|
شخصية هرقل في الأساطير اليونانية والرومانية
عضيد جواد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 8251 - 2025 / 2 / 12 - 18:17
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
"هرقل ـ هيركليس" هو الاسم الروماني للشخصية الأسطورية اليونانية "هيراكليس"، والأكثر شهرة في القصص اليونانية القديمة ، وهو ابن "زيوس" ملك الآلهة الذي كان زيراً للنساء ، وزوجته الآدمية "ألكمين" . في إحدى الليالي انتحل زيوس شخصية "أمفيتريون" زوج ألكمين التي كانت راقدة في سريرها، فحملت بالمولود هرقل الذي نصفه إله ونصفه الآخر بشر. وصار هرقل يتمتع بقوة وقدرة لا تُصدق على التحمل؛ حيث قام بمآثر مذهلة، بما في ذلك مصارعة الموت والذهاب مرتين إلى عالم الأموات. كما انتشرت قصصه في جميع أنحاء اليونان و روما . ورغم ذلك فقد كانت حياته ليست سهلة منذ لحظة ولادته، حيث علاقاته بالآخرين كانت كارثية في كثير من الأحيان؛ وذلك لأن "هيرا" زوجة زيوس قد عرفت أن هرقل هو الابن الغير الشرعي لزوجها ، لذا سعت إلى تدميره. وقد وُلد هرقل باسم "ألكايوس" واتخذ فيما بعد اسم هرقل، والذي يعني "عنفوان هيرا"، وهو ما يدّل على أنه سوف يصبح مشهوراً بسبب الصعوبات التي واجهها مع الإلهة. كان هرقل الذي عانى مثل البشر؛ قادراً على خلق المشاكل والفوضى مثل أي رجل أو امرأة؛ إلا أنه قام بأفعال لا يستطيع أي بشر القيام بها، لذلك فقد كان يتمتع بشعبية كبيرة عند أهالي اليونان وروما . كان هرقل رجلاً عادياً ولكن قوته غير طبيعية، فهو عانى من سوء الحظ وخيبات الأمل طيلة حياته، وحتى موته جاء بسبب حيلة شخص آخر. هذه القصص بالإضافة إلى كونها مسلية، إلا أنها كانت تفيد الناس القدماء من خلال مقارنة مشاكل حياتهم الخاصة مع معاناة ومآسي هرقل العصيبة التي لا يمكن لأي منهم أن يتحملها . فقد كان هرقل بمثابة رمزاً للحالة الإنسانية، وعلى حد تعبير الروائي "إرنست همنگواي"؛ "قد يُدمّر الإنسان، لكنه لا يُهزم". ومن الجوانب المثيرة للاهتمام في شخصية هرقل أنه بسبب قوته وقدراته الإلهية، لم يكن مضطراً للاستجابة بتطبيق قواعد النظام العام أو العقوبات التي تُفرض عليه. لذا فقد اختار أن يتحمل الإذلال والمهانة بكامل قناعته مثل الأعمال الاثني عشر الشهيرة التي قام بها ( سنأتي على ذكرها لاحقاً) ، أو عبوديته للملكة "أومفالي". كما جعلت قوته الجسدية وقدرته على تحمل المصاعب في أن يكون شخصية ملهمة للشعب ورمزاً للاستقرار في خضّم الفوضى، حتى لو كان هو نفسه المسبب لها . وقد وصف المؤرخ والعالم اللغوي " توماس ر. مارتن" شخصية هرقل على النحو التالي : "كان الرجل القوي هرقل؛ الشخصية الوحيدة التي عُبدت في مختلف أنحاء العالم اليوناني . حيث أكسبته مآثره الخارقة في التغلّب على الوحوش والقيام بالأفعال المستحيلة باعتباره حامياً وراعياً للعديد من دول ـ المدن" (ص129).
