أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - طفلة في طريق المدرسة














المزيد.....


طفلة في طريق المدرسة


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 8253 - 2025 / 2 / 14 - 08:57
المحور: الادب والفن
    


طفلةٌ تعبر كل يوم فوق كوبري خشبي، تطوعت به نخلة عجوز، وقالت: أتمدد الآن فوق سطح الماء، لأجل الطفلة التي ستمر نحو عالم المدارس والكتابات السحرية...
الطفلة في عبورها اليومي تحدّثُ جميزة الطريق التي وهب زارعها الأصيل ثمارها للطير وللصغار، وتسأل كل يوم: لماذا لم يخلقها الله هدهدًا، أو يمامة تطير فوق المزارع وتغني للطفل الصغير الذي يبيع أعواد البرسيم في ضاحية المدينة الكبيرة؟
الطفلة كلما مرت إلى جوار مقبرة البلاد الغريبة، يأكلها الحزن؛ أن قريبها يرقد وحيدًا هنا، بلا كتبه، ومجردًا من قلمه الباركر الذي استحسنت خطه حين رسم حرف النون لأول مرة، وأحبت من يومها "الشيخ عبد الباسط" حين سمعته يرتل "ن، والقلم وما يسطرون"، وتعْجبُ كيف يمكن لرجل أن يملك صوتًا يشبه حليب الأم؟!
الطفلة التي سكنت إلى حائط الفصل في المدرسة الغريبة، لا تحب الحساب، ولا الأناشيد الحماسية، وترى أن سورة الإخلاص، خلاص للمتعبين من همّ السؤال الفوضوي:
- لماذا لم يتخذ الله صاحبةً ولا ولدا؟!
قروشها التي تسلمها عند الظهيرة إلى يدّ المرأة التي حولت غرفة بيتها على الشارع دكانًا يبيع الحلوى لأطفال المدرسة الغرباء، تمنحها كل يوم قطعة من خبز المدينة الإفرنجي، تنام رقاقة من الجبن الرومي في جوفه، شفافة كقلبها، وبها من ملح التجارب ما يناسب طفولتها كثيرًا...
كل يوم تراقب كيف يمحو الريح أثر الخطو الدبيب لحذائها باللونين الأبيض والأحمر، الذي جاءها سعيدًا من المدينة في العيد الأخير، وتقول:
- غدًا لن يمحوَ الريح أثري على الطريق...
السنون التي فرّت كضفيرتها هناك في البيت، حين كانت تجلس بين ركبتي الأم لتغزلها، لم تعد بعدها نفس الطفلة الوحيدة في طريق الجميزة والمقابر، صارت الناس تمر كشواهد في الخيال، والطفلة لا تكبر أبدًا، وطعم الجبن الرومي في فمها على الدوام...
في كتابها الأخير، تحاول أن تعلّم الناس عن معنى المجون النبيل للصّ القوافي الذي غنى في المقاهي، وتكشف عن أنوثة الرجال حين كانوا رجالاً لا يخجلون من هوياتهم الجنسانية...
الطفلة التي كبرت، صارت الآن أمُّا لطفل، تعلمه ما لم تبح به المدارس، ولا الكتاتيب التي صفّوها على الطريق...
الأم تعلّم ابنها معنى الهوية والوطن رغم البُعاد...
ترسم بكفيها الجميلتين يمامة وغصن صفصاف، وترعة سمحت لجذع نخلة أن يصير كوبري إلى الأحلام...
الطفلة لا تدركُ،
الأم تفهم...
وكلتاهما في لحظة الفجر تفرحان بحذاء العيد الذي جاء من مدينته البعيدة...
دفتر الرسم الذي صار خريطة الأيام، يقول للأم:
- الآن يا طفلتي نامي، نجونا جميعًا من بِركِ السُخام.



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرفض العربي لخطة ترامب بشأن غزة: تحدٍ دبلوماسي جديد في الشر ...
- توترات متصاعدة وخطوط حمراء: مصر وإسرائيل على حافة الهاوية
- كل النصوص ميتة
- أنتَ السؤال
- جثث
- سفر المُبعدين
- أين أنت يا الله؟!!
- أنا وأنت
- حوارات الرب
- ما يخفيه الله عنا. رواية أنور رحماني وحيدًا في مواجهة التماس ...
- ورطة ابن الشمس. قراءة سريعة لرواية رانيا مأمون.
- عصر المحبة الجديد
- المخبر
- في مديح طائر اللقلق
- سفينة نوح -نصّ بالعامية المصرية-
- ساندويتش كومبو
- إبراهيم
- أنا
- الأديب الذري الجائل -أديب القرية نموذجًا-
- قاهرة إنشراح التي هزمت ناصر


المزيد.....




- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...
- رحيل أنتونين ماييه.. الروائية الكندية التي رفعت صوت الأكادية ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مختار سعد شحاته - طفلة في طريق المدرسة