|
العولمة المضادة وتمثلاتها في الخطاب المسرحي
صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)
الحوار المتمدن-العدد: 8246 - 2025 / 2 / 7 - 02:17
المحور:
الادب والفن
توطئة: تنتمي فرضية تأسيس العولمة إلى مرحلة من المتغيرات التي بدا فيها العالم مستعداً لإستقبال أشكال مفاهيمية جديدة جاءت للوهلة الأولى مغايرة عن المسميات التي تأسس على وفقها العالم في أزمنة سابقة، وكما في التوصيفات التي تم تقسيم العالم على إثرها إلى عوالم متعددة يسود فيها القوي ليصار إلى تسميته بالعالم الأول المهيمن على العالم الضعيف الذي إكتسب توصيف العالم الثالث على نحو قسري، ذلك العالم الذي تقبع فيه الدولة التي لم تزل خاضعة لشكل من أشكال السيطرة والاحتلال (الاقتصادي، السياسي، الثقافي، التعليمي.. وغيرها). وقد تتبدى أشكال الاحتلال الأكثر حضوراً وهيمنةً فيما هو (اقتصادي/ سياسي)، بوصفهما مرتكزان أساسيان في السيطرة على الدولة، لذلك تكون فكرة القوى المهيمنة واضحة على نحو مباشر، الأمر الذي يدفع بالقوى العظمى إلى إعادة توصيف أدواتها الاستعمارية بما يتوافق مع خطاب العصر ومتغيراته التي كشفت في مرحلة من تطورها عن صياغة مفهوم (العولمة)، التي أفرزت مقولتها الإشهارية الرئيسة (العالم تحول إلى قرية صغيرة) بوصفها إعادة إنتاج لمسمى الشمولية بوصفها "اختزالا للهيمنة الإمبريالية التي يؤكد قادتها في القرن التاسع عشر بقولهم نحن نستجلب ببساطة قيماً شمولية للحضارة إلى الدول المختلفة"( ) . وقد تبدو تلك المقولة التي أنتجتها العولمة من البداهات الواضحة في ظل وجودنا في عالم تسيطر فيه التكنولوجيا التي أسهمت في توفير وسائل الاتصال والتواصل، بما يؤمّن تغيير حركة السوق العالمي بلمح البصر، وبما يتوافق مع قاذفات الصواريخ والطائرات المسيرة التي تسيطر على النظم السياسية وتتلاعب في سياسيات الدول واقتصادها. فضلا عن ذلك فإن مسمى العولمة الذي اكتسب شيئاً من الغموض بالمقارنة مع الشمولية التي اتسمت بالخشونة التي ما أن تطرق إلى السمع حتى تتشكل في الذهن صور لأحداث تسببت في تغيير العالم. وتأتي إشارة (كارل ماركس) للعولمة بوصفها " الماكنة التي حولت الرأسمالية إلى رأسمالية عالمية؛ وهكذا فهي الألية التي تسّير العولمة، وعليه فإن العولمة بالنسبة لماركس ليست جديدة(...) حيث أنها أخذت تمتد بأسواقها عبر العالم بعد أن كانت تقيم تلك الأسواق ضمن بلاد معينة"( ). فالعولمة بحسب المنظور السابق، لم تجعل العالم قرية صغيرة فحسب، بل تحول العالم إلى سوق كبيرة، تعاد فيه السيطرة على العالم، على وفق منطلقات جديدة "تفترضها العولمة بما له علاقة بالمآل العالمي الواسع للأشياء، التي هي: الوعي، والثقافة، والأزمة، والسياسة، والمال"( )، وبذلك فإن مآلات العولمة بدت شمولية أكثر من كونها على تماس واضح بالهيمنة على الأسواق العالمية أو السيطرة عليها تكنولوجياً، بل راحت تدخل إلى تضاعيف الجسد الثقافي، وصار التعبير عن العولمة حاضراً في عديد الأشكال الفنية وإن تغيرت مسمياتها إلا أن مرجعها الرئيس يعود إلى العولمة بصيغتها الثقافية، الأمر الذي سيدفع بنا إلى تفكيك عديد الإشتباكات التي تشكلت على وفق الطروحات التي تضمنها عنوان الندوة الفكرية التي بدت للوهلة الأولى ملتبسة مع مفاهيم أخرى، ولكن التأمل والتفحص في مضامينها أفرز عديد الإشتباكات المفاهيمية التي سنعمل على فحصها، لاسيما أنها جاءت على شكل ثنائيات ضدية متعارضة تسببت في خلق حالات الالتباس. الإشتباك الأول: عالمي أو عولمي؟ أي مسرح في العالم الآن؟ لا يظهر للوهلة الأولى أن ثمة إشكال بين المسميات (عولمي/عالمي) إذا ما تم النظر إلى الجذور اللغوية لكليهما، إلا أنهما يختلفان في طبيعة التوظيف فالأول (العولمي) إرتبط على نحو أساس في إعادة صياغة النتاجات المعرفية للشعوب (اساطير، أعراف، عادات تقاليد، تراث، ثقافة.. وغيرها) وتحويلها إلى مادة سلعية (قابلة للتسويق) من دون ان تكون لمرجعياتها الثقافية أي حضور أو خصوصية، وقد تشكلت هذه الصياغات عبر رحلات قام بها عديد المخرجين المسرحيين نحو بلاد الشرق ، بعد أن أطلق المخرج الفرنسي (ارتو) الشرارة الأولى مستفيداً من مشاهداته للرقصات التي قدمتها مجموعة من الراقصين (الإندونيسيين) ضمن فعاليات (معرض باريس)، والتي تحول معها مفهوم العولمة بصياغته (التسليعية المهيمنة) بوصفه ينتمي إلى السياسات الاقتصادية ومهيمنات السوق العالمي ،إلى مفاهيم عدة تأتي في طليعتها مفاهيم (الكولونيالية/ ما بعد الكولونيالية) بوصفها مفاهيم قارة إرتكزت عليها القوى الإستعمارية في بسط سيطرتها الثقافية على الشعوب المستعمرة من جهة، وتغييب ثقافة تلك البلدان من جهة أخرى ، إذ يشار إلى أن الأوروبيون عندما كانوا " يستوطنون مستعمرة ما كانوا يعمدون إلى تقديم الدراما الأوروبية باعتبارها إحدى العلامات الباكرة على الثقافة/الحضارة المستقرة، وهو ما أدى – طبقاً للسجلات الرسمية- إلى طمس أشكال العروض المسرحية الأصلية لسنوات عديدة"( )، وهي صياغة (عولمية) لتسويق ثقافة الأخر التي قد تبدو للوهلة الأولى فكرة تشاركية يمكن أن ينتج عنها مشاريع تبادلية مع الثقافة الأصلية ، إلا أنها في مضمونها الحقيقي تعمل على تطبيق نظام الإزاحة والإستبدال، وكأن العولمة قد غيرت من جلدها السياسي/ الاقتصادي ، وإرتدت ثوب الثقافة الكولونيالية التي تزرع بذورها داخل الجسد الاجتماعية وتعمل على إزاحة مكوناته الثقافية الأصيلة وإستبدالها بثقافة مستوردة (معلبة) تظهر على نحو فيه الكثير من الإبهار والدهشة من أجل تحقيق فعل الإستبدال من دون إثارة حساسية الشكل الثقافي الأصيل ، وقد تكشفت هذه الهيمنة العولمية الناعمة في البدء من محاولات إنتشارها داخل المجتمع الأصيل بوصفها علامة دالة على السلوك المتحضر المستورد من بلد المنشأ، إلا انها سرعان ما انكشفت امام سكان المجتمعات المحتلة، وبدأ معها يتأسس تيار مناهض لمفهوم الكولونيالية الثقافية، وصولا إلى إنتاج خطاب مسرحي ما بعد كولونيالي تمثل في إنتاج عروض مسرحية تناهض المستعمر وثقافته المستوردة عن طريق إنتاج عروض مسرحية مغايره ، قد يستفيد بعضها من التقنيات التي تقدمها عروض المسرح الكولونيالي، إلا انها تؤكد عبر مضامين نصية وأشكال دالة على رفض العولمة بصيغتها الثقافية المهيمنة عبر التأكيد على " إحلال التناول النقيض محل النص