أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بركات - المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (6)














المزيد.....


المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (6)


محمد بركات

الحوار المتمدن-العدد: 8249 - 2025 / 2 / 10 - 02:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الجنة التوراتية
في رواية الجنة التوراتية تعود للظهور معظم العناصر الأسطورية التي وجدناها في الأسطورة السومرية والبابلية والكنعانية؛ فالجنة في التصوُّر التوراتي هي مكان زرعه الإله في شرقي عدن، مكان راحة له ونزهة، وأسكن فيه آدم الذي خلقه. ويتطابق هذا المكان في كثير من صفاته وخصائصه مع ما رأينا من وصف الأسطورة؛ فهو مكانُ أمن وسلام يعيش الإنسان فيه بدَعة واطمئنان، غير مضطر للعمل من أجل تحصيل قُوته اليومي، حيث لا يَعرف مرضًا ولا حزنًا ولا موتًا. ويقع هذا المكان عند فم الأنهار، تنبع منه أربعة أنهار هي فيشون وجيحون وحداقل والفرات، تمامًا كالجنة الكنعانية حيث يعيش الإله إيل، رب السموات، عند منبع النهرَين العظيمَين، في وسط التيارَين. كما نجد العناصر الأسطورية الخاصة بخلق الإنسان الأول تدخل في الرواية التوراتية؛ فقد خُلق آدم من طين ومنه خُلقت زوجته حواء.

وتروي لنا حكاية آدم وحواء التوراتية عن العصر الذهبي للإنسان كما روته الأسطورة السومرية، وعن سقوطه وخسارته الخلود، كما روت أسطورة آدابا البابلية.


قايين وهابيل
يسير النص التوراتي على خطى النصوص السومرية المقدَّمة سابقًا؛ فبعد هبوط آدم وحواء إلى الأرض ليعملا فيها ويُحصِّلا قُوتهما بعرق جبينهما، أنجبت حواء من زوجها آدم ولدَين؛ الأول قايين الذي اشتغل بالزراعة، والثاني هابيل الذي اشتغل بالرعي وتربية الماشية. وحدث بعد مدة من اشتغال كلٍّ منهما بعمله، أن قاما بتقديم قربان للرب، حيث قدَّم قايين من ثمار الأرض التي يزرعها، وقدَّم هابيل ذبائح من قطعانه، فتقبَّل الرب قربان هابيل الراعي ولم يتقبَّل قربان قايين المزارع، فدفعت الغيرة قايين لقتل هابيل ودفن جثته في الصحراء. ويجري النص على النحو الآتي:١
«وعرف آدم حواء امرأته، فحملت وولدت قايين فقالت: قد رُزقت رجلًا من عند الرب. ثم عادت وولدت أخاه هابيل، فكان هابيل راعي الغنم، وقايين كان يحرث الأرض. وكان بعد أيام أن قايين قدَّم من ثمر الأرض تقدمةً للرب، وقدَّم هابيل أيضًا شيئًا من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وتقدمته، وإلى قايين وتقدمته لم ينظر، فشق على قايين جدًّا وسقط على وجهه. فقال الرب لقايين: لمَ شقَّ عليك وسقطت على وجهك؟ ألَا إنك إن أحسنت تنل. وقال قايين لهابيل أخيه: لنخرج إلى الصحراء. فلما كانا في الصحراء وثب قايين على هابيل أخيه فقتله. فقال الرب لقايين: أين هابيل أخوك؟ قال لا أعلم، ألعلي حارس لأخي؟ فقال: ماذا صنعت؟ إن صوت دماء أخيك صارخ إليَّ من الأرض. والآن فملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبِّل دماء أخيك من يدك.»

قد تبدو هذه الرواية التوراتية لأول وهلة وكأنها تُعطي الغلَبة والتفوُّق لهابيل الراعي؛ لأن يهوه قد تقبَّل قربانه ولم يتقبَّل من قايين المزارع. ولكن المرامي النهائية للنص تتفق مع مرامي بقية النصوص؛ ذلك أن مقتل الراعي على يد المزارع إن هو إلا تثبيت لغلبة المزارع وقوته وتفوُّقه على الراعي. ولم يكن بإمكان النص التوراتي إلا أن يسير على هذا المخطَّط؛ لأن العبرانيين كانوا قومًا رعاة، ولكنهم استقروا فيما بعدُ وزرعوا الأرض وبنَوا المدن، وبقوا يُكنُّون احتراما لتاريخهم الرعوي القريب، فجاء قَبول يهوه لقربان الراعي تعبيرًا عن مرحلتهم الرعوية السابقة واحترامهم لها بسبب قراءاتهم اليومية للتوراة. أمَّا موت الراعي على يد المزارع فجاء نتيجةً للأمر الواقع الذي عاشوه من غلبة الزراعة على البداوة.

وقد وردت قصة الأخوَين في القرآن الكريم دون ذكر اسمَيهما، ولكن التقاليد الإسلامية تدعوهما قابيل وهابيل. والقصة القرآنية تقوم على عناصر القصة التوراتية مع إضافة عنصر الغراب، الذي علَّم قابيل كيف يدفن أخاه القتيل:

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ سورة المائدة: ٢٧–٣١.

مات هابيل تاركًا أحفاده الرعاة في أسر الدورة المناخية السنوية، بعيدين عن أية مساهمة في ثقافة البشر وحضارتهم؛ فبدوي اليوم لا يختلف في شيء عن بدوي فجر التاريخ. أمَّا قابيل فقد تسلَّم زمام الحضارة ودفع بها أشواطًا إلى الأمام. أنتج المجتمع الزراعي، فالمجتمع الصناعي، واستطاع قابيل الوصول إلى الفضاء الخارجي، فهل يعيش أحفاد هابيل ليرَوا قابيل وقد قضى عليه تقدُّمه العلمي والتكنولوجي ذاته.



#محمد_بركات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (5)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (4)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (3)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (2)
- المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (1)
- محادثات مع الله - الجزء الثالث (52) نيل دونالد والش
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (5)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (4)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (3)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (2)
- الفلسفة أنواعها ومشكلاتها (1)


المزيد.....




- شاهد رسالة الشعب الإيراني بذكرى إنتصار الثورة الإسلامية في إ ...
- قاليباف: الشعب الإيراني أحيا عزّة الإسلام تحت قيادة الإمام ا ...
- عرض منجزات دفاعية في مسيرات ذكرى انتصار الثورة الاسلامية
- إيران تحيي ذكرى مرور 46 عاما على الثورة الإسلامية
- شاهد.. مجسم المسجد الأقصى عام 1873
- “أجدد الأغاني”.. تردد قناة طيور الجنة Toyor Al Janah 2025 عل ...
- عبد السلام يبارك لإيران: تجسيد للقيم الإسلامية والإنسانية ضد ...
- عراقجي يدعو الدول الاسلامية لاتخاذ موقف حازم وموحد ضد مؤامرة ...
- وزير خارجية ماليزيا:ندعم دعوة ايران لعقداجتماع طارئ لمنظمة ا ...
- رئيس الوفد اليمني المفاوض عبدالسلام: نبارك ذكرى انتصار الثور ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بركات - المختار من كتاب (مغامرة العقل الأولى) للسيد فراس السواح (6)