أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - محمد عمارة تقي الدين - ترامب وحافة الهاوية














المزيد.....


ترامب وحافة الهاوية


محمد عمارة تقي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 8248 - 2025 / 2 / 9 - 20:14
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


دكتور محمد عمارة تقي الدين
تذهب نظرية (حافة الهاوية) تلك التي يجري توظيفها في الحقل السياسي والصراعات الدولية إلى أنه عليك التمترس إلى أقصى درجة، ورفع سقف مطالبك إلى حدود غير مقبولة، وجعل الأمر وكأن حرباً كبيرة ستقوم.

في تلك اللحظة سيفقد الجميع الأمل مطلقاً في إمكانية الوصول الى أي حل سلمي، هنا يكون الجميع قد وقف على حافة الهاوية .

ومن ثم حين تُقدِّم تنازلاً بسيطاً جداً سيهرع الجميع للقبول بباقي مطالبك، اعتقاداً منهم أنهم أحرزوا نصراً، ونزعوا فتيل التوتر، وتجنبوا سيناريو الحرب.

فهي إذن استراتيجية التصعيد لأزمة دولية ما إلى قمة الصراع، ودفعها إلى حافة الهاوية من أجل إخضاع الطرف الآخر عبر استدعاء الخوف، وهواجس النهاية المأساوية الكامنة داخله.

ونظرية حافة الهاوية(Brinkmanship ) تلك كان قد نظَّر لها وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس، في خمسينيات القرن المنصرم، وتم تطبيقها بالفعل إبان الصراع الكبير بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي فيما يعرف بالحرب الباردة، والحرب الكورية عام1953م وكذلك وقت الأزمة الكوبية عام 1962م.

من هنا يمكننا أن نفهم الاجراءات التي شرع ترامب في اتخاذها في الآونة الأخيرة ضد كثير من بلدان العالم، والتي وضعت الاستقرار الدولي على الحافة، إذ تدور في سياق ما تطرحه تلك النظرية السياسية.

كذلك التصريحات المتعلقة بالشأن الفلسطيني، فما أعلنه ترامب من مخططات تهجير للفلسطينيين والقضاء على مشروع الدولة الفلسطينية لصالح الصهيونية العالمية هي الأخرى، في اعتقادنا، تندفع وفق مقتضيات تلك الرؤية.

فهي إجراءات في اعتقادي سيتراجع ترامب وحلفاؤه عن بعضها لكنهم لن يكفّوا عن الضغط لمرات عديدة في سبيل تحقيقها طالما أن الظرف الدولي يسمح بذلك ولم يجدوا تكتلاً دولياً حقيقياً يتصدى لهم.

غير أن حافة الهاوية الحقيقة التي يأخذ ترامب أمريكا والغرب إليها، والتي نقصدها في هذا المقال، هي حافة هاوية الحضارة الغربية واقتراب انهيارها، إيذاناً بحتمية تشكُّل نسق حضاري جديد، وربما تكون تلك هي الحسنة الوحيدة من وراء وجود ترامب وحلفائه في السلطة.
حقيقة أن الرجل الفائق لدى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، أو السوبرمان الذي بشر به، نجده وقد تجسَّد في شخص( دونالد ترامب)، هذا الرجل الجسماني النفعي، ذو النزعة البراجماتية الانتهازية، والخالي من أية مشاعر إنسانية، الذي لا يعرف مقتضيات الرحمة الإنسانية ولا يفهم إلا مصالحه وفقط ودون أن يعبأ بأية قيم إنسانية.

ربما لو عاش نيتشه حتى رأى ترامب لعدل عن كثير من أطروحاته، أو لانهار مغشيًا عليه من رداءة وكارثية تفسيرها.

تنصيب ترامب هو إذن علامة على بداية دخول الحضارة الغربية والأمريكية تحديداً طور الانهيار، ومن ثم سيتذكر التاريخ تلك اللحظة جيداً .

ونلمح هنا توافق الرؤية الترامبية التام مع النظرة ما بعد الحداثية، فكل شيء قابل للبيع بما فيها الكرامة الإنسانية، والقيم، والمبادئ الخالدة، والتاريخ، وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.

وأنه لا أحد يمكنه مقاومة الإغراءات المادية في عصر ما بعد الحداثة، إنها، وفقًا للقناعة الترامبية، تجعل الشعوب تُسقِط من ذاكرتها تاريخها، تُثملها وتضعها في حالة سكر ونشوة بفعل المتع المادية الآنية الكاذبة.

فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذاته هو أحد أحدث منتجات ما بعد الحداثة في طورها الأكثر رداءة، هو تعبير عن بلوغها أقصى درجات الانحطاط الإنساني، ذلك الجسماني الخاوي والمُفرغ من الداخل، ورجل المصارعة الذي يُمجِّد القوة كقيمة مركزية ولا يعبأ بالقيم الإنسانية، رجل البيزنس والمقاولات حيث قيم الربح والخسارة هي الحاكمة وأن كل شيء قابل للمساومة ومن ثم البيع والشراء، كما يتم استدعاء المُتع الجنسية والدفع بها لأقصى حد، الاستهلاك المفرط، الحياة المنزوعة من أي غائية حقيقية، العمل الفاقد للقيمة كعروض الأزياء ومستحضرات التجميل والمضاربات وسمسرة العقارات، المهم لديه هو تحقيق أعلى ربح بأقل جهد.

كذلك النظرة الدونية للآخر، غير الغربي تحديدًا، ذلك الذي هو ما دون الإنسان ومِن ثَمَّ فحياته وممتلكاته وثرواته مباحة طالما أن ذلك سيحقق السعادة والرفاهية القصوى للإنسان الغربي، فهو حقًا (الكائن المستباح)، إذا جاز لنا أن نستعير من المفكر الإيطالي جورجيو أجامبين .
كذلك الإيمان بمقدرة المال على شراء كل شيء، فهو، أي ترامب، يعتقد أنه اشترى الكرسي الرئاسي بأمواله وأموال حلفائه، وهو مُحِقّ في ذلك إلى حد كبير.

رغم علمانيته نجده وقد تحالف مع التيارات الدينية المتطرفة ( كالصهيونية الدينية أو المسيحية الصهيونية ) فهي بمقدورها تثبيت أركان دولته والغاية حتماً تبرر الوسيلة.

وإذا ما كان مفكرنا العظيم ديستوفيسكي يردد أن الحضارة الغربية قد اتسمت بسمات ثلاث رئيسية هي( النفعية المادية ، ضمور الحس الخلقي، التمركز حول الذات) فإن ترامب وأعوانه قد دفعوا بتلك الخصائص والسمات إلى حدودها القصوى.

في يقيني أن لحظة جلوسه على كرسي الرئاسة هي تدشين لعصر دخول الحضارة الغربية والأمريكية تحديدًا في طور الانهيار التام بعد فترة سبقتها من الاضمحلال الأخلاقي والقيمي، فهي إذن حافة الهاوية.

فترامب هو هتلر الجديد لكن في نسخته الأكثر رداءة ودموية والذي سيقود أمريكا والنظام العالمي معها إلى حافة الجنون.

( دكتور محمد عمارة تقي الدين : كاتب وأكاديمي مصري متخصص في الاجتماع السياسي والصراع العربي الصهيوني )



#محمد_عمارة_تقي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمارة تقي الدين يصدر موسوعة الصراع العربي الصهيوني
- إدوارد سعيد عرَّاب الحق الفلسطيني
- أطفالنا ومخاطر وسائل الإعلام ... ما العمل؟
- مركز ماسبيرو للدراسات الفكرية والإعلامية
- التربية الإعلامية وعصر ما بعد الحداثة
- فلسطين أرضٌ وشعب : قصيدة شعرية
- عائلة روتشيلد وتمويل المشروع الصهيوني
- الأديان وذئب الأيديولوجيا
- الإعلام وسلوك القطيع.. فن قيادة الخِراف إلى المذبح
- الدين والعنف .. علاقة جدلية
- إذا كان هرتزل هو ماركس الصهيونية فإن هتلر هو لينينها
- مقدمة في علم اجتماع الاستبداد
- الأديان والتراحم الإنساني
- فلسطين والحرية : قصيدة شعرية
- فلسطين وأراكان... ما كل هذا التطابق؟
- نورمان فينكلشتاين وتقويض المشروع الصهيوني
- الصهيونية المسيحية والدعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني
- الإرهاب الصهيوني وجذوره الدينية والعلمانية
- حوار مع القدس : قصيدة شعرية
- في ذكرى مجاهد عبد المنعم مجاهد


المزيد.....




- رهاب الطيران.. كيف تتغلب على الخوف من الرحلات الجوية؟
- الجيش الإسرائيلي يوجه رسالة لسكان غزة بشأن العودة إلى الشمال ...
- ريتشارد هاس لـCNN: استراتيجية ترامب تجاه غزة -قد تكون لصالح ...
- بحيرة كالاتوهاي في شين يانغ.. حينما ينسج الجليد لوحة ساحرة م ...
- إندونيسيا تطلق برنامج المعاينة الصحية المجانية بقيمة 183 ملي ...
- استطلاع ـ تقدم بفارق ضئيل لشولتس بعد أول مناظرة أمام منافسه ...
- الاتحاد الأوروبي يدعو إلى زيادة تمويل الابتكارات في مجال الأ ...
- ما أهمية استخراج -الهيليوم 3- من القمر؟
- رئيس ليتوانيا يعلن قطع الصلة مع شبكة الكهرباء الروسية البيلا ...
- -السعادة- بين الإمارات ودول أخرى!


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - محمد عمارة تقي الدين - ترامب وحافة الهاوية