|
مقاربات عملية لحل معضلة قسد في إطار سوريا الجديدة
خلف علي الخلف
الحوار المتمدن-العدد: 8243 - 2025 / 2 / 4 - 15:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعتبر قسد (قوات سوريا الديمقراطية) واجهة ومحور الإدارة الذاتية فيما أطلق عليه إقليم "شمال شرق سوريا"، وتشكل محورًا جدليًا في النقاشات السياسية المتعلقة بالجزيرة السورية وحوض الفرات. على مدى سنوات، أثارت هذه القوات تساؤلات عميقة حول دورها السياسي والعسكري، وعلاقتها بالمكونات المحلية والجهات الخارجية. بينما يراها البعض قوة ضرورية لإدارة المنطقة، بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي وانتشار الفوضى والانقسام في سوريا، يصفها آخرون بأنها مليشيا مسلحة قامت بدور عسكري في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها أقامت كياناً شمولياً استبدادياً مرتبطاً بأجندات خارجية. ومع تطورات المشهد السياسي والميداني، أصبحت الحاجة لإيجاد حل لمعضلة قسد ملحة لضمان استقرار الجزيرة وحوض الفرات ومستقبلها وبالتأكيد سوريا الجديدة بعد الخلاص من الطغمة الحاكمة السابقة.
استعراض الآراء حول قسد
لابد أن نذكر بداية أن قسد فرضت التجنيد الإجباري كسلطة أمر واقع في المناطق التي تسيطر عليها وهي ذات غالبية عربية وبالتالي فإن القوات الرئيسية غالبيتها من العرب لكن قياداتها من حزب العمال الكردستاني التركي، كما أن جميع مفاصل الإدارة المدنية والأمنية تحت سيطرة عناصر هذا الحزب. وعليه تتباين الآراء حول قسد ودورها في الجزيرة وحوض الفرات ومستقبل سوريا.
1. الرفض المطلق لإدارة قسد الحالية: يرى البعض أن قسد تُدار فعليًا من قبل حزب العمال الكردستاني (بي كي كي)، مما يجعلها بعيدة عن مصالح سكان المنطقة. يُتهم الحزب بفرض أيديولوجية شمولية على غرار البعث، مع استحواذ كامل على الموارد الاقتصادية دون تحقيق استفادة حقيقية للسكان المحليين. هؤلاء يطالبون بحل قسد وتسليم المنطقة للإدارة الجديدة في سوريا، ويرون إلى الكرد كجزء من السوريين لا يجب أن تقر لهم حقوقا خاصة.
2. إشكالية العلاقة مع بي كي كي: تُثار مطالب متكررة بضرورة فك ارتباط قسد بحزب العمال الكردستاني كخطوة أساسية لبناء ثقة محلية ودولية. يُنظر إلى هذا الارتباط كعقبة أمام قبول قسد كممثل شرعي لسكان الجزيرة وحوض الفرات، سواء من قبل المكونات العربية أو حتى من الأطراف الكردية الأخرى مثل المجلس الوطني الكردي، للتفاوض مع الإدارة السورية الجديدة على حل وطني يضمن حقوق سكان المنطقة وعلى رأسهم الكرد.
3. الحفاظ على البنية الإدارية والأمنية المنجزة: يشير البعض إلى نجاح قسد في توفير الأمن والخدمات الأساسية في مناطقها، ومنع وقوع عمليات قتل على أساس قومي أو طائفي. يطالب هؤلاء بالحوار والتفاوض بدلًا من التصعيد العسكري، إذ يعتبرون أن استهداف قسد عسكريا سيؤدي إلى نزاعات جديدة ويدفع السكان نحو مزيد من النزوح والفوضى وتأجيج أحقاد مستدامة بين العرب والكرد من سكان المنطقة. يرى هؤلاء أنه يمكن للإدارة السورية الجديدة الاستفادة والبناء على ما أنجزته قسد من بنية إدارية وعسكرية ودمجها مع المستوى الوطني مع إقرار حقوق الكرد كجماعة إثنية.
4. الدور الدولي والأمريكي: أما على المستوى الدولي؛ فلا يمكن تجاهل دور التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في دعم قسد بدءا من نشوئها، باعتبارها حليفًا رئيسياً ضد تنظيم الدولة الإسلامية. يشير محللون إلى أن استمرار الدعم الأمريكي مرتبط بمصالح جيوسياسية تتجاوز حدود سوريا ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية شبه المنقرض، مثل احتواء النفوذ الإيراني. آخرون يرون أن الإدارة الجديدة في عهد ترامب قد تتخلى عن قسد في إطار تخليها عن "الإيديولوجيا الأوبامية" ومخرجاتها في الشرق الأوسط وستغض الطرف عن أي عمل عسكري تقوم به تركيا والفصائل السورية المسلحة التابعة لها وتحمل مسمى "الجيش الوطني" كما فعلت سابقا. أما الجزء الأوروبي من التحالف الدولي الذي تبرز فيه فرنسا فهو يسعى بشكل معلن لإبقاء قسد مستقلة من أجل مماحكة تركيا وابتزازها سياسيا في قضايا لا تتعلق بسوريا، حتى مع تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية في الاتحاد الأوروبي، لكن هذا التمسك لن يصمد في حال قررت الإدارة الأمريكية الجديدة التخلي عنها. خصوصا أن المهام التي تقوم بها يمكن تلزيمها للإدارة السورية الجديدة كمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي والإشراف على مخيمات الاعتقال لعناصره السابقين.
