أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسين ظاهر أحمد - قراءة في كتاب قبل حلول الظلام للمعتقل السابق معبد الحسون















المزيد.....


قراءة في كتاب قبل حلول الظلام للمعتقل السابق معبد الحسون


حسين ظاهر أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 8243 - 2025 / 2 / 4 - 11:31
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


الكتاب وثيقة عن مقاومة الاستبداد من داخل السجون " فالشعوب التي تفقد حقها في مقاومة الاستبداد و تفوّت على نفسها الفرص لمقاومته ، ستُعطى عملاً بديلاً تشتغل عليه ، أن تثرثر بلا طائل، و أن تستهلك العمر في عد النجوم، و أن تفخر بما ليس لها، و ما هي ليست أهلاً له " .
مهما تغير الحال " فالمرء يظل وفياً لأفكار الماضي المسبقة، لا لأنه يسرف في اعتناقها و يألف صحبتها، بل لأنه لا يعرف غيرها فتقدم له أماناً زائفاً و ثقة موهومة بالنفس " .
يقدم الكاتب عصارة ذاكرته التي ملأتها السجون بذكرياتٍ عن التوحش الذي مورس بحق المعتقلين ، " فلا ينتظرنَّ قارئي مني أن أسرد عليه، لا سيرة شخصية و لا تاريخاً متماسكاً لبلدٍ غير متماسك "
يعتبر هذا السرد كنجوى لما حدث ، ذهولاً عما خبره ، جاء هذا الكتاب على مقبرةٍ جماعية، نما عليها العشب ، و دَرَس الزمن على تفاصيلها ، جاء الكتاب بشواهد لهؤلاء الأشخاص ، كلٌّ له قصته التي أمعنت سلطات التوحش على طمسها .
يستحضر مقولة الرائد المعتقل حسن وزّان " هناك غزو همجي تعرضت له سوريا، أسوأ بكثير من حملات المغول و التتار ، بدأت تتعرض له منذ وصول الأسد للحكم، سوف تأكل كل شيء في هذا البلد كالجراد " .
ف"بعد الدخول إلى عالم السجن ، لا يفكر المرء في الوطن الذي كانت قضيته السبب المباشر لاعتقاله، بل و لا يفكر بأصدقائه خارج الجدران، حتى ملامح الأهل و الأقارب تتلاشى بالتدريج، و بعد فترة لا تكاد تفكر في أي إنسان خلف هذه الجدران " .
من تلك المقبرة الجماعية يخرج الكاتب بتساؤل " كم هي قدرة الإنسان القصوى على احتمال التعذيب؟ " .
ثم تتعقد هذه الاشكالية أكثر فيتولد من رحم السؤال سؤال آخر : " كم هي قدرة الإنسان القصوى على أن يحتمل ممارسة إيقاع التعذيب بإنسان آخر؟ " .
يقدم الكاتب ملاحظة جديرة بالاهتمام و هي أن " أصحاب المبادئ و الآيديولوجيات، أو من ينظر إليهم على أنهم قادة، ممن يشجعون على التضحية، هم أضعف حلقات السجناء، و أكثرهم هشاشة، و احتياجاً للعطف و العناية من قبل صغار الشأن و السجناء العاديين الذين يتولون المسؤولية و يتحملون الشطر الأعظم من المعاناة و العذاب " .
يقوم الكاتب بفتح تلك المقبرة الجماعية المسماة وطناً ، و يسرد علينا قصص الراقدين فيها .
فؤاد الذي كان يعلم علم اليقين " أنهم سيخفون كل أثر له " ، حيث درس في الاتحاد السوفياتي موفداً على حساب الدولة، بمساعٍ حثيثة من رئيس الوزراء الأسبق اللواء عبد الرحمن خليفاوي الجزائري الأصل ، حيث ارتبط به فؤاد بتدبير من ضابط أمني رفيع المستوى ، ليقوم بمهمة موكولة إليه، و هي أن يقيم مع خليفاوي علاقة جنسية ، ثم قاموا بتصويرهما معاً بكاميرات مزروعة في بيته و مزرعته و فندقٍ كانا يتقابلان فيه.
على مدار سنة و نصف لم يعرف فؤاد السبب وراء عملهم على إطاحتهم بالرجل أخلاقياً رغم دعمهم له بكل قوة.
في نهاية اللقاء يلفت فؤاد النظر إلى مسألة جوهرية " أنا كنت الفاعل في الأشرطة المسجلة و ليس المفعول به " .
أمام كثرة الأدلة و القرائن يُجبَر الكاتب و بشكل غير مباشر على التساؤل عن علاقة إسرائيل بنظام التوحش في دمشق ، فأدلّته ليست سوى أشخاصٍ دفنوا في تلك المقبرة دون أن يعرف أحدٌ قصصهم ، منهم الضابط الطيار عثمان أصفر الملقب بالصاروخ الخامس . "حيث قام بعملية ناجحة في العمق الإسرائيلي لكن طائرته أسقطت فتعرض للأسر ، و نشر التحقيق معه على إذاعة إسرائيل:
- كم صاروخاً هجومياً تستطيع طائرة الميغ ٢١ التزود به.
- خمسة صواريخ.
- لكن معلوماتنا أن الطائرة لا تحمل أكثر من أربعة.
- صحيح لكن أحياناً قد يكون الطيار هو الصاروخ الخامس".
كافأت سلطات التوحش "الصاروخ الخامس" بعد عودته من الأسر، باعتقاله لسنتين، ثم سرّحته من الجيش لست سنوات قبل أن تعتقله مرة أخرى لاثنتي عشرة سنة تنقل خلالها بين سجون المزة و تدمر و صيدنايا.
"الصاروخ الخامس" الذي ذاق الأمرّين في السجون السورية يشهد بأنه " لم تمتد يد الإسرائيليين علي، ولا لأحد من الأسرى، كانوا يسألون بلهجة محايدة أقرب للمجاملة و التهذيب، و كنا نجيب اعتباطياً و كيفما اتفق " .
في اليوم التالي يصعقه المحقق بأنه " لم ندقق عليك البارحة، لأننا لا نحتاج منك أية معلومة تزودنا بها " .
ثم يسرد عليه المحقق اسمه الثلاثي و مكان و تاريخ ولادته و تاريخه المدرسي و العسكري و أسماء قادته و زملائه و أقاربه جميعاً حتى الموتى منهم للدرجة الثالثة و أسماء زوجاتهم و أبنائهم.
ثم يسأله المحقق : " أنت ابن اللاذقية و لا شك إنك تعرف أين يقع مبنى مديرية الأوقاف "
