أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - فاس، عِشقٌ أبَدِيّ وسِحْرٌ لا يَنتهي…!!















المزيد.....


فاس، عِشقٌ أبَدِيّ وسِحْرٌ لا يَنتهي…!!


ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 8252 - 2025 / 2 / 13 - 02:51
المحور: الادب والفن
    


بقلم : ادريس الواغيش

في هذه الرحلة المَدينية، أستعيدُ مع أحمد المَديني أجواء فاس ودروبها الموغلة في التاريخ والضّيق، أستحضرُ شخصياتها الغائبة وحكاياتها الفريدة. يقول أحمد المديني في رواية: “فاس.. لو عادت إليه”، الرواية التي يستحضر فيها بعضًا من ذاكرته في فاس: «اتفق لي ذات عشية، وأنا أطوف بظاهر فاس، بين قصر الجامعي وسُفوح زلاغ، أن وقفت على أناس مُتجمّعين في باب عَجيسَة، وهم يتخاصمون ويتساءلون في غضب عن غياب شخص يُدعى «ادريس لفداوي»، اقتربت منهم أكثر أستطلع جلية الأمر، فعلمت أنهم من المُغرمين بالقصص والحكايات، وأنهم اعتادوا على سماعها من راويها “السّيد لفداوي”، وهو اليوم من الغابرين الظاهرين. إلى إن يقول: “ولكي لا تقوم بينهم فتنة، قلت: إن قبلتم أنوب عنه، فردّوا: لا بأس، نُجرّبك. “وهذه حكاية رحلتي الأخيرة إلى فاس البالي، أتقمص فيها شخصية “لفداوي”. وهذا ما حدث معي، وها أنا أنوب فيها عن المديني وأرويها كما وقعت، علني أقنعه أن فاس راجعة إليه وإلينا قريبا.
لم تكن رحلتي مُبرمجة ولا مُخططا لها. كل ما في الأمر، باغتني الحنين إلى المدينة العتيقة، وإذا بي أحمل نفسي وأتوجه إلى فاس العتيقة، أبحث عن “السيد لفداوي” الغابر الظاهر منذ أن قرأت رواية: “فاس..لو عادت إليه”. ولكن في الحقيقة، ألف سبب وسبب دفعني إلى زيارة المدينة العتيقة، ولم تكن وجهتي الأولى سوى “حيّ الرّصيف” والمرور بساحته الشهيرة.
لم يفاجئني ارتباك حركة المرور في “باب الجديد” بمدخل الرّصيف الجنوبي، أشغال الإصلاح وبناء المرآب الجديد تحت أرضي تجري على قدم وساق. هناك، وجدت الأجواء التي اعتدت عليها، وكم كنت مُشتاقًا إلى رؤيتها. عشتُ تصوّفًا باطنيًّا أراحني ممّا ضاقت به نفسي، وتخلصت مُؤقتا على الأقل من الصّمت المُطبق بين غابات الإسمنت المسلح، ضجيج الباعة المتجولين، ضوضاء السيارات ومُنبّهاتها وحركات الدراجات النارية.

عشت أجواء روحانية تعوّدت عليها في دروب المدينة العتيقة، رأيت لوحات فنية وهندسية مشكلة من الزليج والجبس والنقش على الخشب في الحيطان والأبواب والنوافذ. مررت بمآثر عمرانية وحضارية كانت عيني تتوق إلى رؤيتها، كما كنت أفعل دائما في كل زياراتي السابقة. لم يزعجني زحام الطاكسيات الصغيرة في مدخل “الرصيف”، ولا اختراق صراخ وصياح “الكورطيات” والسائقين لطبلتي أذنيّ. فرحت وأنا أسمع اللكنات واللهجات تعود إلى فاس من كل الجهات المغربية. وهنا، لا يهم أن يكون الكلام في كل شيء، وحوارات تعبر جمارك الأذن دون جواز سفر حول كل شيء، خلطة سحرية لن تجدها إلا في داخل أسوار فاس البالي ودروبه الموغلة في الضيق والتاريخ. خطوات قليلة ويرفع صوت أذان العصر، وسماع الأذان من علو صومعة مسجد الرصيف له سحر خاص، وقدرة عجيبة على اختراق القلوب والنفوس. طقوس المدينة القديمة في فاس، تختلط فيها الحواسّ والأحاسيس مع أولى الخطوات، ورؤية ما في “سوق” الرصيف الشهير من “شهيوات” فاس. وها فاس قد بدأت تعود إلينا من جديد، كما كنا نريدها، بكل حركتها وضجيجها وديناميتها المعهودة. إنها بدأت فعلا تعود إلينا يا عمّ أحمد…!!

