|
- حمار بدرجة بروفيسور : عندما يصبح الجهل ذكاءً اصطناعيًا!
أزاد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8252 - 2025 / 2 / 13 - 22:48
المحور:
كتابات ساخرة
حمار بدرجة بروفيسور! عندما يصبح الجهل ذكاءً اصطناعيًا!
في زمن أصبحت المعرفة تُقاس بعدد المقالات المنسوخة، وصارت الألقاب تُكتسب بمجرد استخدام الذكاء الاصطناعي، لم يعد مستغربًا أن نرى “خبراء” لم يقرؤوا كتابًا في حياتهم، و”أكاديميين” لم يجتازوا الثانوية!
منصات الإعلام تمتلئ بأسماء لم تكن تفرق بين الفاعل والمفعول به، لكنها اليوم تحاضر عن الفلسفة، وتشرح تعقيدات الاقتصاد، وتحلل الأنظمة السياسية وكأنها شاركت في صياغة دساتير العالم. كيف؟ ببساطة، النسخ واللصق من الذكاء الاصطناعي!
هذه قصة ساخرة عن أحدهم… حمارٌ بدرجة بروفيسور!
الفصل الأول: الحمار المعجزة!
كان يا ما كان، في قديم الزمان، في قرية بعيدة، وُلد حمار غريب الأطوار قبل موعده، وكأنه لم يستطع الانتظار ليبدأ مسيرته في إزعاج العالم! منذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا أنه ليس كغيره من الحمير، ليس ذكاءً، بل بسبب كمية الضوضاء التي يُصدرها!
لم يكن ينهق كالحمار العادي، بل كان يقلد أصوات الحيوانات الأخرى. في الصباح ينهق، في الظهيرة يخور كالبقرة، وفي المساء يصيح كالديوك. بل بلغ به الأمر حدّ الادعاء بأنه بقرة! وقف في الحقل، وأصر على مشاركة الأبقار شرب الحليب من ضرعها، فحاولت الأبقار إبعاده بالرفس والركل، لكنه كان عنيدًا بقدر ما كان مزعجًا.
كبر الحمار، وكبرت معه أحلامه الوهمية. ذات ليلة، وقف في منتصف القرية، رفع رأسه إلى السماء وقال بصوت جهوري: “أنا قائد هذه القرية! محررها ومفكرها الأعظم!”
ضحك أهل القرية، فمنذ متى كان الحمير يقودون شيئًا سوى العربات؟ لكن المشكلة أن الحمار لم يكن يعبأ بالسخرية، بل ازداد اقتناعًا بأنه مميز، فبدأ يقتحم اجتماعات الحكماء، يتحدث عن “خططه العظيمة”، ويدّعي أنه “رجل الإصلاح والتغيير”!
تحوّل الحمار إلى بلوة حقيقية، إذ لم يمر يوم دون أن يسبب مشكلة. حتى جاء اليوم الذي طفح فيه الكيل، فاجتمع أهل القرية مع المختار يبحثون عن حلٍّ نهائي لهذه المعضلة الحميرية. وقف المختار وقال بحكمة: “لن نقتله، فهذا الحمار نحس، ولو قتلناه ستطاردنا روحه في الأحلام… بل سنرسله إلى المغترب، هناك حيث يتم تصدير الحمير التي تسبب الإزعاج لأصحابها!”
وبالفعل، تم تجهيز جواز سفره، وحُجزت له تذكرة ذهاب بلا عودة. ركب الحمار الطائرة، وهو يظن أنه ذاهب ليحقق حلمه الكبير… لكنه لم يكن يعلم أن القدر يخبئ له ما هو أعجب من كل ما حلم به!
الفصل الثاني: المغترب… حمار بألف مهنة!
عند وصوله إلى مدرج المطار، أصابته الدهشة. حمير شقراء، حمير صفراء، حمير ذات وبر ناعم وممشوق القوام! كانت هذه الجنة بالنسبة له، فقرر أن يؤجل أي فكرة عن الدراسة والعمل، وبدأ يستمتع بحياته الجديدة وكأنه ملك متوج.
لكن سرعان ما أدركت الحمير الأخرى أنه بلية متحركة. لم يترك مهنة إلا وادعى إتقانها. في الصباح كان طيارًا، في المساء شاعرًا، وفي الليل خبيرًا عسكريًا، وأحيانًا مستشارًا في الأمن القومي. بل حتى أنه وقف ذات مرة أمام مجموعة من الحمير وقال: “يا سادة، أنا طبيب وجراح، وأحاضر في أشهر الجامعات!”
وهكذا، بدأ الحمار حقبة جديدة من الكذب والتدليس، لكنه اكتشف أمرًا سحريًا غيّر حياته تمامًا: الذكاء الاصطناعي!
بضغطة زر، صار بإمكانه أن يكتب مقالات عن أي موضوع دون أن يفهم حرفًا واحدًا منها. كان ينسخ ويلصق، ثم يضع اسمه في النهاية، وكأنه عبقري عصره. وهكذا، بدأ يراكم الألقاب العلمية الوهمية، حتى صار يُلقب بـ”البروفيسور الحمار”، وصار يرسل مقالاته إلى مواقع لا تقرأ حتى ما يُنشر فيها.
لكن رغم كل ذلك، لم يحبه أحد. كان الجميع ينظر إليه باشمئزاز، فقد أدركوا أن هذا الحمار ليس سوى كذبة بحوافر وأذنين طويلتين!
