|
الرد على مقالة الباحث: السيد عبد الحسين سلمان/ 4-20
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 10:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
5. من هم الموالي قبل الاسلام وبعده ؟ في الحلقة الأولى من هذه السلسلة، يقتبس السيد عبد الحسين سلمان المحترم نصاً من العقد الفريد لإبن عبد ربّه بأسماء عدد من رجالات المسلمين ممن يدعى أنهم من "الموالي" غير العرب، ويسوقه دليلاً مزعوماً على صحة استنتاجيه الفاسدين بعدئذ :"أن أغلب المفسرين و أصحاب الحديث والمذاهب الاربعة والقضاة والفقهاء ..الخ , هم من العجم. وأغلب الادباء وعلماء الطبيعة هم من العجم". وسأبيّن نسب كل شخصية واردة في ذلك النص بالتفصيل فيما سيأتي من الحلقات (وخصوصاً كذبه وتزويره المفضوح في مقال ثان له لحقيقة "الأطفال العرب المسيحيين الرهائن لدى الحامية الفارسية في حصن عين التمر "). أما في هذه الحلقة، فسأوضح حقيقة عدم فهم الكاتب التام لدلالات مفردة "الموالي" في اللغة العربية ووضعهم في المجتمع العربي قبل الاسلام وبعده. يلاحظ أولاً أن السيد عبد الحسين سلمان يساوي جزافاً بين دلالة مفردة "الموالي" ودلالة مفردة "العجم"، فهل أن مثل هذه المساواة صحيحة في اللغة العربية والمجتمع العربي قبل الاسلام وبعده؟ الجواب هو : قطعاً، لا. في "لسان العرب" لابن منظور، نقرأ النص التالي في التعريف بالمداليل اللغوية لمفردة "المولى": " وروى ابن سلام عن يونس قال: المولى له مواضع في كلام العرب: منها المولى في الدين وهو: الولي، وذلك قوله تعالى: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم، أي لا ولي لهم، ومنه قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، أي من كنت وَليَّه، قال: وقوله، عليه السلام، مُزينة وجُهينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله أي أولياء الله، قال والمولى: العصبة، ومن ذلك قوله تعالى: وإني خفت الموالي من ورائي، وقال اللهبي يخاطب بني أمية: مهلا بني عمنا مهلا موالينا، إمشوا رويدا كما كنتم تكونونا. قال: والمولى: الحليف، وهو من انضم إليك فعز بعزك وامتنع بمنعتك، قال عامر الخصفي من بني خصفة:هم المولى، وإن جنفوا علينا، وإنا من لقائهم لزور. قال أبو عبيدة: يعني الموالي، أي بني العم، وهو كقوله تعالى: ثم يخرجكم طفلا. والمولى: المُعتَق انتسب بنسبك، ولهذا قيل للمعتقين الموالي، قال: وقال أبو الهيثم المولى على ستة أوجه: المولى ابن العم والعم والأخ والابن والعصبات كلهم، والمولى الناصر، والمولى الولي الذي يلي عليك أمرك، قال: ورجل ولاء وقوم ولاء في معنى ولي وأولياء لأن الولاء مصدر، والمولى مولى الموالاة وهو الذي يسلم على يدك ويواليك، والمولى مولى النعمة وهو المُعتِق أنعم على عبده بعتقه، والمولى المُعتَق لأنه ينزل منزلة ابن العم يجب عليك أن تنصره وتُرِثه إن مات ولا وارث له، فهذه ستة أوجه." انتهى التعريف بمفردة المولي في "لسان العرب". السؤال الاول هو: أين يوجد في التعاريف الجامعة المانعة أعلاه التعريف الذي يقول بكون مفردة "المولى" بالعربية انما لا تعني إلا "العجمي" أو "الأعجمي" ؛ مثلما يزعم السيد عبد الحسين سليمان في مقاله المنقود؟ الجواب: لا توجد، البتة. إذن من هم الموالي؟ عَرِفَ المجتمع العربي قبل الاسلام وبعده صنفين من الموالي: "مولى الحِلف"، "ومولى العِتْق"، مثلما يوضحه نص قاموس "لسان العرب" أعلاه. مولى الحلف هو العربي من القبيلة (س) ولكنه يتحالف، لكونه من المستضعفين، مع شخص عربي من القبيلة (ص) ليعتز به، مثلما يعرّفه النص أعلاه: "والمولى: الحليف، وهو من انضم إليك فعز بعزك وامتنع بمنعتك". وهذه المَنَعة تشتمل التوفر على عز المولى نفسه، زائداً شكيمة قبيلته أو حمولته. وقد يكون نفس الرجل من القبيلة (ص) هو ايضاً حليفاً لها، فيصبح حليف الحليف حليفها. ومن موالي الحلف قبل الإسلام "المقداد بن الأسود" حليف بني زهرة بن كلاب في مكة. تقول الوكيبيديا العربية فيه: " كان المقداد من أوائل من أظهر الإسلام بمكة، فقد روى عبد الله بن مسعود أنه: "كان أول من أظهر إسلامه سبعة رسول الله وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد". وقد اختُلف في نسبه، فقيل أنه المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة، وأنه من بهراء أحد بطون قبيلة قضاعة، وقيل بل هو حضرميّ من قبيلة كندة، وقيل بل كان عبدًا أسود اللون. إلا إن الثابت أنه كان حليفًا لبني زهرة بن كلاب في مكة، وأن الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب تبنّاه، فكان يُدعى «المقداد بن الأسود»، حتى نزلت آية: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ٥﴾ [الأحزاب:5] بإبطال التبني، فدُعي باسمه «المقداد بن عمرو»." المصدر: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%A7%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88 يُلاحظ مدى قوة العلاقة الاجتماعية التي تنشأ بين الحليف والمولى، والتي تبلغ حد التبني والالحاق بالنسب العائلي. كما يلاحظ أن المولى المقداد هو عربي، وليس أعجمياً. أما مولى النعمة أو العتق، فهو العبد (العربي أو غير العربي) الذي يعتقه مالكه العربي فيصبح مولى له. ماهو الأثر الاجتماعي لنعمة العتق هذه؟ يثبّت تعريف المولى أعلاه أنه "والمولى مولى النعمة وهو المُعتِق أنعم على عبده بعتقه، والمولى المُعتَق لأنه ينزل منزلة ابن العم يجب عليك أن تنصره وتُرثه إن مات ولا وارث له ".وهذا يعني أن مولى العتق لا يصبح فقط بمنزلة إبن عم مُعتِقِه العربي، بل ويرثه كذلك، في حين أن سيده السابق لا يرثه لأن فعل العتق هو مثابة الهبة أو الانعام له من دون مقابل، والذي لا رجعة فيه أولاً، وهو استبدال لعلاقة المالك بالعبد بعلاقة الموالاة بين أبن العم وعمه، أي ضمه لعائلته ونسبه العربي. ومن هنا سنت شريعة محمد القانون: "مولى القوم منهم". فكيف - وكل هذه الآصرة الاجتماقتصادية القوية المسندة بالسنة النبوية - يزعم لنا السيد عبد الحسين سلمان المحترم بأن "موالي العرب هم عجم"؟ لنأخذ حالة زيد بن حارثة. "ولد زيد بن حارثة بن شراحيل (وقيل شرحبيل) بن كعب قبل الهجرة النبوية بسبعة وأربعين سنة، وقيل بثلاثة وأربعين سنة في ديار قومه بني كلب أحد بطون قضاعة، أما أمه فهي سُعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت من بني معن من طيّئ. تعرض زيد للأسر وهو غلام صغير حيث اختطفته خيل بني القين بن جسر قبل الإسلام، حين أغارت على ديار بني معن أهل أمه وكان معها في زيارة لأهلها، فباعوه في سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم. فلما تزوجها النبي محمد وهبته له. ثم مرَّ زمن، وحج أناس من قبيلته كلب، فرأوه فعرفهم وعرفوه، ثم عادوا وأخبروا أباه بمكانه، فخرج أبوه حارثة وعمه كعب يفتدونه. والتقوا النبي محمد وطلبوا فدائه، فدعاهما إلى تخيير زيد نفسه إن شاء بقي، وإن شاء عاد مع أهله دون مقابل. ثم دعاه النبي محمد، وقال له: «فأنا مَنْ قد علمتَ ورأيتَ صحبتي لك فاخترني أو اخترهما»، فقال زيد: «ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا. أنت مني بمكان الأب والأم»، فتعجّب أبوه وعمه وقالا: «ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟!»