وأنا على أبواب سوق الرصيف التاريخي، قبالة قباب المسجد الخضراء وصومعته العالية، تذكرت وجوها في عالم الفن والسياسة والأدب، كثيرا ما التقيتها في ذات المكان، ووجوه باعة اشتهروا بفنّ البيع المغناطيسي في ذات السّوق المُزدحم بالزّوار والمُشترين، اشتهروا عند زوار المدينة بخفّة دمهم ومَكرهم التجاري في استدراج الزبائن إلى دكاكينهم. ولكن هذه المرة، لم أجد ما يُغريني بالشراء في سوق الرّصيف. لا فواكه، لا أسماك ولا حلويات أو نشويات، حتى رمضان الذي يمكنه أن يغري جفاف اللسان، لم يصل حينه، أو ربما هي فضائح “الخليع الفاسد” ولعنته التي لا زالت تلاحق سوق الرّصيف وتجّاره. قد تكون أكبر من فضيحة تجارية، هي فضيحة أخلاقية لطخت سُمعة سوق اكتسبها تجّاره عبر مئات السنين، وها هم قد أضاعوها في نزوَة عابرة. كان الخليع إلى عهد قريب أكلة الأجداد المفضلة ومفخرة أهل فاس، والسبب في زيارة الكثيرين للمدينة. ولكن أحكام ابتدائية فاس لا تزال تلاحق المتورّطين في القضية واللا- ملة أو دين لهم. 

فضيحة تجارية وأخلاقية أضاعت على المدينة وتجار السوق زبائن وسيّاح مُحتملين من داخل الوطن وخارجه. هكذا أصبح المرور من دروب سوق الرصيف، مسألة مزاج وإرضاء للعين والذاكرة، ولكن من حسنات هذه الفضيحة، أنها أعفت الجيب من أعباء إضافية. ورغم ذلك، بقي في السوق قبسٌ من نور وهواية الحالمين بمدينة فاس الفاضلة، والباحثين عن كنزها المفقود في بازارات قد رفعت بدورها سقف أثمنتها إلى السقف، بدعوى غلاء المواد الخام.

جولة خفيفة وطائشة بين المتاجر تتفحص فيها منتوجات تقليدية، تتمايز بين النحاس والفضة في دكاكين دروب موغلة في التاريخ والضيق. تكتشف بعض أسرار فاس القديمة التي لازالت تنبض بالحيوية والحياة والتاريخ، وها أنا في قلب الطنين المُنبعث من مطارق “ساحة الصفّارين“. يا الله، كم هو جميل ومنعشٌ للرّوح والنفس والذوق والعقل، أن تقف وقفة الخاشعين والزاهدين في تاريخ فاس، تستمع إلى رنين المطارق في تناوبها صعودا ونزولا على المعدن النفيس، وهو يختال بين لونيه الأحمر والأصفر. تتماوج كالخطاطيف طائرة بين أيادي الحرفيين المَهرة، وتتناغم مع صفاء معدن النحاس ولمعان صفرته. وقفت مندهشا أتمعّن فيما تحدثه من موسيقى وإيقاعات تنعش الروح والجسد والذاكرة، وتعود بي مئات السنين إلى تاريخ فاس الجميل. 

