|
إنهاء الطبقية يخفض العنصرية
المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)
الحوار المتمدن-العدد: 8253 - 2025 / 2 / 14 - 08:56
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يتناول هذا المقال ضمن تاريخ وتراث السودان ارتباط كثرة من حالات المفاضلة العنصرية بين الإثنيات أو بين القوميات فيه بالوضع الطبقي والسياسي للمستكبرين بإثنيتهم وكذلك إرتباط التمييو العنصري بالوضع الطبقي للمعانين من سيطرة وهيمنة المستكبرين. كما ينبه المقال لتفاقم حالات العنصرية والوضع الطبقي انهما لا يغذيان بعضهما فزيادة التميز الطبقي تلد عنصرية جديدة داخل نفس المجموعة الإثنية المستكبرة والمجموعة الإثنية المعانية من الاضطهاد تبدأ في إزدراء وإحتقار بعض منها أو بعض من يشبهها سحنة أو ظروفاً. من ثم يحاول المقال تبيان كيفية أولية لوقف هذا الإنحطاط الانساني.
1■ في بلاد كوش قبل عام 1504 تم تقسيم تداخلت فيه اامور الحكم وأمور الاثنية كذلك بعد ذلك العام تم تقسيم آخر دام ثلاثة قرون سادته الممالك والسلطنات العربية الصغيرة في تلك البلاد الشاسعة ثم جاءت دولة الامبراطورية العثمانية بقيادة الأتراك والشركس وقام طغاتهم بتقسيم الناس تقسيماً عنصرياً إلى "أولاد ناس" و"همج" ثم جاءت فترة الثورة المهدية فقسمت سلطتها الناس إلى "أهل ايمان وتوحيد" و"أهل بدع وكفار"، ثم جاء عهد خليفة المهدي وقسم الناس بنفس النمط الاسلامي لكن وفق عشائرهم وقبائلهم عد بعضها من الموالين لرسالة مهدي السودان وبعض العشائر والقبائل "مخالفين"، مر الزمان وكثر العسف والجبروت وكثرت معه أعداد من صنفوا كـ"مخالفين" ومن ثم استدعى هؤلاء أو ساعدوا جيوش الخلافة والاستعمار البريطاني لتعينهم ضد مظالم الدولة، قام الاستعمار الانجليزي بأفعاله وقراراته بتقسيم الناس إلى نخبة و"ناس ساكت"، شمل جاه النخبوية قادة العسكر وممثلي الحاكم الاستعماري سادة الطوائف وسادة القبائل العربية اللغة والأفندية، أما من صنفتهم لهجة السودان كـ"ناس ساكت" أي بلا صفة أو لقب وجاهة فتكونوا بالتقسيم العنصري من أربعة أقسام "أولاد بلد" و"غرابة" و"فلاتة" و"عبيد". وفي فترة نهاية الاستعمار الانجليزي المباشر جاء الاستقلال الناقص و المنقوص وبه ظل أبناء النخبة القديمة وإثنيتها ومناطقها يشكلون النخبة المتحكمة في أمور الدولة لكن منذ تلك الخمسينيات والى السبعينيات في القرن العشرين وتمدد الأعمال والطبقة الوسطى كثر التمازج بين الإثنيات بحكم تأثير التجارة والتعليم والأعمال الحديثة وسكن المدن وظهور المواصلات وتكاثر الجسور الغنائية والرياضية والميادين والطرق والمحلات العمومية وتداخل الأنشطة والعلاقات التجارية وعائلاتها وارتفاع ثقافة السواسية البشرية والوطنية من ثم بارت وكسدت آنذاك التفرقة العنصرية وكثرة من معالم االممايزات القبيلية القديمة وإبتدا الناس في التميز بجودة أعمالهم أو بارتفاع درجة تعلمهم أو بشهامتهم. وان تميز بعضهم بماله وكرمه وتدينه ومحبة الناس له.
2■ في أواخر سبعينيات القرن العشرين مع سيطرة البترودولار وافلاس الدول الضعيفة الانتاج تمكنت سياسات صندوق النقد الدولي في رقاب البلدان صعبت المعيشة ودخلت أنانيات القروش وسيطرة الحياة التجارية في لب حياة الناس. ومع زيادة غلاء ابسط مقومات المعيشة وأنانية الكسب والطمع إنحدر معدلات أو صور التضامن والتداخل والتمازج العائلي و زاد تفكك القيم العشائرية والعائلية وبعض من قيم الأسرة.
