أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح بشير - رحلة في أعماق الذّاكرة والوجدان: قراءة في رواية -منزل الذّكريات- للأديب محمود شقير.















المزيد.....


رحلة في أعماق الذّاكرة والوجدان: قراءة في رواية -منزل الذّكريات- للأديب محمود شقير.


صباح بشير
أديبة وناقدة

(Sabah Basheer)


الحوار المتمدن-العدد: 8248 - 2025 / 2 / 9 - 16:55
المحور: الادب والفن
    


صباح بشير:

رواية "منزل الذّكريات" للأديب محمود شقير، الصّادرة عن دار "نوفل هاشيت أنطوان" في بيروت، تتكوّن من مئة وسبعة وسبعين صفحة، وثلاث وستّين لوحة سرديّة، يستلهمها أديبنا من روايتي "الجميلات النّائمات" للكاتب الياباني ياسوناري كاواباتا و"ذكريات عن عاهراتي الحزينات" لماركيز، محاولا استكشاف أبعاد تجربة الشّيخوخة الإنسانيّة، متناولا أسرار الرّغبات وقوّة الذّاكرة في مواجهة الفقدان، ومن خلال مقارنة عميقة، يكشف عن أوجه الشّبه والاختلاف في تجربة الشّيخوخة عبر الثّقافات، ويفتح للقارئ نافذة على الأدب العالميّ، ويدفعه للغوص في أعماق الرّوايتين المذكورتين؛ ليسافر عبر الزّمان والمكان، بحثا عن أصداء مشتركة بين هذه الرّوايات الثّلاث.
حيكت هذه الرّواية من وحي الواقع الفلسطينيّ، بخيوط تناص ذكيّ محكم، فيه حوار مع عملاقي الأدب كاواباتا وماركيز، حول الشّيخوخة ومعانيها، يتأمّلون في زوال الشّباب ويبحثون عن معنى الحياة بعد ذبولها، فتلقي أنّات الشّيخوخة ببطل الرّواية، مع أنّات بطليّ كاواباتا وماركيز، وكأنّما يتمّ البحث عن إجابة لسؤال أزليّ، ما معنى الشّيخوخة في حياة الإنسان؟
في عالم كواباتا الإبداعيّ، يدخلنا الكاتب إلى أعماق نفس "إيغوشي" العجوز، الّذي يحاول استعادة شبابه الضّائع في عالم الأحلام، تعود إليه ذكرى النّساء اللّواتي مررن بحياته، لكنّ القدر يخبّئ له مفاجأة مؤلمة، إذ تفارق فتاته الحياة وتتركه غارقا في تأثّره.
أَمّا عجوز ماركيز، ففي غياهب العمر ووحدة العزلة، يقرّر الاحتفال بعيد ميلاده بطريقة غريبة، يبحث عن فتاة عذراء تعيد إليه شبابه، فيجد فاتنة تبيع نفسها لتنفق على أسرتها المعدمة، وحين تقف أمامه بكلّ براءتها وجمالها، يتذكّر كلّ امرأة أحبّها، فيدرك قيمة الأنثى ويسمو عن أهواء الغريزة.
هذان العجوزان هما طيفان يحضران من كتابين، ويخلقان فانتازيا تطغى على الواقع وتحيله طيفا خياليّا، وفي غياهب الوحدة، يذوي بطل الرّواية "محمّد الأصغر"، وهو كاتب عجوز ومحرّر للصّحف، في السّابعة والثّمانين من عمره، يمثّل انعكاسا للعجوزين المذكورين، لكنّه يحمل في طيّاته خصوصيّة التّجربة العربيّة، في توليفة فنّيّة ثريّة بالرّمزيّة والمعاني.
تتوفّى رفيقة دربه سناء وتترك له شبح فقدانها المرير، وفي كلّ صباح، يصنع فنجانين من القهوة، أحدهما له والآخر لها، ومع كلّ رشفة يتخيّلها أمامه، وكأنّها لم تغادره قطّ، يتحدّث إليها ويسمع صوتها، وتكون حاضرة في صحوه ومنامه.
تمحورت شخصيّة محمّد حول الهرب إلى عالم الذّكريات، فكان بيته مرآة لحالته النّفسيّة، وبوصفه راويا قدّم لنا نظرة عميقه لعالمه الدّاخليّ، وعلاقته بالماضي والحاضر وخوفه من المستقبل، وفي ليلة ما وبعد لقائه بأسمهان، جامعة التبرّعات، انغمس في حلم عميق تمادى فيه معها؛ ليتبيّن له لاحقا أنّ أحلامه لم تعد ملاذا آمنا، بل أصبحت مكشوفه أمام أعين المتطفّلين، حيث تفكّ أسمهان مع أخيها "جميحان" شفره هذه الأحلام، وينتهي الأمر بإجبار محمّد على الزّواج منها؛ فتتحوّل حياته إلى جحيم بسبب تسلّط جميحان وأتباعه الزّعران عليه، فيلجأ إلى صديقيّه العجوزين في سهرة متخيّلة، يبوح لهما بمعاناته.
كان يحدّث نفسه قائلا (ص10): هل أحلم؟ هل أهلوس؟ أم هو عالمي الّذي أدمنته مع الكتب وأبطال الرّوايات؟
في هذا النّص الرّوائيّ، يلتقي عبق الشّرق والغرب في لوحة جميلة، تتداخل فيها شخصيّات كواباتا وماركيز، مع أبطال شقير (محمّد الأصغر، القنفذ ورهوان وقيس، فريال وسميره وأسمهان، ثمّ جميحان) وتتشابك مع رموز أدبيّة وتاريخيّة؛ لتعطي للنّصّ عمقا تاريخيّا وثقافيّا، كأحمد شوقي، خليل السّكاكيني، الحجّاج بن يوسف، عليّ بن أبي طالب، وأبي ذرّ الغفّاريّ، ويضيف كتاب أخبار النّساء لابن القيّم الجوزيّة، وشعر الأصمعيّ وعلقمة، لمسة من الرّقة والجمال على هذا النّصّ الإبداعيّ.
كما يرد ذكر الرّئيس الأمريكيّ "جو بايدن" (ص104)، وتبرز مقولة عمر بن الخطاب (ص86) كصدى لواقعنا المعاصر، حيث يتردّد سؤال الهويّة والحرّيّة: متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا؟

