أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد احمد الغريب عبدربه - ملامح التفكير الناقد في كتاب في التربية لبرتراند رسل















المزيد.....


ملامح التفكير الناقد في كتاب في التربية لبرتراند رسل


محمد احمد الغريب عبدربه

الحوار المتمدن-العدد: 8244 - 2025 / 2 / 5 - 06:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة
يتميز اسلوب الفيلسوف الانجليزي برتراند رسل في كتابه في التربيه وفي كتبه عامه بالاسلوب التحليلي الفلسفي المنطقي، والذي يشابه ايضا الاسلوب العلمي، وهذه احد خصائص المدارس الفلسفية الانجليزية التي لا تحبذ التفلسف العام وتعدد الاراء، وهذه الخاصية العلمية والنقدية لدي راسل متعمقة وكثيفة جدا. وقد صنف أنه عالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي، وقد قاد الثورة البريطانية "ضد المثالية" في أوائل القرن العشرين. ويعد أحد مؤسسي الفلسفة التحليلية إلى جانب سلفه كوتلب فريج وتلميذه لودفيش فيتغنشتاين كما يعتبر من أهم علماء المنطق في القرن العشرين. كما أنه ألف بالشراكة مع أي. إن. وايتهيد مبادئ الرياضيات في محاولة لشرح الرياضيات بالمنطق.
وقد استطاع رسل التعامل بشكل بارع مع الأسس المتأصلة في التفكير وفرض معايير فكرية عليها، وذلك من خلال اثارة مسائل واشكاليات علمية وحيوية، وصياغتها بوضوع ودقة، والتوصل الي استنتاجات وحلول علمية ومنطقية، واخضاعها للاختبار في ضوء المعايير الدقيقة والمحددة دون لبس وغموض. وايضا الملاحظ لكتابات رسل يلاحظ انها ترجع لعقل فيلسوف يتسم بفكر متفتح ضمن نسق منظم ومحدد دون عشوائية، فهذا العقل الفلسفي لرسل يعرف ويقيم الفرضيات العلمية والتبعات العلمية.
وهذه الخصائص العلمية والنقدية في كتابات رسل وكتابه في التربية موضوع هذا البحث المزعم كتابته، كانت تبغي تحليلا قويا وواضحا ومحددا لمشاكل الانسان، فكتابات رسل اتخذت منحي انسانيا شاملا، ولكن دون أن يكون مدافعا عن الانسان بشكل مثالي مثلا الدعوة نحو ذات متفردة له، او اتباع إيديولوجيا حول حقوقه، أو تحويل الموضوع الإنساني بالنسبة الى فكرة مثالية اديولوجيا يدافع عنها باستمرار، ولكنه حدد مشاكله وسعي للدفاع عن بعضها بشكل واضح وعلمي.
فكان رسل يريد أن يحسن من وضع الانسان عالميا ومحاربة الشرور والصراعات التي تهدد وجوده وهذا ما اتضح في كتاباته الفلسفية والانسانية والتحليلية، ومواقفه الانسانية في الواقع، وكان عضوا في لجنة المئة وهي اللجنة التي تكونت في بريطانيا لمقاومة التسلح الذري، وقد شارك في صيف 1955 في مؤتمر عالمي في لندن نبذ فيه الاسلحة النووية وحذر من خطرها المادي والمعنوي علي الانسانية، وكان ناشطاً بارزاً في مناهضة الحرب وأحد أنصار التجارة الحرة ومناهضة الإمبريالية. وسجن بسبب نشاطه الداعي للسلام خلال الحرب العالمية الأولى. وقام بحملات ضد أدولف هتلر وانتقد الشمولية الستالينية وهاجم تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام . وهذه امثلة قليلة علي الدور الانساني لرسل الذي دافع مشروعه الفكري والحياتي عن الانسان دائما.
