باسم عبد الحميد حمودي وأثره في تدوين الموروث الشعبي العراقي

محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث

الحوار المتمدن-العدد: 8251 - 2025 / 2 / 12 - 13:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

الباحث التراثي باسم عبد الحميد حمودي الذي توفي هذا العام عن عمر ناهز (87) عاما كان ناقداً شهدت له دراساته النقدية بالعمق والاصالة، وأديب له مكانته المرموقة بين الأدباء والمنشئين، وباحث في التراث الشعبي يعد بين رواده والمكثرين فيه، فقد نشر مئات المقالات الفولكلورية في مختلف الصحف والمجلات العربية والعراقية، وألف عدد من المؤلفات الفولكلورية الرائدة في موضوعاتها، وترأس تحرير مجلة التراث الشعبي العراقية لأكثر من عقد من السنين، وتولى تحرير صفحة التراث الشعبي في عدد من الصحف والمجلات العراقية،وساهم في كافة المؤتمرات التي تعنى بالتراث الشعبي في العراق وخارجه، وقدم عشرات ان لم يكن مئات المحاضرات في مختلف المحافل الثقافية كباحث فولكلوري له مكانته بين المعنيين في الفولكلور العراقي ودراسته وفق الأسس والمعايير العلمية الحديثة، وله الى جانب ذلك مشاركات في الأدب والنقد والقصة والرواية وفي المجالات البحثية الأخرى.
ولد في بغداد يوم 30 مايو 1937م، وتخرَّج في قسم التاريخ بكلية التربية عام 1960، وشغل منصبَ رئيس تحرير مجلة التراث الشعبي الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة، وكانت أول مقالة نشرها بعنوان "الفراغ" عام 1954، وأصدر عدد من المؤلفات في الفولكلور والنقد وغيرها من المناحي الثقافية، ومن ابرز مؤلفاته الفولكلورية: الزير سالم عن سلسلة الموسوعة الصغيرة، السيرة الشعبية والذات العربية، القضاء العرفي عند العرب: معجم المصطلحات، شارع الرشيد، عادات وتقاليد الحياة الشعبية العراقية، محمود العبطة فولكلوري عراقي يرحل 1920-1986، سحر الحقيقة: شخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي وكتابه (تغريبة الخفاجي عامر العراقي) الذي صدر عن دار الشؤون الثقافية عام 1989، وكتابه (القضاء العرفي عند العرب) الذي صدر عن دار (المدى) بدمشق عام 2009 وهو امتداد لكتابه السابق عن السواني في الدغاره.
اتسمت دراساته الفولكلورية بالجدة والاصالة فهو يطرق مواضيع بكر لم يسبق لغيره دراستها لذلك أثارت بعض مقالاته ردود أفعال مختلفة من قبل المعنيين في التراث الشعبي وكانت محل جدل وخلاف لما فيها من لمحات تدعوا للاختلاف، وأول مقالة فولكلورية نشرها عام 1956، وتوالت بعدها مقالاته التي أثارت كثير من الردود فانصرف لكتابة القصة والرواية والنقد دون أن يغفل موضوعه الاساسي التراث الشعبي.
وكتابه: القضاء العرفي عند العرب بين فيه هذه المنظومة القانونية الشفهية المتوارثة، التي سبقت القضاء الشرعي والقوانين المستجدة، في كل وجوه العلاقات الاجتماعية القبلية، صاغها على مدى مئات السنين حكماء القبائل المختلفة، بما يتناسب مع الإنصاف والعدالة، وهي ما تزال متداولة بين المجتمعات القبلية العربية حتى اليوم، فكيف تشكلت هذه المنظومة، وما مدى انسجامها أو اختلافها مع منظومات القوانين الأخرى، وما جدوى استمرارها في عالم اليوم...؟
وعندما أصدرت مجلة التراث الشعبي العراقية عددها الخاص عن (شارع الرشيد) ضم العدد مقالات مختلفة للباحثين الفلكلوريين والفنانين والأدباء والمؤرخين فقام بتبويبها واعدادها ونشرها في كتاب ضم بين دفتيه تاريخ هذا الشارع وأهميته التراثية وما فيه من بنايات تراثية يجب الحفاظ عليها كجزء من تاريخ بغداد بخاصة والعراق بشكل عام.
وكتابه الآخر(عادات وتقاليد الحياة الشعبية العراقية) الذي ضم بين دفتيه العادات والتقاليد الشعبية في العراق بأسلوب سلس وتوثيق جاد، مبينا أهمية هذه التقاليد في بناء المجتمعات وأثرها في زيادة الروابط الاجتماعية على أسس متينة نفتقد لها الآن، مشيراً الى ما أندثر منها وما لا زال باقياً حتى الآن.