لم يكن الطيار عثمان أصفر يعرف المبنى على وجه الدقة ، لكن سؤال المحقق الغير ذي مغزى بقي في ذاكرته، حتى روى القصة لأصدقائه الضباط، كان من بينهم ضابط كبير في سلاح البحرية فقال له الضابط :
" كنت من المرشحين لأركان قيادة القوى البحرية قبل الحرب، بُلّغنا أن مقر قيادة الأركان سيظل سرياً حتى بدء المعركة، ثم نقلنا إلى بناية مجهولة فيها قبو واسع، ثم علمنا فيما بعد أنها تعود لمديرية أوقاف اللاذقية " لقد كان الإسرائيليون على علم بمقر القيادة قبل أن يعلم أعضاؤها به .
يرى الكاتب في سجن المزة العسكري سجيناً عجوزاً يمضي بين أيدي حراسه، قال له سجين آخر :
- هل تعرف هذا؟
- لا.
- هذا محمد وداد بشير المسؤول الفني في شعبة المخابرات عن مراقبة الإشارات اللاسلكية، حيث وصلته إشارة تحذير بوجود جاسوس بالقرب من السفارة الهندية، فتتبع خيوط القضية بتكتم حتى تمكن من اقتحام الشقة و ألقى القبض على إلياهو كوهين و اعتقله فكان الشاهد الأول في القضية.
قضى هذا الضابط خمس عشر سنة في السجن و توفي بعد أن أطلق سراحة بفترة قصيرة .
يعرج الكاتب من هنا على جارٍ آخر له من( جماعة الغرف ) في سجن المزة العسكري، و هو اللواء أحمد سويداني الذي أبلغه المقدم محمد وداد بشير بموعد اقتحام شقة كوهين فكان ممن اقتحمها و ألقى القبض عليه ، كافأته السلطات بالسجن لخمس و عشرين سنة.
و كنوع من المقارنة الكوميدية السوداء فإن " المحكمة الخاصة بكوهين كانت قد حكمت على المتهمين الذين كانوا الذراع الأيمن لكوهين بأحكامٍ قصيرة، فقد حكمت على( قطب و الوائلي و إيلي يلماظ ) بالسجن لعدة أشهر، و على جورج يوسف و معزى زهر الدين بخمس سنوات ، و على ماجد شيخ الأرض بعشر سنوات.
يزخر الكتاب بقصص المعتقلين بالصدفة " كتنظيم الهيطلية " حيث كانوا مجموعة من الأصدقاء ذنبهم الوحيد أنهم كانوا يتقابلون فيما بينهم ليتسامروا و يأكلوا الحلويات .
و بالذين أعدموا بالصدفة ، مثل مهند وفائي الذي أعدم لتشابه اسمه مع اسم محكومٍ آخر.
حتى أن بعضهم قد يصلح أن يكون حكم الإعدام بحقهم قصة هزلية، مثل "الطبيب البيطري الذي خضع للمحاكمة أمام سليمان الخطيب :
- و لك مو أنت الطبيب البيطري فلان؟
- نعم سيدي.
- و لك بتذكر لما بيت فلان بالقرية الفلانية جابوك بالليل حتى تعالج بقرتهن المريضة؟
- أي نعم سيدي بتذكر.
- إييييه، جيت و الله جابك . ما بتعرف إنو البقرة ماتت تاني يوم؟
- و الله يا سيدي سمعت من الناس، أنا عملت إللي علي( و يورد الطبيب للقاضي كل ما فعله في سبيل إنقاذ البقرة )
- بحظي إنك أكبر كزّاب . و بحظي إنك إنت إللي قتلتها قصداً ، لأن صحابينها علويين، قتلتها مو يا كلب.
- شو هالحكي يا سيدي، أنا طبيب بيطري، و أقبض أجرتي على عملي. و تقدر تسأل أصحاب البقرة إذا أنا قصرت بواجبي كطبيب.
- مافي داعي أسأل حدا، و الله وقعت بإيدي و إلا أعدمك يا كلب كرمال البقرة.
لم يتطرق الخطيب إلى أي تهمة تخص الطبيب سوى موضوع البقرة" .
حكم عليه بالإعدام و نفذ فيه الحكم في سجن تدمر.
يمكن في هذا النظام الفوضوي اللاقانوني أن تفتدي نفسك بشخص تحبه، كان هناك أخوان هما عبد الكريم المحكوم بالإعدام و فايز المحكوم بالسجن لخمس سنوات ، حيث كانا في المهجع الذي ترأسه الكاتب لفترة في سجن تدمر ، و لم يكن السجناء يعرفون اسميهما الحقيقيين، فالجميع يعرفهما بلقب ( أبو حذيفة و أبو زيد ) . كان فايز يصغر عبد الكريم بحوالي خمس سنوات ، رأى بأن عائلته و عائلة شقيقه الكبيرة ستصاب بضرر جسيم إذا ما انتهت حياة عبد الكريم ، افتدى فايز عبد الكريم و سار إلى المشنقة بثقة و يقين مضحياً بنفسه افتداءً لأخيه الأكبر، الذي مات بعده بسنتين عندما فتك به مرض السل في سجن تدمر، كما فتك بالمئات من السجناء.
إن أكثر ما يغيظ الجلادين في هذا النظام الوحشي المغلق، هم السجناء المحكومون بالبراءة ، " كان المساعد حمدو يدور على المهاجع كل مساء، ليتفقد السجناء المحكومين، و الويل لمن صدر الحكم ببرائته .
"- و لك يا عرص ليش انحكمت براءة هاه؟
- سيدي، المحكمة الميدانية حكمتني براءة لأني ماني عامل شي، أنا جيت لهون بالغلط.
- و ليش جيت بالغلط؟ و ليش مانك مسوي شي؟ مين قاللك ما بدنا ياك تسوي شي؟
ثم ينهال عليه بالجلد المتواصل".
على النقيض من المعتقلين السياسيين و المعتقلين بالخطأ و الصدفة ، نجد أصحاب الأحكام القضائية، فنرى رئيس عصابة يأمر رجاله : " يا ابني نحن عصابة نصب و احتيال . هيك سجلونا بالتحقيق. هيك كتبتنا الدولة بالتحقيق. يعني نحن شغلتنا بسيطة، عم تفهم يا بهيم . نحن مو أخوان و لا مجرمين، لا يمين و لا يسار و لا شيوعيين. ما بنشبه هالعالم كلها، نحن كم شهر منتحاكم و نطلع، المحاكمة و الطلعة خلوها علي، و الله إذا لمحونا معاهم لينخرب بيتنا، ما بتعتبرنا الدولة بعدين عصابة نصب و احتيال " .
فالسجن تحت مظلة اللاقانون يعني " موت البطولة الكامنة فيك، هو سلسلة من الانكسارات و التقصفات و الخضوعات المتوالية بلا حساب " .



