أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب سلمان - مدينة موراكامي وأسوارها الغامضة: مختصر لفلسفة الحياة والموت















المزيد.....


مدينة موراكامي وأسوارها الغامضة: مختصر لفلسفة الحياة والموت


زينب سلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8244 - 2025 / 2 / 5 - 06:59
المحور: الادب والفن
    


كالعديد من عشاق الكاتب الياباني هاروكي موراكامي، كنت أترقب صدور روايته الجديدة "المدينة وأسوارها الغامضة" بفارغ الصبر. ولحسن حظي، حصلت عليها كهدية في عطلة أعياد الميلاد، مما أتاح لي فرصة قراءتها بتمعن وإعادة قراءة بعض أجزائها أكثر من مرة.
يُعد موراكامي أحد أشهر الروائيين المعاصرين، ويتميز بأسلوبه الفريد الذي يستخدم فيه الرمزية والعوالم المتوازية لاستكشاف موضوعات عميقة مثل الهوية، العزلة، والزمن. في روايته الأخيرة، التي صدرت في بريطانيا أواخر عام 2024 عن دار نشر "هارفيل سيكر"، مترجمة إلى الإنجليزية عن اليابانية بواسطة المترجم فيليب غابريل، يعود موراكامي لاستخدام هذه العناصر المعتادة، ولكنه يضيف إليها موضوع الفقدان بأسلوب يعكس رؤيته الشخصية وفلسفته عن الحياة والموت.
برأيي الشخصي، لم يخلق موراكامي في هذه الرواية عالماً جديداً كما فعل في أعماله السابقة، بل قدم تصوراته الشخصية عن عالم ما بعد الموت، وأغنى هذه التصورات بالرموز التي سمحت للقارئ بتفسيرات متعددة، مما جعل الرواية تجربة غنية ومفتوحة للتأويل.
الرمزية كأداة فلسفية
كالعادة، استخدم موراكامي الرمزية كإحدى أدواته الرئيسية لنقل أفكاره حول الوجود والموت. من بين الرموز الرئيسية التي ظهرت في الرواية، نجد المدينة التي تتغير مساحتها وشكلها حسب تعامل الشخصيات معها. هذه المدينة تمثل تمثيلاً مجازياً لعالم ما بعد الموت أو كمرحلة انتقالية بين الحياة والموت.
الجدران التي تحيط بالمدينة ترمز إلى الحواجز النفسية والوجودية التي تفصل بين الذات والعالم الخارجي، وبين الوعي واللاوعي. أما التخلي عن الظل، فأنا أختلف مع العديد من محللي الرواية الذين يرونه رمزاً للتضحية بشيء للوصول إلى فهم أعمق للانتماء. أرى أن الظل يرمز إلى الجانب المظلم في الإنسان، والتخلي عنه يشير إلى العجز عن ارتكاب الشرور كشرط أساسي للانتقال إلى العالم الآخر.
المكتبة: أكثر من مكان
المكتبة في هذه الرواية ليست مجرد مكان لحفظ الكتب، بل هي مساحة لتحرير الأحلام القديمة. هذه الفكرة تعكس ارتباط موراكامي العميق بالذاكرة والماضي، حيث تصبح الأحلام جزءاً من الهوية التي يجب تحريرها أو التخلي عنها للانتقال إلى مرحلة جديدة.
ترمز المكتبة إلى المعرفة المتراكمة التي يجب على الشخص التعامل معها قبل الانتقال إلى العالم الآخر. لقد أتى ذكر المكتبة مراراً في أعمال موراكامي السابقة، وربما يعود ذلك إلى ارتباطه الشخصي بالمكتبات، حيث ذكر في مقابلاته أنه قضى طفولته في قراءة الكتب وعمل في متجر تسجيلات موسيقية. هذا الارتباط جعله يقدّس الأماكن التي تحتوي على المعرفة المحفوظة.
مع ذلك، أعتقد أن استخدام المكتبة كملاذ لشخصياته المتوحدة والغريبة الأطوار قد أوقعه في فخ التكرار وأفقده عنصر الدهشة والجاذبية في بعض المواضع. كان يمكن لموراكامي في هذه الرواية أن يبتكر رمزاً روحانياً موازياً للمكتبة في استحصال المعرفة الروحانية، خاصة وأنه يناقش الانتقال إلى عالم ما بعد الموت. ومع ذلك، وبحرفيته العالية وخياله الخلاق، نجح في جعل القارئ يتأمل ويتساءل عما تمثله المكتبة في كلا العالمين، مما يقود إلى استنتاج أن المعرفة هي الطريق الوحيد للخلاص.
العوالم المتوازية: بين الواقع والخيال
تتكرر فكرة العوالم المتوازية في روايات موراكامي، حيث غالباً ما تكون أماكن غامضة تتداخل مع الواقع، مما يخلق إحساساً بالسريالية. في "المدينة وجدرانها الملتبسة"، تمثل المدينة المحاطة بالجدران عالماً موازياً أو بعداً آخر، حيث تختلف قوانين الواقع فيها.
هذا التداخل بين العوالم يثير تساؤلات حول طبيعة الواقع وما هو حقيقي. البطل في الرواية ينتقل تدريجياً من العالم الواقعي إلى المدينة الغامضة، حيث يجد نفسه في رحلة وجودية تدفعه إلى تقبل حتمية الموت. الانتقال الأول إلى المدينة يمكن اعتباره حدثاً نفسياً أو رمزياً، يمثل حالة الاكتئاب العميق أو العزلة التي يمر بها البطل بسبب فقدان حبيبته. أما الانتقال الثاني، عندما يخبره الصبي أنه يمكنه العبور بالكامل إلى العالم الآخر إذا رغب بذلك بشدة، فهو يمثل لحظة موته الفعلية.
الغموض كجزء من فلسفة الموت
موراكامي، كعادته، يترك العديد من الأحداث غير مفسرة، مما يخلق إحساساً بالغموض واللايقين. هذا الغموض يعكس طبيعة الموت نفسه، حيث لا توجد إجابات واضحة عما يحدث بعد الموت. الرواية تدفع القارئ إلى التساؤل عن طبيعة الواقع وما هو حقيقي.
المدينة المحاطة بالجدران يمكن اعتبارها تمثيلاً مجازياً للحياة ما بعد الموت أو كمرحلة انتقالية بين الحياة والموت. التخلي عن الظل للدخول إلى المدينة يرمز إلى التخلص من الذات القديمة أو الجسد المادي أو الجانب المظلم من النفس البشرية، كما يحدث عند الموت، حيث يفقد الشخص جزءاً من هويته أو وعيه السابق.
شبح مدير المكتبة يبدو وكأنه كيان وسيط بين الحياة والموت، ربما كمرشد روحي يساعد الشخصيات على فهم طبيعة المدينة، مثل الشخصيات الإرشادية التي تظهر في الأساطير. كذلك، اختفاء الصبي الذي كان يرتاد المكتبة، مع امتلاكه قدرة غريبة على قراءة الكتب بشغف، قد يشير إلى انتقاله إلى مستوى آخر من الوجود. ربما يمثل الصبي الجانب النقي من الروح الذي يبحث عن الحقيقة، لكنه في النهاية "يختفي"، مما قد يرمز إلى فقدان الاتصال بالعالم الحي.
التأمل في الموت: رحلة وليست نهاية
بعد سنوات من كتابة قصص عن الاختفاء، العوالم الموازية، والأرواح التي تعيش بين الواقع والخيال، يبدو أن موراكامي وصل في هذه الرواية إلى مرحلة القبول والتأمل الهادئ لفكرة الموت. الرواية ليست مجرد سرد خيالي، بل هي رسالة وجودية عن كيفية تقبل الفقدان، وكيف يمكن للموت أن يكون رحلة بدلاً من مجرد نهاية.
البطل في الرواية يتقبل حتمية الموت في النهاية، والدليل على ذلك هو النهر الذي يعبره ويصغر في السن حتى يصبح يافعاً. هذا العبور الزمني يؤكد أن موراكامي أراد أن يقدم ترابط العالمين من خلال استحضار رموز اشتركت في تقديمها الديانات المختلفة، والتي أشارت إلى أن بعد الموت سيعود الإنسان إلى مرحلة عمرية مبكرة.
موراكامي يجعل الموت تجربة ليست مخيفة، بل غامضة، وربما حتى شاعرية، وكأنها امتداد للحياة بطريقة أخرى. في النهاية، يبدو أن البطل لم يكن في رحلة داخلية فقط، بل كان بالفعل يعبر إلى العالم الآخر، وكان يدرك ذلك ويتقبله تدريجياً.