المكان.. خريطة نفسيّة لشخوص العمل:
تتعدّد الأماكن في النّص منها المغلق؛ كالبيت الّذي يمثّل الملاذ الآمن لمحمّد، فيعكس حياته الخاصّة وعلاقاته بزوجتيه، وهو المكان الّذي اجتمع فيه بأصدقائه المتخيّلين. كان مكانا للذّكريات والأحلام، وللحزن والوحدة أيضا، أمّا نزل فريال، فجسّد الجانب المظلم والمغري من الحياة.
كما رسم النّصّ صورة حيّة عن مدينة القدس الّتي تحتضن الأحداث؛ فتتجلّى فيها مأساة شعبنا وصورة الإنسان المتأمّل في مصير حياته، الباحث عن بصيص من الحبّ والدّفء في عالم مضنٍ.
يصف مدارس القدس العريقة، مقاهيها ومطاعمها وأسواقها النّابضة بالحياة، يصوّر لنا كيف تحافظ على هويّتها الأصيلة رغم كلّ شيء. وعن الوطن بوصفه مكانا مفتوحا، فقد حمل دلالات عميقة، فهو هويّة وجذور ورمز للانتماء والأصالة، وبالتّالي فهو فضاء ثقافيّ واجتماعيّ وتاريخيّ ونفسيّ، تجسَّد كعنصر أساسيّ في تشكيل وعيّ الشّخوص وتحديد مسارها.
يشير الكاتب أيضا، إلى غياب القانون، حيث يصبح الفرد رهينه للفوضى والعنف، وتسلّط المجرمين يقول (ص60): "ألجأ إلى العائلة لحمايتي من الأشرار في غياب القانون، وهو الغائب الأكبر في زمن الاحتلال".
كما تظهر اليابان وكولومبيا في النّصّ، وهما تمثّلان عالما بعيدا عن الواقع الفلسطينيّ، وفي حوار متخيّل تتجلّى فيه تباينات المعاناة الإنسانيّة المختلفة، يواجه محمّد صديقيّه العجوزين قائلا (ص116): "ننشغل هنا في فلسطين بتقديم التّضحيات، وفي توديع الشّهداء، إلّا أنّ العجوزين ساهيان لاهيان، لا يؤرّقهما أيّ همّ أو غمّ ممّا نقاسيه نحن".
يردّ العجوز اليابانيّ منتفضا (ص117): "مازلنا نعاني من إشعاعات القنبلة الذّريّة الّتي أسقطت على هيروشيما". ويقول عجوز ماركيز: "نحن في كولومبيا عانينا من أنظمه الاستبداد، ومن تجّار المخدّرات".

