|
الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من سوريا، دعاية مضللة بغايات تركية.
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8245 - 2025 / 2 / 6 - 00:11
المحور:
القضية الكردية
مؤامرة تركية جديدة، كيف تروّج أنقرة لأكذوبة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا؟ الدعايـة حول انسحـاب القـوات الأمريكيـة مـن سوريـا لا أساس لهذه الدعاية التي تم فبركتها وترويجها من قبل قوى إقليمية، وعلى رأسها تركيا، بهدف خلط الأوراق وخلق حالة من الذعر السياسي والعسكري. لم يصدر أي تصريح رسمي، لا من البيت الأبيض، ولا من البنتاغون (وزارة الدفاع)، ولا من وزارة الخارجية الأمريكية، سواء على مستوى الوزراء أو المتحدثين باسم هذه المؤسسات، ولم يتطرق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال الأيام الماضية، وحتى خلال اجتماعاته اليوم، والمكثفة مع بنيامين نتنياهو، إلى أي نية لسحب القوات الأمريكية من سوريا. الاستثناء الوحيد الذي ظهر في تصريحاته كان يتعلق بإمكانية إرسال قوات أمريكية إلى قطاع غزة، وهو أمر منفصل تمامًا عن الوضع في سوريا. بل على العكس، فقد أظهرت مواقف الإدارة الأمريكية منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أن استراتيجيتها ترتكز على استمرارية دعمها للقوات الكوردية، ورفض إخلاء سوريا لصالح تركيا، وذلك لأسباب استراتيجية وأمنية عديدة، أكدها ترامب نفسه وبشكل غير مباشر، إلى جانب العديد من خبراء الإدارة الأمريكية، ومن بينهم السيناتور ماركو روبيو خلال جلسة استماع في الكونغرس. لمعرفة خلفيات هذه الدعاية وأسباب انتشارها، من الضروري أن نحدد من يقف وراءها، ومن هو المستفيد الأول منها. تركيا تأتي على رأس القائمة، حيث إنها لم تتوقف عن حياكة المؤامرات على الشمال السوري منذ مؤتمرات أستانة وسوتشي، وصولًا إلى محاولاتها الأخيرة في دفع ميليشيات المعارضة، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، لمحاربة القوات الكوردية تحت ذرائع واهية. ومنذ أكثر من ثلاثة عشر عامًا، تحاول أنقرة فرض سيطرتها على الشمال السوري، بدايةً عبر توظيف الفصائل الإرهابية مثل داعش والنصرة، ثم عبر الاحتلال المباشر لعفرين وسري كانيه/رأس العين وتل أبيض، والآن عبر تحالفات انتهازية مع النظام السوري وإيران لتحقيق غاياتها. لقد وصلت تركيا إلى درجة الخضوع التام لنظام بشار الأسد في سبيل تحقيق هدفها الأكبر: القضاء على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد). لكنها عندما أدركت أن هذا النهج قد يُضعف نفوذها ويفتح الطريق أمام سيطرة النظام السوري والميليشيات الإيرانية، عادت لتبحث عن أساليب أخرى، كان آخرها اللجوء إلى الحرب المباشرة، كما هو الحال في الهجمات التي شنتها على غرب الفرات وسد تشرين. ورغم أن محاولات تركيا لتوسيع رقعة الحرب باءت بالفشل، بسبب الضغوطات الأمريكية والتحالف الدولي، إلا أنها لم تتوقف عن البحث عن بدائل، حيث تحاول الآن دفع هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) إلى القيام بالمهمة بالنيابة عنها. ولممارسة الضغط على الهيئة، لجأت أنقرة إلى أساليب الترهيب والترغيب، من خلال تصريحات دعائية، كان آخرها التصريحات التي أُطلقت من أنقرة باسم أحمد الشرع، والتي لم تكن سوى محاولة لخداع المكونات السورية، بمن فيهم الكورد، عبر استخدام