أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أزاد خليل - المثقف الاصطناعي: عندما يكتب الذكاء الاصطناعي بدلاً عن الكاتب














المزيد.....


المثقف الاصطناعي: عندما يكتب الذكاء الاصطناعي بدلاً عن الكاتب


أزاد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8251 - 2025 / 2 / 12 - 22:12
المحور: كتابات ساخرة
    


الساعة السادسة بعد مغيب الشمس، هنا في أقصى شمال الأرض، حيث أقيم في منافي الاسكندنافي، الجو في الخارج قارس البرودة، إذ تدنت درجات الحرارة إلى ما دون الصفر. أمسك بشاشة هاتفي، أتنقل بين الصفحات ومواقع الأخبار العاجلة، أزمة سياسية هنا، زلزال مدمر هناك، اقتصاد ينهار وتحديات مناخية تتفاقم، بينما تتصدر زوايا المقالات آراء النخب الفكرية.

لكن فجأة، اسمٌ يقفز أمامي مثل ضفدع ضل طريقه عن مستنقعه قبل عنوان مقال له. أعرفه جيدًا، تمامًا كما يعرف تاجر الذهب الفرق بين المعدن النفيس والنحاس، وكما يفرق خبراء العسل بين الأصلي والمغشوش، وكما يميز بائع القماش بين الحرير والبوبلين. لم يكن الأمر مفاجئًا بقدر ما كان صادمًا، فرؤيته بين من يحملون لواء الفكر والمعرفة إهانة للكلمة وامتهان للثقافة. فهذا الشخص لم يكن يومًا محبًا للقراءة، ولا متمكنًا من الكتابة، ولا حتى قادرًا على تكوين جملة مفيدة دون أخطاء.

ومع ذلك، ها هو اليوم يتحدث عن العولمة، الفدرالية، واللامركزية، وعن الوطن ودم الشهداء، مستخدمًا مصطلحات سياسية تبدو لامعة لكنها خاوية، كمبنى ضخم بلا أعمدة. ما الذي تغيّر؟ كيف تحوّل من شخص بالكاد يفهم أبجديات السياسة إلى “كاتب” و”محلل” تُنشر مقالاته في مواقع محترمة؟

السر؟ التكنولوجيا!

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي سلاحه السري، وعصاه السحرية التي يكتب بها ما يعجز حتى عن فهمه. جمل منمقة، مقاطع مكتوبة بأسلوب محترف، مصطلحات معقدة تبدو وكأنها خرجت من عقل أكاديمي مخضرم. لكنه، في الحقيقة، لا يفعل شيئًا سوى إدخال بضع كلمات إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي، فتنتج له مقالًا كاملًا، متماسكًا ظاهريًا، لكنه مجرد هيكل فارغ لا يحمل أي بصمة فكرية.

ثم يبدأ “جهده البحثي المضني”، رحلة مرهقة من النسخ واللصق، يضيف سطرًا هنا، يحذف كلمة هناك، ويضع توقيعه في النهاية وكأنه عبقري زمانه. وهكذا، في غياب التدقيق والتحرير الحقيقي، يتحول من مجرد شخص بلا معرفة إلى “كاتب مقالات”، يُنظر إليه على أنه مفكر، وربما خبير سياسي في المستقبل!

الكتابة بين الإبداع والسرقة الفكرية

الكتابة ليست مجرد حروف تُرص، بل هي نتاج عقل يبدع، وفكر يتعمق، وبحث يستغرق ساعات وأيامًا لفهم القضية المطروحة. لكن في زمن التكنولوجيا، بات بإمكان أي شخص أن يختصر هذه الرحلة الفكرية إلى مجرد بضع نقرات على لوحة المفاتيح، فينتج مقالًا يبدو محترفًا، لكنه في حقيقته لا يختلف عن طعام بلا طعم ولا رائحة.

المأساة الحقيقية ليست في هؤلاء فقط، بل في المنصات التي تحتضنهم!

كيف يمكن لموقع إخباري محترم أن يسمح بنشر كلام فارغ كهذا؟ كيف تمر هذه “المقالات” دون تدقيق حقيقي؟ أليس من المفترض أن يكون هناك حد أدنى من المعايير؟ متى أصبحت الصحافة تساوي بين الكاتب الحقيقي ومن يستعين بخوارزميات لا روح لها؟

المشكلة لا تتوقف عند استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة، بل تمتد إلى عدم القدرة على التمييز بين المقال التحليلي العميق وبين الهُراء الإنشائي المكرر. فكيف يمكن أن يناقش شخص ما موضوعًا بحجم الفدرالية أو العولمة أو نظام سياسي مركزي ولا مركزي في بضعة أسطر، ثم يضع 1/2/34 وكأنها نقاط عبقرية ملخصة؟ وكيف تكون الخاتمة مجرد جملتين أو ثلاث، لا تقدم أي إضافة للقارئ؟

الحشرات الفكرية: وباء يهدد المعرفة

إننا اليوم نشهد عصرًا جديدًا من الطحالب الفكرية، فئة تتكاثر بسرعة مستغلة غياب الرقابة وضعف المعايير. وفقاعات فكرية جوفاء، تدّعي المعرفة بينما لا تملك منها سوى المظهر. هم أشبه بحشرات فكرية، تتسلل إلى المنابر الإعلامية، وتروج لنفسها كأنها نخب سياسية وثقافية وفكرية.

