الترامبية حركة شعبوية أمريكية جديدة ( 3 )

آدم الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 8247 - 2025 / 2 / 8 - 22:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

اتخذ الرئيس ترامب اجراءات لإنقاذ أمريكا من مجموعة العوامل الاقتصادية و المجتمعية التي تشكل نزيفا خطيرا يضعف من قوتها كدولة عظمى و هذا امر ضروري لأمريكا إلا أن شعبويته دفعته للسير بالاتجاه الخاطئ حين صار يبحث عن مكتسبات هي أقرب الى كونها غنائم , اهم الغنائم التي سعى الرئيس ترامب للحصول عليها هي التالي :
الغنيمة الأولى : قناة بنما
لقد طالب الرئيس ترامب استعادة سيطرة أمريكا على قناة بنما , لكنه سرعان ما تراجع عن هذا المطلب للأسباب التالية :
السبب الأول : انكشاف حججه الثلاثة التي أطلقها كمبرر لإعادة السيطرة على القناة , الحجة الأولى هي أن الصين قد سيطرت على القناة فاتضح عدم صحة هذا الادعاء و إن القناة تدار بشكل كلي و مباشر من قبل شركة بنمية محلية , أما الحجة الثانية فقد ادعى أن أدارة القناة تعامل السفن الأمريكية معاملة غير عادلة و تستوفي منها رسوم عبور القناة أكثر من ما تستوفيها من السفن التي تعود لدول أخرى فتبين عدم وجود مثل هذا التميز و إن إدارة القناة تعامل جميع السفن العائدة لجميع الدول بنفس المعايير و القدر دون أي تميز , و كانت الحجة الثالثة هي أن الاف الأمريكيين قد ماتوا اثناء حفر القناة , لم تكن لهذه الحجة أي اساس فالعمال الذين ماتوا أثناء حفر القناة و عددهم أكثر من عشرين الف عامل هم من السكان المحليين .
السبب الثاني : رفض حكومة و شعب بنما القاطع تسليم قناة بنما لأمريكا طوعا , بذلك صار الخيار الوحيد أمام امريكا هو الخيار العسكري الذي يتطلب ليس احتلال القناة فقط بل ايضا الحفاظ على هذا الاحتلال الذي سيكلف الخزانة الأمريكية أكثر من إيرادات القناة التي تقدر بحدود خمسة مليارات دولار سنويا .
إن إيرادات قناة بنما تشكل حوالي ربع الناتج المحلي السنوي لبنما و حوالي 80% من العملة الأجنبية الصعبة التي تحصل عليها بنما , لذا فتخلي بنما عن قناتها سيتسبب بخسارة كبيرة للشعب البنمي , أما بالنسبة لأمريكا و هي قوة اقتصادية عظمى فإن إيرادات القناة تعتبر مبلغ بسيط جدا لا يستحق عناء احتلالها .
السبب الثالث : التنديد بنية أمريكا بالسيطرة على القناة حيث صدر هذا التنديد من عدد من دول العالم و من معظم دول امريكا الجنوبية التي أبدت استعدادها بالوقوف بجانب شعب بنما في محاربة الأطماع الاستعمارية لأمريكا تحت شعار " قناة بنما للبنميين " .
إن تراجع الرئيس ترامب عن نيته بالسيطرة على قناة بنما كان أمرا مؤكدا بالنسبة للكثير من المتابعين لهذه القضية , لقد شكل هذا التراجع أول فشل لسياسة الرئيس ترامب .
لكي يخفف الرئيس ترامب من تأثير فشله في السيطرة على قناة بنما حصل على مكسبين صغيرين من الحكومة البنمية , المكسب الأول هو اعفاء القطع البحرية التابعة للحكومة الأمريكية من دفع رسوم عبور القناة , هذا الإعفاء لا يشمل السفن الامريكية التجارية و تقدر قيمة هذه الإعفاءات ببضعة ملايين الدولارات و هي مبلغ بسيط جدا مقارنة بالخمسة مليارات دولار التي كان يريد الرئيس ترامب الاستحواذ عليها , أما المكسب الثاني فهو تعهد حكومة بنما بعدم تجديد مذكرة التفاهم التي سبق و وقعتها مع الحكومة الصينية .
