أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثامن والثمانون)















المزيد.....


جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثامن والثمانون)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8251 - 2025 / 2 / 12 - 00:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نموذج الوعي الشقي
لا يمكن تجاوز هذا الفشل ضمن الإطار المتشكك عند هيجل. لهذا يتطور هذا الإطار نحو شكل الوعي الشقي. يشكل هذا الأخير ما بشبه مزيجا من هذا التناقض في الوعي المتشكك والمعارضة السابقة (في القسم أ) بين وعيي السيد والعبد: عن طريق هذا التناقض الوجداني، صار من الآن انفصال الوعي الذاتي الذي ظهر كتعارض بين وعيين مختلفين (السيد والعبد)، مستبطنا: إنه تعارض داخل نفس الوعي الذاتي. تصبح "ازدواجية" الوعي الآن من صميمه: "الوعي الشقي هو وعي بذاته كما بالجوهر المزدوج الذي [ما زال] متناقضا فقط" (289/121). المقصود هنا هو الانشطار داخل الوعي بين واقعه كوعي مفرد، طارئ، علماني، خاص بشخص بشري، وبين خضوعه لـ "كائن غريب" (290/122)، الإله المسيحي.
يمثل هذا الأخير حقيقة وجوهر الوعي الإنساني، لكنه متخارج في صورة كائن خارجه، وبالنسبة إليه لا يكون هذا الوعي الإنساني إلا محدوداً وحقيراً. ها هنا اغتراب ( Entfremdung ) للوعي، يأتي حتى من الاغتراب الذاتي بقدر ما يضع جوهره وحقيقته في تمثل كائن غريب ( fremd ) عنه ومن شأنه أن يهيمن عليه. إن مصطلح الغرابة هذا، fremd، وتطوره في شكل اغتراب للوعي، سوف يتم بلورتهما لاحقا في "الفينومينولوحيا" ليس فقط في ما يتعلق بالثقافة (في القسم (ب) من الفصل السادس)، ولكن أيضا عندما يناقش هيجل المسيحية بمزيد من التفصيل باعتبارها "ديانة ظاهرة"، في القسم (ج) من الفصل السابع. سوف يشير هيجل بالفعل إلى أنه يطور هنا ما تم تصنيفه أعلاه على أنه "وعي شقي"، واصفا من ثمة هذا الوعي الذاتي غير المناسب (لأنه بذاته في الآخر) بأنه "اغتراب معرفته عن ذاته" (832/401).
هذه النظرية في الاغتراب الذي حدث من خلال انشطار ذات ــ أكثر بكثير من نظرية السيد والعبد ــ هي التي سيطورها الهيجليون الشباب، ومن بينهم ماركس، لاقتراح نقد ملحد للدين وكذلك نقدا للعالم السوسيوسياسي.
تنتقل هوية الوعي والواقع بهذه الطريقة إلى وعي يتم تمثله على أنه يقع خارج العقل البشري، وعي الله المتعالي. هذا الانشطار الديني يولد بالتالي معاناة الوعي الإنساني، الذي يشعر بأنه غير جوهري أو خاطئ، ويواجه جوهرا يبدو له متعاليا ولا يمكن الوصول إليه.
النقطة الأولى التي ينبغي أخذها في الاعتبار هي انشطار الوعي الذاتي. بالنسبة إلى هيجل - وهذه نقطة سيتناولها برونو باور، ومن بعده ماركس - يكون الوعي الديني في الأساس وعيا منقسما أو "منقسما داخل ذاته" (289/122). بالفعل، ما يمثل لديه "جوهره" الخاص يكون تخارجا، أو هو "بالنسبة إليه كائن غريب" (290/122). إنه يضع على جانب واحد "الوعي الذاتي البسيط الثابت"، مجردا من احتمالات وتقلبات الوجود الدنيوي، وعلى الجانب الآخر "الذات المتغيرة المتعددة" التي يرى فيها "اللاجوهري" (290/122)، ولكنها تشكل واقعه العادي، وجوده الدنيوي. بين الوعيين، أو بالأحرى في هذه الازدواجية للوعي الذاتي، تنشأ علاقة تراتب وتبعية، لأن الكائن الغريب، الإله المسيحي، هو الجوهري ويحتوي على كل الحقيقة وكل القوة في داخله، بينما يقع الوعي الإنساني على جانب المظاهر البسيطة.
من وجهة نظر إبستيمولوجية، يكون الدين (هنا المسيحية المبكرة والقروسطية) شكلا غير مكتمل من أشكال الوعي الذاتي الذي يتراجع نحو الوعي. اكيد أنه لا يضع الحقيقة في الموضوعية التي تحيط به، بل في الروح. ولكن هذه الروح ليست ملكه، أو بالأحرى لم يتم التعرف عليها بعد باعتبارها ملكه، لأنها متخارجة في صورة روح قادرة على كل شيء وعليمة بكل شيء يوجد خارجها، ونعني بها الله. ما زالت الحقيقة مفهومة من لدن الوعي الديني وفقا لعلاقة الوعي، أي وفقا لتخارجية بين المعرفة (القابلة للخطإ) والحقيقة - وهي حقيقة لم تعد خارجية فحسب، بل متعالية وغير قابلة للإدراك كذلك. النتيجة هي أن الوعي الإنساني، في إطار النظرة المسيحية إلى العالم، يسعى إلى "التحرر من اللاجوهري، أي من ذاته" (290/122). حقيقته تكمن خارجه، ويجب عليه الخروج من ذاته للوصول إليها.
