|
مشروع -ريفييرا الشرق الأوسط-: الأبعاد الاقتصادية والسياسية خلف مخطط السيطرة على غزة
خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8244 - 2025 / 2 / 5 - 10:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة
في خطوة مثيرة للجدل، عاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لطرح فكرة "السيطرة على غزة" وتحويلها إلى مركز سياحي واقتصادي أطلق عليه اسم "ريفييرا الشرق الأوسط". ورغم أن الخطاب الإعلامي الرسمي يصوّر هذه الخطة على أنها مشروع تنموي يهدف إلى تحسين حياة الفلسطينيين، إلا أن التحليل العميق لهذا الطرح يكشف أبعادًا أخرى تتعلق بالموارد الاقتصادية والاستراتيجيات الجيوسياسية. يهدف هذا المقال إلى تحليل مشروع ترامب من عدة زوايا، بدءًا من الجانب الاقتصادي المتعلق بثروات الغاز الطبيعي والنفط في غزة، وصولًا إلى البعد السياسي والاستراتيجي الذي يجعل من هذه المنطقة محورًا رئيسيًا للصراع في الشرق الأوسط.
أولًا: غزة وثرواتها الطبيعية – كنز مخفي في قلب الصراع
رغم صغر مساحتها وكثافتها السكانية العالية، فإن غزة تمتلك احتياطات مهمة من الغاز الطبيعي تجعلها محط أنظار القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل.
1. حقل "غزة مارين" واحتياطات الغاز يقع حقل "غزة مارين" على بعد 30 كيلومترًا من شواطئ غزة، ويحتوي على ما يقدر بـ 1.1 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، أي ما يعادل 32 مليار متر مكعب. وبحسب خبراء الطاقة، فإن هذا الاحتياطي يمكن أن يوفر 1.5 مليار متر مكعب سنويًا لمدة 20 عامًا، مما يجعل منه موردًا استراتيجيًا ذا أهمية كبيرة. ورغم اكتشاف الحقل في أواخر التسعينيات، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي منع الفلسطينيين من استغلاله على مدار العقود الماضية. ومنذ عام 2000، تتعامل إسرائيل مع هذا الحقل وكأنه "منطقة محظورة"، حيث تمنع أي محاولات لاستخراج الغاز، بينما تسعى جاهدة للسيطرة عليه بشكل غير مباشر.
2. احتياطات أخرى من الغاز والنفط بالإضافة إلى "غزة مارين"، هناك مؤشرات على وجود احتياطيات أخرى من الغاز والنفط تمتد عبر الأراضي الفلسطينية، وتصل التقديرات إلى 1.5 مليار برميل من النفط الخام و1.4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في مناطق مختلفة من الضفة الغربية وقطاع غزة. هذه الثروات تجعل غزة هدفًا استراتيجيًا للقوى الإقليمية والدولية، حيث إن السيطرة عليها تعني تحكمًا في موارد يمكن أن تغير ميزان الطاقة في المنطقة.
ثانيًا: الأبعاد الاقتصادية لمشروع "ريفييرا الشرق الأوسط"
1. تحويل غزة إلى مركز سياحي عالمي يطرح مشروع ترامب تحويل غزة إلى وجهة سياحية شبيهة بـ "دبي" أو "موناكو"، مع بناء منتجعات فاخرة، مراسٍ لليخوت، وكازينوهات. ويبرر هذا الطرح بضرورة "إنقاذ" الغزيين من أوضاعهم المعيشية الصعبة. لكن الحقيقة أن مثل هذا المشروع يتطلب أكثر من تريليون دولار لتطوير البنية التحتية، ناهيك عن التكاليف السياسية والأمنية لإخلاء السكان وإعادة توطينهم. والأهم من ذلك، فإن الاستثمارات الكبرى في قطاع السياحة تحتاج إلى استقرار سياسي طويل الأمد، وهو أمر غير متوفر في غزة حاليًا.
