|
الوعي بمدرسة فرانكفورت الحلقة الأخيرة من كتاب الوعي بالتنوير، من سلسلة الوعي المجتمعي، الكتاب الثاني.
ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)
الحوار المتمدن-العدد: 8247 - 2025 / 2 / 8 - 14:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المدارس الفكرية ... مدرسة فرانكفورت أنموذجا ..... أسست عام 1923كمدرسة تنويرية تحت اسم (معهد البحوث الإجتماعية) وأفكارها اكتسبت مكانة وأهمية في ظل الظروف المتغيرة، وأُسس هذا المعهد برعاية خاصة في اعقاب الثورة الفاشلة في المانيا التي اعقبت هزيمة البلاد عام 1918 وكانت مشروعا تعليميا، ومؤسسة اكاديمية ترسم خطى التغيير الفكري اللازم لالمانيا بعد الحرب العالمية الاولى ، مفكرو المعهد هم كل من : 1- ادورنو 2- فالتربنيامين 3- هربرت ماركوز 4- ماكس هوركهايمر 5- يورجن هابرماس كتبوا في الفلسفة، علم الاجتماع، علم النفس الاجتماعي، السياسة، الإقتصاد، النظرية الثقافية . حيث كانت المهمة الأساسية للمدرسة هي: التقييم النقدي للواقع الإجتماعي القائم. شخص هؤلاء المفكرون القوى التدميرية التي تعمل داخل المجتمعات الأوروبية، اغلق المعهد عام 1933 اي : خلال العام الاول من الحكم النازي في المانيا ، وفروا الى سويسرا حيث حاولوا اعادة تأسيس المدرسة في جنيف واخيرا وجد المعهد ملاذا له في امريكا ، في نيويورك ثم في كاليفورنيا منذ بدايات اربعينيات القرن العشرين وسط مجتمع من المنفيين والاوروبيين المشردين. عدا فالتربنيامين ، الذي انتحر في اسبانيا بسبب اعتقاده ان السلطات الكتلونية ستعيده الى المعسكرات النازية في فرنسا او المانيا . من اهم كتب المدرسة " جدل التنوير" من تاليف : أدورنو وهوركهايمر ، والذي نشر باللغة الالمانية 1947 وفي هذا الكتاب حاول المفكران كتابة تاريخ جديد للتطور الغربي من خلال قلب السردية النموذجية للتقدم التدريسجي من المعتقدات الاسطورية المتخلفة بالعصور البدائية الى بزوغ فجر العقلانية في اوائل العصر الحديث حيث بلغت اوجها في تطور التفكير الحر ، والانجازات العلمية في عصر التنوير، المؤلفان أوضحا ان هذه السردية من الظلام الى النور اغفلت الحقيقة الواضحة التي مفادها ان الانسانية خلال القرن 20 المستنير المزعوم استسلمت للوحشية ، تقول أولى كلمات الكتاب: ما دام كان الهدف من التنوير بالمعنى الأعم للفكر التقدمي هو تحرير البشر من الخوف وارساء سيطرتهم ومع ذلك تتألق الارض شديدة الاستنارة بكارثة ظافرة" وتفسير ذلك وفق المؤلفين هو : إن التنوير الغربي لم يمثل تحرير العقل الانساني من اشكال التفكير الاسطورية فقط، بل اكتفى بتحويل الأساطير القديمة إلى أُخرى جديدة اسمها العقلانية، فقوة الحكم المنطقي التي فككت المعتقدات الخرافية صارت سلطة فيما بعد وهي ما أطلق عليه (المؤلفان : العقل الذرائعي وهكذا هيأ هذا الى التشيؤ reification أي: تحول الكيانات، والسيرورات الحية، الى اجسام او اشياء هامدة )، فكتاب جدل التنوير يظهر ان (العقل الذرائعي) ما أن يصبح سلطة ينبغي للشؤون الإنسانية الخضوع لها وينتهي بها الحال إلى ممارسة الطغيان على البشر، ويحول مجتمعاتهم إلى آلات بلا روح، وتصيب عدواه العلاقات بين الافراد الذين ما ان يصبحوا مكونات في نظام آلي منظم بشكل عقلاني حتى يسلب شيئ من انسانيتهم ، هكذا انحدرت الكثير من المجتمعات الى (اللاأنسانية) التي امتدت حول مدرسة فرانكفورت ومهد حرق الكتب الطريق امام ابادة بيروقراطية لطبقات كاملة من المجتمع ، مثل الملايين الذين هلكوا داخل المعسكرات حيث القتل آلي ككل شيء آخر. من اوائل الكتب التي كتبها أدورنو عند عودته إلى ألمانيا مجموعة مقالات أطلق عليها اسم "الأخلاقيات الدنيا: تأمُّلات من حياة معطوبة" /1951تتراوح مادتها بين المشكلات النظرية المجردة، وبين تفصيلات الحياة اليومية، بعيون مهاجر أوروبي يعيش في كاليفورنيا كما اسلفنا، :الطرق السريعة، الفنادق، دور السينما، المجلات ، اساليب الاداء الشخصي والاغواء، وقد نسج ادورنو عبر النص حالة مزاجية شديدة الكآبة ويملؤه الاحساس المؤلم بأن العالم القديم والثقافة المرتبطة بالتنوير اخفقت في مهمتها التمدينية ، وان ما تبقى هو مجتمع من الآلات عالية التدريب التي تستهلك حثالة سقط ثقافة لا تبالي بأمرهم، ويطرح ادورنو في الفصل التأملي الموجز الاخير "حتى النهاية" (فكرة ان الطريقة الوحيدة للنظر للعالم المنهار بعد الاحداث الكارثية التي حاقت به، هي استعارة