من هنا نفهم لماذا يصف هيجل هذا الوعي الديني بأنه "وعي شقي". إن الوعي الديني يكمن بالفعل في إنكار الذات: إذا كان وعياً ذاتياً، فهو مجرد وعي ذاتي غير مباشر لأن ذاته ليست معروفة على أنها خاصة به ولكنها تنتقل إلى كائن يقع خارجها. يتعامل مع ذاته باعتباره "لا شيء" (291/122) عاجزا وجاهلا في مواجهة الجوهر الإلهي، من هنا تجربة تتميز بـ"الألم" (291/122) والشقاء. لسنا هنا أمام علاقة سعيدة مع الذات، بل أمام تناقض مع الذات، استخفاف بالذات، وتبخيس الواقعه الخاص الذي يختبره الوعي الإنساني في الدين المسيحي. هكذا يرتبط بذاته في "معركة" ضد ذاته، يكون هو ذاته بمثابة "عدو" لذاته (291/122)، طالما أنه لا يستطيع أن يصبح جوهريا إلا بالتخلي عن ذاته، وبفصل نفسه عن خصوصيته. بالنسبة إليه، واقعه وحقيقته يوجدان في مكان آخر، خارج نطاق وجوده العادي الذي هو أرضي. لهذا السبب، وبما أن جوهره منفصل عنه، فإن كل ما يبقى له هو "الألم" و"الحنين" إلى هذا الماورائي وهذه الوحدة المفقودة مع جوهره الخاص (297/125). ولنلاحظ بالمناسبة أنه من خلال هذا الإشارة إلى الحنين إلى الماضي، من المحتمل أن هيجل كان يهدف إلى إعادة تأهيل مسيحية العصر الوسيط من خلال رومانسية يينا، ونوفاليس في المقام الأول، فضلاً عن الطموح الرومانسي إلى المطلق الذي لم يتحقق بالكامل أبدا في أي من المعارف أو الأفعال البشرية، والذي يتسم دائما بالخصوصية. وهكذا، إذا كان المرجع التاريخي الأساسي للوعي الشقي هو المسيحية المبكرة والقروسيطة، يمكن إنشاء مثيل لهذل الشكل في فترات أكثر حداثة.
بناء على ما تقدم، كان التقييم الإبستيمولوجيي الذي قدمه هيجل لهذه العلاقة بحقيقة الوعي الديني صارماً. فهو عنده "يرتبط بموضوعه ارتباطاً لا تفكير فيه" (296/125). ليس له بجوهره علاقة تصور عقلاني، بل علاقة تمثلية وعاطفية، لا تتمكن بهذه الطريقة، من خلال عدم معرفة موضوعها، من الاستيلاء عليه وتحتفظ به في خارجيته: "إن فكره [الذي ليس واحدا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل هو تمثل]، كنوع من الحماس، يظل طنينا بلا شكل لأجراس الرنين أو غزوا دافئا ضبابيا، فكرا موسيقيا لا يصل إلى المفهوم، الذي قد يكون النمط الوحيد للوجود الموضوعي المحايث. "إن هذا الشعور الداخلي الخالص اللامتناهي يحصل بالفعل على موضوعه، ولكن هذا الموضوع ينشأ بطريقة لا ينشأ فيها كموضوع متصور، ولكن لهذا السبب، كشيء غريب" (297/125). ولكي نفهم هذا التقييم، فمن المناسب أن نعود إلى التمييز بين التمثل والفكر الذي أسسه هيجل في بداية قسمنا (ب):
"بالنسبة إلى الفكر ، لا يتحرك الشيء في تمثلات أو أشكال، بل في مفاهيم، أي في كائن في حد ذاته مختلف، والذي ليس، بشكل مباشر، بالنسبة إلى لوعي، كائناً في حد ذاته مختلفاً عنه. إن الممثل، المتشكل، الموجود، كما هو، له شكل وجود شيئ آخر غير الوعي؛ في حين أنه إذا كان المفهوم هو في نفس الوقت كائن بالفعل - وهذا الاختلاف، بقدر ما هو موجود في حد ذاته، هو محتواه المحدد - ومع ذلك، بقدر ما يكون هذا المحتوى في نفس الوقت محتوى متصوراً، فإن الوعي يظل واعيا مباشرة بوحدته مع هذا الكائن المحدد والمختلف؛ وليس كما في حالة التمثل، حيث يتعين عليه أولاً أن يتذكر على وجه الخصوص أن هذا هو تمثله؛ في حين أن المفهوم بالنسبة إلي مباشرة هو مفهومي . (297/116-117)
في التمثل، يتمثل الوعي حقيقة الشيء باعتباره خارجا عن المعرفة التي يأخذها منه. بالمقارنة مع التمثل الذي يجري استيطانا أول للموضوع في ما يتعلق بالحدس، من خلال فصل نفسه عن إدراكه الحسي المباشر، يتخذ الفكر، الذي يسمى هنا المفهوم، خطوة أخرى على سبيل تملك الموضوع، ليس فقط من خلال تمثله ولكن من خلال معرفته.
لكن بالنسبة لهيجل، لا يأتي الوعي الديني من الفكر (إنه "غير مفكر" [296/125]) بل من التمثل. أي أنه لما يشكل الحقيقة بالنسبة إليه، يعطي شكل محتوى موضوعي خارجي عنه، لا يستطيع تملكه (الله والسرديات الإنجيلية). وهو عالق في هذا العنصر التمثلي الذي يمنعه من تملك الروح والتعرف فيها على جوهره. من وجهة النظر هاته، ورغم أن الوعي المسيحي يشكل تقدماً في تزويد الأفكار الهلنستية بالمحتوى، فإنه من وجهة نظر شكل المعرفة، يؤكد هيجل تفوق الرواقية والشكوكية على هذا الوعي، وقد اتخذتا الفكر عنصراً ومبدأ لهما، وأكدتا على الحرية (التي ما زالت شكلية ليس إلا).
(يتبع)
نفس المرجع