مصطلحات جديدة مثل "الجمهورية السورية" بدلًا من "الجمهورية العربية السورية"، لإضفاء طابعٍ أقل إقصائية على مشروعها الاستبدادي. هذه الدعاية الكاذبة، التركية أو الجهات التي تعمل بإملاءاتها مع المستفيدة من خروج القوات الأمريكية، ومن بينها إيران وأدواتها، لها هدفان رئيسيان: 1. ترهيب الإدارة الذاتية وقوات قسد، ودفعها لتقديم تنازلات سياسية لحكومة هيئة تحرير الشام، خاصة فيما يتعلق بمستقبل المنطقة والنظام الفيدرالي، وفرض التبعية لأنقرة بدلًا من البحث عن حلٍّ مستدام. 2. تعزيز موقف هيئة تحرير الشام، وإظهار أنها قادرة على مواجهة التحالف الدولي والقوات الأمريكية، وذلك في محاولةٍ لمنع أي اتفاق بينها وبين الإدارة الذاتية، أو مع القوى الكوردية الأخرى المتوقع تشكيلها في المرحلة القادمة، والتي يجب أن تتمسك بالنظام الفيدرالي كحدٍّ أدنى، وباللامركزية كأساسٍ لحل القضية السورية ككل. 3. ولا ننسى أن هذا يأتي ضمن محاولات التغطية على تقاعسها وإيران في دعم الفلسطينيين في غزة، وعجزها عن مواجهة الاتفاق الإسرائيلي-الأمريكي، في تناقضٍ واضحٍ مع مزاعمها المتكررة بأنها تقف إلى جانبهم. لماذا الوجود الأمريكي العسكري مهمٌّ في سوريا؟ منطقة غربي كوردستان وسوريا عمومًا تشهد تحولاتٍ سياسيةٍ عميقة، ويتوقع أن تتصاعد إلى مستوى الاعتراف السياسي بالإدارة الذاتية على أسس فيدرالية ولامركزية، وهو السيناريو الذي يرعب تركيا والدول الإقليمية الأخرى. لذا، فإن بقاء القوات الأمريكية في سوريا يشكل ضربةً لكل هذه المخططات، وانسحابها سيؤدي إلى نتائج كارثية على العديد من الأطراف، منها: 1. السعودية: انسحاب القوات الأمريكية سيترك سوريا بالكامل تحت الهيمنة التركية، خاصة بعد الاتفاقيات التي وقّعتها أنقرة لإقامة قواعد عسكرية جديدة في سوريا، وتدريب الجيش السوري، وإدارة مشاريع اقتصادية وسياسية، مما يعني أن سوريا ستتحول إلى ولايةٍ تركيةٍ بالكامل، وستُعزل عن عمقها العربي، ما سيقلل بشكلٍ كبيرٍ من النفوذ السعودي والخليجي في المنطقة. 2. إسرائيل: انسحاب القوات الأمريكية سيخلق فراغًا أمنيًا خطيرًا، يسمح بعودة داعش والجماعات التكفيرية الشيعية والسنية، مما سيشكل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل. ومن المثير للسخرية أن تركيا، التي تدّعي محاربة الإرهاب، تحاول الآن التقارب مع إيران، عبر تقديم وعود بإعادة بعض أدواتها إلى المنطقة، مقابل دعمها في القضاء على الإدارة الذاتية، وإخراج القوات الأمريكية من سوريا. هذا الأمر ترفضه إسرائيل بشدة، وكان أحد المحاور الأساسية التي ناقشها نتنياهو مع ترامب في اجتماعهما الأخير، حيث طالب باستمرار الوجود الأمريكي في المنطقة، بل واقترح إرسال قوات إضافية، حتى إلى غزة. 3. أمريكا ودول التحالف: انسحاب القوات الأمريكية سيؤدي إلى عودة داعش والميليشيات الإيرانية، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي والأوروبي، فضلًا عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، وهو ما يعتبره البيت الأبيض أخطر من أي عاملٍ آخر في معادلة الشرق الأوسط. إلى جانب مصالحها الاقتصادية المتعلقة بخطوط النفط وغاز دول الخليج إلى أوروبا، وهي مسألة تحتاج إلى دراسة مفصلة. 