أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - أيُّ ألأبناءِ أنتْ ؟!!! إضاءاتٌ على المشهدِ الأجتماعي المعاصر














المزيد.....

أيُّ ألأبناءِ أنتْ ؟!!! إضاءاتٌ على المشهدِ الأجتماعي المعاصر


سمير محمد ايوب

الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 22:47
المحور: الادب والفن
    


كتب سمير محمد ايوب

أيُّ ألأبناءِ أنتْ ؟!!!
إضاءاتٌ على المشهدِ الأجتماعي المعاصر

تِلكَ ليلةٌ لم يغمض لي فيها جفن . متَوَجُّعاً على صديقِ عمرٍ لي . يرقد منذ بضعِ سنينٍ ، حزيناً كسيرَ الخاطر ، يُصارعُ بكبرياءٍ وببسالةٍ مُتفائلةٍ ، أوجاعَ السرطانِ المُتقدم ، فوق أحد أَسرة مستشفى ألأمل للسرطان ، في عمان . ليلتَها لم يغمض ليَ جفنٌ ، إثر مُهاتَفةٍ فُجائيةٍ ، كانت خافتةً ، بالكاد تُسْمَعْ ، من الأبنِ البكرِ العاقِّ ، وحيدَ صديقي ، الذي يقضمه مرضه اللعين ، بلا كلل وبلا ملل . يرجوني فيها بإلحاح زيارته ، لحراجةِ حالته الصحية ، إثرَ حادث سيرٍ مُروعٍ ، تَعَرضَ له منذ أيامٍ ، وهو عائدٌ من رحلة قنصٍ ، في بوادي بلاد الشام.
تَردَّدْتُ كثيراً . ولكني سارعتُ إليه ، فليس في المرض شماته ، كالموت تماما . مُحاوِلا تناسي عقوقِه البشع لوالده . ألفيته وحيداً ، راقداً مُتوجعاً على سرير أحد الأجنحة الخاصة ، في أرقى مستشفيات عمان ، ملفوفا بكل انواع الضمادات ، موصولا بالكثيرِ من الأسلاك والخراطيم الطبية.
ما أن رآني ، حتى تناثرت دموعه . وإرتج صوتُه طالباً يدي لِيُقبلها . أبيت بإصرار شديدٍ . وعيناي تدمعان رغما مني . حزنا على صديقي المريض ، وشفقة على ولده المصاب . فأنا اعلم سراديب دمع هذا العاق ، وسِرُّ آهاتِهْ . أشرتُ له قائلاً بِصمتٍ بَوّاحٍ : إهْدَءْ شفاك الله وعافاك . وإندَمْ وتُبْ وإستغفِر ربك ، لعل وعسى . فالله يُحِبُّ التوَّابينَ . فاتَكَ الكثيرُ بالطبع . ولكن بالتأكيد ، لم يَفُتْكَ كل شئ . فأنت لم تُغَرْغِرْ بَعْدُ ولله الحمد . فَويلٌ لِعاقٍّ سبقَ عُقوقَهُ مَوْتَه.
قال مختنقا بدمعه : قُلْ لي يا عَمُّ ناصحاً.
قُلتُ مُحَدقا في عينيه الحمراوين ، مَحزوناً مُشْفِقاً وفي البال والده :سأقول لك مُشْبَعاً بالكثير ، مما قرأت وتعلمت وخبرت ، فيما مضى لي من عمر : إسأل نفسك وأنت هنا في لُجَّةِ ألَمِك قبل ان يمن الله عليك بالشفاء التام ، أي الأبناء انت ؟
وبعد ان يمن الله عليك بالشفاء ، ليتك تسأل نفسك ، قبل كل صلاةِ فرضٍ تُؤديها طاعةً او نوافل تتقربُ بها ، او إبتهال لله ، وانت تطوف مُعتمِراً او حاجاً، أي الابناء أنت ؟
وقبل ان تشتري لزوجك أو لأي من أبناءك ، او حتى لنفسك شيئا ، من أي الابناء انت ؟
وإياك ان تنسى مُساءلةَ نفسك بقسوة لَوامَةٍ ، وان تروح عن نفسك في برك السباحة ، وبوفيهات المطاعم وصالات الفنادق ، مُتلَمِّظاً أنت وأبناؤك ، بأشهى الفواكه وأندرها وخارج مواسمها ، حقا انت من اي الأبناء ؟
إن كنت لا تدري بعد ، فإعلم ان ألأبناء يا هذا ، ليسوا للوالدين ، سواء كما يقولون:
أحدهم : لا يفعل ما يأمره به والداه ، فهذا ( عاقّ ) والعياذ بالله.
وآخر : يفعل ما يُؤمرُ به وهو كارهٌ ، فهذا فيما أظن ( لا يُؤجر ).
وصنفٌ ثالثٌ : يفعلُ ما يُؤمرُ به ، ويُتبْعِه بالمَنّ والأذى والتأفّفِ ورفعِ الصوت ، فهذا ( يؤثم ) والعلم عند الله.
وهناك من يفعل ما يُؤمر به ، بطيبِ نفسٍ ، فهذا ( مأجور ) إن شاء الله.
وزينتهم من يفعلُ ما يُريده والداه ، قبل أن يأمروا به ، فهذا هو ( البارُّ المُوفّق ) ، رضوان الله عليه.
لا تَسأل عن بركةِ أعماركلِ نوعٍ منهم ، ولا عن سعة أرزاقهم ، وانشراح صدورهم ، وتيسير أمورهم . فذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ، وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
حدق في وجهي مطولا ، والدمع يَقْطرُ من سَكْسوكَةٍ مصبوغة بشئ من بقايا دمه ، مشذبة مهذبة ومقلمة ، تزين ذقنه المخروطي . وسأل بِعبراتٍ مُختَنِقةٍ كيف أصلح أمري ، أبروالدي ، وقد بلغا كما تعلم خريف العمر ؟!
قلتُ مُشفقاً عليه ، مما هو فيه وعليه حاله وحال والده ووالدته:
كل صباح ، قبل أن تشرب قهوتك او تشعل سيجارتك ، وكل مساء قبل ان تقبِّل زوجتك او ايا من ابنائك ، إسأل نفسك ؛ ما هو بر الوالدين ؟! لتعلم علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين ، ان البر ليس مُجرَّد قبلةٍ تطبعها على وجنة أمك أوخَدِّ أبيك ، أو على أيديهما، أو رأسهما او حتّى على قدميهما، فتظنّ أنّك بلغتَ غايةَ الرضى.
فالبر هو : أن تَسْتشِفَّ بِحاستكِ السادسةِ والسابعةِ والثامنةِ حتى الحاسةِ التاسعةِ والتسعين ، ما في قلبهما او تستشعره ثم تنفذه ، دون أن تنتظر منهما أمرًا . أن تعلم ما يريحهما ويسعدهما ويرفه عنهما . فتسارع إلى فعله . وأن تدرك ما يؤلمهما . فتجتهد أن لا يرونه منك أبداً . حتى لو كان أيا من ذلك على حساب سعادتك . فلم يعد لهما في شيخوختهما ، الكثير مما يجلب السعادة والفرح.
ومن البر أيضا لو أردت ان تسمع ، أن تُخطِّط لعمرة أو زيارة للحرم ، لا يدريان عنها ، إلا وهم هناك ، في الفندق الأنيق الذي يستحقانه . فكل ما أنت فيه ما جاءك ، إلا بسهرهما وتعبهما وقلقهما . وجهد الليالي التي أمضياها في رعايتك.
وإعلم قبل أن أغادرك مُؤقتاً ، أن طُرُقَ البِرِّ المُؤدِّية إلى الجنة ، كثيرةٌ . فلا تَحصرها بِتحيةٍ عابرة مُجامِلَةٍ من غير نفس ، اوبقبلة تؤديها وكأنها خدمة علم ،او بكمشة دنانيراو ببطيخةٍ او كيلو معمول ، كأنها رِشوةٌ او صَدقةٌ لِمُتسولين أو أبناء سبيل ، قد يعقبها الكثير من التّقصير.
واعلم يا رعاك الله وشفاك ، أن برّ الوالدين ليس مناوباتٍ وظيفيَّة ، بينك وبين إخوانك . بل مُزاحماتٌ على أبوابِ الجنّة إن تمنيت وعملت.



