فراس الوائلي
الحوار المتمدن-العدد: 8252 - 2025 / 2 / 13 - 22:00
المحور:
الادب والفن
لم تكن الأرضُ أرضًا، لم تكن الجثةُ جثة، لم يكن القبرُ حفرة، لم يكن القاتلُ قاتلًا، كان الزمنُ يبتلع لحظته قبل أن تحدث، كان الفعلُ انعكاسًا لصوتٍ لم يُنطق بعد، وكان قابيلُ يقف حيث لا يمكن الوقوف، حيث الخطوةُ لا تترك أثرًا بل تبتلع آثارها. لم يكن الغرابُ موجودًا لأنه لم يكن غائبًا، لم يُخلق لأنه لم يكن بحاجة إلى أن يكون، لم يهبط لأنه لم يكن قد ارتفع، لم يتكلم لأنه لم يكن قد صمت، لم يكن جناحان بل انشقاق الضوء عن نفسه، لم يكن سؤالًا بل ارتداد الزمن إلى لحظة لم تحدث، لم يكن صوتًا بل تمزّق الفراغ داخل الوعي، لم يكن ظلًا بل حفرة في الذاكرة. حين نقر الغرابُ الأرض، لم ينقرها، بل فتحها على نفسها، لم يكن الصوت صوتًا، بل شقٌّ في جلد الوجود، لم تكن النقرةُ حفرةً، بل بابًا إلى ذاكرةٍ لم تُكتب بعد، لم يكن الزمنُ زمنًا، بل التواءٌ في لحظةٍ تبحث عن بدايتها، لم يكن الموتُ موتًا، بل اعترافٌ بأن الحياة لم تكن إلا شكلًا آخر للغياب. لم يكن هناك فرقٌ بين الحجر واليد، لم يكن هناك فصلٌ بين الصوت والصمت، لم يكن هناك إدراكٌ لشيء لم يُدرك، لم يكن هناك موتٌ لمن لم يكن حيًا، لم يكن هناك زمنٌ لمن لم يكن داخل الزمن. وحين رفع قابيل يديه لم يرفعها، وحين حفر لم يحفر، وحين دفن لم يدفن، وحين سأل لم يكن هناك سؤال، وحين طار الغراب لم يطر، بل بقي في كل يدٍ سترفع حجرًا، في كل عين سترى الدم للمرة الأولى، في كل قاتل سيكتشف متأخرًا أن الجثة لم تكن جثة، بل امتدادٌ له.
ميشيغان
2025/2/13
#فراس_الوائلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