2. الغاز أولًا: هل السياحة مجرد ستار؟ رغم التسويق للمشروع على أنه خطة تنموية، فإن البعد الاقتصادي الحقيقي يتعلق بثروات الغاز الطبيعي. فالسيطرة على غزة ستمنح الولايات المتحدة وإسرائيل قدرة مطلقة على استغلال موارد الغاز دون الحاجة إلى اتفاقات مع الفلسطينيين، وهو ما قد يدر مليارات الدولارات سنويًا. بمعنى آخر، تحويل غزة إلى "ريفييرا" ليس إلا غطاءً إعلاميًا لعملية تهدف في جوهرها إلى الاستحواذ على الموارد الطبيعية، مع التخلص من العقبة الديموغرافية التي يمثلها سكان القطاع.
ثالثًا: الأبعاد السياسية والجيوسياسية للمشروع
1. تهجير الفلسطينيين: إعادة إنتاج نكبة جديدة؟ أحد البنود الرئيسية في الخطة هو إعادة توطين سكان غزة في دول عربية مجاورة، مثل مصر والأردن، وهو ما يعيد للأذهان سيناريوهات التهجير القسري التي تعرض لها الفلسطينيون خلال نكبة 1948 ونكسة 1967. هذا الطرح يواجه رفضًا قاطعًا من الفلسطينيين، كما أن الدول العربية أبدت اعتراضها على أي خطة تنطوي على تغيير ديموغرافي في المنطقة.
2. تعزيز الهيمنة الإسرائيلية – الأمريكية في المنطقة
من خلال السيطرة على غزة، سيتمكن التحالف الأمريكي – الإسرائيلي من تحقيق الأهداف التالية: * إنهاء أي احتمال لقيام دولة فلسطينية مستقلة، حيث إن خسارة غزة ستجعل حل الدولتين شبه مستحيل. * تعزيز النفوذ في شرق البحر المتوسط، حيث ستتمكن الولايات المتحدة من تأمين إمدادات الغاز لأوروبا وتقليل الاعتماد على روسيا. * خلق واقع جيوسياسي جديد، بحيث تصبح غزة تحت إدارة أمريكية – إسرائيلية، مما يمهد لتوسيع النفوذ الاقتصادي والسياسي في المنطقة.
رابعًا: لماذا المشروع غير قابل للتحقيق؟
رغم الطرح الإعلامي القوي، فإن هناك العديد من العوائق التي تجعل تنفيذ هذا المشروع مستحيلًا على أرض الواقع: 1. الرفض الفلسطيني القاطع: الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، أظهر على مدار العقود الماضية صمودًا غير عادي، ورفض أي مشاريع تمس حقوقه. ومن المستحيل أن يقبل سكان غزة التهجير أو التنازل عن أرضهم. 2. الموقف العربي والدولي: رغم التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، فإن فكرة إفراغ غزة وتهجير سكانها ستواجه اعتراضًا كبيرًا من معظم الدول العربية والمجتمع الدولي. 3. التكلفة الاقتصادية الهائلة: حتى لو افترضنا نجاح المشروع، فإن كلفته الباهظة تجعله غير قابل للتنفيذ، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة عالميًا. 4. الوضع الأمني والسياسي: أي محاولة لفرض هذا المشروع بالقوة ستؤدي إلى تصعيد عسكري واسع، وهو ما لا تتحمله أي جهة دولية أو إقليمية.