حياة هرقل المبكرة رغماً من النظرة العامة لهرقل على أنه حامي الضعفاء و ناصر الفقراء، إلا أن مشاكل هرقل الشخصية كانت قد بدأت منذ لحظة ولادته. فقد بعثت هيرا زوجة أبيه ساحرتين لإجهاض أمّه،إلا أن إحدى الخادمات خدعتهما وأرشدتهما إلى غرفة أخرى . بعد ذلك أرسلت هيرا ثعبانين لقتله وهو في مهده، لكن هرقل خنقهما. وفي إحدى نسخ الأسطورة، تخلت ألكمين عن وليدها في الغابة بقصد حمايته من غضب هيرا، غير أن الإلهة أثينا عثرت عليه وأحضرته إلى هيرا؛ زاعمة أنه طفل يتيم تُرك في الغابة ويحتاج إلى من يطعمه. لذا فقد أخذت هيرا بإرضاعه من ثديها ؛ إلا أن الطفل عضّ حلمتها، فدفعته بعيدا عنها، وانسكب حليبها عبر سماء الليل وشكل درب التبانة. وبأثر ذلك؛ أعادت هيرا الطفل إلى الإلهة أثينا وطلبت منها أن تعتني به هي بنفسها. وأثناء إرضاع الطفل من ثديها، منحته الإلهة عن غير قصد المزيد من القوة والقدرة . نشأ ذلك الطفل في قصر والده المفترض "أمفيتريون"، حيث كان لديه أفضل المدربين في البلاد الذين علموه المصارعة وركوب الخيل والمبارزة والرماية وقيادة العربة والغناء والعزف على القيثارة ؛إلا أنه لم يكن يعرف مدى قوته الكامنة التي بانت عندما قتل مدربه الموسيقي "لينوس" بضربة قيثارة في أحد الأيام أثناء مشاجرة قد احتدمت بينهما. وبالتالي ؛ كُلّف برعي الماشية لإبعاده عن المتاعب . لربما كان ذلك العمل يبدو وضيعاً بالنسبة لهرقل . فعندما سمع أن جيش مدينة طيبة ( اليونانية) قد هُزم على يد رهط من المينيين ( شعب اسطوري)؛ اعتبر ذلك ليس عدلاً لأن طيبة بحاجة إليه، فانتفض وقاد مجموعة من المحاربين الطيبيين لهزيمة المينيين واستعادة الحكم في طيبة . وعلى اثر هذا العمل البطولي؛ منح الملك كريون الطيبي ابنته "ميگارا" إلى هرقل للزواج بها كدليل على امتنانه.
غضب هيرا والأعمال الاثني عشر في هذه المرحلة من الحكاية، كان هرقل شاباً شجاعاً وبطلاً مرموقاً ومتزوجاً ولديه ثلاثة أبناء أقوياء. لكن هيرا لم تستطع تحمّل الموقف؛ فبعثت بداخله الشرّ فقتل أطفاله (وفي بعض الروايات، ميگارا زوجته أيضاً). واستمر هرقل بغضبه حتى رشقته الإلهة أثينا بحجر، وعندما استرد عقله ؛ غمره الحزن على ما فعله. وبسبب ذلك؛ كاد هرقل أن يقتل نفسه، إلا أن ابن عمه "ثيسيوس" أقنعه بأن ذلك من شيم الجبناء ؛ وعليه أن يجد طريقة للتكفير عن ذنوبه. لذا فقد استشار هرقل الوسيط الروحي"أوراكل" من مدينة دلفي ؛الذي أخبره أنه يجب أن يرافق ابن عمه "يوريستيوس"، ملك تيرينس وميسينا ، الذي سيدلّه على الأعمال التي يجب أن يقوم بها لكي يتمكن من التكفير عن خطاياه . وقد بلغ عدد هذه الأعمال في الأصل إلى عشرة أعمال فقط ، لكنها زيدت لاحقاً إلى اثني عشر. وبعد وصوله مدينة دلفي لم يعد يُعرف باسم "ألكايوس" بل باسم "هرقل" .