وقفت خاشعًا صامتًا من دون حراك، أستحضر في مُخيّلتي مرور الأدارسة وجندهم، وأنا أستمع إلى شروحات أحد الحرفيين “المُعَتّقين” يجهد نفسه أمامي في الحكي، ويذكرني في انتشاء بالمثل الفاسي: “ساكن في سبع لويَات، وعندك ميَة وبَغلة”، وهو يروي لي حكايات لم أكن أعلم عنها شيئا، قصة دار أم السلطان الحسن الأول وولادته فيها، ويحكي لي قصة دار الصقليين وزاويتها. ويشرح لي في تفاني”الحْرَايفية” ودقة “الصنايعية” عن تاريخ “ساحة الصفارين” الشهيرة، وعن بداية صناعة النُّحاس فيها، وعن سرّ قِصَر مَدخل باب “سَبْع لويات” وعدم علوُّه مثل باقي الأبواب، وعن النّخبة الفاسية التي سكنت في هذا الحيّ وعلماء القرويين وجهابذتها. 

وإنصافا للحقيقة، نسيت للحظات أنني في القرن ال 21، أغمضت عينيّ وبدأت أتخيّل طقطقة أحذية عساكر المرينيين، وهي تصل إلى أذني تباعا، وفقهاؤهم يمرّون الواحد تلو الآخر أمامي، ثم السّعديّين وشرفائهم والعلويين من بعدهم، قبل أن يقرّر المًحتل الفرنسي الانتقام من مدينة فاس، وينقل العاصمة منها سرّا كما يفعل السّارق دون مشورة أحد إلى الرباط عام 1912م، بدعوى عشق عيون زوجة المقيم العام لزُرقة مياه المحيط، وتناسوا أن في منزل الحاج مكوار بالبطحاء حُرّرت وثيقة المُطالبة بالاستقلال، وفي باحة القرويين بدأ أول عصيان مدني ضد الاحتلال الفرنسي، وفي دروبها بجوار القروين جاهر الناس لأول مرّة باللطيف وبرحيل الفرنسيين عن البلاد. تداخل الأسطوري في جمجمتي بالتاريخي والواقعي، ولم أستفق من غفوتي التاريخية إلا لأشكر “المعلم الصّنايْعي”، قبل أن أكمل المشوار إلى “دار الدّبغ“ التاريخية.

قصدت “دار الدبغ” التي توجد على مرمى حجر، وقد فكّ أسره وأصبح المرور إليه متاحًا لجميع المواطنين والسياح على السواء. هو الذي كانت الإطلالة عليه لا تتم إلا من خلال بازارات تعلوها مقاهي مُخصّصة للسياح، وفي هذه الحالة، يكون المواطن المغلوب على أمره بتواطؤ من الجميع، بين أمرين أحلاهما مُرُّ، إما شراء منتوج جلدي أو معدني بثمن خرافي يشوي جلده أو يطلب كأس شاي بعشرين او ثلاثين درهمًا. هناك في شرفة بأحد السطوح المُطلة على “دار الدّبغ”، وجدت المغاربة والأجانب يحيطون بها، وكلهم يتأبطون كاميراتهم الغالية أو هواتفهم الذكية لالتقاط الصور. والبعض الآخر واقف يتأمل في انبهار، ويرى ما لا يراه غيره في صمت، ويسترجع أمجاد أجداده في الصناعة والعلوم. قبل ذلك، كنت قد تركت سلالم باب مكتبة جامعة القرويين الشهيرة، وزخرفة زليج بلدي لا تخطئه العين قبالة “ساحة الصفّارين“. إنها فاس، عشق أبدي، وسحرُ مغرب لا ينتهي. في الطريق إلى “دار الدبغ”، كنت قد مررت على قبور وأضرحة علماء وفقهاء يعود تاريخها إلى مآت السنين، ومدارس تخرج منها فقهاء وعلماء فاس والمغرب في مختلف المعارف منذ أكثر من ألف سنة. إنها فاس، ولا عجب.