خامسًا: مشروع "ريفييرا الشرق الأوسط" في سياق التنافس العالمي بين الأقطاب
1. غزة في قلب الصراع بين أمريكا والصين في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على هيمنتها في منطقة الشرق الأوسط، التي باتت ميدانًا لصراع النفوذ بينها وبين الصين. وتمثل غزة، بثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي، إحدى الجبهات التي تحاول واشنطن استخدامها لإضعاف نفوذ خصومها، وخاصة بكين. على مدى العقد الماضي، عززت الصين وجودها في الشرق الأوسط عبر شراكات اقتصادية مع دول الخليج، ومشاريع بنية تحتية ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، فضلًا عن استثماراتها الضخمة في قطاع الطاقة. وتخشى الولايات المتحدة أن يؤدي توسع النفوذ الصيني إلى تقويض سيطرتها التقليدية على إمدادات الطاقة العالمية، خاصة أن بكين وقعت اتفاقيات استراتيجية مع إيران ودول أخرى في المنطقة.
في هذا السياق، تسعى واشنطن إلى: * السيطرة على الغاز الفلسطيني كجزء من استراتيجيتها في أمن الطاقة العالمي، لمنع الصين من الوصول إلى موارد جديدة قد تساعدها في تقليل اعتمادها على واردات الطاقة من أماكن أخرى. * تعزيز تحالفها مع إسرائيل كقاعدة متقدمة ضد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، خاصة بعد دخول الشركات الصينية في مشاريع ضخمة داخل إسرائيل، مثل تشغيل ميناء حيفا. * إعادة تشكيل خريطة الطاقة في المنطقة، بحيث تصبح واشنطن المورد الأساسي للغاز إلى أوروبا، مستفيدة من احتياطات شرق المتوسط، بما فيها غاز غزة، وبالتالي تقليل الاعتماد الأوروبي على روسيا والصين.
2. إسرائيل كأداة أمريكية في الصراع الاقتصادي العالمي إسرائيل تلعب دورًا أساسيًا في المشروع الأمريكي لمواجهة الصين، حيث إنها ليست فقط شريكًا أمنيًا وعسكريًا، ولكنها أيضًا بوابة اقتصادية رئيسية في المنطقة. تسعى واشنطن إلى استخدام إسرائيل كمنصة لمشاريع الطاقة والتكنولوجيا، ما يعني أن أي استثمار في غزة، سواء في الغاز أو السياحة، سيكون تحت السيطرة الإسرائيلية – الأمريكية، مما يمنع الصين من تحقيق اختراق اقتصادي في هذا المجال.
3. هل يمكن للصين أن تنافس أمريكا على غزة؟
رغم الحصار الأمريكي، تحاول الصين بناء نفوذها في المنطقة بطرق غير مباشرة، مثل توقيع اتفاقيات تجارية مع السلطة الفلسطينية، وتقديم مشاريع للبنية التحتية عبر مبادرة "الحزام والطريق". لكن في حالة غزة، تواجه بكين عقبة رئيسية، وهي النفوذ العسكري الإسرائيلي والتدخل الأمريكي المباشر، مما يجعل أي استثمار صيني في القطاع شبه مستحيل دون ترتيبات سياسية معقدة.
4. غزة كجزء من لعبة الطاقة العالمية
مع تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين، أصبح التحكم في مصادر الطاقة العالمية أحد المحاور الرئيسية للصراع. في هذا السياق، تسعى الولايات المتحدة إلى ضمان أن موارد الغاز في شرق المتوسط تبقى تحت هيمنتها، بحيث تستخدمها كأداة ضغط على أوروبا والصين معًا. على الجانب الآخر، تحاول الصين تقليل تعرضها للضغوط الأمريكية عبر تعزيز علاقاتها مع دول مثل روسيا وإيران، وتأمين طرق بديلة لواردات الطاقة. ومن هنا، فإن الاستحواذ الأمريكي على غاز غزة لا يهدف فقط إلى تحقيق أرباح اقتصادية، بل أيضًا إلى تعزيز القدرة الأمريكية على التحكم في أسواق الطاقة العالمية، ومنع الصين من الوصول إلى موارد جديدة.