أعمال هرقل الإثني عشر كما يلي : 1. قتل الأسد "نيميا" الذي كان محصناً ضد جميع الأسلحة. فقد حاصر الأسد في كهف وخنقه بيديه العاريتين. ثم سلخ جلده وارتداه كمئزر له مدى الحياة . 2. قتل الوحش المعروف باسم "هيدرا" الذي كان له تسعة رؤوس سامة، وفي حالة قطع أحدها ينمو مكانه اثنان آخران . فقام هرقل مع ابن أخيه "إيولاوس" بقطع جميع الرؤوس ، وحرق إيولاوس أعناقها بالنار لمنعها من النمو مرة أخرى . ثم غمس هرقل سهامه في دم الـ هيدرا لاستخدامها في المستقبل؛ ولأنها كانت سامّة جداً، فإنها تميت بسرعة. 3. إصطياد الأيل "سيرينيان"المقدس لدى الإلهة أرتميس . إذ قضى هرقل أكثر من عام في محاولة اصطياد ذلك الأيل ذو القرون الذهبية حيّاً، وتمكن منه في الآخر بسهم في حافره. ورغم ذلك، رفضت أرتميس استحواذ هرقل عليه ، وكادت أن تقتله لاصطياده ذلك الأيل ؛ إلا أنها سمعت بقصة أعماله فأطلقت سراحه. 4. اصطياد الخنزير "إيريمانثيا". قاد هذا العمل هرقل إلى أرض "السناتير" ( السنتور أو القنطور ـ مخلوق اسطوري يوناني نصفه الأعلى بشر وأسفله حصان). والنبيذ الذي زُوّد به كان لجذب ذلك الخنزير ، إلا أنه جذب إليه بقية السناتير التي هاجمته فاضطّر إلى قتل العديد منها ، وتمكن من إعادة الخنزير حيّاً إلى يوريستيوس . وشاركه في هذا العمل المحارب "جيسون" وأرگوناته ( مقاتلون يونانيون اسطوريين) . 5. تنظيف إسطبلات أوگيوس في يوم واحد . شعر يوريستيوس أن تلك المغامرة الجانبية مع الأرگونات كانت تسلية غير مقبولة من جانب هرقل، لذا ابتكر له مهمة صعبة لعمله التالي . فقد كانت إسطبلات الملك أوگيوس ضخمة و قطعانه كثيرة، وبدا أنه لا توجد طريقة لتنظيفها في شهر واحد؛ فكيف بيوم واحد؟ . وافق هرقل على إتمام ذلك العمل في يوم واحد فقط؛ غير أنه اشترط في أن ينال عُشر القطيع إذا نجح في مهمته. قبِل الملك أوگيوس شرط هرقل؛ لأنه كان يعتقد بثقة كاملة أنه سوف لن يكون الطرف الخاسر ، إلا أن هرقل غيّر مجرى نهرين وجعلهما يتدفقا عبر الإسطبلات وتنظيفها جميعاً ؛ ولكن أوگيوس رفض الوفاء بوعده إلى هرقل . لذا فقد شعر بالخداع، وأقسم أنه سيعود ويقتل أوگيوس بمجرّد أن ينهي أعماله التي يكلّفه بها ابن عمّه يوريستيوس؛ لكن يوريستيوس أخبره أنه لا يستطيع الحصول على أي أجر مقابل أعماله. وأنه بمحاولته الربح، فقد اُستبعد هذا العمل وسوف يضطر للقيام بعمل آخرعوضاً عنه . 6. طرد طيور "ستيمفاليا" التي كانت تدمر الريف. نجح هرقل في تحقيق ذلك باستخدام خشخيشة أعطتها له الإلهة أثينا. وقد أفزعت الخشخيشة الطيور التي طارت بعيداً، فأسقطها هرقل بسهامه أثناء طيرانها . 7. استعادة الثور الكريتي من كنوسوس . كان الثور يعود للملك "مينوس" ملك كريت ، ومقدساً لدى إله البحار "پوسيدون"، الذي بمقدوره المشي على الماء. بيد أن مينوس لم يعد يرغب بالثور؛ لأن زوجته قد وقعت في غرامه وحملت منه (أنجبت منه مينوتور ) ، لذلك فقد منح مينوس الثور بكامل رضاه إلى هرقل الذي ركبه وعبر به البحر من كريت إلى أثينا وأحضره إلى يوريستيوس؛ لكنه اُطلق سراح الثور لاحقاً ، لأنه تسبب بمشاكل عدة في جميع أنحاء أتيكا ، فقام ثيسيوس بقتله . 8. استعادة خيول ديوميديس . كان ديوميديس ملكاً ثراسياً ويطعم خيوله بنظام غذائي محدد من لحوم البشر حتى لا يتمكن أحدهم من الاقتراب إليها. فقد أطعم هرقل الخيول، وعندما شبعت، أعادها إلى يوريستيوس . وذات يوم ومن خلال عمله الروتيني هذا الذي يحتم عليه الذهاب والاياب من قصر ديوميديس؛ توقف هرقل لزيارة صديقه القديم "أدميتوس" الذي توفيت زوجته "ألكستيس" مؤخراً. فأخذ هرقل يتقاتل مع الموت من أجل عودة روح ألكستيس وتسليمها إلى زوجها. 