، قال: «نعم. إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا أبدًا»، فلما رأى النبي محمد منه ذلك، خرج به إلى الحِجْر، وقال: «يا من حضر اشهدوا أن زيدًا ابني أرثه ويرثني». فلما رأى ذلك أبوه وعمه اطمأنا وانصرفا." المصدر: الوكيبيديا العربية؛ عنوان البحث: أسامة بن زيد (لم أورد الرابط لكونه يحتل زهاء ربع صفحة!) يلاحظ هنا أن محمداً حين أعتق مولاه أسامة بن زيد، ألحقه بصلبه، واعتبره ابناً له وليس ابناً لعمه، على عادة العرب في ضم نسب مولى العتق لنسبهم. ولما كان الأب يرث ابنه وابنه يرثه، فقد ثبّت محمد ذلك بشهادة القوم الحاضرين. لماذا قام محمد بذلك؟ لتعويضه عن تفضيله إياه على أبيه الحقيقي بالتمسك بملازمته وذلك بمنحه ابوّته علاوة على إنعامه عليه بالعتق. وقد استشهد أسامة خلال قيادته لجيش المسلمين في معركة مؤتة في السنة الثامنة للهجرة، فبكاه محمد ودعى له. وقالت عائشة فيه: «ما بَعَثَ رسول الله زيد بن حارثة في سريّة، إلا أمَّره عليهم، ولو بقي لاستخلفه». هكذا هي علاقة المولى العربي بمولاه، وهي علاقة لم تعرف أياً من شعوب العالم القديم مثل رقيّها وقوة لحمتها. كما تلاحظ كذلك الثمرات الاجتماعية الجمة للموالات التي تتفوق فيها آصرة الولاء والتآخي على آصرة قرابة النسب نفسه، مثلما أثبتنا في نهاية الحلقة السابقة. هذه الأعراف الاجتماعية العربية تعترف بالانسان قيمة عليا بحكم كونه انساناً، وتستبطن تجذر الايمان الحضاري العربي ليس فقط بالمساواة بين البشر كنوع، بل والمؤاخاة والتعاون بينهم لوعيهم القيمة الاجتماعية العظمى لهذه الآصرة في تبادل المنافع والأخذ والعطاء، والتي كانت نادرة جداً في المجتمعات البشرية القديمة. يقول فيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري: الناس للناس من بدوٍ وحضر*** بعضهم لبعضٍ وإن لم يشعروا خَدَم وحتى في الحالات التي يكون المولى فيها غير عربي النسب، فإن موالاته للعربي إنما تدخله في صلب أرومة العروبة، لأن المولى "ينزل منزلة ابن العم يجب عليك أن تنصره وتُرِثه إن مات ولا وارث له"، وكذلك لكون "مولى القوم منهم"، وفق شريعة محمد. وهذا يعني ببساطة أن كل موالي العرب هم عرب بموجب الأعراف الاجتماعية العربية السائدة وبحكم أحكام الشريعة الاسلامية الواجبة التطبيق، سواء رضي السيد عبد الحسين سلمان بذلك، أم لا. كما ان هذه الوقائع الثايتة تنسف مندرجات كل مقالته المنقودة، جملةً وتفصيلاً. وبالمقارنة، في اليونان القديمة، كان المواطن اليوناني الأصيل الأرومة من المدينة اليونانية (س) يعامل معاملة الغريب (يسمى "ميتي" (metic)) في المدينة اليونانية (ص)، ويتم تجريده – هو وذريته جيلاً بعد جيل – من كل حقوقه المدنية والسياسية، ويُجبر على أداء الخدمة العسكرية، ولا يحق له التملك العقاري، وتفرض عليه ضريبة خاصة به لوحده تسمى "الميتكون"، وضريبة ثانية إضافية تسمى "زينيكا" إذا ما اشتغل بالتجارة. ومن ضمن من خضع لهذا التمييز العنصري البشع، الفيلسوف "أرسطو" نفسه في أثينا، رغم كونه معلم الحاكم اليوناني الأسكندر الكبير، لا لشيء إلا لكونه