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطاع التعليم في الحزب الاشتراكي الموحد يجدد لجنته الوطنية
- ظاهرة التسول بالمغرب.. ضبط رجل ثلاثيني يتوسل بلباس نسائي ولف ...
- ما هيالعبرمناهجية؟ رؤية عامة حول وجهات النظر المختلفة
- ما هي العبرمناهجية؟ رؤية عامة حول وجهات النظر المختلفة (2/2)
- ما هي العبرمناهجية؟ رؤية عامة حول وجهات النظر المختلفة (2/1)
- شهادة المعطي منجب: بنسعيد آيت إيدر، رجل حر ومقاوم مغربي
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- النسخة 17 من المعرض الدولي للفلاحة تضع الماء واستدامة الفلاح ...
- الاتحاد المغربي للشغل يعلن عن إضراب عام يومي 5 و6 فبراير
- خطة ترامب الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من غزة شنيعة للغاية، ...
- عودة إلى إدريس بن علي بمناسبة حلول الذكرى 12 لوفاته
- الصخيرات: متى يوضع حد لتهرب أصحاب سيارات الأجرة الكبيرة من خ ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- الشهادة الضريبية وثيقة تثقل كاهل السوق العقاري في نظر الموثق ...
- وزارة التربية الوطنية تصدر مذكرة تتضمن تدابير للتصدي لانتشار ...
- إقليم الحوز: تصاعد حملة التضييق على نشطاء تلات نيعقوب وسط دع ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- مستفز ومعادٍ للإسلام.. من هو سلوان موميكا، مُدنس القرآن الكر ...
- الكدش تستعد لخوض معركة ضد -الهجوم المُمنهج على الحقوق والمكت ...
- غاسبار كونيغ: -ممارسة السياسة تتطلب من الفيلسوف توضيح الأفكا ...


المزيد.....




- رجل مجهول بشارب رفيع.. اكتشاف صورة مخفية تحت تحفة فنية مشهور ...
- ترامب يُشيد ببوتين بسبب الإفراج عن فوغل ويؤكد: -خطوة مهمة لإ ...
- إسرائيل تتوعد حماس بـ-معارك عنيفة- وإنهاء اتفاق الهدنة في حا ...
- مدفيديف يؤكد على مفهوم -السلام من خلال القوة-
- سفن أمريكية تبحر عبر مضيق تايوان لأول مرة منذ تولي ترامب وال ...
- إستونيا تشهد قفزة قياسية في أسعار الكهرباء بعد انفصالها عن ا ...
- الصين تطلق صاروخ CZ-8A مع أقمار صناعية
- زاخاروفا: كلام زيلينسكي حول تبادل الأراضي -هذيان شخص مريض نف ...
- الحكومة الألمانية تبحث إرسال قوات شرطة إلى رفح
- -البالة- تغيّر وجه السوق السورية.. والصناعة المحلية على محك ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثامن والثمانون)