ويفند البحث ابعاد وملامح ودلالات التفكير العلمي والتفكير الناقد في كتب وافكار رسل بشكل عام في جزء محدد من البحث، ثم يفند تفصيليا هذه الملامح والدلالات في كتابه في التربية موضوع البحث وذلك في السياق التالي:
ملامح التفكر العلمي والناقد في افكار رسل
ويتميز اسلوب رسل في كتبه السياسية والفلسفية والاجتماعية والتربوية بالعقلانية والمنطقية، ويقول : " أن السبيل إلى أخلاق أسمى وإلى سياسة أفضل يكمن في العقلانية: ألّا يصدق الناس إلا ما يمكن البرهنة عليه. كما يرى " انتشار التعصب والجهل والخرافات العائقَ الرئيس أمام تقدم الأخلاق، نستطيعُ التخلص من معظم هذه الشرور عن طريق العقل". ويدعو رسل إلى تبني الأسلوب العلمي، العقلاني الناقد، في الفلسفة والسياسة والأخلاق. ويسرد رسل قائلأ "في العلم، لا نقبل أي مقولةٍ دون برهان؛ نُبقي دوماً على مسحةٍ من الشك بخصوص نظريتنا؛ نعمل مع المجتمع العلمي على الوصول إلى نظريات جديدة، ونتخلى عن النظريات التي ثبت بطلانها، لمصلحة نظريات جديدة أكثر وثوقية".
والصفة الاخري هي البساطة والوضوح وهو ما قاله كارل بوبر عنه، حيث رفض رسل في كتبه التلاعب باللغة والغموض واسلوب التعالي في عرض الافكار والمصطلحات، والصفة العلمية والنقدية الثالثة، امتلاكه لكثير من الحجج المنطقية للدفاع عن رأيه الذي يسعي لعرضه واثباته، وكان موقفه من الدين موقف عقلاني، ويرى فيه تحديداً في شكله المؤسساتي القائم، عقبة في وجه أي تقدم أخلاقي أو فكري. ودعا الي مواجهة المؤسسات الدينية التي تنشر الجهل والقسوة.
دلالات التفكير الناقد في كتاب في التربية
وكتابه في التربية عالج فيه بأسلوب علمي وتفكير ناقد اخطر المواضيع التي تتصل بحياة الفرد والمجتمع، حتي ان بعض الجامعات قامت بتدريس هذا الكتاب في المواسم الدراسية، وذلك لأهميته الشديدة واتسامه بالموضوعية والجدية ووجود حلول ومقترحات لهذه المشكلة في هذا الكتاب.
ويلاحظ ان رسل طبق مبادئ ومهارات التفكير الناقد بشكل مباشر في فنون التربية، لان سمات التفكير الناقد هي سمات تربوية وهي قدرة العقل علي توضيح وتحديد الاعتقاد لديه، وهي دلالات يتم ايضاحها من خلال البحث وايضا يمكن استخلاص دلالات اخري متعلقة باسلوب وطريقة تفكير رسل في كتابة الكتاب، وكيف تميز تفكيره وعقله بهذه المهارات، فرسل كفيلسوف منطقي وتحليلي في الاساس لديه مهارات مسبقة علي الكتاب وقبل كتابته بها هذه المهارات تحليلية ومنطقية وتتلامس بشكل كبير مع مهارات ومباديء التفكير الناقد، وهي علاقة متشابكة وجدلية الي حد كبير سيتم توضيحه في الدلالات والملامح التالية:
الدقة والواقعية
وقام بتحليل مشكلة التربية وذلك عن طريق تحليل دوافع الاباء في ارسال ابنائهم الي المدارس او تربيتهم عن طريق معلمين في المنزل، وسلبيات كل طريقة منها، وذلك بشكل واضح ودقيق دون لبس او غموض، فمثلا الاباء ذوي الدخول القليلة يكون من مصلحتهم اصلاح المدارس وذلك لعدم قدرتهم علي انفاق اموال علي تربية ابنائهم في المنزل، وذلك تحليلا دقيقا ومنطقيا من جانب رسل بتحليل المصلحة الشخصية للاباء والابناء، والظروف الاقتصادية والاجتماعية لهم. وهو تحليل مدروس ومتعلق بالواقع المادي والاجتماعي للمشكلة وليس تحليلا مثاليا بعيدا عن الواقع.