4. الإدارة الذاتية ومكوناتها: انسحاب القوات الأمريكية سيترك مصير الكورد والعرب والإيزيديين والسريان والآشوريين في الشمال السوري عرضةً لإبادة جماعية، سواء على يد داعش والتي ستعود وبقوة وبدعم تركي، بعد فتح السجون وإزالة المخيمات التي تم جمعهم فيها، وقد نوه إليها أحد قيادات هيئة تحرير الشام وبشكل علني، أو بيد قوات الاحتلال التركي ومرتزقته تحت حجة انتمائهم إلى حزب العمال الكوردستاني وتجربة عفرين معروفة للجميع، أو على يد المتطرفين في هيئة تحرير الشام، التي ستفرض قوانينها المتشددة، حيث سيعود منطق "الموالي والأسياد"، و"المسلمين والكفار"، في تكرارٍ مرعبٍ لنماذج داعش والقاعدة. ندعو جميع أبناء سوريا، وخاصةً في مناطق الإدارة الذاتية، عربًا قبل كورد، إلى التصدي لهذه الأكاذيب، وكشف زيفها، وعدم السماح لهذه الدعاية المغرضة بترهيب الشعب، أو تمرير المخططات التركية الهادفة إلى القضاء على أي مشروعٍ ديمقراطي في سوريا. فسوريا المستقبل يجب أن تكون لكل السوريين، ولن يكون لها وجودٌ مستقرٌ ومستقلٌّ إلا بردع الطموحات التركية وأدواتها ومرتزقتها، وإفشال هذه المؤامرات التي لا تخدم سوى أنقرة وطهران، على حساب الدم السوري.
د. محمود عباس الولايات المتحدة الأمريكية 5/2/2025م
#محمود_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام السوري من التواطؤ إلى التحريض، لماذا كل هذا الحقد عل
...
-
الإعلام السوري من التواطؤ إلى التحريض، لماذا كل هذا الحقد عل
...
-
خطب الكراهية في ساحة الأمويين
-
في سوريا المنتصر لا يجادل بل يفرض قدره
-
سوريا من قبضة الأسد إلى مخالب الإرهاب
-
حين يحارب الكورد الإرهاب وتصنعه تركيا من جديد!
-
احذروا صُنّاع الكراهية ووجوه الحقد التي تلوّث مستقبل سوريا
-
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب - 3/3
-
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب 2/3
-
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب- 2/3
-
القطب المنافس لأمريكا في عهد ترامب - 1/3
-
تداعيات الصراع التركي الأمريكي على مستقبل القضية الكوردية
-
(بافي طيار) رمز الحب والحياة في ذاكرة الكورد وكوردستان
-
الكورد ما بين الثقة والاستراتيجية
-
سوريا الجديدة بين إرث الماضي وخطر التطرف القادم
-
لماذا لا نتفق نحن الكورد إلا بالإذعان لقوة خارجية؟
-
ازدواجية الخطاب العربي وحقوق الكورد
-
سوريا تنحدر إلى مستنقع الظلام الفكري
-
تركيا بين تعزيز النفوذ ومواجهة التحديات في الساحة السورية
-
ترامب والصراع الكوردي-التركي
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: البحث عن حلول للفلسطينيين يجب ألا يُفاقم المش
...
-
الأمم المتحدة تشبه خطة ترامب لإعادة توطين سكان غزة بالتطهير
...
-
جدعون ساعر: إسرائيل تنسحب من مجلس حقوق الإنسان الأممي
-
مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: لا توجد سلطة على الأرض يمكنها م
...
-
غوتيريش تعليقا على خطة ترامب: التطهير العرقي مرفوض ونؤيد حل
...
-
إسرائيل تتبع أميركا وتنسحب من مجلس حقوق الإنسان
-
أمين عام الامم المتحدة: غزة جزء لا يتجزأ من الاراضي الفلسطين
...
-
الخارجية الايرانية:ندعو المجتمع الدولي والامم المتحدة لادانة
...
-
مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة: الاحتلال غير قانوني ويجب وضع
...
-
مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة: حل الدولتين هو السبيل الوحيد
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|