9. استعادة حزام هيپوليت. كانت هيپوليت ملكة نساء الأمازون ، وحزامها يُعد رمزاً يمنحها الحق في الحكم .وقد رحبن نساء الأمازون بهرقل في بادىء الأمر؛ لكن هيرا المتنكرة بهيئة واحدة منهن؛ نشرت شائعة مفادها أن هرقل جاء لاختطاف الملكة واستعباد بقية نساء الأمازون . وعلى أثر ذلك ؛ هاجمن النساء هرقل ، فقُتلت هيپوليت في المواجهة ؛ ثم أخذ هرقل حزامها وغادر المملكة. إلا أنه في نسخة أخرى من هذه القصة، لم يمت أحد؛ بل اختطف هرقل أخت هيپوليت وطلب فدية مقابل الحزام ثم غادر بسلام . وفي رحلة عودته، خاض العديد من المغامرات الجانبية الأخرى، مما أثار غضب يوريستيوس، لكنه في النهاية ارتضى الحزام كعمل مقبول . 10. إعادة ماشية جيريون ملك كديس . كان لهرقل العديد من المغامرات العابرة في هذا العمل، بما في ذلك بناء عواميد هرقل من غير قصد في جبل طارق والتهديد بإطلاق سهامه على الشمس لأنها جعلته يشعر بحرارتها الشديدة. وعندما وصل أخيراً إلى كديس (إسبانيا)، واجه العديد من المشاكل في جمع الماشية، بما في ذلك الاضطرار إلى مطاردة أحد الثيران (كان لابد من اكتمال القطيع حتى يتم قبوله للعمل). ولإعادة الماشية إلى اليونان، أرسلت هيرا ذباباً مزعجاً للدغ الماشية وتشتيتها، لذا كان على هرقل أن يجمعها مرة أخرى . بعد ذلك شاهدت الأميرة "سيلتين" هرقل ووقعت في غرامه؛ فأخفت الماشية عنه ولم تكشف له عن مكان وجودها ما لم يمارس الجنس معها. وهذا ما فعله وأصبح أباً لـ سيلتوس، وهو سلف الشعب السلتي . ثم تمكن من إعادة الماشية إلى يوريستيوس الذي قبل العمل باعتباره صحيحاً . 11. استعادة التفاح الذهبي لـ "هسپريدس" . في طريقه إلى البستان المقدس حيث ينمو التفاح، لاحظ هرقل "پروميثيوس" مقيداً إلى صخرته فحرره . وعليه فقد كان بروميثيوس ممتناً له ، وأخبره أن التفاح يحرسه تنين يُدعى "لادون " الذي لا يمكن هزيمته. وما كان على هرقل إلا أن يحاول إقناع العملاق "أطلس" حامل الأرض على كتفيه؛ بالحصول على التفاح له. وعندما وصل هرقل إلى البستان، وافق أطلس على مساعدته . وكان على هرقل أن يتحمل ثقل الكون عند ذهاب أطلس للحصول على التفاح . قبل هرقل الحمل وحصل أطلس على التفاح، ولكن عندما عاد أطلس، لم تكن لديه رغبة في استعادة حمل الكون ، وترك هرقل بديلاً عنه. وافق هرقل بسرور على الاحتفاظ بالكون محمولاً على ظهره ، إلا أنه سأل أطلس عما إذا كان بإمكانه رفع الحمل مرة أخرى للحظة واحدة، كي يتمكن من تعديل مئزره للتخفيف عن كتفيه. وافق أطلس وحمل الكون مرة اخرى ؛ لكن هرقل أخذ التفاح ورحل بعيداً !!. 12. إعادة "سيربيروس" كلب حراسة العالم السفلي . قرر يوريستيوس القيام بشيء كان يعلم أنه مستحيل تحقيقه؛ وهو إعادة الكلب ذي الرؤوس الثلاثة حيّاً الذي يحرس بوّابة هاديس . وقبل أن يتمكن من دخول العالم السفلي، كان على هرقل أن يعرف شيئاً عن أسرار إليوسيس ( طقوس الانضمام) في مدينة إليوسيس المقدسة . بعد ذلك نزل هرقل إلى هاديس، حيث خاض المزيد من المغامرات في العالم السفلي مثل تحرير ابن عمه ثيسيوس من كرسي النسيان الذي كان مكبلّاً إليه. كما تحدث مع المحارب "ميليگر" ، الذي رافقه مع الأرگونات، وأخبره أنه عندما يعود إلى الأرض عليه أن يتزوج من "ديانيرا" شقيقة ميليگر . كما سمح هاديس لهرقل بأخذ الكلب سيربيروس بشرط ألا يؤذيه؛ لكن هرقل تصارع مع الكلب وتغلّب عليه ، ومن ثم سلّمه إلى يوريستيوس الذي كان خائفاً جداً منه ؛ لدرجة أنه أخبر هرقل أن جميع الأعمال قد انتهت وعليه أن يعيد الكلب إلى حيث كان !!.