وايضا تطرق الي خلافا واضحا بين الساعين نحو المعرفة قائلاً " هناك خلاف بين الساعين وراء المنافع المادية وبين الراغبين في المتع العقلية، فأصحاب المنافع المادية لا يتحمسون للفن والادب والفلسفة وانما يتحمسون الي زيادة الصناعه والرفاهية. وفي هذه النقطة يدعم وجهة نظر المادية للمنافع من التربية عارضا انها تساهم في كثير من المنافع الضرورية والاساسية للبشرية مثل القضاء علي البؤس والجوع ومكافحة الامراض وجعل السقم المزمن نادرا جدا، ومنع تكاثر السكان من أن يطغي علي التحسينات في التموين، والقضاء علي الظلم والحرب، وتحسين قيمة الحياة البشرية، كل ذلك يأتي من التربية ذات المنافع المادية، وفي هذا السياق قال رسل : " فبدون الطبيعة وعلم وظائف الاعضاء وعلم النفس لا نستطيع بناء العالم الجديد، ولكننا نستطيع بناءه بدون اللاتينية واليونانية، وبدون دانتي وشكسيبر، وبدون باخ وموزارت". مؤكدا ان هذه الحجة العظمي للتربية النفعية، مدعما لها رسل بشكل كبير.
دلالة الاستقلالية والتربية
ايضا حلل علاقة الاتجاهات السياسية للأباء بنظرتهم في طريقة تربية ابنائهم فالشيوعي موقفه مختلف عن الاب الليبرالي وهكذا، وفرق رسل بين التربية التي يجب ان تغرس في المتعلم القدرة علي الاستقلال في الحكم، والتربية التي تكون وسيلة لتلقين عقائد محددة بالذات، وأكد رسل علي أهمية الاولي ورفض الثانية، وذلك يؤكد علي اتسام فكر رسل واسلوبه في تحليل مشكلة التربية بالاستقلالية والموضوعية والمنطقية، والجرأة علي طرح ومناقشة والدعوة الي الحقيقة، وحق الانسان في العيش بسلام وتحقيق ذاته وأحلامه ورغباته.
الوضوح
ودعا رسل الي البحث عن كل هو جديد في علم النفس وفنون التربية من اجل اصلاح العملية التربوية والتعليمية، وذلك لمتابعه الجديد والحديث في الفروع الاخري التي تتكامل وتساند اسلوب التربية، وميز رسل بين التربية لتهذيب الخلق، والتربية لتحصيل المعرفة، واشار انه في كتابه سيفرق في التحليل والمناقشة والدراسة بين تربية الخلق، والتعلم المرتبط بزيادة المعرفة، وأعطي اولوية للتربية الخلقية لانها تكون مع السنوات الاولي للفرد، وايضا لاهميته فهي بالطبيعة تكون قبل التربية المعرفية، وهي بالاساس تكون مع الفرد دائما فهي معرفة وتربية ذاتيه داخلية يجب تحسينها الي الافضل دائما
الديمقراطية والتربية
وردت اشكالية لدي رسل تعلقت بمفهوم الديمقراطية والتربية، وقد سبقه جون ديون الفيلسوف الامريكي حول هذه المسألة الذي دعي الي ان الاطفال يجب ان يفكروا بأنفسهم حتي يكون له رأي، ومفهوم الديمقراطية هنا يمكن توسيعه في تطبيقه في التربية، مثلا علاقة الاهتمام بطالب ما هو ادبي وما هو علمي وهو التقسيم في مرحلة الثانوية، وهناك اشكالية للديمقراطية بعلاقتها مع التربية، هي تأثير علي مفهوم الديمقراطية، وهكذا من اشكاليات كثيرة، وفيما يتعلق بذلك لدي رسل، نري انه تمني بعد ان تحدث عن نظم التربية عند روسو ولوك، ان يكون التربية نظام يمنح كل ولد وبنت فرصة افضل لما هو موجود، وان النظام المثالي للتربية يجب ان يكون ديمقراطيا. وقد فرق بين وجهات نظر الديمقراطيين والارستقراطيين حول النفعية من التربية، الثانية كل انواع المعرفة والتربية اذا كانت نافعه ام لا للطبقة الممتازة والطبقة المسودة ما هو نافع، والثانية تري احقية الطبقة المسودة في المساواة مع الطبقة الممتازة.
