|
نحن وقول الحقيقة
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 8243 - 2025 / 2 / 4 - 15:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أثارني قول المحلل النفسي الفرنسي " جاك لاكان" قوله : أنا دائمًا أقول الحقيقة ، لكن ليس كل الحقيقة ، لأننا وبكل بساطة لا نستطيع أن نقول كل شيء . هناك دائمًا شيء ما يتوارى خلف الكلمات ، شيء يختبئ في الصمت ، في الفجوات ، وفي ما لا يقال. الحقيقة ليست في ما نقوله فقط ، بل أيضًا فيما يتعذر علينا قوله ، وقد فطن سيجموند فرويد على هذا الموضوع الذي يعيشه الناس بأجمعهم ، ولا نغالي إذا قلنا جميع البشر حتى الأطفال منهم ومن لديهم إعاقة ، حيث قال " فرويد " مقاومة الكشف عن أعماق النفس لا تأتيه من مرضاه فحسب وإنما يأتيه أيضًا من نفسه، كما ذكره العلامة " مصطفى زيور في كتابه في النفس ، ص 95" ويقودنا على هذا التأكيد هو قول " عدنان حب الله" إذًا دخول الإنسان عالم اللغة هو بمثابة دخول عالم الرمز لأن العالم كله الذي يبدأ الإنسان اكتشافه منذ ولادته مبني على أسس لغوية متقاطعة بالمجاز والكناية والببلاغة والقواعد اللغوية التي تقسم الزمن إلى ماض وحاضر ومستقبل ، وتفصل في الفضاء ماهو الأنا ، عالم الرمز في تركيبته اللغوية ، يؤسس الإنسان ويفصله عن طبيعته الحيوانية " كتاب الصدمة النفسية ص 288" ويقودنا هذا إلى هذه المقولة بإن الإنسان فيما يبدو لنا منه لا ينطبق على نفسه ، فهو ليس هو ، وهو ليس ما هو ، تتشابك فينا الأفكار وتتعمق ، نحاول التعبير عنها تارة بكلمات مفهومة تحوي جانب كبير من الرمزية ، رغم أنها تقال بطلاقة لفظية منظمة ، لا ندري هل حتمت عليها البيئة الخارجية لتبدو مؤدبة ؟ أم هي النفس تبعث هذا الرمز للحفاظ على ما تريد قوله . نحن نقول نصف الحقيقة ، والنصف الآخر خفي في عالم اللاوعي العميق ، وهو الذي ينظم مخرجات الكلمات بما يتناسب ما نريد قوله ، وأفضل دليل هو بَعد ما ننطق ونقول كلماتنا أمام الآخر ، أو الآخرين ، نراجع أنفسنا بما قلناه ، ربما نأسف لقوله !! أو نعارض أنفسنا بأن ما نقوله صحيح تمامًا ونقنع أنفسنا بأنه وجهة نظرنا ، ولا أحد يستطيع أن يعارضنا ، ولكن في الحقيقة نشعر أحيانًا بنوع من الإمتعاض وعدم الرضا، أو لنقل بتأنيب الضمير والشعور بالندم لما قلناه ، وهذا ما يؤكد ما قاله " جاك لاكان" في السطور الأولى من هذه المقالة . ويستدعي ما نحاول أن نعرضه مقولة أخرى لجاك لاكان قوله: الذات مسؤولة عن لاوعيها – لاشعورها . وهو تعبير دقيق عن طاقاتنا التي يدعها اللاوعي – اللاشعور أن يطلقها ، أو يقمعها بعد أن كبتت وذهب في عالم عميق أخفى كل ذكرياتنا وطفولتنا ، وحينما يتم استدعاء الكلمات والجمل يتم تركيبها لاشعوريًا بما تم خزنه ، وإن عاد بشكل آخر فنحن نصارع دون وعي ما نريد قوله بكل أدب ، ولباقة ودبلوماسية ، ونعود مرة أخرى بأن تلك الحكايات التي رويت لنا عندما كنا صغارًا ، أعدنا بناءها في تشكيل لغوي مختلف في المظهر ، لكنه متفق في المعنى وإن تحور بعض الشيء ، إنها دوامة النفس وما خزن بها وما تم استدعاءه في تلك اللحظة بلغة محكية عبر لسان ربما تظهر منه الهفوة ، أو الزلة . بنيتنا " البنية" هي التي تحدد ما نريد قوله : البنية كما عرفها عالم النفس " جان بياجيه" بأنها مجموعة تحولات تحتوي على قوانين كمجموعة " تقابل خصائص العناصر" تبقي أو تغتني بلعبة التحولات نفسها ، دون أن تتعدى حدودها ، أو تستعين بعناصر خارجية ، والبنية تتألف من ميزات ثلاث : الجُملَة ، والتحولات ، والضبط الذاتي . وهذه البنية لا تنتهي في النفس ، أو تتوقف طالما أن النفس في دوامة التغيرات والاضافات فهي متغيرة ومتبدلة من لحظة لإخرى ، ومن موقف لأخر ، ومن يوم لأخر ، ومن مرحلة عمرية لأخرى ، إذن هي تأسيس ويقودنا هذا إلى أن الحديث والكلام مرتبط بشكل البنية ، وربما يحق لنا أن نقول انها تأخذ شكل هذه البنية لأنها تحمل سماتها في عملية التحولات وفي عملية الضبط الذاتي ، لذا يدعم رأينا هذا العديد ممن تخصصوا في اللغة بالقول بأن الشارات الشفهية لا تشكل إلا احدى جوانب الوظيفة الرمزية ، ونتسائل هل هذه الوظيفة الرمزية في اللغة المحكية هي تريد أن تبعد ما أخفيناه ؟ أم تريد تأكيد من نريد قوله ؟ والامر سيان لأنهما ينطلقان من بنية تشكلت، أما تخفي ، أو تعطي الضبابية في الكلمات " اللف والدوان عن الكلمة ، أو الفكرة " ، ما لا تريد البوح به ، فهي أشكال تصويرية ، ولكنه في الآن نفسه هو تعبير عن ليس كل الحقيقة ، وإن بعد الحقيقة غامض وغير قابل للتفسير ، ولا شيء يمكن ضبط ضرورته ، لإن الإنسان يتعايش مع عدم الحقيقة كما يقول لاكان . يمكننا أن ندخل عنصر مهم في حياتنا اليومية تَكونَ منذ عصر فجر حياة الفرد ، وأقصد طفولته الأولى حيث يدخل الكبت كعامل قوي في تكوين مختلف البنيات ، ومدى استخدامه في حياتنا اللاحقة ، ويرى " عدنان حب الله " تدخل عملية الإنكار " النفي" هذه العملية الفكرية في إطار نسق الكبت ، وينبني عليها الحكم بالنفي على أعتبار أنها آتيه من الخارج ولا علاقة له بها . ولا نجانب الحقيقة كثيرًا حينما نقول بأن البنية بسماتها تحدد أسلوب الكلام ، والمنطق وطريقة إختيار الكلمات والرموز في الحديث وهي تعطي الرمز المناسب لمعنى القول ، فالإنسان يتحكم في ما يريد قوله ، وبنفس الآن لا يستطيع إخفاء ما لا يريد قوله ، تفضحه ولو بعد حين إنفعالاته عن موضوع كان لا يريد قوله ، أو موضوع خرج متناقض عما قاله ، فنجد عند السياسيين تلك اللغة السائدة لديهم ، وكذلك التجار ، وكذلك مرضى الفصام فهؤلاء من الاسوياء واللااسوياء يشتركون تمامًا بما قاله جاك لاكان ونعيده من بداية مقالنا وهو : أنا دائمًا أقول الحقيقة ، لكن ليس كل الحقيقة ، لأننا وبكل بساطة لا نستطيع أن نقول كل شيء . هناك دائمًا شيء ما يتوارى خلف الكلمات ، شيء يختبئ في الصمت ، في الفجوات ، وفي ما لا يقال.
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من التحليل النفسي نتعلم .. ومن -جاك لاكان- نتعلم عمق اللغة ف
...
-
من بقايا اللاشعور – اللاوعي ( سلوكنا )
-
معهد لتعليم التحليل النفسي - من فرويد إلى لاكان -
-
دوافع التحرر عند الإنسان الكردي
-
ومن التفكير.. ما قَتَلْ !!؟؟
-
الفروق الفردية في الجلسات العلاجية و- التحليل النفسي-
-
التفكير وترسباته !!.. ؟
-
عندما يناضل الإنسان ضد أفكاره - العصاب القهري إنموذجًا-
-
اللغة .. هي اللاشعور - اللاوعي
-
بعضٌ من أعراض عصاب الحرب
-
النفس وبنية النقد من الداخل .. ما لا نراه.. ولكنه يؤثر فينا
-
النفس .. وما تُخفيه !!
-
أفكار التحليل النفسي .. ضياءٌ وشفاء
-
التحليل النفسي علاقة إنسانية -بين التحويل والاسقاط -يبرز الا
...
-
لغة النفس
-
مأساة الطف .. للدمعة لغة حزن
-
ديالكتيك الحب والكراهية - ثنائية الوجدان - .. نحملها ونمقتها
-
الحقيقة في النفس
-
ما يجود به اللاشعور -اللاوعي- هو سلوكنا
-
لماذا ندرس التحليل النفسي ؟
المزيد.....
-
فرقة -البيتلز- تفوز بجائزة غرامي بعد 5 عقود على تفككها
-
الشرع في أنقرة: زيارة ثنائية ورهانات إقليمية
-
مصدر: لقاء ترامب ونتنياهو سيكون -ملحميًا- بسبب غزة وإيران وا
...
-
ما هدف تعميق نفوذ تركيا العسكري بسوريا؟
-
هل يريد ترامب شراء أوكرانيا؟
-
على خطى ترامب.. أكبر أحزاب ألمانيا يسعى لتشديد سياسية اللجوء
...
-
مسؤول أميركي يتوقع استئناف ترامب -الضغط الأقصى- على إيران
-
تقرير إسرائيلي: زيادة دراماتيكية بعمليات المقاومة خلال عامين
...
-
ويتكوف ووالتز: نبحث مع الشركاء نقل سكان غزة ويمكننا التوصل ل
...
-
-ماذا تقصد بآسف؟-.. عائلة فلسطينية تطالب بالعدالة بعد مقتل ط
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|