مغامرات هرقل الأخرى أصبح هرقل الآن حرّاً في أن يفعل ما يشاء في حياته. وبعد كل ما أنجزه، قد يظن البعض أنه سيتمكن الآن من الاستمتاع بأيامه في هدوء وسلام؛ لكن هذا لم يكن صحيحاً. فقد واجه هرقل المزيد من المتاعب، سواء بسبب خداع هيرا أو بسبب مزاجه المتهور وعدم ضبط النفس. وبعدما أصابته هيرا بالجنون مرة أخرى، قتل هرقل الأمير إفيتوس من أوشاليا، وأخبرته العرّافة أنه يجب أن يبيع نفسه كعبد للتكفير عن خطيئته تلك. وأصبح هرقل مملوكاً للملكة أومفالي ملكة ليديا التي جعلته يرتدي ملابس نسائية ويمارس الحياكة و التطريز مع سيدات القصر الأخريات. وفي النهاية اتخذته أومفالي عشيقاً لها ثم أطلقت سراحه. بعد ذلك ، ذهب هرقل في رحلة استكشافية إلى طروادة التي غزاها بمساعدة محاربين آخرين (قبل زمن طويل من حرب طروادة ) ، ثم انخرط في حرب مع جبابرة صقلية . وكان الجبابرة قد هُزموا قبل قرون من قبل زيوس لكنهم بُعثوا مرة أخرى . ووفقاً للنبوءة، لن تتمكن الآلهة من الفوز هذه المرة إلا بمساعدة محارب بشري . لذا ساعد هرقل في هزيمة الجبابرة وأنقذ العالم من الفوضى والآلهة من السجن . ثم أبحر عائداً إلى اليونان للانتقام من أوگيوس لرفضه احترام اتفاقه معه عندما قام بتنظيف الإسطبلات. إلا أن هرقل قد هُزم في هذه المعركة لأنه كان لا يزال مُرهقاً من الحرب مع الجبابرة. لذا غادر أرض أوگيوس ، وبعد المزيد من المغامرات نزل في كاليدون حيث التقى ووقع في غرام الأميرة ديانيرا شقيقة ميليگر. وكان عليه أن يصارع إله النهر أخيلوس من أجل الفوز بها، وفي النهاية تزوج منها.
ديانيرا والزواج عاشت ديانيرا مع هرقل في سعادة لبعض الوقت في كاليدون حتى قتل بالخطأ ساقي والد زوجته . وعلى الرغم من أنه كان حادثاً غير متعمد، وغفر له الملك، إلا أن هرقل لم يستطع أن يسامح نفسه فقرر مغادرة المدينة مع ديانيرا. وصلا إلى نهر إيڤينوس، وهناك التقيا بالسنتور نيسوس (نصفه بشر ونصفه الآخر حصان) الذي عرض أن يحمل ديانيرا على ظهره. وعند وصولهما إلى الجانب الآخر، حاول السنتور اغتصابها؛ فأطلق عليه هرقل أحد سهامه. كانت هذه هي نفس السهام التي غمسها هرقل في دم الهيدرا، وكان السنتور يحتضر بسرعة عندما أخبر ديانيرا أن دمه يمتلك خاصية "جرعة الحب"، وأنها يجب أن تأخذ بعضاً منه في قارورة و تحتفظ به لنفسها. حيث إذا شعرت يوماً ما أن هرقل بدأ يفقد اهتمامه بها؛ ما عليها سوى أن ترش ذلك الدم على مئزره ، وسوف لن يفكر بغيرها . وقد أدرك نيسوس بالطبع، أن الدم سيكون مميتاً لأي انسان، وكان هذا انتقامه من سهم هرقل . استقر هرقل وديانيرا