أسباب المعضلة وتعقيداتها
حظيت قسد منذ نشوئها بدعم عسكري ومالي دولي قادته أمريكا التي عجزت عن تأهيل قسد وجعلها مقبولة في محيطها الإقليمي وكذلك من السكان المحليين في إقليم الجزيرة وحوض الفرات. لإسباب عديدة. الاستئثار بالقرار والإدارة: رفض قسد المشاركة في إدارة الجزيرة وحوض الفرات مع المكونات المحلية عزز الإحساس بالإقصاء ورفض بقائها ينطبق هذا على إقصاء العرب والسريان والكرد الذين لا يتبنون رؤيتها حول مستقبل الكرد في سوريا والمنطقة. بل إنها تجاهلت الطلبات الدولية لإشراك فعلي للسكان في الإدارة المدنية التي أنشأتها. الأجندة الأيديولوجية: فرض قسد نظاماً سياسياً وإدارياً شمولياً يستند إلى فكر حزب العمال الكردستاني أثار استياءً واسعًا. لم يقتصر ذلك على الهيكلية الإدارية والأمنية والعسكرية بل امتد ليشمل التنظيم المجتمعي ومناهج التعليم وسياسات الإعلام والتثقيف الحزبي على غرار البعث البائد والأحزاب الشمولية التي مضى زمنها. الأوضاع الجيوسياسية: طول حدود الجزيرة مع تركيا، التي تعتبر قسد تهديدًا أمنيًا عال المستوى، بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني الذي ينفذ عمليات في تركيا التي تصنفه إرهابيا كما عديد من دول العالم، يعقّد إمكانية قبول قسد كممثل مقبول لسكان المنطقة في التفاوض مع الإدارة السورية الجديدة للوصول إلى حل وطني شامل وإعادة توحيد البلاد تحت سلطة دمشق.
اقتراح خطوات الحل
1. فك الارتباط مع حزب العمال الكردستاني: هذه الخطوة أساسية لتخفيف الضغوط الدولية والإقليمية على قسد، ولبناء جسور ثقة مع المكونات المحلية. يجب أن تُظهر قسد استقلالية سياسية واضحة عن حزب العمال وتُثبت التزامها بمصالح سكان الجزيرة وحوض الفرات وإشراكهم في صنع قرارها.
2. تشكيل إدارة مشتركة: يتطلب حل معضلة قسد تشكيل إدارة سياسية بشكل عاجل تشمل كافة مكونات الجزيرة وحوض الفرات، بما يضمن تمثيلًا حقيقيًا للعرب، الكرد، والسريان، والأقوام الأخرى. عندها يمكن أن تكون قسد جزءاً من الحل الوطني وطرفا مفاوضا حول مصالح السكان عبر هذه الإدارة لا أن تنفرد قيادتها بالمفاوضات، هذا سيشكل نطاق حماية للكرد أنفسهم. قد لا يريد السكان غير الكرد الارتباط بمظلة قسد للتفاوض حول مصالحهم مع الإدارة السورية الجديدة في إطار الحل الوطني العام، لكنها في الحد الأدنى ستكون شريكا مقبولا في تمثيل كرد المنطقة نظرا لوجود أحزاب كردية أخرى أقصتها قسد.
3. إعادة هيكلة القوات العسكرية: يجب تحويل قسد إلى قوة عسكرية احترافية غير أيديولوجية تدمج مع قوات وزارة الدفاع المزمع تشكيلها بعد تسريح المجندين وذلك في إطار الحل السياسي الوطني الشامل.
4. ضمانات دولية للحوار: يتعين على الولايات المتحدة بشكل خاص لعب دور الوسيط في المفاوضات بين قسد وبقية الأطراف السورية بما فيها التشكيلات السياسية الكردية الأخرى غير المرتبطة بها، لضمان التوصل إلى اتفاق يعزز الاستقرار ويحد من التدخلات الخارجية في سوريا الجديدة. وفي حال عدم رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة في الانخراط السياسي المباشر في عمليات التفاوض تشكل السعودية بديلا مقبولا من جميع الأطراف بما فيها أمريكا لرعاية هذه المفاوضات وضمان تنفيذ مخرجاتها.
5. التنمية الاقتصادية: بالتوازي مع المطالبة بضمان حقوق الكرد في سوريا الجديدة يجب على قسد وغيرها من التشكيلات الكردية والعربية والسريانية مطالبة الإدارة السورية الجديدة بتحقيق التنمية المستدامة في الجزيرة وحوض الفرات وهو أمر ضروري ليس فقط لأنه من حق السكان بل لأن التنمية المتوازنة والعادلة لها دور كبير في تخفيف الاحتقان بين المكونات السياسية في المنطقة. ينبغي أن تركز الإدارة المستقبلية في سوريا على مشاريع تنموية تسهم في تحسين مستوى المعيشة للسكان كافة، بدلًا من استخدام الموارد لخدمة المركز كما فعلت السلطة السابقة أو لخدمة أجندات حزبية كما فعلت قسد.