الدعوة نحو التجريب
وأكد علي أهمية مبدأ التجريب في تطوير العملية التربوية، وهو مبدأ علمي ونقدي للغاية، فدعا الاباء الي قيامهم بتجريب طرق جديدة علي شرط ان تكون هذه الطرق مما يمكن تعميمه اذا احسنت نتائجها، لا ان تكون بطبيعتها مقصورة لا محال علي قليلين متميزين، ويجب اعطاء فرصة استثنائية لكل ذي قدرة استثنائية.
مبدأ الصدق في التربية
وتميز اسلوب رسل في الكتاب بالقدرة علي التميز بين الاشياء وبعضها البعض، وبين الاشياء الحقيقية والاشياء المزيفة، وذلك بشكل دقيق وقوي، فقد فرق بين، الزخرفي والاستقراطي في التربية، وفي تربية الذكور والاناث فرق وفاضل بين التربية القديمة والتربية الحديثة، وفرق في تربية البنات بين تربية البنت لتكون سيدة، وبين الرغبة في اعدادها لكسب عيشها، وميز بين ما ينفع الولد في التربية، وما ينفع البنت، وان المساواة في ذلك بلا فائدة ولا نفع.
ازالة المغالطات المنطقية
وأكد رسل علي ضرورة التخلص من الجدل الصوري الذي يثار في مشكلة التربية وذلك بتعريف الالفاظ وتحديدها، وازالة اللبس، وايضا التخلص من السلسلة المتعاقبة من التفسير النفعي لعملية التربية، وهذين الملاحظتين مرتبطين ببعضم البعض، ومن امثلة هذا الجدل الصوري في التربية اسئلة منها، فهل ينبغي ان تصبح التربية بأسرع ما يمكن تعليما فنياً يعد لتجارة او حرفة، هل يمكن اعتبار الآداب القديمة زخرفية والعلوم نفعية وهكذا، ورسل لما يرجح اجابات لهذه الاسئلة، وانما سعي لتحديد المفاهيم وازالة المغالطات المنطقية في المشكلات التربوية، ووتوضيح وجهات النظر والاراء والحجج، وازالة اللبس، وترك مزيد من المناقشات والحوار.
الموضوعية
واتصف بالموضوعية في عرض الاراء المختلفة حول مسألة التربية، وابتعد عن التحيز، فلم يرجح رأي علي رأي، انما سعي الي تحليل وعرض الاراء بدون اي غموض، فمثلا عرض موضوع الخلاف الحقيقي حول التربية قائلأ "هل علينا في التربية ان نرمي الي حشو العقل بمعرفة لها فائدة عملية مباشرة، او علينا أن نحاول تزويد تلاميذنا بهبات عقلية صالحة في ذاتها؟، فمثلا معرفة وتذوق قصة هاملت لن يكون له كبير فائدة في الحياة العملية، ولكنه يهب الرجل هبة عقلية يؤسفه أن يحرم منها ويجعله في بعض النواحي انسانا أكمل". ويضيف رسل "ان هذا النوع الاخير من المعرفة هو ما يؤثره الرجل الذي يحتج بأن النفعية ليست المرمي الوحيد من التربية".
اراء وملاحظات رسل في اسلوب التربية وانواع المعرفة
1- "تعلم الرياضات والعلوم لم يكن ذا نفع كبير فحسب، بل كان ايضا ذا قيمة ذاتيه عزيمة اذا امد رسل بموضوعات التفكير والتأمل، لكي يتم التميز بين الحق وبين الباطل في الحياة المليئة بالخدع والنصب والزييف".
2- "المعرفة ذات النفع العملي الغير مباشر، يجب ان تعطي بطرق لا تتطلب انفاق وقت طويل وطاقة عظيمة في تعلم جانبها الآلي مثل علم النحو اللهم الا المتخصصين".
3- "مجموع المعارف الانسانية وتعقد المشاكل البشري في ازدياد مستمر، ومن ثم يتحتم علي كل جيل أن ينقح طرائقه في التربية اذا شاء أن يدبر الوقت لما هو جديد".
4- "العناصر الادبية في التربية يجب ان تبقي، لكنها يجب ان تبسط الي الحد الذي يفسح مجالا للعناصر الاخري التي بدونها لا يمكن ابدأ ايجاد العالم الحديث الذي اصبح ايجاده ممكنا بفضل العلم".