في مدينة تراخيس، وأسسا عائلة. وقد كانا سعيدين لبعض الوقت حتى ذهب هرقل لشن حرب ضد "يوريتوس" الذي أهانه في وقت سابق من حياته، مثل الذي حصل مع أوگيوس . فقتل يوريتوس وأخذ ابنته "يولي" (التي فاز بها من قبل في مسابقة الرماية ولكنها رفضته)غنيمة له. وتروي نسخة أخرى من الأسطورة كيف أن هرقل ساعد أرتميس في قتل خنزير بري كان قد اجتاح المملكة وكوفئ بـ يولي كهدية. وأياً كان الأمر، فقد دعا هرقل إلى الاحتفال بذلك النصر، وبعث إلى ديانيرا في أن ترسل له أفضل مئزر لديه ليرتديه في الحفل . وخوفاً منها أن يكون هرقل قد تعلّق بـ يولي، غمست ديانيرا المئزر في دم نيسوس ثم غسلت البقع، ولم يتبق سوى السّم . وبمجرد ما أن ارتدى هرقل المئزر، انتابته آلام شديدة وبدأ يشتعل بالنار . فمزق المئزر من جسده، لكن السّم كان قد نفذ بجلده فعلاً . وبما أنه كان نصف إله، لم يكن بوسعه أن يموت بسرعة، فعانى من السم الذي اخترق جسده فأصبح أضعف فأضعف. وعندما أدركت ديانيرا أنها خُدعت من قبل نيسوس بقتل زوجها؛ شنقت نفسها حتى الموت .
موت هرقل صعد هرقل إلى جبل "إتنا" حيث بنى محرقة جنائزية خاصة به في منطقة مفتوحة، ووزع ممتلكاته، ثم استلقى على الأرض واستند برأسه على هراوته وغطى جسده بجلد أسد نيميا؛ ثم أشعل المشاعل وشبّت النيران في المحرقة. وقد قدّم عالم الأساطير "توماس بولفينچ" وصفاً لهذا المشهد التراجيدي كما في المقطع أدناه : " لقد شعرت الآلهة بالقلق لرؤية بطل الأرض يلقى حتفه؛ لكن زيوس وبوجه مرح خاطبهم على النحو التالي : لقد سررت برؤية اهتمامكم يا أمرائي، وأنا مسرور بمعرفة أنني حاكم لشعب مخلص، وأن ولدي قد نال رضاكم . وعلى الرغم من أن اهتمامكم به جاء بسبب أعماله النبيلة، فإن ذلك الأمر ليس أقل إرضاءً بالنسبة لي . ولكن الآن أقول لكم، لا تخشوا شيئاً ؛ لن تهزمه تلك النيران التي ترونها مشتعلة على جبل إتنا. فقط حصة أمه فيه يمكن أن تُهلك؛ وما اكتسبه منّي فهو الخالد. سأجلبه ميتاً من الأرض إلى الشواطئ السماوية، وأطلب منكم جميعاً أن تستقبلوه بالترحاب . إذا شعر أي منكم بالحزن لحصوله على هذا الشرف، فلا أحد يستطيع أن ينكر أنه يستحقه . وافق جميع الآلهة؛ ولم تسمع هيرا الكلمات الأخيرة إلا بقدر من الاستياء ؛ لأنها كانت موضع اهتمام خاص . وأن هذا الاستياء لم يكن كافياً لجعلها نادمة. وعندما التهمت النيران حصة الأم بجسد هرقل، بدا الجزء الإلهي سليماً ، حيث انطلق بنشاط شامخ ، لينال مكانة أعلى وكرامة مهيبة. ولفه زيوس في سحابة، وأخذه في عربة تجرها أربعة خيول ليقيم بين النجوم " (ص 143).
