|
لقاء السوداني و كيير ستارمر- والنفاق الذكوري!
شيرين عبدالله
(Shirin Abdulla)
الحوار المتمدن-العدد: 8243 - 2025 / 2 / 4 - 04:47
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أي شخص يتابع عن بعد او قرب وضع المرأة في العراق لا يمكنه تجاهل التراجع الشديد في حقوق وحريات النساء وسط سطوة وهيمنة القوى الميليشية والطائفية والعشائرية خلال العقود الأخيرة وسيجد أن الفقرة الخاصة بالمرأة في البيان المشترك الأخير بين رئيس وزراء المملكة المتحدة ورئيس وزراء العراق، الصادر في أعقاب زيارة السوداني إلى بريطانيا قبل اسبوعين، مربكاً ومضللاً، لا بل مهينًا تمامًا. فلم يمض أسبوع واحد فقط على تاريخ البيان المذكور أعلاه، حتى أعلن البرلمان العراقي، وبالتحديد في 21 من كانون الثاني الجاري، وضمن صفقة ثلاثية رجعية من القوانين بين الكتل البرلمانية، عن امرار واحدة من أكثر القوانين رجعية وتعسفاً ضد النساء في تاريخ البلد، الا وهو التعديل السيء الصيت لقانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959. غامرت في هذه الصفقة الكتل البرلمانية الطائفية الشيعية والسنية والقومية الكوردية بحياة النساء والطفلات في العراق لحساب مكاسب سياسية معينة كل لمصلحة كتلتها البرلمانية الخاصة. ويبدو ان هذا الحدث الكبير والقفزة التأريخية الى الوراء، الذي بات ومنذ عدة أشهر، موضع قلق كبير بالنسبة للملايين من النساء والأطفال في العراق والاوساط النسوية التحررية ومدافعي حقوق الانسان والاشتراكيين وكل التحرريين ويشكل تهديدا لحياة وأمان كل امرأة وفتاة وطفلة في هذا المجتمع، قد غاب عن بال رئيسي الوزراء!. أول ما يلفت الانتباه حين قراءة الفقرة الخاصة بالمرأة للبيان هو تميزه بالعبارات الجوفاء وعدم وجود أي تعهد او التزام بشأن حقوق المرأة ومكانتها في العراق، اذ ان كل العبارات لم تتعدى كلمات فارغة ك "تعهد"، "رحب"، "أتفق"، "أدركا أهمية"، لا تؤدي الى تحقيق أي تغيير واقعي في الحياة المزرية للنساء في العراق. ولكن هذا لم يصبني بخيبة أمل، أذ أن تحقيق أي تقدم في حقوق ومساواة المرأة في العراق ليس ما تتوقعه نساء العراق من النظام الطائفي الديني القومي الغارق في الذكورية، ولا أن الاهتمام بحقوق ورفاهية الفئات الأضعف في المجتمع هي في أجندة حزب العمال الحالي في بريطانيا برئاسة كيير ستارمر، فكيف به أذن ان يعير اهتماما لنساء العراق، سيما وأن حزبه، تحت قيادة توني بلير والخط اليميني في حزب العمال المسماة حزب العمال الجديد، كان قد لعب دورا رجعياً فاعلا في احتلال العراق وجلب الدمار لكل البنى التحتية وترسيخ الطائفية مع ما نجم عنه من هيمنة الأحزاب الإسلامية والطائفية والقومية وانتشار بؤر الجماعات الإرهابية والمجازر الكارثية على العراق. ولكن ما أثار حفيظتي عند الاطلاع على البيان كان النفاق الذكوري الصارخ، أذ يشير البيان في الفقرة الخاصة بالمرأة الى تعهد الجانبين "بتعميق التعاون بشأن أجندة المرأة والامن والسلام" للأمم المتحدة وترحيب بريطانيا "بخطط العراق لأطلاق خطته الوطنية الثالثة وشبكة من صانعات السلام العراقيات في مارس 2025"، وكأن كل شيء على ما يرام في العراق! متجاهلين بأن نصف المجتمع العراقي قد فقدن كل معنى للأمن والسلام، في بيوتهن وفي أماكن عملهن، من جراء إصرار أحزاب الاسلام السياسي الشيعي على أمرار هذه التعديلات التي تخرق كل القيم الإنسانية وحتى الموازين والاعراف الدولية وتضمن هيمنة السلطات الدينية على قضايا الزواج والطلاق ويشرعن لاغتصاب الطفلات من عمر 9 سنوات ويساهم الى حد كبير في افقار النساء وتجريدهن من حقوقهن