زيارة المدينة القديمة بفاس، لا تكتمل نكهتها إلا بالصلاة في مسجد القرويين أو الإطلالة على صحنه الواسع، إن فات ميعادُ الصلاة. رؤية الصحن المزخرف بالزليج البلدي المغربي الأصيل، والاطلالة على نافورته الرخامية الشهباء، من أكثر الأشياء التي تمتع الزائرين ويستمتعون برؤيتها. جامع القرويين يلخص تاريخ المغرب، وهو عنوان كبريائه، ولا يمكن ذكر فاس أو المغرب، دون أن تذكر جامع القرويين، ويكفيها فخرا أنها أقدم جامعة في الكون باعتراف العالم. ومن جامع القرويين يبقى الطريق مفتوحا لكل أنواع المُدهشات، مفروشا بأكثر الأكلات والشهيوات، وصولا إلى قيسارية الكفاح. هناك سيجد الزائر ما يبهر العيون ويسحر النفوس، سلع تقليدية مرتبة على شكل هندسيات ولوحات تشكيلية غاية في الروعة والإتقان. تجمع بين الجلباب، القفطان، البلغة والشربيل بمختلف الأشكال والألوان.

في رحلتي هذه المرة، قرّرت أن أرمي بأقدامي في اتجاه لم أعتد عليه، انعطفت إلى اليمين صعودا عبر “ساحة العشابين”، وصولا إلى “باب عجيسة” أو “باب الكيسة”، وهناك مررت بمسجدها العتيق وسقايتها القديمة. وجدت تاريخا لم يكشف عنه الغطاء، ومآثر تاريخية منسية يلزمها صيانة وترميم. في منطقة “باب الكيسة” فاس آخر مختلف، ومعالم تاريخية أخرى لم تكتشفها أغلب الساكنة، وكنتُ واحدا منهم. وفيها التقيت بسيدة من المدينة مع ابنتها، قالا لي: “نحن مثلك تماما، وُلدنا معا بفاس، ولكن نكتشف المكان أوّل مرّة…“. عبرت كثيرا من طريق خارج “باب الكيسة”، ولكن هذه المرة قرّرت أن أقتحمها وأمُرّ منها، وأدخلها دخول الفاتحين. يا الله، إنها فاس ما أجملها، كأنني كنت أتجول فيها لأول مرة بعد كل هذا العمر.لا أنكر أنني خرجت مُرتاح البال، ألقيت نظرة أخيرة على الباب ومئذنة المسجد العتيق، مضيت لاسترجع أنفاسي قليلا قبالة جبل “زلاغ” حارس المدينة من شمالها. وقفت قليلا، أشم نسيمًا جبليًّا وصل لتوّه باردًا إلى أنفي من جهة البحر في الغرب. التفت إلى يساري، كانت سحب خريفية نحاسية اللون، تخبرني أن أسرع الخطوات، الأضواء بدأت تبشّر بقدوم الليل. تراءَت لي قبور أمراء بني مرين وأضرحتهم على مرمى حجر فوق ربوة الأقواس المرينية، وإلى جانبها بياض مقابر المسلين. لوحة رهيبة لظلال غروب الشمس توحي بتمدّد فصل الشتاء والخريف، ونحن على أبوب فصل الرّبيع، إنه وقع شح التساقطات على الأرض والعباد، ثم واصلت الطريق إلى ساحة أبي الجنود.

وما هي إلا لحظات قليلة، حتى وجدت نفسي في زحام ساحة أبي الجنود، كنت أول مرة أزورها ليلا، وأتجول فيها بعد إعادة التهيئة والترميم. إنها فاس تتحرك نحو الأفضل، وتتغير نحو الأجمل، ثم إنه والله سحر كرة القدم وجبروت مفعولها السحري في كل أنحاء العالم، وليس على الأفراد وحدهم في أماسي السبت والأحد، وهم يتتبّعون مُنبهرين حركات الأمين جمال في “البارصا“ودهاء إبراهيم دياز في “الرّيال“وسرعة التي جي في حكيمي في باريس سان جيرمان. كل طائفة عاشقة ومهووسة، وكل فرد ينحاز بشكل أو بآخر إلى فريق، فيه لاعب مغربي أو ورث ميلا عن خاله وعشقا عن عمّه أو أبيه وأخيه الأكبر. 