5- يقول رسل ان "الفلك وعلم طبقات الارض قد نفعاني في زيادة الخيال والحذق بالدنيا، اكثر من الاداب الانجليزية والفرنسية والالمانية التي قرأ معظمه روائعها".
اسلوب التأديب والعقاب
عرض رسل بعض الامثلة علي اساليب العقاب والثواب والتربية للاطفال، والتي تعتمد علي التخويف وطرق غير مجدية في تربية حديثة ومتقدمة للطفل، فيقول "مثلا يتم تأديب الطفل او الصبي بتأديه شئ يكرهه او بالامتناع عن شئ يحبه، فاذا عصي عوقب في بدنه أو كان في الاحوال الخطيرة يحبس وحيدا علي الخبز والماء".
ودعم اساليب التربية في المدارس المنتسورية قائلأ "حيث كانت القواعد المدرسية كقواعد اللعب : تطاع كوسيلة للاستمتاع. فيتم تقسيم ما يجب تعلمه كالقراءه والكتابة مثلا الي مراحل ملائمة أمكن ان نجعل كل مرحلة محببة الي الطفل المتوسط، وعندما يكون الاطفال يفعلون ما يحبون لا يكون هناك بالطبع داع الي فرض نظام عليهم. والتأديب الصحيح يقوم لا علي القسر الخارجي ولكن علي عادات عقلية تؤدي من نفسها الي المستحب، لا الي غير المستحب من النشاط. والمدهش هو النجاح الباهر في ايجاد طرق فنية في التربية تمثل هذه الفكرة. ويجب ان تكون القوة الدافعة في التربية هي الرغبة الذاتية الموجودة عند كل طفل طبيعي كما تدل جهوده في سبيل المشي والكلام. واحلال هذه القوة الدافعة محل العصا".
البيئة واثرها في تربية الطفل:
اسلوب رسل المنطقي والواقعي والتجرببي الذي يؤمن بالتأكد في تحليل مشكلة التربية، يساهم في توضيح علاقة البيئة المحيطة بالطفل بطرق تربيته، فيقول "ان الاطفال ليسوا اخيارا ولا اشراراً بالفطرة، فهم يولدون وليس فيهم الا بعض غرائز وانعكاسات، ومن هذه تنتج العادات بتأثير البيئة والوسط" .


البعد الحضاري والتأثير علي التربية
يشرح رسل ساردا "التربية الصينية انتجت الاستقرار والفن، وفشلت في انتاج التقدم والعلم، ولعل هذا هو النتيجة المتوقعة لمذهب الشك، فالمعتقدات عن عقيدة نتنج ام تقدما واما وبالاً، ولا تنتج استقرارا، فالصيني المتربي كان التشكك السهل اللبق هو ما كان ينتظر ان يظهر به، فكان له ان يناقش اي شئ ولكن الوصول الي نتائج قاطعة كان يعتبر علي شئ من الابتذال". ويضيف "وهذا يدل علي ان خصائص الثقافة والحضارة تؤثر علي طرق التدريس والتربية، مما يخرج مواطنين متأثرين بهذه طرق التدريس، فمثلا اليسوعيين الحديثين وقعوا في غلطة اخضاع التربية لمصلحة هيئة هي في هذه الحالة الكنيسة الكاثوليكية، فلم يكن همهم الاول هو صالح التلميذ ذاته، ولكن جعله وسيلة لصالح الكنيسة، وذاا قبلنا نظريتهم اللاهوتية فانا لا نستطيع لومهم، لأن انقاذ الارواح من عذاب جهنم أهم من أي شئ دنيوي صرف ولا يحققه عندهم الا الكنيسة الكاثوليكية".
الاربعة صفات والتربية.
ويشير رسل اهمية صفات معينة يجب ان تتوفر في الافراد، فيقول "ان المجتمع الذي يتألف من رجال ونساء فيهم حيوية وشجاعة وحساسية وذكاء علي ارفع ما تستطيع التربية ان نتتجه يكون مختلفا جد الاختلاف عن كل ما وجد الي الان . فيه يقل التعساء، لان اسباب التعاسة الرئيسية في الحاضر هي : سوء الصحة والفقر وحياة جنسية غير مرضية، ولك هذه ستصير نادرة جدا في هذا المجتمع".