شملت مذكرة التفاهم البنمية الصينية تقديم الصين مساعدات لبنما لتقوية و تطوير البنى التحتية في بنما مقابل سحب بنما لاعترافها بتايوان كدولة و الاعتراف ايضا بمبدأ الصين الواحدة التي تضم تايوان كجزء منها , عدم تجديد هذه المذكرة يعني عدم طلب المزيد من المساعدات من الحكومة الصين لبنما لكن ذلك لن يؤثر على التزام بنما بمبدأ الصين الواحدة و أن تايوان جزء من الصين الواحدة , لذا فالخاسر الوحيد من عدم تجديد مذكرة التفاهم هي بنما , الذي فاجئ إدارة ترامب هو نية الحكومة البنمية الطلب من أمريكا تقديم المساعدات لبنما بدلا عن المساعدات الصينية التي ستفقدها .
الغنيمة الثانية : جزيرة غرين لاند
تعهد الرئيس ترامب بالسيطرة على جزيرة غرين لاند التابعة حاليا للدنمارك من خلال شراها بالسعر الذي يناسبه .
رفضت الحكومة الدنماركية بيع الجزيرة لأمريكا بأي ثمن و حصل الموقف الدنماركي على تأييد جميع الدول الأوربية لأن هذه الجزيرة ليست أرض دنماركية فحسب بل هي ايضا ارض تابعة للاتحاد الأوربي الذي يخطط للتحول من اتحاد الى دولة في المستقبل .
من غير المعروف كيف سيتصرف الرئيس ترامب في موضوع استيلاء أمريكا على جزيرة غرين لاند , لكن في كل الحالات سوف لن تقبل الدنمارك و لا الاتحاد الاوربي التنازل عن هذه الجزيرة و سيتطلب من الرئيس ترامب احتلال أرض تابعة لدولة في حلف الناتو إذا اصر على موضوع سيطرة أمريكا على جزيرة غرين لاند .
احتلال أمريكا لأرض تابعة لدول من دول حلف الناتو أمر لم يحصل في عهد أي رئيس أمريكي سابق , تبعات و تداعيات مثل هذا العمل ستكون كبيرة على مستقبل حلف الناتو .
الغنيمة الثالثة : كندا
طالب الرئيس ترامب ضم كندا للاتحاد الفدرالي الأمريكي و جعلها الولاية الأمريكية رقم 51 .
لن يحصل ضم كندا لأمريكا بالقوة و يتطلب الضم الطوعي موافقة الشعب الكندي , على حسب ما تشير اليه استطلاعات الرأي في كندا فإن الضم الطوعي لن يحصل ايضا لذا بدء الرئيس ترامب يخطط لفرض رسوم و عقوبات على كندا لدرجة قد تجعل الشعب الكندي يقبل بانضمام بلده الى الولايات الأمريكية كحل ارحم من تأثير هذه الرسوم و العقوبات .
إن سياسة الرئيس ترامب في جعل أمريكا عظيمة على حساب الدول الأخرى حتى الدول الحليفة لها و الأعضاء في حلف الناتو سيقود أمريكا الى الضعف و ليس الى القوة , و سيدق هذا النهج مسامير جديد في نعش مجموعة الدول الصناعية السبعة , فبأي وجه سيواجه الرئيس ترامب رئيس وزراء كندا و القادة الكبار لدول الاتحاد الأوربي و هم أعضاء في هذه المجموعة .
لم يكتفي الرئيس ترامب بتهديد حلفائه في الناتو فقد امتدت تهديداته الى دول مجموعة بريكس , و الأعضاء الكبار في هذه المجموعة هم اعضاء ايضا في مجموعة العشرين , أن ترامب يعمل بقصد و دون قصد تخريب علاقات أمريكا بالكثير من دول العالم .

(( يتبع ))

#آدم_الحسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات