقبة، والمشاركة بنشاط في تعرضنا للخطر. لا يتم مراقبتنا فحسب، بل استوعبنا الرغبة في أن نُرى، ونُوافق، ونُثبت وجودنا داخل النظام.

من هو على حق؟ وتشير الأدلة إلى أن كليهما يقدم جزءا من الحقيقة. ورغم أن علاقات القوة متعددة ولا مركزية، كما يزعم فوكو، فإن جيجك محق في الإشارة إلى أن القوة لا تعمل على ضبط الأجساد فحسب، بل إنها تشكل أيضا الرغبات والمعاني في لعبة مستمرة من الفرض والمقاومة. إن السياسة الحيوية قادرة على إدارة الحياة، ولكنها لن تنجح في غياب أيديولوجية تشرع ممارساتها. إن مفتاح السيطرة الحديثة لا يكمن فقط في المراقبة الخارجية، بل في الطريقة التي تعلمنا بها قبول وحتى تبرير تطبيع القوة في وجودنا. ويبقى النقاش مفتوحا. في حين علمنا فوكو أن نبحث عن القوة في حياتنا اليومية، فإن جيجيك يجبرنا على أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت هذه الحياة اليومية، في حد ذاتها، بناء أيديولوجي.

في نهاية المطاف. أن عصر الاتصال المفرط والمراقبة الخوارزمية، ربما لا يكون السؤال هو من يتحكم في السلطة، بل كيف تعلمنا كيف نعيش معها دون أن ندرك ذلك. ولعل أعظم فخ للسلطة في نهاية المطاف ليس قمعها، بل قدرتها على جعلنا نعتقد أننا أحرار بينما نبقى محاصرين في شبكاتها غير المرئية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2025
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 02/14/25
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة)



#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النافذة/ بقلم مانويل التولاغوير بولين - ت: من الإسبانية أكد ...
- الدراما الخفية للفقر في مجتمع الاستهلاك/ بقلم زيجمونت باومان ...
- إعادة التفكير في الحداثة/ بقلم زيجمونت باومان -- ت: من الإنك ...
- بإيجاز؛ -مثقف المشهد-.. من هول الثورية إلى ذهول العدمية / إش ...
- إضاءة: رواية -كاميلا- لفرانسيس بورني/إشبيليا الجبوري - ت: من ...
- بإيجاز؛ التناقض كجوهر للوجود الفكري/ إشبيليا الجبوري - ت: من ...
- الرأسمالية لا تفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (6- 7)/ الغزالي ال ...
- النزاع حول التاريخ الحقيقي
- إضاءة: رواية -كما أحتضر- لويليام فوكنر/إشبيليا الجبوري - ت: ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (5 - 7)/ الغزالي ...
- إضاءة: رواية -السقوط- لألبير كامو/ إشبيليا الجبوري - ت: من ا ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق --رأس المال- فحسب (4 - 7)/ الغزالي ...
- الليل داكن - هايكو - السينيو
- إضاءة: رواية -الاراضي القروية العظيمة: المسارات-/ لجواو غيما ...
- الرأسمالية لا تُفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (4 - 7)/ الغزالي ...
- إضاءة: رواية -فترة ويعود أوغستو ماتراغا- لخواو غيماريش روزا ...
- قصة قصيرة: -مرآة الموت-/ بقلم ميغيل دي أونامونو - ت: من الإس ...
- -السونتات 1-20- لشايكسبير - ت: من الإنكليزية أكد الجبوري
- إضاءة: -تأملات دون كيخوته- لخوسيه أورتيغا إي غوست / إشبيليا ...
- الرأسمالية لا تفسر بمنطق -رأس المال- فحسب (3- 7)/ الغزالي ال ...


المزيد.....




- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...
- رحيل أنتونين ماييه.. الروائية الكندية التي رفعت صوت الأكادية ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكد الجبوري - صناعة الضحية؟… جيجيك مواجهًا فوكو/ شعوب الجبوري - ت:من الألمانية أكد الجبوري