ومن شرح صفة الحساسية، يقصد رسل بأن "الحساسية طيبة يحب ان يكون الانفعال العاطفي مما يليق، فمجرد الشدة في العاطفة ليس هو المطلوب. ان الصفة التي اقصدها هي تأثر الانسان ان سرور او مساءة، بأشياء كثيرة، وبالاشياء الصالحة. والرجل الممتلئ عطفاً ورفقاً في معاملاته الشخصية قد يكسب عيشه من الحض علي الحرب، او من تعذيب الاطفال في الامم المتأخرة"،. ويوضح رسل صفة الحيوية ويقول "صفة فسيولوجية اكثر منها عقلية، والمفروض انها دائما تكون حيث تكون الصحة التامة، وهي تسهل الانسان علي الانسان الاهتمام بما يدور حوله، وبذلك تساعد علي الانشغال عن النفس اللازم لاتزام العقل".
ويتطرق رسل الي الصفة الثالثة وهي صفة الشجاعه ويقول فيها "ان الرجل يجب إلا يفر من الزحف، ويجب أن يكون خبيراً بألعاب ( الرجولة)، ويجب ان يحتفظ برباطة جأشه في الحرائق وعند انكسار السفن والزلازل . يجب عليه الا يقتصر علي عمل ما هو صواب، وانما عليه ان يتجنب اصفرار الوجه، او الارتجاف، او البهر، او ايه علاقة أخري سهل ملاحظتها من علامات الخوف. ويقول رسل ان "الرجل الذي يغضب ليس عنده اعلي أنواع الشجاعة والقسوة التي تتجلي باطراد في قمع الاضطرابات الزنجية او غيرها من الحركات التي تهدد الارستقراطية. هي وليدة الجبن وتستحق نفس الاختقار الذي نخلعه عادة علي هذه الرذيلة في صورها الاكثر ظهورا، ويجب تربية الرجال والنساء العاديين بحيث يستطيعون ان يعيشوا بلا خوف، وهذا ما لم يستطعه الي الان غير عدد قليل من الابطال او القديسين".
وحول الصفة الرابعة المهمة في فنون التربية صفة الذكاء، ويقول رسل حولها،
"انه من غير الممكن تربية الذكاء بغير اعطاء معلومات، او علي اي حال بغير تيسير تحصيل المعرفة، و بغير الذكاء لا يمكن للحياة الحديثة المركبة ان تقوم، ومن باب اولي ان تتقدم، لذلك يعتبر تنمية الذكاء من اعزم اغراض التربية. ويقول رسل بشكل اجمالي ان المجتمع الذي يتألف من رجال ونساء فيهم حيوية وشجاعه وحساسية وذكاء علي ارفع ما تستطيع التربية ان تنته يكون مختلفاً جد الاختلاف عن كل ما وجد الي الان. فيه يقل التعساء، لان اسباب التعاسة الرئيسية في الحاضر هي : سوء الصحة والفقر وحياة جنسية غير مرضية، وكل هذه ستصير نادرة جدا في هذا المجتمع".
طرق تربية الطفل
عرض رسل بعض من مراحل الطفل وطرق سلوكه وكيفية تربيته تربية صحيحة، فيقول "ان كل ما هو ضروري للصحة يجب ان يعمل، فاذا تألم الطفل من المغص وجب ان يحمل، كما يجب ان يبقي جافاً دافئاً. اما اذا لجأ الي العويل لغير سبب محسوس لنتركه لعويله، والا فيستحول بسرعة الي حاكم بأمره. وينبغي عندما نعني به ألا نبدي اهتماماً زائداً، بل نعمل كل ما هو ضروري من غير افراط في التعبير عن عطفنا. ويجب ألا يعتبر الطفل في أيه فترة من حياته ألعوبة مسلية نهتم بها اكثر قليلاً من اهتمامنا بكلب نربيه، بل يجب أن ننظر اليه من اول الامر نظرة جد ملحوظاً فيها أن سيكون كبيراً غداً. ومن الخطأ الاهتمام الزائد بالطفل ليكون شئ يولع به الوالد والوادة، ففي المستقبل عندما لن ينظر اليه احد بهذا الشغف، فيصبح ضعيفا في مواجهة الحياة والامور، لذلك من الضروري لا في السنة الاولي وحدها ولكن فيما بعدها ايضاً، أن يظهر الوالدان شيئاً من عدم الاكتراث تلقاء ما قد يشعر به الطفل من آلام".
