أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - الزمن!














المزيد.....


الزمن!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 15:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقلم : د . ادم عربي

لا يوجد شيء أوْ ظاهرة أكثر تعقيداً وإثارة للحيرة من "الزمن". فعلى الرغم من كلِّ الجهود التي بذلها العلماء العباقرة مثل آينشتاين وهوكينغ وغيرهم لتفسيره وتبسيطه، يبقى الزمن لغزاً غامضاً يصعب على العقل البشري فهمه بشكل كامل. بلْ يمكن القول إنه اللغز الأكبر الذي يواجه البشرية، حيث يتحدى كل محاولات الفهم والتفسير، ويظل سراً محيراً للأفكار والعقول.

في هذه المقالة، لن أخوض في الحديث عن "الزمن" من منظوريه الفلسفي والفيزيائي، ولن أتطرق إلى تفسيراته كما قدمها آينشتاين في نظريتي "النسبية الخاصة" و"النسبية العامة"، أو كما أوضحته النظرية الكونية الكزمولوجية الأبرز في القرنين العشرين والحادي والعشرين، وهي نظرية "الانفجار الكبير". فالمجال هنا لا يتسع لمثل هذه التفاصيل العميقة.

بدلاً من ذلك، سأركز على كيف يؤثر فهمنا "العام" أوْ "الشعبي" للزمن على طرق عيشنا وتفكيرنا، وكيف يشكل نظرتنا إلى الحياة والأشياء من حولنا.
لطالما أثار إعجابي ذلك الفلاح المتواضع الذي ورد في قصة قرأتها في طفولتي، حيث تحدث عن الماضي والحاضر والمستقبل بحكمة تفوقت حتى على حكمة بعض الفلاسفة. كان يرى أن الحياة التي يعيشها، كما يفهمها، هي مجرد "اللحظة الحالية"، أي "الآن" فقط. فالماضي بالنسبة له قد مضى وانتهى، ولن يعود أبداً، فلماذا نستمر في العيش والتفكير وكأننا ما زلنا مرتبطين به، أو كأنه لم يتركنا بعد؟!

أما بالنسبة للمستقبل، فهو لم يأتِ بعد، ولا نملكه ولا يملكنا، وعلمه يعود إلى الله وحده، علام الغيوب. فلماذا نعيش وكأننا قد وصلنا إليه بالفعل، أو كأننا جزء منه؟!

اللحظة الوحيدة التي نمتلكها في هذا الزمن هي "الحاضر"، أو ما نسميه "الآن". علينا أنْ نعيش هذه اللحظة بكلِّ طاقتنا وقدرتنا على الحياة، وأنْ نتفاعل معها بشكل كامل، لأنَّ هذا التفاعل هو الصلة الوحيدة بيننا وبين "الواقع". النتائج التي تترتب على هذا التفاعل تعمل كممحاة تمكننا من مسح الكثير من إرث الماضي الذي لا نرغب فيه، كما أنها تشكل "البذور" التي تحتضن بداخلها "المستقبل"، والذي سيأتي من نموها وتطورها.

قليلون هم من يعيشون ويفكرون بطريقة تعكس فهمهم العميق لحكمة ذلك الفلاح البسيط، الذي أظن أنَّ الشاعر إيليا أبو ماضي كان يشير إليه عندما قال في إحدى قصائده: "أحكم الناس في الحياة أناسٌ علَّلوها فأحسنوا التعليل".
معظمنا يعيش تلك "اللحظة"، أي "الحاضر" أوْ "الآن"، في حالة من الانفصال التام عنها، وكأنها لا تحمل أي قيمة في مقياسنا، فلا نؤثر فيها ولا نتأثر بها. تفكيرنا منشغل إما بما مضى أو بما لم يحدث بعد، مما يجعلنا أسرى لزمنين غير واقعيين، غير حقيقيين، هما "الماضي" و"المستقبل". هذا الانفصال الفكري والنفسي والعملي يحكم علينا بالبقاء عالقين في هذين الزمنين الوهميين.

"الشخص الذي يعيش خارج نطاق "اللحظة الراهنة"، أي بعيداً عن "الحاضر" أوْ "الآن"، يمتلك حالة نفسية تؤدي إلى الأذى أكثر من الفائدة. هناك شعوران يسيطران عليه دائماً: الشعور بالندم والحسرة على ما مضى وانتهى، وكذلك، الشعور بالخوف والقلق من المستقبل والآتي.

تخيلوا تبعات الفعل والعمل الناتجة عن نفسية شخص يعيش الحاضر وهو مغرق في مشاعر سلبية تضر أكثر مما تنفع، وتعبر عن علاقة غير سوية بالماضي والمستقبل.

يكفي أنْ يسيطر الندم والحسرة على الماضي على الشخص حتى تتلاشى الحكمة من تفكيره ورؤيته للأمور وما مضى من حياته، فالماضي في جوهره أمر غير قابل للتغيير أو الإلغاء.
كثيراً ما نسمع شخصاً يقول: لو أتيح لي العودة بالزمن إلى الوراء، لكنت قد فعلت هذا الأمر، أو تجنبت فعل ذاك!

إنها حكمة تفتقر إلى جوهر الحكمة، لأن التوصل إلى قرار بفعل شيء ما أوْ الامتناع عنه إذا عادت عقارب الساعة إلى الوراء، لم يكن ممكناً لو لمْ يمر الشخص بتجربة القيام به ومعاناة تبعاتها. كيف يمكن لشخص أنْ يقول: "لن أفعل هذا الذي فعلته" إذا لم يخض تجربة الفعل وتحمل عواقبها؟"


ظهرت الحكمة الزمنية للفلاح البسيط في إدراك اللحظة المناسبة بوضوح في قرار لينين بتحديد موعد الثورة البلشفية في 24 أكتوبر 1917 حسب التقويم الروسي القديم. فقد أوضح لينين لرفاقه أنَّ التوقيت الأمثل هو الرابع والعشرين من أكتوبر، لأنَّ البدء في الخامس والعشرين سيكون متأخراً جداً، بينما في الثالث والعشرين سيكون مبكراً أكثر من اللازم. هذه الرؤية الدقيقة للزمن تعكس فهماً عميقاً لأهمية التوقيت في تحقيق الأهداف الكبرى.
إنَّ استخدامنا "ميزان الزمن" في تقييم أقوالنا وأفعالنا يجعلنا ندرك "الأضداد" في حياتنا ومواقفنا وأفكارنا على أنَّها "نسبية الحقيقة" ، فالقرار الذي يبدو خاطئاً قد يكون صحيحاً إذا اُتخذ في غير وقته المناسب، سواء كان قبله أو بعده. وبالمثل، فإن القرار الصحيح يمكن أنْ يكون ما اعتقدناه خطأ سابقاَ، لكنه أصبح عين الصواب عندما اُتخذ في الوقت الملائم، سواء اليوم أوْ في المستقبل.

لا قيمة تُذكر لـلتجارب إنْ لمْ نستخلص منها الدروس والعِبر التي تُثري حياتنا، فـالماضي يُعد مرجعاً للعِظة والتعلم فقط. أما المستقبل، فهو مصدر الأمل الذي يمنحنا الطاقة لمواصلة العيش في الحاضر. في المقابل، يظلّ الحاضر هو اللحظة الحقيقية التي نعيشها، وهو مجال التفاعل مع الواقع بكل تفاصيله. ومن يفقد ارتباطه بـ "الآن"، سواء في أفكاره أوْ مشاعره أو أفعاله، يفقد بذلك جوهر الحياة ذاتها!



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البراءة والخطيئة!
- يجب الارتقاء بصناعة الإنسان في مجتمعاتنا!
- أوهام البقاء!
- سوء فهم أفكار ماركس!
- الحرب والأخلاق!
- القمر والنار!
- حرب البترودولار!
- مشكلة الفهم والتفسير في السياسة!
- خُمرُ المَعابِد!
- هل نستحق الديموقراطية؟
- قرصة برغوث!
- في المنظمات اللاحكومية!
- هطل الثلج!
- بعض من فلسفة التاريخ !
- انهيار النجم على نفسه!
- حرب القضاء على الوجود العربي!
- الصين وما أدراك ما الصين!
- تعالي!
- على خاصرة الريح!
- اللِيبِرَالِيَّةُ فِي بِلَادِنَا مَيِّتَةٌ، بَينَمَا اللِيبِ ...


المزيد.....




- زلزال بقوة 5.1 يضرب شمال المغرب دون أنباء عن ضحايا
- الجيش الإسرائيلي يعلن عن إجراءات قرب غزة ردا على تهديد -حماس ...
- زلزال بقوة 5.1 يضرب شمال المغرب
- الحرائق تدمر غابات باتاغونيا وتهدد مناطق أخرى
- ترامب يتوعد حماس بفتح أبواب الجحيم إذا لم يعد الرهائن من غزة ...
- الجيش الإسرائيلي يرفع حالة الجاهزية استعدادا لسيناريوهات مخت ...
- ترامب يدعو لإلغاء اتفاق وقف إطلاق النار إذا لم يتم تسليم الر ...
- زلزال بقوة 5.1 درجة يهز شمال المغرب
- عاجل | ترامب: إذا لم تتم إعادة كل الرهائن من غزة بحلول ظهر ا ...
- الجامعة العربية: الحكومة السورية هي من تقرر مستوى تمثيلها في ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - الزمن!