خلاصة: غزة في قلب التنافس بين القوى العظمى
في ظل الصراع المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، تحولت غزة إلى نقطة ارتكاز في لعبة الهيمنة العالمية على الطاقة والنفوذ الاستراتيجي. ورغم أن المشروع يُسوَّق على أنه خطة إنسانية وتنموية، إلا أن حقيقته تكمن في كونه جزءًا من الحرب الاقتصادية بين الأقطاب الكبرى، حيث تحاول أمريكا منع الصين من تحقيق موطئ قدم في واحدة من أهم مناطق الغاز في العالم. لكن مع التعقيدات السياسية والميدانية، يبقى تنفيذ هذا المشروع مرهونًا بتغيرات إقليمية ودولية قد تجعل تحقيقه أكثر صعوبة مما تتوقع واشنطن.
يبدو أن مشروع "ريفييرا الشرق الأوسط" ليس سوى محاولة جديدة لإعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم المصالح الأمريكية – الإسرائيلية، تحت غطاء التنمية والاستثمار. في الواقع، الهدف الأساسي للمشروع هو السيطرة على ثروات الغاز الطبيعي في غزة، مع تقليص الوجود الفلسطيني. لكن في ظل الرفض الفلسطيني والعربي، والتعقيدات الاقتصادية والسياسية، فإن تنفيذ هذا المخطط يبدو شبه مستحيل. ورغم المحاولات المستمرة لإعادة إنتاج سيناريوهات جديدة للهيمنة، فإن التاريخ أثبت أن غزة، رغم كل الضغوط، تبقى عصية على الكسر، وشعبها قادر على الصمود أمام أي مخططات تستهدف وجوده وحقوقه.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رقعة الأسياد والبيادق
-
ترامب ونتنياهو وترحيل أهل غزة: سيكولوجية المهزومين والمفلسين
-
المقاربة الأمريكية الصهيونية في ظل الهدن الحالية: هل تتجه ال
...
-
العابرون إلى السراب
-
المواطنة بين التخييل السياسي والواقع الكولونيالي: مقاربة نقد
...
-
ليلُ الوجودِ وأقمارُ العدم
-
العلا
-
رحلة بلا مسافات
-
حين يصبح التحرير جريمة!
-
غير المتوقع: من رماد الدمار إلى أجنحة النصر
-
ظاهرة التعميم المعاييري: نقد منهجي وتحليل نظري معمق مع أمثلة
...
-
سِفر الوجود
-
في سماء الفكر: نصّ فضائي راقٍ
-
الموت السريري …أنا الحيلة الكبرى؟
-
مدائن في اللازمان
-
قراءة متكاملة لاستراتيجية اليمن الإقليمية وتأثيرها على الصر
...
-
مقاربة حول التصعيد في الضفة الغربية ورؤية ترامب لغزة: تناق
...
-
صباح الخير
-
صرخة الكائن المنهك
-
الإرادة الفلسطينية: انتصار رغم الحصار
المزيد.....
-
شاهد.. قطيع من الأبقار يقطع الطريق أمام سيارة مغامر في أعالي
...
-
بعد اصطدامها بطائرة ركاب.. محققون يبحثون بين حطام طائرة -بلا
...
-
منها -حماس- والمعارضة الإسرائيلية.. قوى سياسية تُعلق على تصر
...
-
ترامب يفاجئ العالم برغبة أمريكية في الاستيلاء على قطاع غزة
-
الرئيس اللبناني يجدد مطالبته بانسحاب الجيش الإسرائيلي من جنو
...
-
فولودين: بايدن وزيلينسكي جعلا الأوكرانيين -حيوانات تجارب-
-
تضمنت قتل 15 ألف عنصر من -حزب الله-.. غالانت يكشف خطة المؤسس
...
-
منظمة التحرير الفلسطينية تعلق على تصريحات ترامب حول غزة
-
WSJ: فكرة ترامب حول -السيطرة -على غزة ظهرت مؤخرا لديه وعلم ب
...
-
-أكسيوس-: أطباء أمريكيون يرفعون دعوى ضد إدارة ترامب بعد إزال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|