أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين














المزيد.....


بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 15:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد أتاني رسولٌ من السماء برسالة من الله يأمرني فيها بإخراجكم من الضلال والوثنية والجاهلية. أنا رسول الله إليكم لأرشدكم إلى التوحيد ونور الحق والصراط المستقيم. ’مَنْ يكون هذا المجنون. أنحن وآبائنا جميعاً ضالون وجاهلون وهذا المعتوه وحده هو المنقذ والمخلص؟! بأي أمارة؟! إذا تمادى هذا الأحمق في خَبَله، عذبوه لعله يتوب؛ وإذا أَصَرَّ، اقتلوه.‘ رفض محمد وأَصَرَّ، حتى لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره لن يُبدل اعتقاده المنشق. وبالفعل، كادوا يتمكنون منه ويقتلونه، لولا أنه لاذ بالفرار في آخر لحظة. عندما عاد محمد من منفاه في يثرب إلى وطنه بمكة حاملاً نفس قناعاته العقدية السابقة لكن تكفلها وتحميها هذه المرة سلطة الفاتح المنتصر، استقبله نفس هؤلاء الذي قد رموه بالكفر والجنون وعذبوه وأرادوا قتله من قبل قائلين علناً: نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك يا محمد رسول الله! إن الاعتقاد المخالف والمنشق من دون سُلطة تكفله وتحميه هو مجرد هوى ومجون؛ لكنه عندما يتحد مع السلطة، يصبح عقيدة سائدة ودين صحيح بالمطلق لا يطيق النقد لا من داخله ولا من خارجه.

الرسالة كلمة الله إلى البشر. الكلام صناعة سهلة وسائغة للغاية، لا تتطلب أكثر من خيال خصب إلى حد الجموح ولسان طلق إلى عنان السماء. لذلك، قد زخر تاريخ البشرية بالرسل المبشرين والمنذرين، وأنبياء يدعون لأنفسهم تفويضاً من السماء. العقيدة هي تصديق الرسالة. كون كل رسول ونبي يعيش بالطبيعة ضمن دائرة من الأهل والأصدقاء والمعارف وأصحاب المصالح، كان طبيعياً أن يُصدقه بعضٌ من هؤلاء. وكلما اتسعت الدائرة، كان من الأكثر احتمالاً أن يُصدقه ويؤمن بدعوته أعداداً أكبر من البشر. على سبيل المثال، لما كان محمد بن عبد الله يعيش في بيئة قبلية ضيقة، لم يتسع له المجال الكافي في مكة حتى يؤسس لدعوته الجديدة جمعية أكبر من الأنصار والمؤمنين قبل أن تُضيق وتُجهز عليه السلطة القائمة. في المقابل، كان عيسى بن مريم يعيش في محيط حضري أرحب، لذلك استطاع تأسيس مجتمعاً أكبر من المؤمنين بدعوته قبل أن تبصره وتلاحقه عيون السلطة في نهاية المطاف. وفيما نجح بن عبد الله في امتحان السلطة بالهروب من مكة، رسب بن مريم ودفع حياته ثمناً لفشله.

لكن رغم كثرة من ادعوا ولا يزالون الإلهام والوحي والرسالة والنبوة، لا تزال أعداد الرسل والأنبياء المعترف بهم- رسمياً على الأقل- محدودة، وعدد الأديان المعترف بها رسمياً أقل من ذلك بكثير. لماذا؟

الجواب في السلطة. السلطة قوة، التي حتى تتجمع لابد أن يسبقها فعل وعمل شاق لزمن طويل. خلاف الدين، ليس من خصوبة الخيال، ولا معسول الكلام، تتأسس السلطة. لذلك، عندما يكون الخطباء والمفسرون والفقهاء والأنبياء كثيرون بلا حصر، إلا أن رجال السلطة قليلون للغاية. ولما كان الدين- بالمغزى المطلق- لا يتأسس، ولا يمكن أن يتأسس أبداً دون سند مباشر وصريح من السلطة، والسلطة بطبيعتها باهظة الكلفة وقليلة ومحدودة، كانت الأديان الرسمية بالمحصلة قليلة ومحدودة أيضاً. هكذا، بعد عودة محمد إلى مكة وهو صاحب سلطة يُسند بها نبوته المستهزئ بها وعديمة القيمة قبل الهجرة، أصبح الإسلام هو الدين الرسمي المعترف به من وقتها حتى اليوم. كذلك الحال مع المسيحية، التي رغم اتساع نطاق المؤمنين بها من رعايا الدولة الرومانية بعيداً عن مرآي السلطة وتحت اضطهادها لهم، لم تصبح ديناً مطلقاً- بالمعنى الذي ظل سائداً لأكثر من ألف عام خلال القرون الوسطي- إلا بعد تبنيها في نهاية المطاف من سلطة الدولة كدين رسمي ووحيد للإمبراطورية.

يبقى، في الختام، أن نضيف أنه رغم التشابه الملحوظ بين الإسلام والمسيحية في مراحلهما التأسيسية من حيث الارتباط بالسلطة، التي لولاها ما نشئا أصلا حتى رغم الارتباط الأوثق بلا شك في حالة الإسلام، إلا أن الاثنان قد افترقا الطريق بلا رجعة منذ نهاية القرون الوسطى وحتى الوقت الحاضر. في الوقت الذي انفصلت فيه المسيحية تدريجياً عن السلطة إلى أن بلغت سن الرشد والاستقلال الذاتي الكامل خلال العصور الحديثة، بقي الإسلام كطفل صغير مدلل معلق بجلباب السلطة ويرفض النضج وشق حياته ومستقبله باستقلالية بعيداً عن دعم وحماية الدولة. النتيجة، لا يزال الإسلام دين مطلق، تماماً كحالته التي كان عليها مع المسيحية خلال عصور الظلام والتعصب الديني في القرون الوسطى.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الوحي والعقل، المأزق الديني
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (4)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (3)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (2)
- في مآلات المشروع العربي الناصري
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا
- حاسبوا أنفسكم مع بشار
- هل تُبالي حكومة حماس بحياة الفلسطينيين؟
- السيد صاحب مفتاح مطبخ الفرح
- ما ضير الديمقراطية لو انتخب المعاتيه معتوهاً منهم؟
- عن حاجة الإنسان إلى رَبْ
- في القانون بين الرذيلة والفضيلة
- في معرفة الواحد
- العُقْدَة اليهودية في العقل العربي
- تمرير ديمقراطية عربية تحت غطاء ديني!
- رأسمالية روسيا ما بعد الشيوعية


المزيد.....




- -الشامي- يغني شارة مسلسل -تحت سابع أرض- في رمضان
- وزير داخلية فرنسا يحذر من -تسونامي الكوكايين-
- الجيش السوداني يهاجم القصر الجمهوري لحسم معركة السيطرة على ا ...
- ليبيا تقتاد مهاجرين إلى سجونها وتحذيرات من كارثة قرب مالطا
- كتاب عبري يكشف ممارسات الجيش الإسرائيلي خلال حرب غزة
- مصراتة الليبية تستعد لإطلاق سفينة إغاثية ثانية إلى قطاع غزة ...
- إسرائيل.. كاتس يجري مشاورات أمنية حول خيارات تهجير سكان قطاع ...
- وزير الكهرباء السوري يبحث مع وفد إماراتي مشاريع توليد الكهرب ...
- السفير الروسي لدى هلسنكي: السلطات الفنلندية تحث مواطنيها على ...
- مصر.. حبس راقصة متهمة بالتحريض على الفسق من خلال فيديوهاتها ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - بين العقيدة والسلطة، أزمة الدين