ويدلل رسل علي هذا الامر بأدلة منطقية وحجج علي علاقة الطفل بالمسؤول عن التربية، ويقول "أن القاعدة الصحيحة هي: تشجيع انواع النشاط الذاتي في الطفل لكن ثبط مطالبه من الغير. وحذار ان يبصر الطفل كم تعمل من اجله وكم من العناء تتحمل. دعه كلما أمكن يتنذوق فرح النجاح يحرزه بجهوده الشخصية، لا النجاح يغتصبه بالتحكم في الكبار. أن الغاية التي نتوخاها في التربية الحديثة أن يختزل التأديب الخارجي الي حده الأدني، لكن ذلك يتطلب تأديبا نفسياً ذاتيا، وهذا أسهل وأيسر تحقيقاً في السنة الاولي من حياة الطفل فلا تدفع به العربة ذاهباً آيباً، ولا تحمله بين ذراعيك، بل ولا تكن حيث يستطيع أن يراك". ويضيف قائلاً "عامل حتي اصغر الاطفال باحترام كشخص سيتبوأ مكانه في الدنيا. فلا تضح مستقبله في سبيل راحتك الحاضرة، او في سبيل سرورك بالحفاوة به، فانهما في الضرر سواء".
التوصيات في العالم العربي ومصر
من الممكن الاستفادة من افكار رسل في كتاب التربية لتطوير التعليم في المؤسسات التعليمية سواء الاولية مثل الابتدائية والاعدادية والثانوية، او التعليم الجامعي، وذلك بالاعتماد علي مبدأ العقلانية والموضوعية والتفكير الناقد والعلمي في وضع المناهج الدراسية، وطريق التدريس، وتدريب المدرس علي طرق تدريسية متقدمة بها كثير من الافكار التعليمية السلمية والعلمية والواضحة والدقيقة، وذلك لأن الواضع السياسي والاجتماعي في مصر والوطن العربي رمته، ينتشرُ فيه التعصب الإثني والقومي والديني بطريقة غير مسبوقة. فنحن بحاجة الي المزيد من العقلانية الناقدة المتفتحة والقوية والواضحة. وايضا هذه المناطق تنتشر فيها الامية والخرافات والامور التي لا ترتبط بالعلمية والدقة والوضوح، وتملتئ ايضا بالسحر والايمان بالغيبيات بشكل كبير وفي كل شئ وعلي كافة الاصعدة، فاحتياج هذه الأمة البائسة الي العقلانية امر مصيري ومحتوم.
وهناك هجوم دائم علي افكار ما بعد الحداثة الغربية والعقلانية، وذلك يتضح في امور الترجمة والنقل والمناقشات، فهناك مشاكل كبيرة في احتضان ومناقشة هذه الافكار والاستفادة منها، فالخوف منها عن طريق فئة لا تريد التطوير والتقدم في التعليم والثقافة المصرية، فالكاتب والمثقف في العالم الثالث ومنهم مصر لا يعتبر صادقا مع نفسه ويسخر من الافكار العقلانية وخاصة ومثقفي ومفكري المؤسسة التي تخضع للدولة، ولا يسعي الي تغير هذا الظلام والخرافات، ويهتم بما هو قائم لا يلتفت الا مصلحته في العائد المادي والوظيفي فقد، فهو يخاف من الاضرار بمنصبه بشكل كبير.
وقد تضمن كتاب رسل كثير من الافكار الواضحة والعلمية في تطوير سياسات التربية والتعليم، مثل فهم السياق الحضاري والثقافي للدولة واثر ذلك علي التعليم، فمثلا الوضع السياسي في مصر الي حد كبير سلطوي وديكتاتوري، وهذا يؤدي ان المدرس يتحكم في الطلاب وتكون المناهج وفق رؤية الحاكم، ويصبح هناك خوف في طبيعة المناهج ومحاورها، وايضا في الابحاث والرسال العلمية والجامعية، ويصبح المجتمع العلمي خاضعا للمراقبة النظام الحاكم، ويتم ألدجة كل شئ في نظم التعليم، فهناك سيطرة دينية علي مناهج التعليم والنظريات والاقترابات في العلوم الانسانية والطبيعية في الجامعات، والامثلة كثيرة فمن مصلحة الحاكم في مصر ان يستمر ذلك الوضع.
