كامل الدلفي
الحوار المتمدن-العدد: 8243 - 2025 / 2 / 4 - 02:47
المحور:
الادب والفن
تمرُّ في بلدتنا أحداثٌ تُعَدُّ أشكالًا اعتياديةً من أنماط السلوك الشائعة، إذ لا تُثير استغرابًا يُذكر في ذهنية أهالي البلدة، على الرغم من اعتبارها خارجةً عن السياق في بيئاتٍ سكانيةٍ أخرى.
أُدين أحدُنا في المحكمة العُرفية بجرمٍ يراه القضاة، وَفقًا لنصوصٍ جزائيةٍ محليةٍ تخصُّ أهلَ بلدتنا حصراً، جرمًا مستوجبًا للعقاب، إذ لم يألف القضاءُ في أيِّ شبرٍ من الأرض مضمونَها أو العملَ بموجبها منذ أن وطأت قدمُ آدم المقدسةُ أرضَ الجنوب. تفيد تلك النصوص، بالإضافة إلى أحكامها المريعة، بأن يقوم القضاةُ أنفسُهم بإنهاء حياةِ المتهم لحظةَ إعلانِ الحكم عليه بالموت. وقد حدث ذلك لأحدنا، إذ نُفِّذ فيه الحُكم فورًا.
كانت جريمته الكبرى أنه تجرأ على أن يمشي منتصبًا، بينما يزحف الجميع. رأته زوجتُه في حُلمٍ بعد صلاة الأربعين على روحه، وكانت تتحدث مرارًا عن لذة هذا الحُلم وإعجازه. فقد أخبرها المغدورُ، (أحدنا) ، بأنه كان مستغربًا من دقة القضاة العالية وسرعتهم في تنفيذ الموت به، كما أعلمها بأنه أدرك بعد فوات الأوان صِحَّةَ الأمثالِ الشعبيةِ التي كانت ترددها أُمُّه، وذلك حين أحسَّ بحجم المؤامرة التي أُحيطت به.
يرى (أحدنا) أن قلبَه قد تواطأ مع المحكمة، فتوقَّف سريعًا عن الحياة، وكذلك رأسُه، الذي انفصل عن جسده قبل الأوان، أمَّا لسانُه فقد أحجم، مُتعمدًا، عن تقديم أيِّ دفاعٍ أمام القضاة. وتقول الزوجةُ إن المرحومَ (أحدنا) أسرَّ لها في الحلم بأنه على يقينٍ تامٍّ بأنَّ اسمَه، وما ينطوي عليه من دلالات، كان السببَ في أنْ لم يُعرْ أحدٌ من أفراد المحكمة انتباهًا للائحةِ الدفاع التي قدَّمها كتابةً، والتي برَّر فيها، بأدلةٍ عقليةٍ، أسبابَ تعمُّده السيرَ على اثنين خارج المنزل، تلك الجنايةُ التي أُعدم بسببها، إذ ترى المحكمةُ أنَّه ليس من حقِّ أحدٍ من أهل بلدتنا أن يسير مُنتصبَ الجِذعِ على قائميه...
#كامل_الدلفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