مع هذه الأضرار برزت ظواهر انكفاء عائلية وعشائرية وارتفع مجدداً شأن الإثنية في ثقافة النخب وفي بعض تعاملات الناس ومحسوبياتهم وصراعاتهم وتفاقمت بها أنانيات الانعزال والتحكم العائلي والعشائري فكسد التمازج وزادت حالات الانفراد والتميز.
مع زيادة التمايز الطبقي نمت ثقافة التميز العنصري المستتر أو الواضح واشتعلت في السياسة بصورة تعويضية أو تبريرية مسألة الانتماء للعرب أو للافارقة في بلد غالبيته خلاسية الاثنية وفي عالم لم تعد فيه للعروبة أو للافريقية المعاني السياسية لفترة التحرر الوطني بل صارت السمة السياسية المشتركة في الاثنيتين المحنطتين هي الخضوع للإرادة الامبريالية.
3■ مع سيطرة الاسلاميين الباطشة على الدولة والمجتمع وزيادة أرباحهم منها وخلافاتهم عليها إنكشف المستور داخل نخب "مثلث حمدي" بحكم زيادة التميز الطبقي داخله وفي تعاملاته الحكومية وسياساته الاجتماعية وفي أموره التنظيمية والمجتمعية وترقيته وتخفيضه لبعض العناصر وتم تغير وتجديد لبعض تفاصيل التقسيم العنصري القديم ففئة "أولاد البلد" (الجلابة) أضيف لها أو حذف منها بعنصرية عرقية مناطقية: "عرب الجزيرة" و"عرب النيل الأبيض" و"عرب الخرطوم" و"عرب أم درمان" و"عرب كردفان" واحتفظت العنصرية الرمزية بالدونية لبعض"الغرابة" سكان دارفور الزرق وابقت عنصرية النخب الدرك الأدنى لـ"العبيد".
بغضب واستقلال جنوب السودان وهجرة وتهجير الجنوبين بقى تصنيف "العبيد" في عنصرية الوسط متقافزاً أو مازجاً حسب جهالة معتقديه بين إثنيات و قبائل النوبا والزغاوة والمساليت والاثنية المزيج منهم وقبائل الفلاتة والانقسنا. ولتخفيف أو لإخفاء هذه الفظاظة العنصرية ابتكرت الثقافة العنصرية تقسيم لوني للناس إلى "أخدر" و"قمحي" وتقسيمات أخرى بكل أو ببعض أشكال الشعر والأنف والفم. وإظهار وإضمار أسماء معينة في سلسلة أسماء الأجداد أو الجدات. لكن رغم ان كل تمييز عنصري مضاد بطبيعة وجوده وتمدده وتفاقمه مستقبلاً لعدالة وكرامة غالبية كل إثنية من الاثنيات (سواء حسبت في جهة الاستكبار أو في جهة المستضعفين) فإن نخبة المركز وهي من خلاصات النخب المستكبرة والمتحكمة بقيت تنتقي المتميزين في هذه الاثنيات وترتبهم حسب كفاءتهم وتدغم افضلهم أو أطوعهم بشكل إداري أو سياسي أو تجاري أو تصاهري في منظومة هيمنتها وسيطرتها.
4■ مع ضعف اعمال وفوائد الحكومة وزيادة ثقافات الانانية والانفراد التجاري والسياسي عادت التقاسيم العنصرية إلى مجال الإدارة وحواكير الممالك القبيلية القديمة فصارت تلعب دوراً كبيراً في اثنثة الدولة وحماية انشطة النخب بحكم تشكيل إدارات عشائرية/الثنوقبيلية لمناطق كثيرة في الأقاليم مع وضع خاص للحكم المركزي في قلب م”مثلث حمدي” والمدن الممثلة لسيطرته.
كان أكبر قوام لهذا النوع العشائري من الادارة ولم يزل قواماً مواشجاً لهيمنة وسيطرة ظاهرية وأخرى عميقة للفئة المنتسبة او المنسوبة في السودان إلى "العرب" كلهم كإثنية أو لبعض المبالغات الآيديولوجية في خطابات النخبة المنتسبة أو المنسوبة إليهم.