المعتمد، إن الخطاب النقيض يسعى إلى تفكيك دوال السلطة والقوة الفاعلة داخل النص المعتمد، كما يسعى إلى تحرير التمثيل من قبضة هذا النص"( ). إذ تعد فكرة إحلال النقيض بوصفها فعل مقاومة للمهيمنات الكولونيالية على إعتبار أن المسرح بالأساس هو فن وافد إلى عديد الشعوب التي خضعت للسلطة المستعمرة ، وكما هو الحال مع تصدير السلع والمنتجات وافتتاح أسواق جديدة ،فإن مقترحات العولمة تقضي بتحويل العالم إلى سوق كبير كما أشرنا سابقاً، ويعد المسرح فناً سلعياً يسهم على نحو فاعل في تغيير الطبيعة الاجتماعية كما هو حال الموسيقى والفنون الأخرى التي تؤدي إلى إستقطاب عديد الأجيال الباحثة عن التغيير من دون إدراك لمخاطر ذلك التغيير، وبالعودة إلى فكرة إنتاج خطاب نقيض لما أنتجته العولمة الثقافية/المسرحية بشكلها الكولونيالي الذي دفع بالعديد من التجارب المسرحية إلى تطوير عروض مسرحية مناهضة لتلك الطروحات من اجل ان تستعيد الشعوب حضورها الوطني، وبذلك فإن" الخطاب النقيض يعمل بشكل فاعل على زعزعة بنيات القوة التي يقوم عليها النص الأصلي، وليس مجرد الإعتراف بتأثير هذا النص، ومثل هذا الخطاب الذي يميل إلى تركيز تقاليد معتمدة ومفروضة أكثر من التركيز على سرديات أصيلة لها وجود سابق على وجود المستعمر وتنتمي إلى الثقافة المستعَمرة"( ) . ولم تركن العولمة إلى الكولونيالية التي أنتجت صداماً ثقافياً، الأمر الذي دفع بها إلى إنتاج خطاب مغاير بدا هو الآخر مقارباً لفكرة الحوار الثقافي بعد إنتهاء حقبة المستعمرات والاشكال العسكرية المهيمنة، وصولا إلى تصدير مفهوم (المثاقفة) الذي بدا للوهلة الأولى أكثر فاعلية مع فكرة العرض المسرحي بوصفه نتاجاً ثقافياً، إلا أن تفكيك المصطلح كشف عن مضامين عميقة تتجاوز خشونة السوق التي أفرزتها العولمة، ذلك " إن المثاقفة، التي يوهم الغرب بأنها تعني الحوار الثقافي والتبادل الثقافي هي – في الحقيقة- تعني القضاء على الثقافات المحلية من أجل إنتشار الثقافة الغربية خارج حدودها وهيمنتها على غيرها"( )، وهو ما تكشف على نحو أساس مع انشغالات المخرج الإنكليزي (بيتر بروك) على الملحمة الهندية (المهابهارتا) وغيرها من العروض المسرحية التي أسس عليها (بروك) إرثه المسرحي لاسيما تلك التجارب المسرحية التي تعود مرجعياتها إلى تراث لشعوب أخرى كما في عرض (منطق الطير) المستوحاة من كتب (فريد الدين العطار) وغيرها، وبالعودة إلى (المهابهارتا) التي بدت رحلة عميقة في إحياء ذلك التراث الهندي وإعادة إنتاجه إلى العالم المتحضر (العولمي)، وهي صورة مهذبة لشكل من أشكال الاستعمار الثقافي، ذلك أن السيطرة على الإرث الثقافي لحضارة وشعب هو سلوك إستعماري مادامت فكرة سلخ ذلك الإرث عن مرجعياته التي لم تكن الترجمة تسعفنا في التعرف عليها، بل كانت الدهشة التي تصدرت مشهد تحويل ملحمة هندية قديمة هو إنجاز مسرحي متفرد، إلا ان ذلك لم يكن إنجازاً من وجهة نظر المفكر الهندي (روستم بهاروشا) الذي أشار إلى أن " التعرض لثقافات أخرى لم يكن دائماً مسألة إختيار، حيث أن المرء يمكن ان يقول أن الإستعمارية لا تعتمد على مبدأ التبادل بل تفضل الاستيلاء على النصوص لتغييرها لتمثل الأخرى وغالباً ببساطة موضوعاتها الإستعمارية تضفي الشرعية على سلطتها وتؤكد تفوقها الثقافي"( ) . فضلا عن ذلك فإن نتاجات الثقافة المهيمنة أنتجت هي الأخرى مسمى (الثقافة الفرانكفونية) التي تعود في واحدة من تعريفاتها إلى الثقافة التي أنتجتها الدولة التي كانت مستعمرة من قبل الاحتلال الفرنسي، الذي غادر تاركاً خلفه منظومة ثقافية متكاملة تتحكم بالسلوك واللغة والعادات والتقاليد، إذ " تبني الفرانكفونية الإشتباك مع ذوي الهوية الهشة لأجل تسيّد لغتها والإهتمام بها بشكل أكثر معرفة ومصداقية"( )، وقد تمكنت الفرانكفونية بوصفها خطاباً ثقافياً من خلق حالة من الشراكة الثقافية مع عديد المسرحيين في الدول التي كانت خاضعة للإحتلال الفرنسي، حتى صارت التجارب المسرحية تحاكي تلك الثقافة وصولاً إلى أشكال مسرحية فرانكفونية التكوين. ولم تعد فكرة الشكل البصري الفرانكفوني في المسرح المعاصر مستهجن، بل صار خطاباً يمتلك خصوصية الحضور الاجتماعي، ويعود ذلك إلى أن " المسرح مهاد أساسي لهجنة الأشياء وهي شهادة مهمة في فعل التثاقف الفرانكفوني المقتضي على تسييس الفرد والمكانة الاجتماعية بدعوى ضمان حقوق الإنسان(...) فالمسرح هو المرآة العاكسة لكل نتاجاتنا العنفية منها والثقافية، ولا ريب في أن هذا الأمر أتاح بعداً تكرارياً هيمنياً على المنعزلين ثقافياً داعياً إياهم للتشارك من أجل بناء حوار حافل بالحميمية على أساس من التعميم والتنوع"( ). وبالعودة إلى أصل الإشتباك (عولمي/عالمي) وفي النصف الآخر المرتبط بالخطاب (العالمي) الذي ينتمي أيضاً إلى ما أنتجه خطاب الغرب من مفاهيم تتسق مع فكرة الوجود الثقافي للآخر، والذي تمثل على نحو أساس في مفهوم (التناسج الثقافي) الذي إنشغلت الناقدة الألمانية (إيريكا فيشر ليشته) في تبني مفهومه والتأكيد على مضامينه المغايرة مع مفهوم (المثاقفة) ذو النزعة الإستعمارية. إذ تأسس مفهوم (التناسج) على فكرة " تقوم على مستويين: مجموعة من خيوط حريرية تلتئم لتشكل ظفيره، والضفائر بدورها تنسج لتشكله قطعة من قماش، تتكون بدورها من ضفائر وخيوط، كما هو حال الصيغة النهائية لعرض (الباخوسيات) لسوزوكي تاداشي، والاهم في كل هذا أنه ليس من الضروري التمييز والفصل بين كل هذه العناصر التي إنصهرت لتعطينا المنتوج النهائي.. إنها مصبوغة ومظفرة ومنسوجة لتشكل أنماطاً معينة من دون السماح للمشاهد بأن يتتبع كل فرع إلى أصله"( )، وبذلك صار بالإمكان التعرف على شكل مسرحي عالمي من دون أن يكون ذو نزعة (عولمية) تنحو نحو إستهلاك ثقافة الآخر وتصدير ثقافة بديلة، فضلا عن ذلك فقد كشفت عديد التجارب المسرحية التي تأتي في طليعتها تجارب (ايوجينو باربا) عن تقديم مقترح لمسرح (عالمي) لا يشترط السيطرة على ثقافة الاخر، بل على العكس فقد بدا واضحاً في توظيفها ضمن مقترح (المقايضة) الذي أسهم في إنتاج مسمى (المسرح الثالث) أو ما يعرف بالمسرح (البيني) الذي نعتقد أنه من إفرازات (العولمة) بمقترحاتها المحايدة التي يتم التأكيد عبرها على أن "تفاعل المسرح مع عناصر من الثقافات الأخرى أداة دائمة ووسيلة للتغيير والتجديد"( ). الإشتباك الثاني: المحلي/البيئي.. العولمة