أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - أربعة × واحد














المزيد.....

أربعة × واحد


طارق حربي

الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 08:28
المحور: الادب والفن
    


استقلتني ذات صباح ربيعي حافلة نقل الركاب (كوستر) من منطقة الأعظمية إلى باب المعظم ببغداد. وبعد مسافة قليلة أعترض شرطي مرور سيرها البطىء في ازدحام السيارات ، فأوقفها السائق الشاب في منتصف الشارع. طلب الشرطي منه رخصة القيادة، شاهدته من النافذة - بينما كان يتحدث مع السائق - يتحسس بيده اليمنى مسدسه ، ويفتح زر حافظته الجلدية سوداء اللون. فارتعبتُ من مشهد الموت المجاني الذي يمكن أن يحدث في أي لحظة ، بسبب عدم تجديد الرخصة في طريق عام مثلا! ورخص حياة العراقي وسلطة شرطي المرور عليه سواء بأخذ الرشوة، ويا لكثرة فضائحها في مديريات الشرطة العراقية! أم بتجهيز المسدس لشجار محتمل!
مرة ثانية وبعدما سارت السيارة حوالي ثلاث دقائق اعترضتْ طريقها سيارة صغيرة بيضاء اللون، نزل منها على الفور أربعة من الشبّان الغاضبين يطلبون العراك مهما كلف الثمن! تقدم أحدهم وطلب من السائق النزول لكنه لم يستجب.
أمسك السائق بقبضة الباب من الداخل بقوة خوفا من أن يفتحونه بالقوة
- إنزل لك كلب ابن الكلب!
- انت اللي كلب ابن الكلب مو آني!
- إنزل لا ... اختك!
- ولّي منا لا آني .. أختك!
فتحوا الباب ومثل خروف معد للذبح أنزلوه بقوة من يديه وياقة قميصه ورقبته ، إلى الشارع الذي توقف فيه السير وعلتْ أصوات منبهات السيارات ، قبل أن يوسعوه ضربا!
- ما يصير تولونه ولية أنتم أربعة وهو واحد!
قال رجلٌ مسنٌّ أخرج رأسه من النافذة المفتوحة وراء مقعد السائق مباشرة.
أشبه ما يكونوا بأربعة وحوش كاسرة أحاطت بفريسة تائهة في غابة ، تجمعوا حول السائق الذي قاومهم بشدة ورجولة، وواصلوا الضرب بلا رحمة على وجهه وظهره وصدره كما لو كان عدوا لدودا!
بسرعة نزلتُ مع الركاب وأحطنا بالحلبة غير المتكافئة. وكان بين الواقفين أطفال ونساء
- ليش تضربونه خطيه هذا أخوكم العراقي اللي ياكل ما تاكلون، ويشرب من دجلة والفرات ما تشربون، ويطلع وياكم مظاهرات ضد الحكومة الفاسدة؟!
- قطع علينا الطريق وكنا في عجلة من أمرنا!
أجاب أحدهم دون أن ينظر إليَّ ، وكان أكثرهم انهماما وحماسا للانتقام من ابن بلاده!
- وهل يستدعي ذلك ضرب إنسان بكل هذه القسوة؟!
- انت لا تتدخل!
رمقني بنظرة غاضبة وهو يواصل الضرب على وجه السائق المسكين!
ازداد عدد السيارات في الطابور الطويل وانغلق الطريق العام، ولم يبقَ سائق إلّا وأطلق منبه سيارته. وما هي إلّا دقائق وجيزة حتى تجمع مئات المارَّة حول المشهد الهمجي المخزي، الذي لم يتوقف فيه الأربعة عن ضرب السائق وقد سالت الدماء من أنفه وشفتيه!
- لو كان معه ثلاثة من أبطال المواي تاي العراقيين الذين تعرفتُ إليهم مؤخرا في تايلاند ، فستكون النتيجة لصالحه حتما ويلوذ المعتدون بالفرار!
قلت في نفسي مع الكراهة لِلَو أداة التمني!
في تلك اللحظات التي وقعت خارج سياق ما وطنتُ عليه نفسي من سلام وأمان وطمأنينة ، حسبتُ نفسي في نرويج الحرية والسلم الأهلي، فأخرجتُ التلفون من جيبي ورحتُ أصور المعتدين، ووجه السائق المدمى وقميصه الممزق بعد سحله على اسفلت الطريق. وبينما أنا كذلك لمحني أحدهم وقال من دون أن يتوقف عن ضرب السائق
- انت جاي تصورنا؟! أنت وياه جيب التلفون!
- لا مو وياه ولا اعرفه أصلا، لكن اللي تسوونه ما يجوز لأن هذا أخوكم عراقي!
جملة من الأسئلة خطرتْ ببالي في ذلك الصباح المأساوي
- كيف سيؤثر ذلك المشهد الدموي على الأطفال الواقفين وذاكرتهم؟!
- ماذا لو مر سيّاح من هنا بالصدفة؟ ماذا يقولون لبعضهم البعض أو لعوائلهم وأصدقائهم في بلدانهم؟! والكثيرون منهم بدأوا يزورون العراق منذ سنوات؟!
لم تهرع إلى حلبة الصراع مفرزة شرطة أو نجدة، كما لم يستطع المئات من المارة المحيطين بالحلبة فضَّ الاشتباك. فغادرتُ المكان حزينا مبتعدا عن المشهد الدموي المخزي في بلاد الحضارات، وقفلتُ عائدا في اليوم التالي إلى النرويج مملكة السلام والأمن والإنسانية.



#طارق_حربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلة الأوزو
- بيتنا في حي الأرامل
- شمالاً حتى شيانغ راي (3)
- شمالاً حتى شيانغ راي (2)
- شمالاً حتى شيانغ راي (الجزء الأول)
- احتفاء بالدكتور #خزعل_الماجدي في العاصمة النرويجية أوسلو
- اللمسة الحنون في فيلم Her (هي)
- لماذا لا يتعلم مذيعو الفضائية العراقية من مذيعي قناة الجزيرة ...
- قفص مرمي في ضواحي بغداد
- إهداء كتابي (الطريق إلى الناصرية) إلى روح أبي
- إلى محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي. أوقفوا التعامل السيء مع ...
- السيد رئيس الهيأة العامة للآثار والتراث المحترم
- مصطفى والجسر والزلزال
- عن اللغة والفردوس والمنفى
- جدلية الصراع بين الخير والشر في فيلم شجرة الحياة
- جسر الزيتون
- فيلم طعم الكرز (Taste of Cherry - 1997) للمخرج عباس كيارستمي
- عراقيات (1) وادم حجاز كار يوسف عمر
- شارع جهنم (كتاب الرحلات الآسيوية)
- حقوق الحيوان في النرويج


المزيد.....




- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...
- بعد عبور خط كارمان.. كاتي بيري تصنع التاريخ بأول رحلة فضائية ...
- -أناشيد النصر-.. قصائد غاضبة تستنسخ شخصية البطل في غزة
- فنانون روس يتصدرون قائمة الأكثر رواجا في أوكرانيا (فيديو)
- بلاغ ضد الفنان محمد رمضان بدعوى -الإساءة البالغة للدولة المص ...
- ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام
- جامعة الموصل تحتفل بعيد تأسيسها الـ58 والفرقة الوطنية للفنون ...
- لقطات توثق لحظة وصول الفنان دريد لحام إلى مطار دمشق وسط جدل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق حربي - أربعة × واحد