طريقة رسل في تحليل مشكلة التربية وعرضها جاءت تنويرية وذات بعد تطويري، وتميزت بالمنطقية والتحليلية والتفكير الناقد كما ذكرنا، وبشكل عام كانت بها هذه الروح النقدية، وهناك اتجاهات معاصرة ان التفكير الناقد تدريسه وتدريب مكونات البيئة التعليمية والتربوية من طلاب ومدرسين واداريين وواضعي المناهج وكل منه له علاقة بالتربية علي مهارته واسسه وتفعيلها بشكل تطبيقي وعملي يساعد في تطوير التربية، وهذه سمة عامة لمهارات التفكير الناقد التي يمكن الاستفادة منه في كل مجالات لتحسين طرق تفكير الانسان وذلك يفيد في أن تربية الفرد بهذه الطرق الحديثة وعلي مهارات نقدية تجعلها في المستقبل اكثر تفكيرا منطقيا ونضجا.



#محمد_احمد_الغريب_عبدربه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شاعرية التكرار في الخطاب السينمائي
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ...
- سولوزو التركي.. بارانويا الطعنات في “الأب الروحي”
- ماركو بيلوتشيو بين الشعر الهادئ وجماليات السينما الايطالية
- لوكا برزاي.. القاتل المحترف في “الأب الروحي”
- ملاحظات وملامح عدة في الخطاب السينمائي
- كريستيان ميتز ضد البلاغة ومبادئ الشعر في السينما
- كريستيان ميتز وملامح السينما وبصرياتها العلاماتية
- الكسندر دفجنكو في فيلمه الارض ما بين شاعرية الصورة وقصيدة ال ...
- كريستيان ميتز لا للجماليات ونعم للدلالة والسينما اللامعقولة ...
- اضاءات وشذرات في فلسفة كانط
- اسطورة الغائب والكرامات لدي خيري بشارة بين التشريح الانثروبو ...
- المراحل التاريخية الاربعة لفلسفة الجندر او النسوية الغربية
- صور الحياة وتحليل المعني في اللغة عند الفيلسوف النمساوي لودف ...
- الشاعر محمد حربي يقابل الاكاديمي المتعطل احمد نبيل حبسة في ب ...
- تاريخ حقيقي ام واجهة تاريخية “ السردية التاريخية في الفلسفة ...
- الحضور الفلسفي الكانطي ودقته العلمية وسينماه
- نقد الأنا والاخر في الفكر المصري المعاصر
- ملامح وسمات الفكر لدي احمد عبد الحليم عطية
- فلسفة ونظرية القيم عند احمد عبد الحليم عطية : تطبيقات وامثلة ...


المزيد.....




- إجلاء طفلة مصابة بمرض خطير من غزة.. إليك قصة حبيبة والمعاناة ...
- روبيو: الولايات المتحدة مستعدة لقيادة غزة وجعلها جميلة مرة أ ...
- -وول ستريت جورنال-: وكالة الاستخبارات المركزية CIA تعرض على ...
- جزار في خدمة الولايات المتحدة!
- الولايات المتحدة تعلق استقبال الطرود الدولية من الصين
- احتجاجات تطالب بإبعاد ماسك عن الحكومة الأمريكية (صور)
- دار أوبرا دمشق تحتضن أول أمسية سيمفونية منذ سقوط الأسد
- مباشر: السعودية تستبعد تطبيع علاقاتها مع إسرائيل دون إقامة د ...
- أصوات من غزة.. العائدون لبيت حانون في مواجهة رصاص الاحتلال
- الاحتلال يقصف طوباس ويعتزم بناء حي استيطاني في القدس


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد احمد الغريب عبدربه - ملامح التفكير الناقد في كتاب في التربية لبرتراند رسل