يونانياً من مدينة يونانية أخرى غير أثينا! أما العربي في كل المدن العربية، فإنه لا يكتفي بالعتق وبضم المولى لنسبه وتوريثه ماله، بل ويؤمره على قومه، مثل الحكام المماليك. المصدر: https://en.wikipedia.org/wiki/Metic ولما كان السيد عبد الحسين سلمان يفصح في مقالته عن أنه يريد اثبات مقولة ابن خلدون (التي – مثل العديد من المؤرخين الآخرين - لم يفهمها أصلاً، مثلما سنرى): "أن حَمَلة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم "، فلماذا أغمض عينيه عن هذا النص الصريح الفصيح لإبن خلدون الذي يقطع قطعاً باتاً بأولوية عصبية موالي الحلف والعتق (الاصطناع) على عصبية الأنساب؟ يقول ابن خلدون في مقدمته: "الفصل الرابع عشر في أن البيت والشرف للموالي وأهل الاصطناع إنما هو بمواليهم لا بأنسابهم (ص 169- 70) وذلك أنّا قدّمنا أنّ الشّرف بالأصالة والحقيقة إنّما هو لأهل العصبيّة. فإذا اصطنع أهل العصبيّة قوماً من غير نسبهم، أو استرقّوا العبدان والموالي والتحموا به كما قلناه، ضرب معهم أولئك الموالي والمصطنعون بنسبهم في تلك العصبيّة، ولبسوا جلدتها كأنّها عصبتهم، وحصل لهم من الانتظام في العصبيّة مساهمة في نسبها، كما قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم: "مولى القوم منهم". وسواء كان مولى رقّ أو مولى اصطناع وحلف، وليس نسب ولادته بنافع له في تلك العصبيّة، إذ هي مباينة لذلك النّسب وعصبيّة ذلك النّسب مفقودة لذهاب سرّها عند التحامه بهذا النّسب الآخر، وفقدانه أهل عصبيّتها، فيصير من هؤلاء، ويندرج فيهم. فإذا تعدّدت له الآباء في هذه العصبيّة، كان له بينهم شرف وبيت على نسبته في ولائهم واصطناعهم، لا يتجاوزه إلى شرفهم بل يكون أدون منهم على كلّ حال. وهذا شأن الموالي في الدّول والخدمة كلّهم، فإنّهم إنّما يشرفون بالرّسوخ في ولاء الدّولة وخدمتها وتعدّد الآباء في ولايتها. ألا ترى إلى موالي الأتراك في دولة بني العبّاس وإلى بني برمك من قبلهم وبني نوبخت كيف أدركوا البيت والشّرف، وبنوا المجد والأصالة بالرّسوخ في ولاء الدّولة، فكان جعفر بن يحيى بن خالد من أعظم النّاس بيتاً وشرفاً بالانتساب إلى ولاء الرّشيد وقومه، لا بالانتساب في الفرس. وكذا موالي كلّ دولة وخدمها إنّما يكون لهم البيت والحسب بالرّسوخ في ولائها، والأصالة في اصطناعها، ويضمحلّ نَسَبه الأقدم من غير نَسَبها، ويبقى ملغى لا عبرة به في أصالته ومجده. وإنّما المعتبر نسبة ولائه واصطناعه، إذ فيه سرّ العصبيّة الّتي بها البيت، والشّرف فكان شرفه مشتقا من شرف مواليه، وبناؤه من بنائهم، فلم ينفعه نسب ولادته، وإنّما بنى مجده نسب الولاء في الدّولة، ولحمة الاصطناع فيها والتّربية. وقد يكون نسبه الأوّل في لحمة عصبيّته ودولته، فإذا ذهبت وصار ولاؤه واصطناعه في أخرى، لم تنفعه الأولى لذهاب عصبيّتها، وانتفع بالثّانية لوجودها، وهذا حال بني برمك، إذ المنقول أنّهم كانوا أهل بيت في الفرس من سدنة بيوت النّار عندهم، ولمّا صاروا إلى ولاء بني العبّاس لم يكن بالأوّل اعتبار، وإنّما كان شرفهم من حيث ولايتهم في الدّولة واصطناعهم: (وإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ )، وما سوى هذا، فوهم توسوس به النّفوس الجامحة، ولا حقيقة له، والوجود شاهد بما قلناه، والله ورسوله أعلم." المصدر: https://shamela.ws/book/12320/167 لله درك، شيخنا الجليل، أبا زيد، ولي الدين عَبْدُ الرَّحْمَٰنِ بن خلدون