الأبعاد الزّمنيّة في الرّواية:
لا يقتصر دور الزّمن في هذه الرّواية على كونه إطارا زمنيّا محدّدا، بل يتجاوز ذلك إلى مستوى أعمق، فهو رمز عميق يعكس حالة البطل النّفسيّة والمجتمعيّة المتردّية، كما أنّ تداخل الماضي والحاضر في وعيّ البطل، يعكس حالة الحنين إلى الماضي ورغبة في الهروب من الحاضر المؤلم.
يستخدم الكاتب الزّمن كسلاح للسّخرية من الأوضاع الحاليّة، حيث يصور الزّمن كوحش يبتلع كلّ شيء جميل، لكنّه في الوقت نفسه يترك بصيصا من الأمل في المستقبل.
يدور الحدث في الزّمن الحاضر ممّا يمنح القارئ انطباعا أنّ الأحداث تجري الآن. هذا الاختيار الزّمنيّ ليس اعتباطيّا، بل هو عنصر أساسيّ في البناء الرّوائيّ، يعكس اهتمام الكاتب بقضايا الوطن الملحّة، ويقدّم لنا صورة معاصره للحياة، فهو يتناول تحدّيات المجتمع الرّاهنة بواقعيّة ملحوظه، ممّا يخلق التّشويق والإثارة، ويقرّب القارئ من شخصيات العمل والأحداث.
تمّ توظيف الزّمن كأداة فنّيّة مؤثّرة، تعمّق رؤيتنا للواقع، من خلاله يتجسّد إحساس محمّد بالعجز واليأس، كما في قوله (ص11): "أعيش حربي الخاصّة مع الزّمن".
يوجّه انتقادات لاذعة للزّمن الّذي نعيشه، مستنكرا الانحطاط الأخلاقيّ، معربا عن استيائه من واقع يعجّ بالفساد، يقول (ص58): "الزّمن الّذي ابتلينا فيه بطفيليّين زعران، وتجّار مخدّرات وعملاء، يحملون السّلاح يهدّدون به أبناء جلدتهم من المواطنين العزّل".
يصف الزّمن على امتداد النّصّ بأوصاف مختلفة، فمثلا يقول (ص62): "هذا زمن السّفلة والأوباش"، ويقول (ص97): "هذا الزّمن الغشوم"، وفي (ص162) "هذا الزّمن الخوّان" وفي (ص116) "زمن ضمور القدرة على تنفيذ الرّغبات".

في أعماق اللّاوعيّ، الأحلام بوّابة إلى عالم آخر:
لجأ الكاتب إلى الحوار الدّاخليّ بشكل مكثّف؛ ليعبّر عن صراع محمّد مع ذكرياته وأحلامه ومخاوفه، ينسج النّصّ من خيوط الأحلام والكوابيس الّتي تعكس مكنونات نفس البطل المأزومة بفقد زوجته، وبعض الجوانب الخفيّة من شخصيّته ونفسيّته، وفي كلّ حلم أو كابوس، نستشعر نبضا خافقا يترجم آلامه من الفراق والفقد، نتجوّل في متاهات ذهنه، ونشهد صراعاته الدّاخليّة العميقة، ونستكشف دوافعه وخفاياه.
من خلال عالم الأحلام واللّاوعي، يسافر القارئ إلى عالم موازٍ، ينبض بالأسرار والمفاجآت، ويتمّ التّعبير عن الواقع الاجتماعيّ والسّياسيّ، وعن قضايا فلسفيّة ووجوديّة، أمّا أحلام اليقظة فجسّدت انعكاسا لرغبات محمّد وأمانيه؛ لتؤكّد على التّناقض الصّارخ بين عالمه الواقعيّ والمتخيّل، وتكشف عن تقلّبات مشاعره بينهما، في ظلّ تمسكّه ببصيص الأمل في بستان ذاكرته.
يكتب (ص11): "قرّرت مواصلة العيش، وليس معي من عدّة أو عتاد سوى الذّاكرة، أتّكئ عليها واستخرج منها بين الحين والآخر ما يساعدني على تجرّع الآلام، والنّظر إلى المستقبل بتفاؤل".

