أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غالب احمد العمر - سوريا بعد الأسد: بين التعددية السياسية وشبح الاستبداد















المزيد.....


سوريا بعد الأسد: بين التعددية السياسية وشبح الاستبداد


غالب احمد العمر

الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 20:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نشأ الفرد السوري في ظل حكم ديكتاتوري ونظام قمعي شمولي، حُرم فيه، كما حُرمت أجيال قبله، من أي نشوء سياسي أو فكري طبيعي قائم على فهم مجتمعه وتنوعه وتعقيداته. طوال مراحل تطوره الفكري، لم يُسمح له حتى بالاستفسار عن قضايا بديهية أو طرح أفكار تعكس نموه الطبيعي كفرد في مجتمع حر.

عاش السوري في حالة من الاغتراب الفكري والمجتمعي عن واقعه وعن ذاته، ولم تُتح له الفرصة لفهم ما يعنيه أن يكون جزءًا من مجتمع متنوع، متعدد الهويات والانتماءات، قادرًا على استيعاب اختلافاته بدلًا من قمعها أو إنكارها. لم يُسمح له بنشوء وعي سياسي مستقل أو تطور فكري حر، فغُيِّبت التربية السياسية، وأُجهضت أي محاولة لفهم التنوع السوري كقوة بدلاً من تهديد.

لقد نشأ السوري في بيئة لم يُسمح له فيها بأن يتعرف على وطنه كما هو، بل كما أُريد له أن يكون، حيث فُرضت عليه هوية سياسية مصطنعة تخدم السلطة فقط، وسُلب منه حقه في أن يكتشف مجتمعه ويفهمه ويساهم في تشكيله بوعي.

 

عقود طويلة لم نرَ فيها سوى الرئيس الميت وابنه الهارب.

عندما كنت طفلًا في السابعة، كنت أشاهد على القناة الأولى خطابات الرئيس الميت وأحاديثه، وأرى الناس من حوله يصفقون ويهتفون له بلا انقطاع. حينها، ظننتُ أنه ملك العالم كله، وأنه يحكم جميع البشر. ومع مرور السنوات، بدأت أكتشف أنه ليس سوى زعيم عالمي، ثم تقلصت رؤيتي لاحقًا لأدرك أنه زعيم العالم العربي، ثم زعيم بلاده فقط. ومع نضوجي أكثر، أدركتُ أنه لم يكن سوى محافظٍ في مدينة عريقة، بل وأكثر من ذلك، أنه حوّلها إلى مجرد حي صغير، فقط ليضمن استمرار حكمه، ثم نصب ابنه عليها مختارًا، وكأنها لم تكن يومًا مدينة نابضة بالحياة والتاريخ.

كنتُ أشاهد الثورات تنتقل من بلد إلى آخر، وأتساءل: هل يمكن أن تحدث انتفاضة في سوريا؟ هل يمكن أن يخرج شيء يعبّر عن رفض هذا النمط السياسي المفروض علينا جبرًا، والذي لم يكن سوى شكل آخر من أشكال الاحتلال؟ وعندما كنتُ أسمح لنفسي بالتفاؤل، كنتُ أتساءل: هل يمكن أن تتحول إلى ثورة حقيقية؟

 

وفعلًا، اندلعت الثورة، وأسقطت الأسد ونظامه، وهدمت أركان حكمه، ودمرت رموز سلطته، وأذلت كل من طغى وتجبّر، كل من قتل واغتصب وهدم وشرّد. كان نصرًا يعتز به كل حرّ شريف يمتلك ذرة إنسانية، نصرًا ضد نظام لم يسبقه أحد في إجرامه، نظام مارس القهر والظلم لعقود، حتى دمّر المجتمع، وحوّل شعبنا السوري إلى لاجئين مشرّدين في أصقاع الأرض.

لكن مع الفرح بسقوط النظام، بدأ يتسلل إليّ شعور معاكس. كلما فرحتُ بانهياره، تساءلتُ: ما القادم؟ هل سنكون بلدًا تقدميًا؟ أم سيعود الحكم الديكتاتوري بوجه جديد؟ هل سنصبح دولة ذات سيادة حقيقية؟ هل ستحترم السلطة الجديدة الشعب؟ وهل سيثق الشعب بحكامه؟ والأهم: هل عادت لنا سوريا؟

الأسئلة التي تراود كل من حلم بسوريا جديدة، حرة وديمقراطية. هل سأشاهد أحزابًا سياسية حقيقية تتنافس في انتخابات نزيهة؟ هل سيكون هناك برلمان منتخب يمثل إرادة الشعب فعلًا، وليس مجرد واجهة شكلية؟ هل سأرى رئيسًا يصل إلى السلطة بإرادة الناس، ويغادرها عندما يقررون، دون أن يصبح حاكمًا أزليًا؟

هل سنشهد حياة سياسية حقيقية، حيث يختلف الناس في الرأي دون أن يخافوا من الاعتقال أو التصفية؟ حيث تتداول السلطة سلميًا، ويكون القرار للشعب، لا لمخابرات أو عسكر أو زعيم مستبد؟

الطريق طويل، والماضي مليء بجراح القمع والخوف، لكن يبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لصناعة مستقبل مختلف، أم أن سوريا ستبقى حبيسة الاستبداد بأشكاله المختلفة؟

 

المشهد السياسي في سوريا بعد الأسد: سيناريوهات وتوقعات

للوصول إلى بيئة سياسية تشاركية وتعددية في سوريا، لا بد من دراسة التشكيلات الحزبية المحتملة بعد الأسد، والتي ستعتمد على مجموعة من العوامل، أبرزها طبيعة التغيير السياسي، التوازنات الإقليمية، والمجتمع السوري نفسه، الذي غالبًا ما يكون متأثرًا أكثر مما يكون مؤثرًا. في ظل هذه المعطيات، تبدو الفرصة مهيأة لنشوء أحزاب ذات طابع تنموي واجتماعي أكثر من الأحزاب العقائدية، إذا كان هناك نظام سياسي ديمقراطي حقيقي لا ديكتاتوري، فستظهر الأحزاب التنموية بقوة، وإلا فسيغلب الطابع العقائدي بطبيعة الحال، إذ ستتمكن الأحزاب الأيديولوجية من العمل بحرية والتنافس على النفوذ، مما قد يؤدي إلى مشهد سياسي معقد وغير مستقر في البداية.

الأحزاب الإسلامية

من المرجح أن يكون للإخوان المسلمين دور سياسي مهم، لكنهم لن يسيطروا على الساحة بالكامل، خاصة بعد تجارب الإسلاميين في دول أخرى مثل مصر وتونس. قد تنشأ عدة أحزاب إسلامية، بعضها يتبنى نموذجًا براغماتيًا شبيهًا بحزب العدالة والتنمية التركي، بينما قد يكون بعضها الآخر أكثر تشددًا. أما التيارات السلفية الجهادية، فمن المتوقع أن تضعف سياسيًا لكنها ستظل حاضرة على الهامش.

الأحزاب القومية

الأحزاب القومية العربية قد تستمر، لكنها ستواجه تحديات بسبب التراجع العام للفكر القومي في المنطقة. في المقابل، قد نشهد صعود حزب قومي تركي مدعوم من تركيا، يسعى إلى منح شرعية للوجود التركي في الشمال السوري، ممهّدًا بذلك لقضم المنطقة تدريجيًا.

في المقابل، ستتراجع الأحزاب القومية الكردية، متجهة نحو تشكيل أحزاب يسارية وديمقراطية جامعة للاتجاهات السورية، بهدف تعزيز دورها القيادي من خلال المطالبة بدور سياسي أكبر. وربما تحصل على شكل من أشكال الحكم اللامركزي، خاصة إذا حظيت بدعم من قوى إقليمية ودولية.

 

الأحزاب اليسارية

قد يكون للأحزاب اليسارية والاشتراكية الديمقراطية دور محدود، نظرًا لانحسار الفكر اليساري عالميًا وتراجع تأثيره في المنطقة. ومع ذلك، قد تجد بعض الأحزاب ذات التوجه الاجتماعي الديمقراطي مكانًا لها، خصوصًا إذا استطاعت تقديم رؤية اقتصادية تلبي احتياجات إعادة الإعمار والتنمية.

الأحزاب الليبرالية والرأسمالية

مع الحاجة لإعادة الإعمار وجذب الاستثمارات، من المحتمل أن تظهر أحزاب ذات توجه ليبرالي اقتصادي، لكنها ستواجه تحديات كبيرة في مجتمع لا يزال متأثرًا بالاقتصاد المركزي الذي ساد خلال حكم النظام السابق. كما أن البيئة السياسية والاجتماعية غير المعتادة على الاقتصاد الحر قد تعرقل نمو هذه الأحزاب في المدى القصير.

أحزاب تجمع بين القومي والديني

من المحتمل أن نرى أحزابًا تجمع بين القومية العربية والإسلام السياسي، وهذه الأحزاب ستكون سيدة الموقف وستتصدر المشهد، وقد تستحوذ على الدولة وتعيد هيكلتها وفقًا لأيديولوجيتها، من خلال التوفيق بين الهوية القومية والدين كأساس للخطاب السياسي.

 

الأحزاب المحلية والمناطقية

قد نشهد ظهور أحزاب محلية ذات طابع مناطقي، خاصة في الجنوب والساحل، بدلًا من أحزاب وطنية جامعة. كما أن بعض التشكيلات العسكرية التي أصبحت قوى أمر واقع قد تسعى لإنشاء أذرع سياسية لها، ما قد يؤدي إلى تشرذم المشهد الحزبي على أسس مناطقية وعسكرية.

دور الفواعل الإقليمية والدولية

القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران والدول الخليجية ستسعى لدعم تيارات معينة وفقًا لمصالحها، بينما قد تشجع الدول الغربية أحزابًا ذات طابع ليبرالي أو تكنوقراطي، خاصة في إطار إعادة الإعمار. في المقابل، روسيا وإيران، إذا استمر نفوذهما، قد تعرقلان نشوء تيارات سياسية معارضة لمصالحهما.

تحديات بناء هوية وطنية جامعة

الهوية الوطنية السورية ستكون موضع صراع بين التيارات القومية والإسلامية والمحلية، ما قد يؤدي إلى تحالفات سياسية متناقضة أحيانًا. وقد يكون هناك نوع من التوازن الهش بين مختلف الأحزاب والقوى، على غرار ما نشهده في دول مجاورة مثل العراق ولبنان.

السيناريوهات المحتملة للمشهد السياسي:

 

نظام سياسي تعددي مع انقسامات حادة
قد تتشكل عدة أحزاب، لكن النظام سيظل غير مستقر بسبب التجاذبات السياسية والطائفية والمناطقية، مما قد يؤدي إلى فترات من الانفتاح والتضييق تبعًا للظروف الأمنية.

نظام يحكمه تحالف من القوى السياسية والعسكرية
قد نشهد نموذجًا يشبه العراق، حيث يوجد توازن هش بين الأحزاب ذات الخلفيات المختلفة، مع نفوذ قوي للقوى المسلحة.

ديكتاتورية جديدة بغطاء ديمقراطي
قد يظهر طرف قوي (مدني أو عسكري) يحكم باسم الاستقرار، مع السماح بوجود معارضة شكلية.

"سقوط الأسد لا يعني بالضرورة انتقالًا سلسًا إلى الديمقراطية الليبرالية، بل قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار، حيث تتنافس قوى مختلفة على السلطة. يشير تاريخ المنطقة وتجارب دول أخرى في الانتقال السياسي إلى أن السيناريوهات المحتملة تشمل:

ديمقراطية هشة: قد تنشأ تعددية سياسية، لكن الصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية قد تجعل الاستقرار أمرًا صعبًا.

تحالفات غير مستقرة: قد تتشكل حكومات توافقية بين قوى متنافسة، لكنها قد تعاني من الانقسامات والصراعات المستمرة.

ديكتاتورية جديدة: قد يظهر نظام جديد بواجهة مختلفة لكنه يظل استبداديًا، سواء عبر حزب واحد، زعيم قوي، أو حتى حكم عسكري.

قد يصبح السيناريو الأخير واقعًا إذا تمكنت جهة واحدة من فرض سيطرتها على الدولة، سواء بالقوة أو بدعم خارجي، مما يعيد إنتاج نموذج الحكم السلطوي تحت اسم جديد وبشعارات جديدة.

يبقى السؤال الأساسي: هل ستسمح القوى المحلية والإقليمية والدولية بحدوث تغيير حقيقي، أم أن المصالح المتشابكة ستعيد إنتاج نظام مشابه لما هو قائم، ولكن بوجوه جديدة؟

 

 



#غالب_احمد_العمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التكنوقراطية وتحدياتها في معالجة الأزمة السورية: ضرورة تبني ...
- الطبقة المؤيدة للنظام: عوامل التشكيل ودوافع الدعم وتأثيراتها ...
- التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري: أبعاد أمنية وسياسية وصرا ...
- سوريا بين الهيئنة والادلبة
- الديون البغيضة: أداة لقمع الشعوب ودعم الأنظمة الديكتاتورية
- خطط أزلام الأنظمة الاستبدادية بعد سقوطها: من التخريب الداخلي ...
- المحاسبة دون عقاب: آلية لتحقيق العدالة التصالحية والمصالحة ا ...
- قراءة في المشهد السوري الحالي
- أنت كوردي إذاً فإنت pkk!!!!
- قصة جحا
- المجرم بريء حتى وان ثبت اجرامه
- هوية مجتمع مقيد
- ثورتنا السورية
- ذبح جنيف2
- ثورة ام سياسة
- الاكراد بيت عزاء لاينتهي
- قراءة في سياسة الهيئة الكوردية العليا
- القصير قصة صمود لم تكتمل
- الوجه الحقبقي لpyd
- الاكراد من تهميش الى اقصاء


المزيد.....




- من الجو.. شاهد اللحظات الأولى لانهمار شلال في سلطنة عُمان
- حمد بن جاسم يعلق على خطة ترامب بشأن غزة ودعوة نتنياهو لـ-إقا ...
- صحيفة: رئيس وزراء اليابان يشدد لهجته حول جزر الكوريل
- بلغاريا: شموع على جرار العسل وصلوات تكرم القديس هارالامبوس ...
- اختبار جديد يتنبأ بمرض ألزهايمر قبل ظهور الأعراض
- مواصفات هاتف Oppo Find N5 المنتظر
- كيف نتخلص من إدمان قطرات الأنف؟
- روبيو يشيد بالجهود المصرية بشأن غزة ويؤكد استحالة بقاء -حماس ...
- هل تؤثر زيادة الوزن على القدرات المعرفية؟
- رصد تشابه بين أغاني الحيتان الحدباء واللغات البشرية


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غالب احمد العمر - سوريا بعد الأسد: بين التعددية السياسية وشبح الاستبداد