الألمعي؛ وكأني بك تقرأ اليوم مقال السيد عبد الحسين سلمان المحترم، فتلقنه - حتى بعد مماتك - درساً عميقاً بالقول: "وكذا موالي كلّ دولة وخدمها إنّما يكون لهم البيت والحسب بالرّسوخ في ولائها، والأصالة في اصطناعها، ويضمحلّ نسبه الأقدم من غير نسبها، ويبقى ملغى لا عبرة به في أصالته ومجده. وإنّما المعتبر نسبة ولائه واصطناعه، إذ فيه سرّ العصبيّة الّتي بها البيت، والشّرف فكان شرفه مشتقا من شرف مواليه، وبناؤه من بنائهم، فلم ينفعه نسب ولادته، وإنّما بنى مجده نسب الولاء في الدّولة، ولحمة الاصطناع فيها والتّربية ...(وإِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ )، وما سوى هذا، فوهم توسوس به النّفوس الجامحة، ولا حقيقة له، والوجود شاهد بما قلناه". نَسَب الولادة لموالي العرب: "يبقى ملغى ولا عبرة فيه"، وهو"وهمٌ توسوس به النفوس الجامحة، ولا حقيقة له"! ذلك هو فصل الخطاب! أي عقل جبار أوتيت، شيخنا الجليل: أبا زيد! يلاحظ في النص أعلاه الديالكتيك التصاعدي للمنهج العلمي التطوري الذي يطبقه ابن خلدون في شرح سيرورة مقولة "مولى القوم منهم". تبدأ هذه السيرورة باتخاذ أهل العصبية للغريب مولى لهم سواء بالحلف أو بالعتق، أولاً ؛ وثانياً يحصل الالتحام في السراء والضراء بين الطرفين؛ وثالثا "الضرب بالنسب"؛ ورابعاً لبس المولى جلد الولي؛ وخامساً، انتظام المولى بعصبية الولي – أي أنه يصبح من نفس أرومة قوم وليه سواء بسواء؛ وسادساً في مساهمة المولى في نسبه وليه بحيث أن أولاد المولى واحفاده يصبحون من نفس بيت أو آل الولي. وبالمناسبة، فمن المعروف أن عبد الرحمن بن خلدون قد ثبّت بعظمة لسانه في متن تاريخه أن نسبه إنما يرجع إلى الصحابي الجليل وائل بن حجر الذي كان سليل أحد الأقيال (الملوك المحليين) لمملكة حضرموت، وهو – لوحده دون غيره من علماء العالم القديم أجمع – كان المؤسس المكين لأربعة علوم اجتماعية دفعة واحدة: علم الاجتماع، علم الاقتصاد، علم الانثروبولوجيا وفلسفة التاريخ، فلماذا لم يتنازل السيد عبد الحسين سلمان المحترم قليلاً فيذكر لنا بعض الاسهامات الفذة لهذا العالم العبقري في تلك العلوم بمقاله المنقود الذي يؤسسه جملة وتفصيلاً على عدم فهمه لمقولة إبن خلدون نفسه لفصله لها عن سياقاتها النصية؟ ألكون ابن خلدون حضرمياً عربي المحتد، وبالتالي، فإن ايراد مساهماته العلمية الفذة تلك في مقاله من شأنه أن "يخربط عليه الغَزِل" في تنفيذ مهمته "الحضارية السامية" للقشرالموكلة به والمتمثلة بتحقير العرب بالأكاذيب والافتراءات؟ ولماذا لم يأخذ السيد عبد الحسين سلمان المحترم بقول إبن خلدون في نصه أدناه الذي يثبِّت فيه حقيقة أن "النسب وهمي"، وأن الالتحام الحقيقي لصاحب الدولة إنما يحصل بموالي الحلف والعتق الذين يصطنعهم له بفضل راهنية وقوة وشائج الصحبة والالتحام بفعل أواصر العيش والملح والأخذ والعطاء والمشاركة في الافراح والأتراح التي تنشأ فيما بين الطرفين؟ "الفصل العشرون في أحوال الموالي والمصطنعين في الدول (ص. 169) اعلم أنّ المصطنعين في الدّول يتفاوتون في الالتحام بصاحب الدّولة بتفاوت قديمهم وحديثهم في الالتحام بصاحبها والسّبب في ذلك أنّ المقصود في العصبيّة من المدافعة والمغالبة إنّما يتمّ بالنّسب لأجل التّناصر في ذوي الأرحام والقربى والتّخاذل في الأجانب والبعداء كما قدّمناه. والولاية والمخالطة بالرّقّ أو بالحلف تتنزّل منزلة ذلك لأنّ أمر النّسب وإن كان طبيعيّا فإنّما هو وهميّ والمعنى الّذي كان به الالتحام إنّما هو العشرة والمدافعة وطول الممارسة والصّحبة بالمربى والرّضاع وسائر أحوال الموت والحياة. وإذا حصل الالتحام بذلك جاءت النّعرة والتّناصر وهذا مشاهد بين النّاس. واعتبر مثله في الاصطناع فإنّه يحدث بين المصطنع ومن اصطنعه نسبة خاصّة من الوصلة تتنزّل هذه المنزلة وتؤكّد اللحمة" المصدر: https://shamela.ws/book/12320/228 طيب، ما دام ابن خلدون في النص أعلاه يحكم بالحرف الواحد بأن "النسب وهمي"، فلماذا يفشل السيد عبد الحسين سلمان المحترم في فهم هذه الحقيقة الخلدونية الساطعة، فيفتي "بكل (حضارية) عنصرية" بكون الحضارة الاسلامية إنما هي حضارة "أعجمية" تعود لأنساب غير العرب، في ضوء حقيقة كون أنساب هؤلاء إنما هي "وهمية" أصلاً، مثلما يؤكد ابن خلدون؟ أليس من واجب من يسمح لنفسة بالبربرة بـ "الحضارة" الحرص كل الحرص أن يكون هو نفسه - قبل غيره - "حضاري" الموقف، وليس عنصرياً شوفينياً؟ لمصلحة مَن كل هذه الشوفينية التي تزكم الأنوف؟ سأعود لشرح ما لمقصود بالضبط بمقولة ابن خلدون: "أن حملة العلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم" بعد ايراد الانساب الحقيقية لكل من ورد ذكر اسمه في المقالة المنقودة، وبعد تفنيد فرية "خذوا نحوكم من عجمي" التي ينسبها المنقود ظلماً وعدواناً لسيبويه رغم أنها من التخرصات التي يستخرجها المنقود خلسة من كُمّه والتي يرفضها سيبويه نفسه بأسطع ما يكون في كتابه، وتنسفها أبسط الوقائه التاريخية واللغوية الموثقة، مثلما سنرى.
يتبع، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرد على مقالة الباحث: السيد عبد الحسين سلمان/ 3-20
-
الرد على مقالة الباحث: السيد عبد الحسين سلمان/ 2-20
-
الرد على مقالة الباحث: السيد عبد الحسين سلمان/ 1-20
-
وئام ملا سلمان: الشاعرة المجددة توحّد الشاعرة مع الشعر لخلق
...
-
الانقلاب الكوري الجنوبي والحرب الاوكرانية
-
دواعش نتنياهو-أردوغان-بايدن يستبيحون حلب الشهباء
-
يحيى السنوار: شهيد من طراز فريد
-
البقرة الشاردة مع عجلها
-
إلى روح الشهيد الثائر: السيّد حسن نصر الله
-
هي وهو
-
أمل
-
نَفَرَين بيّاع
-
مرض اليأس اليساري: فاروفاكيس أنموذجاً
-
بطل الكرامة الفذ الشهيد ماهر الجازي
-
صيف وشتاء العجوز طنبورة
-
صلاة الضفدع وذيل السلحفاة
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
-
القاضي والحمار
-
يجب على المقاومة اللبنانية والسورية والفلسطينية تحرير الجولا
...
-
فَطْر بالرئة اليسرى
المزيد.....
-
اللواء سلامي: هذه الانجازات هي للرد على اي تهديد ضد ايران وا
...
-
بالودان يواصل استفزاز المسلمين ويحرق نسخة أخرى من المصحف أما
...
-
-ليس المسلمون فقط-.. نجيب ساويرس يثير تفاعلا عن رفضه مخططات
...
-
الإفتاء بين الإرشاد الديني والتوظيف السياسي
-
صحيفة إسرائيلية: ممثل يهودي يشبه أفعال إسرائيل بجرائم النازي
...
-
“الأرنب والثعلب”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 Toyor
...
-
“فرحي أولادك طوال 24 ساعة” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة
...
-
بزشكيان: منظمة التعاون الاقتصادي تساهم في تعزيز التنسيق بين
...
-
قائد الثورة الاسلامية يوافق على عفو و تخفيف عقوبة اكثر من 3
...
-
قائد الثورة الاسلامية يوافق على عفو وتخفيف عقوبة أكثر من 3 آ
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|