المضادة في المسرح أسهمت العولمة ضمن مقترحها الثقافي في إنتاج عمولة ثقافية مضادة أو مناهضة، يراد بها إعادة توظيف لتلك الطروحات التي تحولت فيها الثقافة إلى سلعة تسويقية بمعزل عن تأثيرها في الجسد الاجتماعي، الأمر الذي أدى إلى خلق تحولات مضادة أسهمت في إعادة العولمة إلى بلاد المنشأ، عن طريق عدد كبير من التجارب المسرحية التي إكتسبت مضامينها النصية وأشكالها البصرية من تجارب محلية إعتمدت في كثير منها على التراث المحلي للشعوب مستفيدة من تقنيات العولمة نفسها في إعادة إحياء المضامين النصية المحلية التي ينتمي بعضها إلى العادات والتقاليد والطقوس التي تمتلك خصوصيتها المحلية ، والعمل على إعادة إنتاجها بما يتوافق مع مقترحات العصر الحديث وبما يتسق مع جوهر العولمة في تسويق المعرفة إلى الطرف الآخر ، فضلا عن ذلك فإن الثقافة المحلية لم تكن تقتصر على ما تم ذكره من إرث الماضي، بل إن إنعكاس الهيمنة أسهم في خلق مضامين مضادة دفعت بالعديد من المسرحيين إلى نقلها إلى أوروبا وأمريكا وغيرها من بلدان النظام (العولمي) الذي أسهم بدوره في خلق (بيئة) مناسبة لذلك التسويق، عن طريق إثارة الأزمة وتنوعها في أشكال صراعات (دينية ، عرقية، طائفية، مناطقية، حدودية) وغيرها، وهو ما أسهم في خلق (بيئة) خصبة للهجرة إلى عالم آمن، الأمر الذي أفرز العديد من التجارب المسرحية التي قدمت في بلاد المهجر والتي لم تتمكن من الإندماج داخل المجتمع، بل إنها أنتجت (عولمة مضادة) داخل ذلك المجتمع عن طريق نقل المضامين والأشكال المسرحية التي تكونت في البلاد التي تعيش حالة الأزمة، بأشكالها التي ذكرت سابقاً، وهي عروض مسرحية عكست الصورة الحقيقية لما حققه النظام العالمي الجديد في البلاد التي تم إخضاعها لمنطق (القرية الصغيرة) ، وبذلك صار الفرد في المجتمعات الأوروبية يراقب ويتابع النتاجات التي تصل إليه مهاجرة عبر البحر أو غيره من أساليب الحياة المتاحة للأفراد الذين أسهمت العولمة بأشكالها المهيمنة في إزاحة الطمأنينة عن بلادهم، وصاروا يقدمون مسرحاً هجينا ً في بلاد تراعي حرية الأفراد الذين أسهمت في تهجيرهم من بلادهم، وبذلك صار لزاماً علينا "إعادة النظر بالهجنة المسرحية من حيث هي ملتقى تتقاطع فيه مجموعة من الثقافات؛ إذ قد يؤدي بنا هذا التصور إلى افتراض عزل مكونات كل ثقافة فرجوية على حدة، بينما المطلوب الآن هو إعادة تشكيل الهجنة بوصفها ترجمة ثقافية تنفي جوهرانية ثقافة أصيلة ما"( ) وكان من إفرازات ذلك التجانس الذي تكون على نحو غير قصدي أن تغيرت طبيعة العولمة الثقافية في شكلها المسرحي على الأقل ، وصارت فكرة التشاركية بين المسرحيين هي الأكثر حضوراً حتى بات من المؤثر أن نسمع بوجود عرض مسرحي متعدد الجنسيات من دون أن تفرض جنسية (عولمية) حضورها على الآخرين، وباتت التجربة المسرحية صانعة للعولمة المضادة ، وقد يعود ذلك إلى إتساع فكرة العولمة المضادة في فضاءات اقتصادية بوصفها المنبع الأساس للعولمة ، لاسيما ما يتعلق بحركة رأس المال التي فرضت حضورها وسيطرت على عديد المؤسسات الاقتصادية في البلاد (المهيمنة)، والتي أفرزت بدورها علامات عدة منها ما يتعلق بسوق (الرياضة) الذي صارت الدول العربية فاعلاً مهيمناً فيه سواء على مستوى شراء الأندية الرياضية (الإنكليزية وغيرها) ونذكر منها الإشارة النابهة التي وضعت على قميص فريق (نيوكاسل الإنكليزي) والتي تؤكد مقاربتنا حول العولمة المضادة والتي تتمثل بوضع حرف (ن) باللغة العربية على القميص في إشارة تحمل اكثر من معنى منها ما يرتبط بالأسم باللغة الإنكليزية الذي يبدأ بـ الحرف N))، أو في إحالة أكثر عمقاً تؤكد على سيطرة الثقافة العربية والإسلامية وحضورها الفاعل ، والإحالة الثالثة هي ما ترتبط بطبيعة الحرف نفسه (ن) ومعناه في الآية القرآنية (ن والقلم وما يسطرون)، وتأثير ذلك على فكرة العولمة المضادة التي يفرضها إقتصاد السوق ومهيمناته. المصادر: 1- أمين، خالد – سيف محمد: مسرح ما بعد الدراما وتحديات الكتابة الركحية المعاصرة، ط (1) العراق – البصرة: (دار الفنون والآداب للطباعة والنشر والتوزيع)، 2020 ص 62. 2- بهاروشا، رستم: المسرح والعالم، تر أمين حسين الرباط، القاهرة: (اكاديمية الفنون، وحدة الإصدارات، مسرح 16)1996. 3- جيلبرت، هيلين-تومكينز، جوان: الدراما ما بعد الكولونيالية (النظرية والممارسة)، تر سامح فكري، القاهرة :( وزارة الثقافة، مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، 10) 1998. 4- ضياء، أحمد: فرانكفونية المسرح بين الآنا والآخر، ط (4)، دمشق: (دار كنعان للنشر والدراسات والخدمات الاعلانية)، 2020. 5- كلهر، جو – ناوس، ريك – وآخرون: المسرح والعولمة، تر سامي عبد الحميد، ط (1)، بغداد: (دار المصادر للتحضير الطباعي) 2016. 6- ليشته، إيريكا فيشر: من مسرح المثاقفة إلى تناسج ثقافات الفرجة، تر خالد أمين، ط (1)، العراق- البصرة (دار الفنون والآداب للطباعة والنشر والتوزيع)، 2020.
#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)
Samem_Hassaballa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السرد الخشن في (الجدار) الناعم
-
موت الشخصية في (صمت)!!
-
الكتابة بسكين مثلوم!! تقانة الميتامسرح في -سيرك- الاسدي
-
فرضيات الاشتغال الدراماتورجي في العرض المسرحي (خوف سائل)
-
التجريب لم يـــكن اخـــــــتيارا..!
-
العرض المسرحي ( GPS) تقانة الإخراج في مسرح الممثل
-
مسرحية(خلاف) المهيمن السردي في فرضيات المخرج المؤلف
-
-حرب العشر دقائق- التباس المضامين في الازمنة
-
فرانكفونية الخطاب في مسرحية (YES GODOT)
-
مسرح الكارثة .. أو ما بعدها؟
-
مسرحية -حنين حار-: ذاكرة حاضرة ومستقبل ملتبس ؟
-
نبوءة الدم.. وخرافة اليقين في مسرحية (مكبث)
-
مسرحية (فُلانة): الهيمنة الذكورية في منتدى المسرح
-
تقاسيم -جواد الاسدي- في منتدى المسرح ( قراءة من داخل التجربة
...
-
ثنائية (الوعي – العزلة) في تجربة المخرج المسرحي فاضل خليل
-
الخطاب المعرفي في المسرح إنتاج أم إستهلاك؟
-
مسرحية ( رائحة حرب) الهيمنة التقنية وجماليات الإطاحة بالرؤية
...
-
-سينما- الفضاء الميت !
-
-وقت ضايع- في رحلة البحث عن المدهش البصري!
-
حوار مع المخرج المسرحي : د.جواد الأسدي البروفة مع الممثلات ا
...
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|