وله كتاب مهم جمع بين الرواية والموروث الشعبي، حيث بين تأثير التراث الشعبي على الرواية العربية، من خلال كتابه (التراث الشعبي والرواية العربية الحديثة) الذي صدر عن سلسلة (الموسوعة الصغيرة) عام 1998 وهو من الدراسات المهمة في هذا الجانب وحصل على جائزة لما فيه من جدة وابداع.
وقد أعد كتب في التراث الشعبي كان له فضل جمعها واعدادها حسب موضوعاتها منها: (عادات وتقاليد الحياة الشعبية العراقية) الذي صدر عام 1986 وكتاب (أبحاث في التراث الشعبي) وقد صدر عام 1987، وهذه الدراسات مما القي في ندوة التراث الشعبي السنوية.
وقام بدراسة شخصيات لها اهتمامها الكبير بالموروث الشعبي فاصدر كتابه الخاص بالباحث التراثي محمود العبطة الذي يعد في مقدمة كتاب الفلولكلور في العراق، وله نتاج غزير تناول مختلف المواضيع الفولكلورية.
وأبدع الفقيد الراحل في دراسة السير الشعبية وله مؤلفات ومقالات عديدة في هذا المجال وهي تبرز القدرات الفنية له في الكتابة واستجلاء الجوانب المختلفة في هذه السير وما لها من أهمية وحضور في الوجدان الشعبي.
والفقيد كان يتناول المواضيع البكر في كتاباته التراثية، وطالما رفد المكتبة الفولكلورية بالجديد من الموضوعات التي لم يسبق تناولها، ولو رجعنا الى مجلة التراث الشعبي لوجدنا عشرات المواضيع التي نشرها وجلها من الجديد في مادته ومحتواه،
وكان لعمله في التعليم وتجواله في المدن العراقية أثره في جدة المادة فعندما كان مدرساً في ناحية الدغارة التابعة لمحافظة الديوانية فقد وجد في هذه المدينة مواضيع غاية في الجدة لم يسبق لأحد تناولها أو دراستها فقد نشر دراسة عن (السواني في عشائر الدغارة) وهو موضوع جديد في بابه بيًن فيه القوانين العشائرية السائدة بين عشائرها وهو ما يسمى عندهم ب(السانية) وبوبها بشكل علمي حسب موادها وأبوابها، ناهيك عن دراساته عن مدن الفرات الأوسط بحكم تجواله فيها بحكم عمله الوظيفي ومنها (حمد آل حمود) الشخصية العشائرية التي لها أثرها في الوجدان الشعبي، و(المجتمع الريفي شخصيات ومدن) و(الحيوان في المثل الشعبي) وغيرها من المواضيع التي نشرها في كتابه (سحر الحقيقة) الذي صدر عام 2000 وقد ضم معظم دراساته المنشورة في التراث الشعبي حتى تاريخ نشر الكتاب.
ولوجوده في رئاسة تحرير المجلة لمدة ثمانية عشر عاماً عاملاً مهماً في تنمية المجلة وتطوير عملها ورفدها بالمواضيع الفولكلورية التي تعدت الجمع الى دراسات مهمة لها مكانها بين الدراسات الفولكلورية، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها البلاد وانحسار الدعم المالي للمجلة وتقليص اعدادها وتحويلها من شهرية الى فصلية في تسعينيات القرن المنصرم،ما دفعه لدقة الاختيار في نشر الدراسات والاقتصار على المهم منها مركزاً على المواضيع المتسمة بالأصالة والجدة.
وقد نشر الراحل عدد كبير من الدراسات الفولكلورية في المجلات العربية المعتبرة التي تعنى بدراسة التراث الشعبي مثل مجلة الحداثة البيروتية والفنون الشعبية المصرية ومجلة البحرين والأديب والقاهرة وغيرها من المجلات اضافة لمشاركاته في الندوات الفولكلورية التي أقيمت في بغداد وغيرها من المدن العربية.
وأخيراً لقد عرفت الراحل منذ أكثر من عقدين، فوجدت فيه ذلك الباحث المجد، والانسان الرائع الذي يحمل كثير من الصفات التي تحببه للآخرين، وقد نشر لي في جريدة المدى عشرات الدراسات في الموروث الشعبي وتلمست فيه جديته واهتمامه بالمادة المرسلة فهو يعنى بقراءتها قراءة جادة وقد يتصل بي بعض الاحيان لتغيير عناوين بعض المقالات التي ارسلها بعنوان يراه انسب مما أخترت، وأحيانا يناقشني عن فقرة وردت في مقال ما، أو يقترح حذف أمر يرى في نشره غضاضة، وهذا يدل بلا شك على عمق الاهتمام والشعور المسؤولية ازاء ما ينشر، وتوخي الدقة في الاختيار.
لقد خسر العراق قامة ثقافية شامخة كان لها أثرها في المشهد الثقافي لتنوع اهتماماته، وقدراته التي اكتسبها بفعل الممارسة وما يكتنز من معلومات لها أهميتها، وما له من مكانة سامية ومحل مرموق بين المعنيين بالتراث الشعبي.

#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات