|
الصومال وتنظيم الدولة الإسلامية
خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 09:51
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
في شمال شرقي الصومال هناك مواجهات مسلحة مع تنظيم الدولة الإسلامية لشرق وشمال أفريقيا- داعش والمتواجد في الصومال، والذي يضم كم كبير من حاملي جنسيات عربية، أفريقية واسيوية، جمعتهم بقعة جغرافية في الصومال ممثلة في محافظة الشرقية، والتي تشكل كمنطقة هامة وكبيرة في مساحتها الجغرافية، وتطل على سواحل بحرية في كل من خليج عدن، بحر العرب، المحيط الهندي، وهو ما أسفر أن تصبح المحافظة كخندق تتمركز عنده كم كبير من الصراعات السياسية والقبلية القائمة في محافظات شمال شرقي الصومال.
والمعلوم أن هذه المحافظة كانت محل استهداف من قبل حركات مسلحة للاسلام سياسي الصومالي منذ عام ١٩٩١، كمثال تنظيم الإتحاد الإسلامي الذي أتخذ من مرفئ بوصاصو مركزا له، ومرورا بحركة الشباب التي أتخذت من مرتفعات جلاجلا موطنا لها منذ عام ٢٠٠٤، وذلك على خلفية خلاف قبلي بين قبيلتي ورسنجلي ومجيرتين، حيت تمترست الأولى خلف حركة الشباب، بينما أتخذت الثانية إدارة كانتون جاروي كذراعها السياسي.
داعش سيطر على أراضي كثيرة في محافظة الشرقية في الصومال واقام معاقله في المناطق الجبلية الوعرة وذلك على مدى أعوام، في حين لم يعمل الكانتون على القيام بمواجهة جادة لواقع التوسع الجغرافي الذي مارسه التنظيم طيلة الأعوام الماضية، ومن ثم أدى ذلك إلى اكتسابه كتلة كبيرة من المؤيدين بين الاهالي.
ترى أين كان القائمين على كانتون جاروي خلال تلك السنوات التي بسط فيها تنظيم داعش سيطرته على تلك الأراضي؟! حين قام التنظيم باستهداف الكانتون بصورة متكررة، ناهيك عن نيله من السلم الأهلي واستهدافه المدنيين في عملياته وترويعهم باستمرار، ناهيك عن ابتزازه المالي للقبائل والوسط التجاري وفرضه عليهم سياسته وإدارته في محافظة الشرقية.
ويجب استيعاب أن داعش أصبح جزء من الصراع الداخلي الصومالي ولا سيما النزاع القبلي التاريخي المستمر ما بين عشيرة علي سليمان والتي ساهمت في تواجد داعش على أراضيها، وذلك في ظل نزاعها مع عشيرة عثمان محمود، أدى إلى خلق حالة تحالف سياسي وعسكري ما بين العشيرة والتنظيم السياسي المتطرف دينيا، ومن ثم دفع السياق نفسه عشائر أخرى أن تتجه إلى المنحى ذاته.
ومن تجليات ذلك النزاع القبلي العشائري التاريخي مقتل الرئيس الصومالي السابق عبدالرشيد علي شرماركي المنحدر من عشيرة عثمان محمود على يدي الجندي سعيد يوسف إسماعيل المنحدر من عشيرة علي سليمان، وذلك على خلفية نزعة عشائرية، وكم الحروب والمواجهات التي تمت بين عشيرتي عثمان محمود وعلي سليمان، تعتبر ترجمة فعلية لابعاد الصراع الطويل.
السؤال هو لماذا اختار القائمين على كانتون جاروي المسمى أرض البونت، مواجهة داعش في هذا التوقيت؟! والذي لا يمكن اعتباره بأنه مجرد صدفة عابرة، بقدر ما أنه يمثل بتوقيت تم اختياره بدقة وتوجه مدروس سياسيا. ناهيك عن العمل المتعمد لضرب سيادة الصومال في مقتل إثر رفض التنسيق مع الحكومة الصومالية وتجاوزها بشأن ملف داعش، وتغليب حالة الصراع السياسي على المصلحة الصومالية العليا.
الخلفية التي تقف وراء ذلك جاءت كمحاولة إستثمار سياسي لدعم الخارجي وذلك بعد أن حاصر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود كانتون جاروي سياسيا واقتصاديا وقطع المنح القادمة من المجتمع الدولي تجاه الإقليم، ووصول العلاقات بينهما إلى طريق مسدود، بلغت اشتراط الحكومة الصومالية، أن تكون مقديشو قناة التواصل بين جاروي والعالم الخارجي في ظل الحرب على تنظيم داعش.