#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحفيدتي الغالية جود، يحفظها الله.
- سَلَفِيٌّ في الحب ...!!! احافير في الحب - النص الخامس
- هل الحب رزق مقدر، أم سعي محسوب، أومصادفة؟! أحافير في الحب – ...
- الجميلون لا يأتون من لا شيء - جدل البدايات والنهايات!!! أحاف ...
- فاصل وواصل !!! أحافير في الحب – النص الثاني
- هيا قُمْ، فدربُ الآلام في انتظار قيامتك!!! أحافير في الحب - ...
- بعض نقاط وبعض حروف ... إضاءة سريعة على المَوْلِدْ في سوريا ! ...
- يا رب لوط، أقم قيامتك، سبحانك!!! إلتفاتة الى ما يجري في امة ...
- التلمود اليهودي هو أصل الشر - وعد بلفور عتبة
- الحساب المفتوح، مقاومة حتى النصر... إضاءة على المرحلة الحالي ...
- ككل عام، عاد ...
- الانتخابات النيابية - تداعيات وتبعات إضاءة على المشهد في الا ...
- إلا أنت وأنا ... احافير في الحب
- جُلُّ الأمصارِ غائبة يا غزة !!! أضاءة على ملحمة الطوفان ...
- اللعنة على كل من يستحقها اضاءة على واقع الحال والمآل !
- أعداء الحياة والربيع إضاءة على ملاحم الطوفان في فلسطين
- سابع أخر في تموز جديد، لا تَمُتْ قبلَ الموت؟
- أحجية اليوم التالي ... إضاءة على المشاهد غزة العزة
- غطرسة الفقر نوافذ على بعض ما قد مضى من العمر - الثانية
- نوافذ على بعض ما قد مضى من العمر النافذة الاولى


المزيد.....




- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...
- بعد عبور خط كارمان.. كاتي بيري تصنع التاريخ بأول رحلة فضائية ...
- -أناشيد النصر-.. قصائد غاضبة تستنسخ شخصية البطل في غزة
- فنانون روس يتصدرون قائمة الأكثر رواجا في أوكرانيا (فيديو)
- بلاغ ضد الفنان محمد رمضان بدعوى -الإساءة البالغة للدولة المص ...
- ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام
- جامعة الموصل تحتفل بعيد تأسيسها الـ58 والفرقة الوطنية للفنون ...
- لقطات توثق لحظة وصول الفنان دريد لحام إلى مطار دمشق وسط جدل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - أيُّ ألأبناءِ أنتْ ؟!!! إضاءاتٌ على المشهدِ الأجتماعي المعاصر