الفصل الثالث: العودة والفضيحة الكبرى
بعد خمس سنوات، عاد الحمار إلى قريته، لكن لم يعد كما غادرها. لم يعد ذاك الحمار البسيط، بل عاد وهو يرتدي معطفًا أبيض طويلًا كالأطباء، ونظارات بلا عدسات، وقبعة يدّعي أنها من جامعة مرموقة!
تجمع أهل القرية حوله، فضحكوا وقال أحدهم: “ألم تكن بالكاد تكتب اسمك؟ كيف أصبحت طبيبًا وأستاذًا جامعيًا؟”
أجاب الحمار بكل ثقة: “أيها الجهلة! لقد درست في الخارج، ونشرت مقالات علمية، وألقيت محاضرات في أعظم الجامعات!”
لكن الحقيقة لم تتأخر في الظهور، فذات يوم جاءه حمار مريض يشكو من ألم في بطنه، فقال الحمار الدكتور: “لا تخف، سأجري لك عملية جراحية!”
أمسك بالمشرط، وحاول أن يتذكر الصور التي رأها في مقالاته المنسوخة، لكن قبل أن يبدأ، صاح المريض وفرّ هاربًا، وهنا فهم الجميع الحقيقة الصادمة:
“البروفيسور الحمار ليس سوى دجال كبير!”
وفي اليوم التالي، اجتمع أهل القرية من جديد، وقال المختار: “لقد خدعنا هذا الحمار بما ارتداه من ملابس وما ادعاه من ألقاب، لكن الحمار يبقى حمارًا، حتى لو وضع تاجًا على رأسه!”
ثم قرروا أن يضعوا على مدخل القرية لافتة كتبوا عليها:
“احذروا من الحمار الذي يدّعي أنه طبيب! فهو لا يعرف شيئًا سوى النسخ واللصق!”
ومنذ ذلك اليوم، لم يعد أحد يصدق الحمار، ولم يعد هناك من يهتم بمحاضراته الزائفة. أما هو، فبقي ينهق بين الأشجار، مدعيًا أنه “خبير استراتيجي”، لكن لم يعد أحد يكترث به!
*العبرة من القصة
ليس كل من كتب مقالًا صار كاتبًا، وليس كل من استخدم الذكاء الاصطناعي صار عبقريًا، فـالحمار يبقى حمارًا، حتى لو ادعى أنه دكتور محاضر أو بروفيسور!
#أزاد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقف الاصطناعي: عندما يكتب الذكاء الاصطناعي بدلاً عن الكات
...
-
- الطبقية: قيدٌ آخر للاستبداد، متى نحطّمه؟
-
“حيث صار الأملُ جريمةً، بَكَتِ المدينةُ حتى تلاشى صوتُها”
-
العبودية الحديثة: قصة الدمشقي وفنون التقديم والطاعة
-
الكورد : صرخةٌ في وجه التاريخ وهوية متمردة في وجه التهميش
-
ماذا بعد انتصار الثورة السورية؟ تحديات المرحلة الانتقالية وغ
...
-
“من يحكم سوريا غدًا؟ جدل الشرعية والواقع العسكري”
-
هل يفقد الشرق الأوسط أخر مسيحي!
-
أكراد سوريا: بين هوية مهددة ومستقبل مجهول
-
سورية بعد الحرب: هل يتحول الاستقرار الهش إلى سلام دائم؟
-
-المسيحيون في سوريا: إرث تاريخي وحضاري تحت التهديد وخطوات دو
...
-
-الفتنة القادمة من منغوليا: سقوط غابة السلام-
-
“سوريا بين مطرقة الجهادية وسندان اللامركزية: فرصة ضائعة أم أ
...
-
الخوف الذي يهدد وجود الأقليات في سوريا: الكورد ، الآشوريون،
...
-
“توقف واقرأ جيدًا: الاستقلال حقٌ مشروع وليس انفصالًا يا هذا”
-
الثورات العربية: هل حققت الديمقراطية أم أعادت إنتاج الاستبدا
...
-
العنصريةُ في الإعلام العربي: إسكات الأصوات الكوردية وتهميش ا
...
-
-السجادة السحرية، الضبع الخسيس، والحمار البسيط صراعٌ على الس
...
-
الضباع والثعالب: قصة وادي الأحلام المغدور
-
بعد سقوط النظام: سوريا بين العدالة والانتقام
المزيد.....
-
جولييت بينوش.. نجمة رفضت الشهرة السهلة وتربعت على عرش السينم
...
-
ثقف الاولاد ومتعهم.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجديد 202
...
-
فصول لم تكتب.. مسيرة كتاب من الإنجليزية إلى العربية عن حماس
...
-
اختيار بغداد عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي للعام 2026
-
مهرجان برلين السينمائي 2025 .. مئات الأفلام ومن بينها عربية
...
-
من قصر الكرملين.. بوراك أوزجيفيت يقدم عرضا فنيا ويكشف انطباع
...
-
اختتام الدورة العاشرة لمهرجان نواكشوط للشعر العربي في موريتا
...
-
الحب والأفلام.. وصفة سحرية لعلاقة رومانسية قوية مع الشريك؟
-
ابن بشار الأسد يقدم رواية جديدة لليلة الفرار من سوريا
-
بالصور والموسيقى والجلسات التفاعلية .. ابوظبي تحتفي بقامات ع
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|