في الميراث وحضانة الأطفال والحقوق والامتيازات الضئيلة الموجودة وتعميق الطائفية والانقسام في المجتمع. مع ان البيان يشير الى "اتفق رئيسا الوزراء على أهمية دعم المنظمات التي تقودها النساء ومنظمات حقوق المرأة، وأدركا الحاجة إلى الدعم المستمر والعدالة والمساءلة لجميع الناجيات من العنف الجنسي الذي ارتكبته داعش"، فاني لم اتلمس في اية من التقارير الخبرية وجود عنصر نسوي ضمن الوفود ولا أي خبر عن اللقاء بممثلي/ ات حقوق المرأة ولم تتضمن اية من الصفقات مشاريع تخص صحة ورفاهية المرأة او الطفل او اية فئة مهمشة في العراق. أو ربما نسى الوفد العراقي اخبار نظيرهم البريطاني بالمحاربة المستمرة منذ 2003 للنظام في العراق للمنظمات النسوية والقمع الممنهج للناشطات النسويات والتحرريات في العراق. ويسترسل البيان "والجهود المستمرة لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات.."، في حين ليس تطبيق التعديل لقانون الأحوال الشخصية الا بمثابة اكبر حملة تعنيف ضد نساء وأطفال العراق، تنظمها الدولة وبرلمانها وتسندها المنظومة العشائرية والطائفية الذكورية الرجعية التي ساهمت وتساهم بريطانيا في ترسيخ أركانها منذ عقود. وكانت الجملة الأخيرة "واتفقا على أهمية إكمال الفتيات للتعليم الجيد وتمكين المرأة اقتصاديًا، مما يعود بالنفع على المجتمع بأكمله" مجرد سخرية واستهزاء، اذ ان تعديل القانون 188 بالهام من المذهب الجعفري، يشجع على تزويج الفتيات من عمر 9 سنة واقحامهن في البيوت وانشغالهن بتربية الأطفال ومسؤوليات إدارة المنزل وهن لازلن طفلات. فأي تعليم واي تمكين اقتصادي يتحدثون عنه؟
"صفقة تاريخية"، لصالح من؟ أفادت الاخبار بأن زيارة السوداني، التي وصفت ب "التاريخية" و "الاستثنائية" و"المميزة" بهدف تعزيز العلاقات في مجال الاقتصاد والامن والهجرة الغير نظامية، كان برفقة وفد من قرابة 70 من رجال الأعمال العراقيين وتضمنت العديد من الندوات والملتقيات مع 24 شركة بريطانية لبحث مشاريع الاستثمار في القطاع الخاص وأنجمت عن استثمار حزمة تجارية بحوالي 12.3 مليار جنيه إسترليني، مدعومة بسلسلة من اتفاقيات التصدير، لدعم العلاقات التجارية المتنامية بين بريطانيا والعراق. ولكن هذه 12.3 مليار هدفها الأساسي تراكم الأرباح لدى الشركات الرأسمالية البريطانية المستثمرة وشركائهم الفاسدين من أوساط السلطات وحواشيهم من الرأسماليين في العراق وهذا النمو الاقتصادي الرأسمالي يرافقه بالضرورة المزيد من الافقار والحرمان وتعميق رقعة اللامساواة للجماهير الكادحة في العراق وللنساء بصورة خاصة. لهذه الاتفاقيات مكاسب اقتصادية وكذلك سياسية استراتيجية مهمة لكلا الحكومتين. فان بريطانيا التي عانت في السنوات الأخيرة من عدة ضربات اقتصادية كبيرة بسبب بريكسيت وجائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا، تسعى المؤسسة الحاكمة فيها الى القاء اللوم لمعضلات البلاد من البطالة والفقر وشحة السكن وانعدام الخدمات العامة على اللاجئين والمهاجرين الغير قانونيين والفقراء والمتقاعدين بتنفيذ سياسات تهجير وترحيل اللاجئين وقطع مخصصات الضمان الاجتماعي ومعونات المتقاعدين وبيع الخدمات العامة للقطاع الخاص. فكان من البنود المهمة في الاتفاقية هي القرارات الرجعية والتعسفية ضد اللاجئين وبحث الخطط العملية لتنفيذ هذه السياسة اللا إنسانية بترحيل اللاجئين الغير مقبولة ملفات لجوئهم في بريطانيا وتكملة للاتفاقية المبرمة بين الطرفين في نوفمبر الماضي التي تتباهى بها وزيرة الداخلية ايفيت كوبر بانها نوعية، لا سيما يشكل العراقيون نسبة ملحوظة من هؤلاء المهاجرين.