العنوان "منزل الذّكريات".. مفتاح لعمق النّصّ:
يعود به الزّمن الى الوراء، وتمرّ المشاهد في ذهنه وكأنّها شريط سينمائيّ، يتذكّر كوثر صديقه الطّفولة، ويحنّ إلى أيّام الشّباب وزواجه من سناء، يستعيد ذكرياته مع أسمهان فيشعر بالشّفقة عليها، فهي مسلوبة الإرادة وضحيّة للظّلم والقهر، تعيش مع أخيها الطّاغية الّذي استبدّ بهما وسلب بيته، فيقول ملتاعا (ص172): "سلّمته مفتاح البيت وأنا أشعر أنّني أسلّم تاريخي وتاريخ سناء، وذكرياتنا الّتي كانت لنا في هذا البيت".
بذلك يتجلّى عنوان الرّواية "منزل الذّكريات"؛ كمرآه تعكس بريق أيّام سعيدة مضت، ونبع حنين لا ينضب، يلوذ به قلب محمّد الحزين.
هذا العنوان، هو مفتاح لفهم عمق النّصّ وتشابكاته النّفسيّة والاجتماعيّة، إذ يرمز المنزل إلى الملاذ الآمن والذّكريات واكتشاف الذّات، فهو المكان الّذي يلجأ إليه البطل هربا من صخب الحاضر؛ ليعيش في عالم الأحلام.
أمّا الذّكريات فهي تداعيات وارهاصات تتحكّم في حاضر البطل، تربطه بماضيه وتمنحه الشّعور بالاستمراريّة والانتماء، لكنّها تبقيه أسيرا للماضي بشوق وعاطفة تسود السّطور، وهنا يكمن التّساؤل عن معنى الحياة والوجود، فهل الذّكريات نعمه أم نقمه؟
هكذا.. يحمل العنوان في طيّاته دلالات عميقه ومتشعبة، فهو يرمز إلى المكان والزّمان والشّخصيّة والعاطفة.

مرايا الكلمات والإسقاط السّياسيّ في النّصّ:
يمارس الكاتب فنّا دقيقا هو فنّ الإسقاط؛ وذلك لتقديم صورة إبداعيّة تتجاوز الظّاهر، وتعكس حقيقة ما وراءها، فيسقط الواقع على شخصيّات العمل، الّذين يمثّلون امتدادا للواقع السّياسيّ الّذي نعيشه بسلوكيّاتهم وأفكارهم وحواراتهم، ذات المعاني العميقة، يقدّم إشارات رمزيّة تدعونا إلى التّوقّف عندها، فالشّخصيّة الشّريرة "جميحان" تجسّد إفرازات السّلطة والأنظمة المستبدّة والاحتلال.
أمّا "أسمهان" فتمثّل الشّعوب الضّعيفة المستسلمة، ورغم الهوان الّذي تعيشه إلّا أنّها تحترم جلّادها وتخلص له.
يتابع محمّد في نقد حالنا وأحوالنا، محدّثا نفسه، متأمّلا الواقع (ص155): "هل سيهبّ رهوان للدّفاع وهو الّذي لن يجرؤ على الوقوف في وجه التيّار الكاسح للمتزمّتين؟ هل يستطيع ابن العائلة "قيس" الّذي لم ينجز ما بقي من فصول روايته حتّى الآن أن يتدخّل ولو من خلال الكتابة؛ لوضع النّقاط على الحروف ولنقد حاله الانحطاط الّتي وصلنا إليها، حيث لا احترام للرّأيّ والرّأيّ الآخر، وحيث هيمنة الصّوت والرّأيّ الواحد وتفشّي الجهل في كلّ مفاصل المجتمع؟"
يتابع: "هل ينفعك عجوز كواباتا وعجوز ماركيز، وهما الحرّان الطّليقان في بلديهما؟"
هذا الحوار الدّاخليّ يشرح الكثير، فالكاتب بذكاء يستخدم أسئلة مفتوحة، تحمل إشارات واضحة إلى التّحدّيات الجسيمة الّتي نواجهها، إذ يمثّل قيس الجيل الشّاب الّذي يحلم بالتّغيير ويسعى لاستخدام الأدوات المتاحة؛ كالإعلام والثّقافة لنقل صوته إلى العالم، لكنّه لا يفعل، لا يكتب ولا يكمل روايته!
هذا الشّعور بالعجز عن إتمام مهمّته، ينبع من الأوضاع الّتي نعيشها، وذلك ما يشير إلى دور المثقّفين، فقيس هو الكاتب الّذي يمتلك القدرة على التّأثير من خلال كتاباته، لكنّه يتردّد في استخدام هذه القدرة، ما يعكس حاله التّيه الّتي يعيشها الكثير من مثقّفينا، حيث يتصارعون بين رغبتهم في التّغيير وبين خوفهم من العواقب، في واقع يغيب فيه احترام الآراء وتكبّل حريّه التّعبير، مما يضعف نشاط المثقّف ويعرقل إنتاجه الفكريّ.
أمّا "التيّار الكاسح للمتزمّتين" فيجسّد تلك الفئة المتشدّدة، الّتي تتّسم بالتّعصب والرّفض القاطع لأيّ رأي مخالف لها، ما يؤدّي إلى زيادة الإنقسام في المجتمع، ويؤثّر سلبا على النّسيج الإجتماعيّ والثّقافيّ فيه.
شخصيّة "رهوان" أيضا، هي استعارة للقيادات المتردّدة في اتّخاذ القرارات الحاسمة، أمّا عجوزا "كواباتا" و"ماركيز" فهما نموذجان للدّول الصّديقة الّتي لا تقدّم المساعدة، بسبب الاختلاف الثّقافيّ، أو اختلاف الظّروف والأوضاع، أو المصالح والتّوجّهات أو لأيّ سبب آخر. وعن اسم "جميحان" فيشير إلى شخص سريع الحركة والفعل، هو اسم عربيّ يعود أصله إلى الجذر اللّغويّ "جمح" الّذي يدلّ على الحركة السّريعة والاندفاع، وأحيانا القوّة والعنف، أمّا "حان" فتدلّ على الوقت المناسب أو الحاضر، ولشخصيّة "جميحان" علاقة وثيقة بين اسمه وصفاته الّتي تتوافق مع سلوكه العنيف، وقدرته على التّأثير في الآخرين وإخافتهم، مستغلّا بطشه لتحقيق أهدافه، متّخذا من الدّين ستارا لتبرير أفعاله وتغطية زلّاته.
من هنا فاختيار الكاتب لاسم "جميحان" لم يكن مصادفة، وربّما يكون نوعا من السّخرية اللّغويّة، فقد وظّفت في النّصّ بعض المواقف والكلمات السّاخرة، الّتي تتراوح بين النّقد اللّاذع وبين الفكاهة الّتي تخفّف من وطأة الواقع، وتسمح بتقبّله.
إنّها سخرية تحمل في طيّاتها وعيا عميقا، تشدّ انتباه المتلقّي وتخاطب العقل والوجدان، تجعل الأفكار أكثر تأثيرا، وتكشف عن مكامن الخلل، وتحرّك الوعي إلى إعادة النّظر في المسلّمات والبديهيّات.
بين ثنايا السّطور، تأمّلات وهمسات الكاتب:
في ثنايا السّطور، ينثر الكاتب حِكَما استقاها من تجاربه، ينتقد التّفكير الذّكوريّ الّذي يقيّد المرأة، فمثلا يكتب عن أسمهان (ص90): "لم يسمح لها بمواصلة تعلّمها في المدرسة، أخرجها منها وألزمها البقاء في البيت، كما لو أنّ فضيحة ستحلّ بالعائلة". ويقول عن فريال (ص31): "تأسّيت على الجمال الّذي لا يسنده ثقافة رصينة وارفة".
نتذكّر هنا ما ورد من شعر بشر الفزاريّ حيث يقول: لا خير في حسن الجسوم وطولها، إذا لم يزن حسن الجسوم عقول.
كما يشير إلى غياب ثقافة القراءة في مجتمعاتنا العربيّة، ويتساءل على لسان محمّد عن مصير كتبه بعد رحيله؛ وكأنّها جزء من روحه سيفارقها رغما عنه، يقول (ص83): "هي كتب في بعضها وصف عميق لما نحن فيه من تخلّف وانحطاط، وإشارات صحيحة إلى طريق الخروج مما نحن فيه من تخبّط وبؤس، وفوضى وجهل وخراب، لكن.. قلّة هم الَّذين يقرأون الكتب، وقلّة هم الَّذين يدركون إلى أين نحن سائرون".
وبعد.. تترك هذه الرّواية أثرا عميقا في نفوس القرّاء، فهي رواية توسّع المدارك وتثير العواطف وتشعل الحواسّ، تحمل رسالة هامّة عن الحياة والذّاكرة الّتي توجهّنا عبر متاهات الزّمن، فالذّاكرة هي الكنز الّذي نحمله معنا أينما ذهبنا، وهي شاهد على التّاريخ الشّخصيّ والجماعيّ، وأداة للبقاء والتحدّي في وجه النّسيان والمحو، وهي أيضا الجرح الّذي لا يندمل، والجسر الّذي نبني عليه مستقبلنا.
06.02.2025



#صباح_بشير (هاشتاغ)       Sabah_Basheer#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -والي المدينة-.. ومضات سهيل عيساوي تضيء عوالم مكثّفة
- رحلة في ذاكرة المدينة
- -راحوا وما عادوا-، رحلة في ذاكرة الأحبّة للدّكتور نبيه القاس ...
- الاحتفاءً برواية -فرصة ثانية- للأديبة صباح بشير في نادي حيفا ...
- قراءة في المجموعة القصصيّة -لماذا فعلت ذلك يا صديقي؟- للدّكت ...
- التّراث الفكريّ في رواية -حيوات سحيقة- للرّوائي الأردنيّ يحي ...
- إصدار جديد للأديبة صباح بشير: -طريق الأمل- قصّة تبعث الأمل ف ...
- في متاهات الذّاكرة.. قراءة في رواية -ممرّات هشّة- للأديب د. ...
- كتاب -صيّاد، سمكة وصنّارة-
- -أرملة من الجليل-، سيرة ذاتيّة تتحدّى النّسيان وتحتفي بالحيا ...
- صدور رواية -فرصة ثانية- للأديبة صباح بشير
- نادي حيفا الثّقافيّ يحتفي بالأديبة صباح بشير وإصدارها الجديد ...
- رواية -دروب العتمة-.. رحلة في دهاليز الذّاكرة
- تطوّر الفنّ الرّوائيّ والقصصيّ عند حنان الشّيخ (1970-2005) د ...
- محمود شقير، مسيرة أدبيّة تُوِّجت بجائزة فلسطين العالميّة للآ ...
- -حيفا النّائمة-، نشيد لمدينة حالمة
- -على باب الكريم-، قصّة ملهمة عن الصّبر والقوّة والأمل
- رحلة في عباب الإبداع
- -أقنعة الرّهبة والصّمت-، قصيدة تجسّد قسوة الواقع
- ثقافة القراءة في عالمِنا العربيّ


المزيد.....




- وفاة ابن الفنانة السورية إنجي مراد بعد رحيلها بيوم واحد
- الأدب المنظوم والمنثور في خدمة المقاومة
- وفاة مولود الفنانة السورية إنجي مراد بعد يوم من مأساة رحيلها ...
- مقابر سقارة.. دراسة أثرية حديثة تميط اللثام عن تطور العمارة ...
- مصر.. فنان مصري كبير يدفع ديّة
- بعد يوم على وفاتها.. زوج الممثلة إنجي مراد ينعي مولودهما
- أربات.. أيقونة الشوارع السياحية في موسكو (صور)
- حصل على جائزة نوبل ولم يستلمها.. 135 على ميلاد صاحب -دكتور ج ...
- أطفال الحروب في السودان وغزة: بي بي سي تطلق برنامجاً تعليميا ...
- علي حرب: الحرب اللبنانية أحدثت انقلابا في رؤيتي للناس والأشي ...


المزيد.....

- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح بشير - رحلة في أعماق الذّاكرة والوجدان: قراءة في رواية -منزل الذّكريات- للأديب محمود شقير.