هكذا ترك هرقل الأرض ليعيش إلى الأبد بين الآلهة، ويستمتع بالخلود عبر العصور من خلال قصص مغامراته. إذ لم تكن حياته سعيدة على الدوام رغم والده من الآلهة ، ولم يكن كفاحه سهلاً ، ولا طامحاً بسبب قوته. ورغم أنه كان قادراً على إنجاز أعمالاً عظيمة، إلا أن هذا لم يجعله متحصّناً من خيبات الأمل والأوقات العصيبة التي تشكل جميعها جزءاً من التجربة الإنسانية. وقد كتب المؤرخ السير "ريتشارد ليڤينگستون" وصفاً لتلك المشاعر كما في المقطع التالي : "كان الإغريق مفتونين بمشهد الإنسان والعالم، حيث لا يُرى هذا الانبهار في فلسفتهم الظاهرية فحسب ؛ بل حتى عند شعرائهم أيضاً. إذ أنهم ولدوا لرؤية العالم والحياة البشرية ؛ وليس للوعظ الأخلاقي أو الانغماس في المشاعر أو الخطابة أو التصوف ، ولكن فقط لرؤيتها بمنظار أوسع " (ص270). ان أساطير هرقل تُظهِر العالم كما هو على حقيقته ؛ حيث لدى كل شخص وحوش عليه أن يهزمها ، ومهام تبدو مستحيلة لمواجهتها ومآسٍ صعبة لتجاوزها . وكما كان الحال في اليونان القديمة عندما كان الناس يجلسون ويستمعون إلى حكايات البطل هرقل، فإن الناس في العصر الحديث لايزالون يتناولون باهتمام واسع تلك القصص المصورة والروايات والكتب والبرامج التلفزيونية وأفلام هوليوود عن هرقل الذي يرونه بطلاً شعبياً ينال عطفهم ، بسبب أن حياته كانت بعيدة كل البعد عن الراحة والسلام . وعندما يواجه المرء الآن بعض المواقف الصعبة في الحياة، يمكنه أن يستمد العزاء من فكرة أنه إذا كان هرقل قادراً على تحمل معاناته، فلماذا لا يمكنه هو أيضاً على تحمّل همومه ؟! .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ توماس بولفینچ ـ أساطير بولفینچ ـ كانتربري كلاسكس للنشر ـ 2014 . روبرت گريڤز ـ الأساطير اليونانية ـ ڤايكنگ للنشر ـ 2018 . فيليب ماتيساك ـ الأساطير اليونانية والرومانية ـ ثاميس وهدسون للنشر ـ 2010 . إديث هاملتون ـ الأساطير ـ بلاك دوگ للنشر ـ 2017 . ريتشارد ليڤينگستون ـ إرث اليونان: تقييم جديد ـ طباعة جامعة أكسفورد ـ 1981. توماس مارتن ـ اليونان القديمة ـ طباعة جامعة يال ـ 2013 .
#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بطل ملحمة گلگامش بين الحقيقة والأسطورة
-
نرگال (مسلامتيا) إله الموت والحرب والدمار
-
الكريسماس عبر التاريخ
-
قصة اكتشاف الأشعة السينية (X)
-
طقوس الشاي في الصين واليابان القديمتين
-
هنود السهول الأصليين في أمريكا
-
ليلة السكاكين الطويلة
-
ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر
-
الموت وحياة الآخرة في بلاد فارس القديمة
-
الفينيقيون شعب أرجواني
-
عنخ رمز بلاد النيل
-
دعوى قضائية لعبد يهودي أمام محكمة بابلية
-
نينهورساگ الإلهة الأم في الأساطير السومرية
-
العقيدة البوذية في نشوئها وفلسفتها
-
نظام التعليم في بلاد الرافدين القديمة
-
الدفن في بلاد الرافدين القديمة
-
كذبة أفلاطون في الروح
-
الأزياء والملابس في بلاد الرافدين القديمة
-
الفنّ والعمارة في بلاد الرافدين
-
ثورة العمّال اللودّيين
المزيد.....
-
لماذا اختار ترامب السعودية كمكان محتمل لاستضافة قمته المقبلة
...
-
البحرية الأمريكية: حاملة الطائرات ترومان تصطدم بسفينة تجارية
...
-
بحضور محمد بن سلمان.. قمة مرتقبة بين ترامب وبوتين في السعودي
...
-
حافظ الأسد يثير الجدل بفيديو جديد يكشف تفاصيل هروب العائلة إ
...
-
أنا أعزب، فماذا أفعل في يوم عيد الحب؟
-
بعد حادث الدهس -الشنيع- .. شولتس يتعهد بطرد المشتبه به الأفغ
...
-
العراق: لا لتهجير الفلسطينيين
-
لبنان.. إصلاح العلاقات داخليا وخارجيا
-
زيلينسكي يعرب عن استيائه من اتصال ترامب ببوتين
-
طهران: لا تفاوض مع واشنطن
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|