الكأس الإفريقية وكأس العالم دفعا بالأمور إلى أقصى المدى، والإصلاح بدأ في كل شوارع وطرقات فاس ومداراتها. الجرافات تعمل بالأضواء ليلا وبدونها نهارًا. إنه فاس يتحرّك، وإنها نعمَة المونديال على فاس، وقد كادت أن تتحول أمام أعيننا، ونحن عاجزين، إلى قرية كبيرة، لولا الألطاف الإلهية وسحر “المونديال”.

فاس تغيرت كثيرا إلى الأحسن في كل شيء، إننا نسترجع فاس التي أحببناها، وإن كان من الصعب استرجاع جمال فاس في أسابيع أو شهور وسنة. الأعمال قائمة بالليل والنهار للحاق بالرّكب، وقريبًا وستصبح فاس العالمة مثل نظيراتها: الرباط، مراكش، طنجة، أغادير والدار البيضاء. ولكن سحر المدينة العتيقة داخل أسوار فاس العتيقة لم يتغيّر، وإن كان ينقصه قليل من التنظيم وقليل من الرّتوشات. لم يرق لي أن أجد بعض “الكرّوسات” مُتّكئة على أقواس وأبواب ومآثر تاريخية يعود بناؤها إلى أكثر من ألف سنة. كنت أريد أحيانا التقاط صورة وأحتار في أمري، من أي زاوية أقتنصها؟ جمالها يُربكني، وأنا “اللي فيا ما هنّاني”. أضطر لأن أطلب بجرأة فرضتها الأوضاع عليّ، أترجّى في لباقة زائدة صاحب “الكرّوسة” أو “طابلة ديال الدّيطاي” مُهترئة يبيع فوقها صاحبها سجائر بالتقسيط وحلويات وأشياء متشابهات، لو أنه يتنحّى لأتمكن من التقاط صورة، يلبي طلبي متأففا مُغمض العينين وعلى مضض. أسمع أصواتا أعجمية رخيمة إلى جانبي، تشكرني على فعلتي، يقولون لي:”tank You So Much”. أعرف أنهم كانوا يعانون مثلي، وقد جاؤوا من أقاصي الأرض لالتقطها ورؤية باب رياض أو مدرسة أو تصوير قوس مزخرف بزليج بلدي ونادر، يعود لأكثر من ألف سنة. تتحسّر أنهم في أوروبا يعتنون بحيطان تعود لما بعد الثورة في فرنسا والصناعية في إنجلترا، ولكنهم مع ذلك يعلون من شأنها بشكل عظيم، ونحن نستهين بتراث غالي لا يقدر بثمن. أذكر أنني وجدت في إحدى المرات شبانا يتبولون على مدفع يعود صُنعُه لما يفوق الخمسمائة سنة في مدخل البرج الشمالي، لم أتمالك نفسي وقلت لهم متذمرا: “حرام عليكم ما تفعلون، وقبحًا لمن ترك هذا الكنز الثمين في العراء، كي تتبوّلوا أنتم عليه”. عرفت أنها كانت جرأة زائدة مني، وحمدت الله أن مرّت الأمور بسلام، ولم تخرج عن السيطرة.
في “باب بوجلود“، وجدت الألوان تنير بشكل مختلف هذه المرة غير سابقاتها، تغيرت أمور كثيرة إلى الأحسن، مقارنة بزياراتي الأخيرة. هناك رواج سياحي ملحوظ، ولكنات من كل جهات المملكة، يلاحقه رواج آخر في البيع والشراء، حركة دؤوبة للسياحة الداخلية والدولية بدأت تظهر في الأزقة، انعكست بجلاء في تغير معاملة أرباب المطاعم والمقاهي. سلوك أغلب سائقي سيارات الأجرة الذي تعودنا عليه بدأ بدوره في التغيّر نحو الأفضل.
بدأت في معالجة الصور المُخزّنة في الذاكرة متوسطة المدى عن المكان، وقارنته بالصور الحَيّة من عين المكان، كان الفارق كبيرا يُبشّر بالاطمئنان على مُستقبل فاس في ظل التحوّلات الطارئة. استرجعت الأمور من الذيل، تذكرت ما وقع لي في أحد المطاعم وعند أحد الحلاقين في “باب الأحد” بالرباط مع بداية إقلاع المدينة. قلت مع نفسي أنه قد حان وقت إقلاع فاس واستيقاظها من الرّماد، وأن كل هذه الصدف لم تحدث دفعة واحدة. 
تساءلت مع نفسي: إلى متى ستظل فاس نائمة؟ أما آن أوان نهضتها؟ تمنيتُ صادقا أن يكون الأمر جادا ولا يتعلق بأحلام يقظة، رغم ما أراه من أشغال بأم العين كل يوم وفي كل مكان. والأكيد أن هناك أشياء تحدث في الخفاء، وإشارات تقول إنه قد حان الوقت كي تلحق فاس بالركب، وأيضا تطوّر نفسها…!!



#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشّعر يُسابق الرّبيع في تاونات
- الزليج فرادة مغربية
-         الروائي كفيح ينتصر للغة العربية والهامش في الفقيه بن ...
- خنيفرَة تختتم مهرجانها الدولي القصصي العاشر
- في الحاجَة إلى الجَرّافة...!!
- سوريا تحررت يا يعقوب..!!
- قصة قصيرة : تَبَاريحُ الخُضَرِيّ
- توصيات المناظرة الرابعة للإعلام في بني ملال
- مناظرة في أبي الجعد وبني ملال تقارب العلاقة التكاملية بين ال ...
- في مديح ماكرون للملكة المغربية الشريفة...!!
- آنَ لخُطوط الطفل الكورسيكي كُبولاني أن تنمَحي
- مَذاقُ الوَطن بنُكهَة العُيون
- من أوزود إلى مرّاكش، فرَادة المَغرب المُتعَدِّد
- التّقاعُد، آن لي أن أرتاح، قد تعبتُ من السّفر...!!
- نوستالجيا: إحصاء، زواج وشعر...!!
- شكري في زمن الأخطاء
- مُنتدى “كفاءات تاونات“ يحتفي بمُتفوّقي باكالوريا 2024 في الر ...
- ألأمين جمَال، هل خان؟ أم رَدَّ إحسانًا بإحسَان؟
- مَشرع بلقصيري تختمُ مهرجانَ القصّة القصيرة
- بلقصيري تعلن عن النسخة ال 15 من مهرجانها الوطني للقصة القصير ...


المزيد.....




- وزير الثقافة السوداني يدعو الإيسيسكو لدعم استعادة آثار السود ...
- كلاكيت: الفيلم الكوميدي الذي نسعى إليه
- حفل في اتحاد الأدباء وحديث للكتاب عن قصصهم
- مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب يعلن عن قائمة ...
- موريتانيا: انطلاق الدورة العاشرة لمهرجان الشعر العربي بنواكش ...
- ترجمة تصريحات ملك الأردن في لقائه مع ترامب تثير الجدل
- ”صديقي بسام مثل مسرحية بأنه يشيع ابنته بعد قتلها في مدرسة بس ...
- لعشاق السينما.. تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025 على جميع ...
- فيلم -وحشتيني- لتامر روجلي: رحلة من سويسرا إلى الإسكندرية بح ...
- احتجاجات فلسطينية ضد ممثلة إسرائيلية في فيلم كابتن أمريكا تث ...


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - فاس، عِشقٌ أبَدِيّ وسِحْرٌ لا يَنتهي…!!