6. التفاوض مع تركيا: لا يمكن تجاوز العلاقة مع تركيا في أي حل مستقبلي. ينبغي على قسد أن تسعى لتفاهمات مع أنقرة، بعد أن تتخلى عن علاقتها بحزب العمال الكردستاني وتطمئن تركيا بأنها تشكيل وطني سوري يسعى لحماية مصالح المنضويين تحت لوائها على الأرض السورية فقط حتى من غير الكرد.
7. مؤتمر وطني جامع: إن المؤتمر الوطني الجامع الذي أعلن عنه مرارا يجب أن يضم كافة الأطراف السورية بما فيها قسد، ويضم ممثلين وفاعلين عسكريين وسياسيين و اجتماعيين وثقافيين حقيقيين لهم وزن ويحظون بالنزاهة والإحترام في محيطهم بعيدا عن الارتجال والاستسهال والمحسوبيات والانتهازية والتسلق. يفترض أن يكون هذا المؤتمر الوطني منصة لطرح الأفكار ومناقشتها وبلورة رؤية موحدة ملزمة من أجل مستقبل سوريا ومن ضمنها إقليم الجزيرة وحوض الفرات الذي نال سكانه الحيف منذ نشأة الكيان السوري ونال الكرد فيه حيفا مضاعفا.
أخيرا؛ معضلة قسد في الجزيرة وحوض الفرات ليست مجرد مشكلة محلية، بل ترتبط بمصالح دولية وإقليمية معقدة. الحل الأمثل يتطلب تنازلات من كافة الأطراف، بدءًا من قسد نفسها، عبر فك ارتباطها بحزب العمال الكردستاني، ومرورًا بالمكونات المحلية في الإقليم والوطنية التي يجب أن تقبل بالمشاركة بدلًا من المواجهة. إن المفاوضات برعاية دولية أو إقليمية سعودية، إلى جانب رؤية تنموية عادلة وإقرار حقوق الكرد بلغتهم وثقافتهم، هي السبيل الوحيد لتحقيق استقرار مستدام في الجزيرة وفي كل سوريا.
#خلف_علي_الخلف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدور السعودي في سوريا الجديدة
-
الوهابية الثقافية العربية
-
رسالة تأخرت سنة إلى طالبي فتح الحدود
-
الحسين مجرد طالب سلطة وليس ثائرا
-
دفاعًا عن الأدب العربي المترجم إلى اليونانية وليس بيرسا
-
عبدالله الريامي: جيشٌ من رجلٍ واحدٍ يحارب على جبهات متعددة
-
قصيدة النثر بالعربية: إضاءات من زوايا شخصية
-
بولاق الفرنساوي لحجاج أدول والحنين للماضي
-
هل احتل العرب المكسيك؟
-
عن المغاربة الذين لا يعرفون أن الأندلس أموية
-
السوريون وهواية أسطرة الفوارغ
-
العلاقة بين اليهود وحائكي السجاد في رواية بازيريك للماجدي
-
سلام حلوم في «كسْر ِالهاء»: الحنين كمنبع للشعر
-
المهنة كوسيلة لفهم تركيب وسلوك الشخصية السورية
-
السياسة في سوريا بين الجهل النظري وافتقار الممارسة
-
نصوص فاطمة إحسان: بين صفاء الموهبة وخداع النماذج المكرسة شعر
...
-
دفاعاً عن لبنان الضحية بوجه الإجماع السوري
-
في أصل «الشَّوَايا» اصطلاحًا ولغة
-
أما آن الأوان لدول الخليج أن توقف تبرعاتها للمنظمات الدولية
...
-
عن گلگامش السومري وتأثيره في حياتي
المزيد.....
-
السويد: الشرطة تعلن إصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار داخل مدرسة
...
-
-قطعة أرض صغيرة للغاية-.. ما موقف ترامب من ضم إسرائيل لأجزاء
...
-
دوغين: الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وراء -الثورات الملو
...
-
الحوثيون يحملون التحالف العربي مسؤولية مقتل وإصابة أكثر من 5
...
-
الرئيس الألماني يزور حديقة الملك سلمان في الرياض (صور)
-
الداخلية البولندية: ارتفاع معدل الجريمة في البلاد بسبب الأجا
...
-
-الغارديان-: ترامب أمر شخصيا بإقالة مسؤولي وزارة العدل المتو
...
-
مقتل ضابط وجندي إسرائيليين وإصابة اثنين بجروح في عملية إطلاق
...
-
مولدوفا.. الرئيس السابق يطالب الحكومة بإلغاء العقوبات ضد روس
...
-
ما الذي يتمخض عنه لقاء ترامب ونتنياهو؟
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|