الواقع ان خلف كل مظهر ثقافي للهيمة اصل طبقي فثلثي الهيمنة مواشج للسيطرة الرأسمالية والسياسية المتنكرة في زي وقناع إثني. كالهيمنة الراسمالية في أمريكا التي تنسب أو تنتسب إلى منظومة ثقافة وغثنية وعقيدة الـ WASP وهيمنة نخبة الساكسونز وحلفاءهم على أمور بريطانيا، وهيمنة وسيطرة نخب البافاريين والبروسيين في ألمانيا واللومبارديين والتوسكان في ايطاليا والفرانك في فرنسا وكذلك تشبه هيمنة رؤوس عائلات الرأسماليين الماليين الصهاينة على عالم البنوك العظمى ودولها، وكذلك هيمنة نخب أخرى في مختلف بلاد الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. فكلها هيمنات طبقية السيطرة والمضمون يقوم البرجواز باخفاء طبيعتها الطبقية ووضع لافتة ثقافة عرقية واثنية أمامها لتحجب حقيقتها الطبقية عن الناس وتشغلهم عنها.
اكبر كاشف لخدعة ستر سيطرة الطبقة بالثقافة والعنصرية تحقق في التاريخ بان كثرة من المجتمعات والدول تحررت من ظالميها السابقين المختلفة اثنيتهم عن اثنية أهل البلاد كالخواجات في افريقيا ورغم ذلك بقيت أمور النخب والتعالي والظلم في نفس الاثنية. ظلم ذوي القربى أشد مرارة….
5 الخلاصة: ان تخفيض العنصرية يحتاج لإزالة كل المنظومة المنتجة للحالة نخبوية في كل قطاع ووحدة من قطاعات ووحدات المجتمع. وأول هذه الازالة تأسيس منظومة حكم شعبي في كل مجال سكن أو مجال نزوح وفي كل مجال عمل حكم ديموقراطي شعبي شمولي يسيطر به أهل كل منطقة بشكل إداري اجتماعي مباشر وغير تجاري على كل موارد وخدمات معيشتهم. فبه تنخفض الأسس الاقتصادية السياسية للتمايز والتقسيم الطبقي ومن ثم تنخفض وتجف التغذية المعيشية والتجارية والمالية والسياسية للعنصرية..
#المنصور_جعفر (هاشتاغ)
Al-mansour_Jaafar#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعدام المنظومة المولدة للنخب
-
في إصطلاح الوطنية
-
الإنفراد الاثني سياسة نازية
-
بعض كينونات المعرفة
-
ثورات الصين الكمومية الضوئية وعواملها الآيديولوجية
-
النخب واصطلاح الوطنية
-
خطأ إستراتيجي روسي تتجنبه الصين
-
التغيير في سوريا
-
محمد المرتضى مصطفى
-
معالم نهاية المرحلة الإمبريالية
-
حسابات الحرب وباب السلام
-
إصطلاحان
-
تأثيل بعض الفيديوهات
-
لا للتلتيق لا للتلفيق
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
-
نهاية الليبرالية
-
تأثيل السلام
-
تأثيل إصطلاح الطبقة العاملة
-
عبدالله القطي
-
تأثيل خطابات الكادحين
المزيد.....
-
انطلاق اجتماع مجموعة العشرين بجوهانسبورغ
-
لافروف: التهديد الإرهابي العالمي لا يزال مرتفعا بسبب تسرب ال
...
-
حماس تسلم جثامين 4 أسرى إسرائيليين
-
اتهامات إسرائيلية للصليب الأحمر
-
والتز: ترامب يشعر بخيبة أمل بسبب رفض زيلينسكي تعويض الولايات
...
-
-لعبة موت حقيقية-: لماذا يقدم مشاهير في كوريا الجنوبية على ا
...
-
إلغاء مؤتمر صحفي مشترك - نقطة اللاعودة بين ترامب وزيلينسكي؟
...
-
عشية إعلان مرتقف لحكومة موازية - السودان يستدعي سفيره لدى كي
...
-
وزير الخارجية التركي يدعو إلى رفع العقوبات عن سوريا دون شروط
...
-
هل تؤيد أوروبا ترامب وتتخلى عن زيلينسكي؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|