#زينب_سلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجنون ظهيرة يوم قائظ
- قراءة في -مياه متصحرة” رواية لحازم كمال الدين بين الوجع الوا ...
- أمي آخر الملاجئ الآمنة وحكاية وطن
- التناول الإعلامي المكثف للشعر الشعبي العراقي هل هو مؤشر للتر ...
- برنامج - أكو فد واحد - بين الأسفاف والاعتداء على حقوق الأقلي ...
- نجم ضال
- شهيق القنابل
- حب مع سبق الاصرار
- يوميات من بلادي/ رحلة نحو الشمس
- لحظة الموت حباً
- يوم للنسيان
- ذكرى مقاتل نسى رأسه في خوذته
- اغتراب
- ومضة
- لقاء أخير
- حزن الغياب
- قلبي والمطر
- عرس الانتظار الاخير/- تداعيات الانتظار الازلي للحظة فرح مؤجل ...
- فجر جديد


المزيد.....




- مصر.. قرار للنيابة في واقعة صاحب رسالة الانتحار الموظف في دا ...
- الذكاء الاصطناعي في الترجمة.. أداة مساعدة لا بديلا
- -نسائم الإضاءة وستائر الدهشة-.. حوارات مع الشاعر الفلسطيني م ...
- أوكرانيا تعترف بأن اللغة الروسية تضاهي الأوكرانية استخداما ب ...
- زوار كثر بلا كتب.. جولة في معرض القاهرة للكتاب
- وزارة الثقافة في صنعاء تحتضن معرضا فنيا عن القضية الفلسطينية ...
- صوت أم كلثوم ينبعث من الكتب والمقاهي بعد 50 عاما على رحيلها ...
- 50 عامًا بعد الرحيل.. ودموع فرقة أم كلثوم لم تجف
- محاضرة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب تستعرض ثراء وتنوع الثقافة ...
- مهرجان كان السينمائي يختار الممثلة جولييت بينوش لرئاسة لجنة ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب سلمان - مدينة موراكامي وأسوارها الغامضة: مختصر لفلسفة الحياة والموت