المفهوم اللاهوتي للفداء، اذ يوما ما قد تعوض البشرية كلها بطريقة لايمكن تصورها الان وسواء كان هذا التعويض احتمالا واقعيا ام لا ، فان ذلك غير ذي صلة عمليا في ضوء ضرورة عدم الاستسلام لهزيمة عدو لدود وقد كانت هذه هي محاولة ادورنو العنيدة لصد المجتمع من حوله، عن الحجز على الذاكرة التاريخية ). إن مدرسة فرانكفورت نبهت قراءها إلى إن الوعي الانساني في عصر المجتمع الجماهيري أصبح محاصرا بالكامل داخل أسوار قلعة آيديولوجية، وانه اصبح عالقا داخل تداولات لا تنتهي من التبادل الرأسمالي، ووسائل الترفيه والالهاء المصممة لحجب الحقيقة ، كل من في نظرية صناعة الثقافة يحظى بالجاذبية في عالم تسود فيه السلع، ، افلام انشأها الحاسوب تحقق رواجا كبيرا وشركات التسجيلات العملاقة، التي لا تكف عن اغراق الاسواق بألبومات افضل الاغاني ، والهوس الواسع بألعاب الفيديو الذي استولى على الناضجين فانخرطوا في لعب ابله صبياني وقح، وتحول الجماعية الى مجرد الاتصال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هذه هي ملامح ثقافة ليست نتاجا عفويا لبشر احرار بل هي بالاحرى مفروضة عليهم في حالة الاستعباد التي يعيشونها. هكذا يتحول الافراد الى رفض التفكير والاستجابة بالطرق المفروضة فأصعب مهمة تواجه اي سياسة تحررية اليوم هي تشجيع البشر على التفكير بأنفسهم بطريقة تتجاوز الشعارات البسيطة واملاءات العقل الذرائعي التي تحدثنا عنها، ذلك (ان التفكير النقدي الحقيقي لا يتطلب مجرد رفض التماهي مع بنى المجتمع والثقافة التجارية القائمة فقط بل يقتضي وعيا عميقا بالإتجاهات التأريخية التي أدت إلى المأزق الحالي ) ما طرحته هذه المدرسة حول الحضارة الغربية، وكيف استغلت الإنسان عبر بوابات كبيرة، منها بل على رأسها بوابة الإستهلاك، فهو ما نراه اليوم جليا بل مخيفا حتى. ونستطيع أن نستزيد من هذه المدرسة عبر مؤلفيها من مثل (هربرت ماركوزة) في كتابه الأعظم (الإنسان ذو البعد الواحد) دراسات في آيديولوجيا المجتمع الصناعي الصادر عام 1964 وكتاب الأخلاقيات الدنيا / تأملات في حياة معطوبة ل : (ادورنو والجدل السلبي) لنفس المؤلف الصادر عام 1966 وجدل التنوير لادورنو وهوركهايمر .
#ياسر_جاسم_قاسم (هاشتاغ)
Yaser_Jasem_Qasem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين البهائي جدل وأفكار ج 3 والأخير
-
الدين البهائي جدل وأفكار ج 2
-
الدين البهائي، جدل وأفكار- ح 1
-
عمائم ليبرالية في ساحة العقل والحرية فكرة تنويرية للدكتور رف
...
-
من كتاب الوعي بالتنوير ج 2 ح 27
-
مهمة المثقف تجاه القضايا المهمة في المجتمع والدين والسياسة .
...
-
من هو وكيل الاله على الارض العقل ام رجل الدين.. .....من سلسل
...
-
من المجتمع الى الشخصية وهذا خلاف ما ذهب اليه علي الوردي- من
...
-
كتاب مفهوم العقل في البصرة ج 1
-
التنوير ام الحداثة ام الاصلاح ... هو السبيل لنهضة حقيقية
-
ادباء بصريون راحلون- ح1
-
هل تهدد التكنولوجيا وضع الاخلاق عالميا ج2
-
التكنولوجيا والارهاب - الدراسة مجتزأة من كتابي (العلاقة المح
...
-
هل تهدد التكنولوجيا وضع الاخلاق عالميا؟؟؟ ج 1
-
مقاربة نقدية بين البوذية والاسلام تجسد اليات تحرير الفكر رؤي
...
-
التنمية في العراق وابعادها .... التخطيط والرؤى المستدامة
-
المثقف ليس حارسا للقيم ..... وهو يعيش وسط مجتمع منافق عفن ..
...
-
العلم وحرية الارادة
-
دفاعا عن التنوير .ح 21 صدام الحضارات وصدام المحليات
-
حكمة ادارة الموارد وفق مفاهيم التنمية المستدامة العراق أنموذ
...
المزيد.....
-
عراقجي: يجب عقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الاسلامي حو
...
-
بزشكيان: ستتمكن الدول الاسلامية عبر التعاون فيما بينها من اع
...
-
الحية لقائد الثورة: هذا النصر العظيم هو نصر مشترك لنا وللجمه
...
-
قائد الثورة الاسلامية خلال لقائه وفد حماس:تغلبتم على اميركا
...
-
قائد الثورة الاسلامية : انتصار فلسطين مؤكد بفضل الله
-
قائد الثورة الاسلامية: الباري تعالى من عليكم وعلى سكان غزة ب
...
-
قائد الثورة الاسلامية: انتصار أهالي غزة هو انتصار على أميركا
...
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل وفدا قياديا لحركة حماس
-
تردد قناة طيور الجنة Toyor Aljanah الجديد على القمر الصناعي
...
-
وزير الخارجية يبعث برسالة شكر إلى قائد الثورة الإسلامية
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|