وقد جاء إجراء جاروي كمحاولة للهروب إلى الأمام وقطع الطريق على الرئيس حسن شيخ محمود، في ظل صراعه السياسي مع القائمين على كانتون جاروي، والذين يمثلون تحديا سياسيا بالنسبة له، خاصة وأن هناك اختلاف على فحوى العملية الانتخابية الرئاسية القادمة، وما تحويه من جزئيات، خاصة وأن كلا الطرفين يعمل على طريقته لأجل الاعداد للانتخابات الرئاسية القادمة.
أيضا فإن الغرض من مواجهة داعش في هذا التوقيت يأتي على خلفية التغطية على الصراع القائم ما بين إدارة خاتمو واهالي منطقة ماخر من جهة مع الكانتون الانفصالي في شمال الصومال، حيث هناك حالة تنسيق معلن ما بين جاروي وهرجيسا، بشأن تضييق الخناق على القوى الوحدوية في شمال الصومال، وفي ظل تخوف كانتونات جاروي وهرجيسا من أن يقطع الوحدويين في شمال الصومال عليهم الطريق وواقع التغول السياسي الذي اعتادوا عليه سابقا.
كما أن الإجراء أو الحرب مع داعش جاء ليخدم فك العزلة عن الكانتون، ورغبة لتجاوز الحكومة الصومالية بغية التعامل السياسي المباشر مع المجتمع الدولي، وذلك بمعزل عن التنسيق مع الحكومة الصومالية الفيدرالية، والتي سعت لاخضاع الكانتون لسيطرتها السياسية، خاصة وأن هناك حالة صراع سياسي شخصي ما بين الرئيس حسن شيخ محمود والقائم على كانتون جاروي سعيد عبدالاهي داني، ومن دلالته المنافسة على الانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك بعد أن حرم الرئيس حسن شيخ محمود حاكم جاروي سعيد عبدالاهي داني من منصب رئيس الوزراء فيما مضى.
لقد أكدت المواجهات ما بين تنظيم داعش وميليشيات كانتون أرض البونت، أن التكلفة العسكرية كبيرة للغاية، حيت تم إرسال الآلاف من المسلحين لمحاربة داعش، وأصبحت مناطق ريفية كثيرة كمسرح للمواجهات العسكرية، ومشاركة جوية من قبل الطيران الأمريكي ضد داعش، وبتوجيهات مباشرة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالإضافة إلى أدوار خارجية أخرى ممثلة بالتنسيق مع كل من إثيوبيا والإمارات العربية.
وعلى مسرح العمليات خسر داعش الكثير من عناصره المنحدرين من دول إثيوبيا، تنزانيا، موزمبيق، اليمن، السعودية، سوريا، باكستان، شمال أفريقيا وغيرها، وبلغت خسائره المئات من القتلى، ناهيك عن واقع مماثل بين أوساطه من الصوماليين، وتعرضهم لحالة تقهقر كبير بفعل تلك المواجهات، إلا أن الحجم والانتشار الذي بلغه داعش وتصاعد قدراته العسكرية وحيازته لعدد كبير جدا من الطائرات المسيرة وصواريخ استهداف الطائرات العسكرية، أكد لمدى الاستهتار السياسي والأمني الذي إنتهت إليه إدارة كانتون جاروي.
وفي المحصلة غير معلوم مدى إلارادة السياسية لحسم الصراع مع داعش، هل ستستمر إلى النهاية وستعمل على وضع حد نهائي لمستقبل التنظيم الديني المتطرف،؟ أما أن الأمر سيبلغ واقع مواجهة نسبية تنتهي إلى مدى معين؟ وبدورها فإن الحكومة الصومالية غير مؤكد إذا ما كانت ستقوم بالتزاماتها بصدد المشاركة في إسقاط داعش، في حين تتجلى حالة تعاطف ودعم شعبي لمواجهة التطرف الديني.
وما يجب عدم تجنبه والتغاظي عنه هو معالجة الظروف التي مهدت واسست لوجود تنظيمات الشباب وداعش في الأراضي الصومالية، وفي محافظة الشرقية بصورة خاصة. حيت تسبب إحضار رئيس سابق لكانتون أرض البونت، ممثلا بشخص عدي موسى، والذي قام باحضار إحدى شركات التعدين الأجنبية، لأجل استخراج المعادن من مرتفعات مجيهان المجاورة لمدينة بوصاصو،.
وهو ما أسفر عن رفض الاهالي لذلك التعدي على مواردها الطبيعية، خاصة وأن ذلك الإجراء كان مجرد حالة نهب ومحاولة لثراء الشخصي لم يكن لها أدنى صلة بالتنمية الاقتصادية، وقد كشف حجم الاعتداء المسلح على الاهالي تلك الجهود المسعورة، والتي تم مقاومتها، إلا أن حركة الشباب كانت بدورها قد دخلت على خط النزاع واصطفت إلى جانب الاهالي المنحدرين من قبيلة ورسنجلي.
وفي إتجاه آخر ومماثل استفاد تنظيم الدولة الإسلامية- داعش من حالة الاحتقان التي كانت قائمة لدى أهالي مرتفعات عل ميسكيد والمنحدرين من قبيلة مجيرتين، والذين بلغ بهم واقع التظلم إلى محاولة انشاء كانتون خاص بهم تحت مسمى أرض عسير، وبمعزل عن سيطرة إدارة جاروي، في حين تعاني مناطقهم من واقع التهميش التنموي اقتصاديا واجتماعيا.
وهو ما يتطلب أن يتم تجاوز حالة التمييز والفساد والنهب المنظم ، وذلك بالعودة إلى إستخدام قنوات رسمية، تدفع بدورها الاهالي للجوء للاستعانة بقوى متطرفة دينيا وارهابية عابرة للقارات، بغرض خلق حالة توازن سياسي وعسكري. وأن تمتنع الدول المانحة لصومال وحكومة مقديشو عن حالة الدعم المادي والتي يتم تسخيرها لمنحى سياسي من قبل الكانتونات القائمة في الصومال، والتي تتعاطى أدوات منها التمييز والتهميش تجاه الاهالي، مما يفضي في نهاية الأمر إلى خلق بيئة جاذبة لتطرف الديني والإرهابي.
وهناك جهة أخرى بدورها تعمل على الإستثمار السياسي واللعب على التناقضات، وتعمل على دعم تنظيمات الشباب وداعش في الصومال، بغية ضرب الحكومة الصومالية وكانتون أرض البونت، وهذا الإتجاه ممثل في الكانتون الانفصالي القابع في مدينة هرجيسا بالصومال، والذي يقدم تسهيلات الإمداد والتموين لتلك القوى المتطرفة والإرهابية، في محاولة لنيل من خصومه في الصومال، وبغية خلق مبررات للحصول على الإعتراف الخارجي.
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نكبة اليمن مع القات الحبشي
-
حكايات جنة عدن
-
التعريب خصم للهوية الصومالية
-
الصومال والتواجد التركي العسكري البحري
-
الصومال توج إثيوبيا لزعامة أفريقيا!
-
من رحلة أسياس افورقي
-
انقسام السودان بين البرهان وحميدتي
-
سد النهضة تاريخيا في الوعي الحبشي
-
إلهام عمر ضحية الاسلاموفوبيا
-
عائشة العدنية: ذاكرة المدينة
-
Markale Midnimo
-
جدوى المركزية والفيدرالية في الصومال
-
إثيوبيا: تنازل عن إريتيريا وابتلاع الصوماليين
-
خسارة الأتراك مع آخرة أردوغان!
-
سفارة تركية تتربح من الهجرة
-
فلنجتمع على دين المواطنة
-
العلمانية تجمع ولا تفرق
-
تأمين الصومال بالتعاون مع تركيا
-
الصومال وجماعة المنكر وتحاشي المعروف
-
الصومال أولا- Somalia First
المزيد.....
-
تحليل لـCNN: ماذا يعني تهديد -حماس- بتأجيل إطلاق سراح الرهائ
...
-
بدء محاكمة المتهم بمحاولة قتل الكاتب سلمان رشدي في نيويورك
-
إسبانيول يطالب بإجراء إثر حادثة -لمس منطقة العانة- للاعبة في
...
-
سعد الحريري يصل إلى بيروت للتحضير لإحياء الذكرى الـ20 لاغتيا
...
-
الخارجية الفنلندية تستدعي السفير الروسي
-
إعلام: واشنطن تعلق خطة السلام بشأن أوكرانيا
-
الجزائر تعرب عن -استنكارها الشديد- للتصريحات الإسرائيلية تجا
...
-
كارلسون: الأسلحة الأمريكية الموردة لكييف تنتهي في أيدي عصابا
...
-
-الملك الصغير- يرافق القمر الثلجي لتزيين السماء على عتبة عيد
...
-
إيران تستعرض أنظمتها الصاروخية الحديثة -اعتماد- و-فاتح- خلال
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|