خمس عواقب لسياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها دونالد ترامب على الاقتصاد العالمي

حازم كويي

الحوار المتمدن-العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 14:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

ميشائيل كريكته
ترجمة:حازم كويي

لقد حصلت كندا والمكسيك على إعفاء مؤقت. ومع ذلك، فمن الواضح أنه بعد فترة وجيزة من تولي دونالد ترامب الرئاسة مع جديته بفرض الرسوم الجمركية حيثما استطاع. الإ أن هناك خمس عواقب قد تترتب على هذا الأمر على الاقتصاد الدولي.
ترامب ينفذ تهديداته التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية: العصا الجمركية خرجت من الحقيبة! إن أقرب الجيران، المكسيك وكندا، اللتين تشكلان في الواقع منطقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة (اتفاقية التجارة الحرة المقابلة USMCA تم التفاوض عليها من قبل دونالد ترامب نفسه) تتعرضان للهزيمة - وبالطبع العدو الرئيسي الصين.
وسوف ينال الأوروبيون نصيبهم من العقوبة قريباً. فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا، وزيادات في الرسوم الجمركية بنسبة 10% على الأقل على الواردات الصينية، مما يؤثر على أكثر من ثلث السلع المستوردة إلى البلاد. يتعرض الشركاء التجاريون الثلاثة الأكثر أهمية للولايات المتحدة للهجوم من خلال هذه المراسيم. وأعلن ترامب أيضاً أنه سيرد على أي مقاومة من جانب من يتعرضون للهجوم بمزيد من الرسوم الجمركية وزياداتها.
1.المستهلكون الأميركيون يدفعون الثمن
من أجل شن حربه التجارية بغض النظر عن الخسائر، أعلن ترامب حالة الطوارئ الوطنية بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية. وسوف يتعين على المستهلكين الأميركيين دفع الفاتورة، فقد أرسلت شركات الكهرباء والغاز نشرات مماثلة إلى عملائها بعد يوم واحد فقط من الإعلان عن التعريفات الجديدة. ونظراً للعلاقات القوية بين الاقتصادين المكسيكي والأميركي، والاقتصادين الكندي والأميركي، فإن الشركات على جانبي الحدود سوف تعاني أيضاً.
وأوضح ترامب أن إهتمامه الأساسي لا يتمثل في التوازنات التجارية. ولكن الأمر يتعلق بالأحرى بتدفقات الهجرة والاتجار الدولي بالمخدرات. ويطالب جيرانه بتعزيز حماية الحدود وبذل المزيد من الجهود لمحاربة عصابات المخدرات. دعوة صريحة إلى "الصفقات". وباستثناء الصين، وافق على هذا الأمر رؤساء المكسيك وكندا. لقد منحهم ترامب مهلة. في مقابل تعزيز وجود الشرطة والجيش على الحدود وإتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد عصابات المخدرات. ولكن هذه نجاحات واضحة لصفقات ترامب، لأن الاتفاقات المقابلة بشأن نشر عدة آلاف من ضباط الشرطة والجنود الإضافيين على الحدود المكسيكية والكندية تم إبرامها بالفعل قبل عدة أشهر.
2. تعزيز دور الصين في أمريكا اللاتينية
رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم رَدت على الفور. من جانبها ستفرض رسوماً جمركية على الواردات الأميركية وإتخاذ تدابير أخرى. ومع ذلك، فإنهم على إستعداد للتعاون من أجل السيطرة على مشاكل الهجرة والاتجار بالمخدرات. وعِبر الهاتف، قدمت لترامب التطمينات التي يريدها. إن الحرب التجارية لم تنته بعد، وفي أفضل الأحوال تم تأجيلها.
الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأهم للمكسيك. أكثر من 80 بالمائة من الصادرات المكسيكية تذهب إلى الولايات المتحدة، ولا تُصدر أي دولة أخرى مثل هذا القدر من الصادرات إلى هناك. المكسيك هي المُورد الرئيسي للسيارات وقطع غيار السيارات والشاشات وأجهزة الكمبيوتر والثلاجات إلى الولايات المتحدة. ويرتبط الاقتصادان بشكل وثيق، مع وجود سلاسل توريد تعمل ذهاباً وإياباً عبر الحدود بين البلدين. وتعتمد ملايين الوظائف في كلا البلدين على هذه التجارة.
إن التعافي الاقتصادي المتواضع الذي شهدته المكسيك في السنوات الأخيرة أصبح في خطر. إن العودة القسرية لعشرات الآلاف من المهاجرين والجدران الجمركية الجديدة التي تدمر سلاسل التوريد تضع البلاد تحت ضغوط هائلة. وباعتبارها دولة ذات أجور مُنخفضة، استفادت المكسيك بشكل كبير من نقل مرافق الإنتاج الأميركية من الصين. والآن يقول ترامب، إن الصينيين هم الذين إستوطنوا سراً في المكسيك لتجنب الرسوم الجمركية العقابية الأميركية.
إن هجوم ترامب على المكسيك بفرض رسوم جمركية له عاقبتان يمكن التنبؤ بهما: لن تتمكن الولايات المتحدة من تكوين أي صداقات في أميركا اللاتينية. وسوف تعرف الصين، التي كانت نشطة هناك لفترة طويلة، كيف تستغل الفرصة لسرقة المزيد من الأراضي من الأميركيين. بالنسبة لدول أميركا اللاتينية، يوفر السوق الصيني الضخم بديلاً مُرحباً به لأميركا العظيمة التي يحلم بها ترامب، والتي تم تعزيزها بجدران التعريفات الجمركية. من المتوقع أن تؤتي إستثمارات الصين في ميناء المياه العميقة في تشيلي ثمارها قريباً جداً.
3.ستكون الطلبات من أمازون أكثر تكلفة
وأعلن الرئيس الكندي غاستن ترودو على الفور أن كندا ستفرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على الواردات من الولايات المتحدة. وهي الشريك التجاري الأهم والأكبر بالنسبة لكندا. تعتمد جميع الصناعات الرئيسية في كندا - النفط والغاز والمنتجات الزراعية والمعادن، وأهمها الخدمات - على سوق جارتها الكبيرة إلى الجنوب. إن تنديدات ترامب بالعجز التجاري الأميركي تتجاهل بانتظام الخدمات عبر الحدود، التي تلعب دوراً بارزاً بشكل خاص في التجارة بين كندا والولايات المتحدة. وليس من المُستغرب أن تعلن إحدى المقاطعات الكندية بالفعل أنها لن تستخدم خدمات الإنترنت من الولايات المتحدة بعد الآن. ومن المرجح أن يتبع ذلك المزيد.
وما يُزعج الكنديين بشكل خاص هو أنه حتى الآن، كانت الشحنات الصغيرة التي تقل قيمتها عن 800 دولار مُعفاة من الرسوم الجمركية. لقد إنتهى الأمر الآن. غباء بالنسبة لأمازون وعملائها. وعندما يتعلق الأمر بالنفط، فقد استثنى ترامب المستهلكين الأميركيين: من الآن فصاعداً، لن يتم فرض سوى رسوم جمركية بنسبة 10% على واردات النفط من كندا. يستطيع غاستن ترودو إجراء مكالمات هاتفية بنفس كفاءة كلوديا شينباوم. وهكذا نجح في تأمين تأجيلٍ بالنسبة لكندا ــ في مقابل الوعد بنشر المزيد من رجال الشرطة على الحدود وإتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد المهاجرين وتجار المخدرات. وقد تم الاتفاق على ذلك أيضاً منذ أشهر. إنه ليس أكثر من مُجرد إعفاء. وسوف يرفع ترامب الرهانات لأنه يحتاج إلى "نجاحات" لأنصاره في الداخل.
4. حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين
خلال فترة ولايته الأولى، بدأ ترامب بالفعل حرباً تجارية ضد الصين. ولم تكن الصين راغبة في هذه الحرب، ولم تستخدم إلا نادراً أسلحتها الأكثر حدة، وهي جبال السندات الحكومية الأميركية التي يحتفظ بها البنك المركزي الصيني. على مدى عامين، كانت الرسوم الجمركية محل نزاع، مما أضر بكلا الجانبين. وعلى غرار ترامب، أعتبرت إدارة بايدن الصين عدوها الرئيسي مُتبعة سياساتها.
وأعلنت الصين على الفور أنها سترد على هجوم ترامب بإجراءات جمركية من جانبها: رسوم جمركية بنسبة 10% على النفط والآلات الزراعية، ورسوم جمركية بنسبة 15% على الأسمدة الاصطناعية والفحم والسيارات وأجزاء السيارات. المصدرون الأميركيون لا يستمتعون بهذا الأمر، وترامب لا يهتم.
الصين تحذر من حرب تجارية لن تنتج إلا الخاسرين. ويشير إلى أن هجمات ترامب لن تسهل التعاون في مكافحة جرائم المخدرات الدولية. وأعلنت وزارة التجارة الصينية أيضاً أنها تنوي مقاضاة إجراءات التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب في محاكم منظمة التجارة العالمية، لأن تعريفات ترامب تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية الحالية. الصين، التي تُتهم بانتظام بأنها تريد تدمير النظام الدولي، تستطيع الآن أن تقدم نفسها كشريك يلتزم بالقواعد التي لا يهتم بها دونالد ترامب والولايات المتحدة على الإطلاق.
5. اتفاقية تجارة حرة جديدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟
تستمتع أوروبا الآن بفترة إستراحة قصيرة. ولم يعلن ترامب عن جدول زمني حتى الآن، لكنه قال إن دور أوروبا سيأتي قريباً جداً. ترامب يهدد بأن شيئاً "مهماً للغاية" سيحدث في التعامل مع الاتحاد الأوروبي. إن العجز التجاري الأمريكي مع الاتحاد الأوروبي غير عادل وغير مقبول. ويخطط الرئيس الأمريكي لفرض سلسلة كاملة من الرسوم الجمركية على المنتجات الأوروبية، وربما تضاف إليها ضرائب على واردات الألومنيوم والنحاس والأدوية وأشباه الموصلات. والقائمة مفتوحة، كما هو الحال بالنسبة لمستوى التعريفات الجمركية، من %10 فما فوق.
إن الاتحاد الأوروبي غير مستعد بشكل جيد لهجوم ترامب.
وبما أن الاتحاد الأوروبي، وليس الدول الأعضاء، هو الذي يقرر السياسة التجارية، فإن الأمر متروك لأورسولا فون دير لاين للتفاوض مع ترامب وأتباعه. إلا أنه لايزال من غير الواضح تماماً كيف ينوي الاتحاد الأوروبي التعامل مع المعاول والعقوبات الجمركية التي فرضها ترامب. وخاصة أنه في غياب حدود مشتركة مع الولايات المتحدة، فإن الاتحاد الأوروبي ليس لديه الكثير ليقدمه مما يستطيع صانع الصفقات الكبرى بيعه للشعب الأميركي.

وربما ينبغي إعادة اتفاقية التجارة الحرة الفاشلة بالفعل مع الولايات المتحدة إلى الواجهة. ومن المُرجح أن تفيد اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مؤخراً مع المكسيك وكندا في الحرب التجارية المقبلة مع أميركا بقيادة ترامب. وتوفر هذه الاتفاقيات لكل من كندا والمكسيك بدائل جذابة للسوق الأمريكية. وهذا ما يجب معرفة كيفية الاستفادة من الفرص.

ميشائيل كريكته:هو عالم سياسة وخبير اقتصادي وأستاذ جامعي ألماني.

#حازم_كويي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات