خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8246 - 2025 / 2 / 7 - 20:19
المحور:
الادب والفن
في قلب هذا الليل الممتد كأزلٍ لم يُكْتَب، وفي عمق هذا الصمت حيث تهيم الأرواح بين السؤال والجواب، تنبض ذرةٌ من نورٍ لم تُخمده الرياح، لم تطفئه العيون المُنهكة، ولم يرهقْه النسيان. ذرةٌ هائمة بين العدم والوجود، تتردد كنبضةٍ أولى في صدر الخلق، كهمسةٍ تسبق ولادة النور.
كل شيء هنا يتحدث بلغةٍ لم يخطّها بشر، نوتةٌ في السيمفونية التي لم يسمعها أحد، لكنها تحكم الكون منذ البدء. حجرٌ ينزف ذاكرته، شجرةٌ تميل لتبوح بسرٍ إلى الريح، نجمةٌ تسقط في صمت، وكأنها تصلي للمجهول. والمجهول ذاته يراقب، ساكنٌ كجبل، عميقٌ كهاوية، مُطلقٌ كموجةٍ لم تجد شاطئها.
أما القلب، ذلك الكوكبُ السابحُ في مدارات الغموض، فلا يزال يطرق أبواب الأبدية، متسائلًا عن أصله، عن صوته الأول، عن الطريق الذي يمتد داخله أكثر مما يمتد خارجه. هناك، حيث لا بداية تُمسكُ بخيط النهاية، ولا نهاية تُعلن هزيمة البداية، يطوف السؤال الأقدم: من أنا؟
أنا صدى من شيء لم أفهمه بعد، نبضةٌ هاربةٌ من وترٍ لم يُعزف، ظِلُّ فكرةٍ لم تكتمل، أو ربما كنتُ الموسيقى التي أضاعت عزفها في الضجيج.
لكنني رغم التيه، أمضي… لأن المجرات لا تسأل إلى أين، بل تمضي فحسب، ولأن الريح لا تلتفت لمن يطلب تفسير مساراتها، ولأن الومضة، وإن انطفأت، تبقى قد أضاءت العتمة للحظةٍ خالدة…
وأنا، كعابرٍ في هذا الكون، أبحث عن تلك اللحظة
وفي ثنايا الليل البهيج، حيث تنساب أنغام القدر بهمسٍ لا يُسمَع إلا لقلوبٍ تذوب عشقًا في سحر الزمان، ينبثق نور خافت كسرابٍ يُداعب حدود الوجود. هنا، تتلاقى أنوار الذكريات مع ظلال الأحلام، فتُولَد قصائدٌ من ضياء لا يخبو، ترتسم على جدران السماء كحبرٍ سماوي يروي أسرار الكون.
تحت قبة الليل العتيق، تُزهر الروح حكايات عشقٍ لا يُروى، وتغدو الكلمات جسورًا تمتد بين عوالم الفجر والمساء؛ جسورًا تعانق الأبدية وتهمس بلغةٍ تتجاوز حدود اللفظ. في هذا المدى حيث يلتقي الصمت بالنور، تنساب دموع الفجر كقطرات من عطر الربيع، تحمل في طياتها شذى الأمل الذي لا يموت، وصدى الأحلام الذي ينقش على صفحات الزمن رواية عشقٍ لا يُضاهى.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