ما يزيد الطين بلة، هو أن هذه الشخصيات، التي كانت حتى الأمس القريب عاجزة عن فهم أبسط المفاهيم السياسية، أصبحت اليوم تحتل مساحة في الإعلام، تتحدث بثقة عن قضايا لم تفهمها، تكتب مصطلحات لم تعِها، وتنشر مقالات مليئة بالكلام المنمق لكنها فارغة من أي مضمون حقيقي.

وفي ظل غياب التدقيق، نجد هؤلاء يتحولون إلى “مفكرين”، بينما الحقيقة أنهم مجرد أصوات نشاز لا تملك شيئًا سوى الضجيج، تمامًا كما لا يمكن للغراب أن يصبح نسرًا، ولا يمكن لابن الحمار أن يكون فارسًا أصيلًا، مهما حاول تقليد مشية الخيول!

حين تسقط الأقنعة

لكن الحقيقة لا يمكن إخفاؤها إلى الأبد. الليل قد يظن أنه يخفي الشمس، لكنه في النهاية لا يستطيع حجب نورها. وكما قال جدي رحمه الله: الشمس لا تُغطى بغربال.

قد يتمكن هؤلاء من خداع البعض لبعض الوقت، لكن العقل الواعي لا يصعب عليه التمييز بين العسل الأصلي والمغشوش، وبين الكاتب الحقيقي ومن لا يملك إلا النسخ واللصق.

نعم، الذكاء الاصطناعي أداة عظيمة، لكنه ليس بديلاً عن الفكر البشري، ولا يمكن أن يصنع مفكرًا من شخص لم يقرأ كتابًا في حياته. وليس لديه رؤية شخصية أو فكر خاص أو أسلوب منفرد يميزه. وكما لا يمكن للطحالب أن تتحول إلى أشجار عملاقة، فإن هؤلاء سيبقون مجرد فقاعات سرعان ما ستنفجر أمام أول اختبار حقيقي للمعرفة.



#أزاد_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - الطبقية: قيدٌ آخر للاستبداد، متى نحطّمه؟
- “حيث صار الأملُ جريمةً، بَكَتِ المدينةُ حتى تلاشى صوتُها”
- العبودية الحديثة: قصة الدمشقي وفنون التقديم والطاعة
- الكورد : صرخةٌ في وجه التاريخ وهوية متمردة في وجه التهميش
- ماذا بعد انتصار الثورة السورية؟ تحديات المرحلة الانتقالية وغ ...
- “من يحكم سوريا غدًا؟ جدل الشرعية والواقع العسكري”
- هل يفقد الشرق الأوسط أخر مسيحي!
- أكراد سوريا: بين هوية مهددة ومستقبل مجهول
- سورية بعد الحرب: هل يتحول الاستقرار الهش إلى سلام دائم؟
- -المسيحيون في سوريا: إرث تاريخي وحضاري تحت التهديد وخطوات دو ...
- -الفتنة القادمة من منغوليا: سقوط غابة السلام-
- “سوريا بين مطرقة الجهادية وسندان اللامركزية: فرصة ضائعة أم أ ...
- الخوف الذي يهدد وجود الأقليات في سوريا: الكورد ، الآشوريون، ...
- “توقف واقرأ جيدًا: الاستقلال حقٌ مشروع وليس انفصالًا يا هذا”
- الثورات العربية: هل حققت الديمقراطية أم أعادت إنتاج الاستبدا ...
- العنصريةُ في الإعلام العربي: إسكات الأصوات الكوردية وتهميش ا ...
- -السجادة السحرية، الضبع الخسيس، والحمار البسيط صراعٌ على الس ...
- الضباع والثعالب: قصة وادي الأحلام المغدور
- بعد سقوط النظام: سوريا بين العدالة والانتقام
- دراسة بحثية : الربيع العربي في الشرق الأوسط تداعياته الإقليم ...


المزيد.....




- كلاكيت: الفيلم الكوميدي الذي نسعى إليه
- حفل في اتحاد الأدباء وحديث للكتاب عن قصصهم
- مهرجان العراق السينمائي الدولي لأفلام الشباب يعلن عن قائمة ...
- موريتانيا: انطلاق الدورة العاشرة لمهرجان الشعر العربي بنواكش ...
- ترجمة تصريحات ملك الأردن في لقائه مع ترامب تثير الجدل
- ”صديقي بسام مثل مسرحية بأنه يشيع ابنته بعد قتلها في مدرسة بس ...
- لعشاق السينما.. تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025 على جميع ...
- فيلم -وحشتيني- لتامر روجلي: رحلة من سويسرا إلى الإسكندرية بح ...
- احتجاجات فلسطينية ضد ممثلة إسرائيلية في فيلم كابتن أمريكا تث ...
- الرئيس الإيطالي وملكة النرويج يفتتحان معرضا في روما لأعمال ا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أزاد خليل - المثقف الاصطناعي: عندما يكتب الذكاء الاصطناعي بدلاً عن الكاتب