اما بالنسبة للعراق، فان هذه الاتفاقية جاءت على خلفية تفجر الاحداث في المنطقة وتغيير النظام في سوريا والتغييرات في توازن القوى الإقليمية وحاجة العراق لإيجاد حلفاء من الدول الغربية تفاديا لتهديدات إسرائيل وامريكا ضد ايران وحلفائها الإقليميين وتحسبا من إدارة ترامب وسياساته تجاه العراق والمنطقة. أن ما يجري على أرض الواقع في العراق هو بالعكس تماماً من الصورة المشرقة التي يعكسها البيان أعلاه والتهديدات التي تواجهها النساء على خلفية امرار القانون الجعفري لحكومة الإطار التنسيقي، بزعامة السوداني هي حصيلة سياسات الدول الغربية وتحديدا بريطانيا و امريكا واستراتيجيتهما تجاه العراق وبالأخص منذ 2003. 31.1.2025
#شيرين_عبدالله (هاشتاغ)
Shirin_Abdulla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الراسمالية واللامساواة، و-ترنيمة عيد الميلاد-!
-
مقابله اجرتها جريدة ره وت باللغة الكردية حول انتخابات ٢
...
-
حول -التعديل- او بالاحرى التخريب! المقترح لقانون الاحوال الش
...
-
الختان، قضية نسوية!
-
الثامن من اَذار 2024، تحديات وافاق النضال النسوي التحرري في
...
-
مجرد قبلة عفوية أم معايير ذكورية عفا عليها الزمن؟
-
الأساءة والعنف الصحي المؤسَسي ضد المرأة اثناء الحمل والولادة
...
-
الاجهاض، ازمة انسانية في الخفاء!
-
تصاعد موجة الاضرابات في بريطانيا ومحاولات الدولة لاجهاضها! -
...
-
اضراب الممرضات الحالي في بريطانيا وانعكاساته على المراة العا
...
-
حول قرار الحكومة البريطانية بتسفير طالبي اللجوء الى رواندا
-
أسطورة العذرية، وهم فحص غشاء البكارة وترقيعها
-
نحو نظام صحة عامة للجميع.. يجب ان يكون النظام الصحي نموذجأ ل
...
-
قتل النساء، الانتحار والعنف.. الى متى!
-
حول اختيار جنس الجنين واجهاض الاناث
-
الفقر واللامساواة بعد عام من كوفيد:
-
سباق اللقاح، الى اين؟
-
التحرش الجنسي، لماذا لايمكن لوم الضحية!
المزيد.....
-
احتجاجات في الأرجنتين بسبب تصريحات الرئيس ضد المرأة والمتحول
...
-
غادة عبدالرازق على خطا تحية كاريوكا.. -شباب امرأة- في رمضان
...
-
المرأة العراقية خلف المقود: بين حق القيادة وسخرية المجتمع-
-
الصدر بشأن الإعراض عن الزواج: قد يكون ابتعادا عن الشرع وأحكا
...
-
في العراق.. العنف الأسري يهدد الطفولة
-
أحلام التميمي: أول امرأة حملت السلاح بوجه العدو تواجه خطر ال
...
-
حسناء وملكة جمال.. من -وسيطة- ترامب في الشرق الأوسط؟
-
مصادر سورية:مقتل 14 امرأة ورجل واصابة 15 امرأة بانفجار سيارة
...
-
جميعهم من النساء.. قتلى وجرحى بتفجير سيارة في منبج شرقي حلب
...
-
الولايات المتحدة.. النساء نصف المجتمع -سكانيا فقط-
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|