#حسين_ظاهر_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب عملية ماموت
- قلم اللاجئ في مواجهة العنصرية


المزيد.....




- الإعلام التركي: 15 فلسطينيا سيصلون إلى تركيا ضمن صفقة تبادل ...
- منظمة لمساعدة اللاجئين تنتقد تشويه صورتهم في ألمانيا
- حملة مداهمات واعتقالات في الضفة الغربية
- السلطات الأمريكية تجهّز قاعدة غوانتانامو لترحيل المهاجرين إل ...
- الإعلام التركي: 15 فلسطينيا سيصلون إلى تركيا ضمن صفقة تبادل ...
- توقعات بانسحاب ترامب من مجلس حقوق الإنسان ووقف تمويل الأونرو ...
- جراح لا تندمل.. كيف حطمت سجون الأسد أرواح معتقلين رغم الحرية ...
- بطلب من نتنياهو..ترامب سينسحب من مجلس حقوق الإنسان ويحظر تمو ...
- سيرغي لافروف: ميثاق الأمم المتحدة.. الأساس القانوني للعالم ا ...
- اعتقال مجرم حرب أوكراني جديد في مقاطعة كورسك (فيديو)


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسين ظاهر أحمد - قراءة في كتاب قبل حلول الظلام للمعتقل السابق معبد الحسون