أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إكرام فكري - عندما تذبل اللذة وتبقى الحقيقة














المزيد.....


عندما تذبل اللذة وتبقى الحقيقة


إكرام فكري

الحوار المتمدن-العدد: 8242 - 2025 / 2 / 3 - 09:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم يكن هناك خيار، لم تكن هناك بدايةٌ يمكن الرجوع إليها والقول: "هنا، في هذه اللحظة، بدأ كل شيء بشكل خاطئ ...كان هناك فقط طريقٌ طويل، مليء بالوجوه العابرة، بالمغامرات التي بدت يومًا وكأنها حياة. بعضها كان بدافع الحاجة، بعضها كان بدافع الفضول، وبعضها الآخر كان محاولةً للبحث عن الاهتمام، عن النشوة، عن التميّز ربما.

مجرد سلسلة من الأخطاء، انعكاسٌ لظروف وتجارب سابقة، لصراعات داخلية لم يُحسَم أمرها أبدًا. لم يكن الأمر بدافع الشر، ولم يكن عن سوء نية، بل كان محاولةً بائسة لسدّ فراغ داخلي، وهذا شيءٌ إنساني، ربما.

في البداية، كان كل شيء يبدو مشوقًا. لحظاتٌ خاطفة من الشعور بالوجود، بالقدرة على لفت الأنظار، بالإحساس بأن هناك من يهتم، ولو للحظات. كانت المغامرات الأولى تحمل نشوة الاكتشاف، نشوة الخروج عن المألوف، نشوة الشعور بأن لا حدود تمنع شيئًا، لا قيود تكبح الرغبات، لا سقف لما يمكن تجربته.

لكن شيئًا فشيئًا، بدأت النشوة تفقد بريقها. بدأت المغامرات تتكرر، بنفس السيناريو، بنفس النهاية الباهتة. لم يعد هناك شيء جديد، لم يعد هناك شيء يُشعل ذلك الحماس الأول. كل مرة كانت تبدو نسخة باهتة مما سبقها، حتى تحولت من متعةٍ إلى عبء، ومن إثارةٍ إلى قيد، ومن رغبةٍ إلى شعورٍ ثقيل بالندم.

أغرب ما في الأمر أن الإدراك لم يأتِ من الخارج، لم يكن نصيحةً من أحد، ولم تكن صدمةً فجائية، بل كان شعورًا يتسلل ببطء، يتراكم كغبار الأيام فوق الروح، حتى لم يعد من الممكن تجاهله. تلك المغامرات التي بدت يومًا وكأنها ملاذ، تحولت إلى شيء آخر... شيء يشبه الطين العالق، كلما غاصت فيه الأقدام، زادت صعوبة الخروج.

ثم جاء يوم، لم يكن مختلفًا عن غيره في ظاهره، لكنه كان مختلفًا في إحساسه. لم تعد هناك نشوة، فقط قرفٌ وتساؤلٌ خانق: "ماذا أفعل بنفسي؟ كيف وصلتُ إلى هنا؟" لم تعد هناك متعة، فقط فراغ ثقيل، وندم يتسلل كخيط بارد تحت الجلد. نظرة إلى المرآة، ولم يكن الوجه كما كان. كان مرهقًا، مستهلكًا، وكأن شيئًا قد سُرق منه في لحظات خاطئة... لم يكن هناك بريق الحرية الذي أقنعت نفسها به، بل إرهاق روحٍ لم تجد طريقها.

الشعور بالملل والندم من هذه التجارب لم يكن مجرد حالة مؤقتة، بل كان إشارة قوية على بداية إدراكٍ حقيقي لما كانت عليه، ولما تحوّلت إليه. لم يكن هذا مجرد إحساسٍ عابر، بل علامةٌ على الاستعداد للتغيير، للبحث عن شيءٍ أعمق، شيءٍ له قيمةٌ حقيقية، شيءٌ لا ينتهي بمرارة الفراغ.

كان عليها أن تستثمر هذا الإدراك في بناء علاقات صحية تحترم قيمتها كإنسانة، وليس فقط كوسيلة متعةٍ للآخرين. كان عليها أن تستخدم هذه التجربة كنقطة تحول، لوضع حدود واضحة، للبحث عن السعادة الحقيقية، وليس مجرد لحظاتٍ زائفة تنتهي بشعورٍ أشد قسوة مما سبقها.

هناك مرحلة يصل إليها الإنسان، لا لأنه تغيّر فجأة، بل لأنه جرّب كل شيء حتى فقد طعمه. لم يعد هناك شيءٌ يُغري، لم يعد هناك شيءٌ يستحق العودة إليه. فقط شعورٌ بأن ما مضى كان درسًا، وأن الأبواب التي تُغلق يجب أن تبقى مغلقة، ليس ندمًا، بل احترامًا للذات التي تستحق ما هو أفضل.

في النهاية، لم يكن الأمر عن المغامرات، ولا عن التفاصيل. كان الأمر دائمًا عن الفراغ الذي لم يُملأ أبدًا، وعن البحث في الأماكن الخاطئة، وعن وهم السيطرة الذي كان يخفي تحته استسلامًا خفيًا.

والآن؟ لم يعد هناك شيءٌ يستحق القتال من أجله في هذا الطريق. لم تعد بحاجة إلى نظراتٍ عابرة، إلى كلماتٍ جوفاء، إلى لحظاتٍ تنتهي بجرحٍ جديد. لقد شبعت حتى ملّت، تجرّعت التجربة حتى تحوّلت إلى طعمٍ مُرّ في فمها.

الآن، كل ما تريده هو أن تترك هذا العالم الذي صنعته خلفها، أن تغلق الأبواب التي كان يجب أن تُغلق منذ البداية، أن تمضي وحدها، لكن هذه المرة، ليس لأنها لا تملك خيارًا، بل لأنها أخيرًا... اختارت نفسها.

تريده هو أن تترك هذا العالم الذي صنعته خلفها، أن تغلق الأبواب التي كان يجب أن تُغلق منذ البداية، أن تمضي وحدها، لكن هذه المرة، ليس لأنها لا تملك خيارًا، بل لأنها أخيرًا... اختارت نفسها.



#إكرام_فكري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تذبل اللذة وتبقى الحقيقة
- الماضي الذي لا يتركني
- هواتفي
- الغرائز الطبيعية: ممارستها بانسانية
- الإرث الاستعماري: بين مظاهر التحضر والاستغلال الطبقي
- تحسين النسل بين الماضي والحاضر: من سياسات الاستعمار إلى التع ...
- عندما يصبح الاختيار رحلة لفهم الذات
- العرب والدين: بين النزعة الفردية و وحدة الأمة
- العرب والدين: بين النزعة الفردية و وحدة الأمة
- القوة الموازية في الفرد و المجتمع
- المجهول : الرحلة بين الحياة و الموت
- المجهول: الرحلة ما بين الحياة و الموت
- العشرينات
- عالم التسليع
- الرسم بالكلمات
- الخوارزمي
- بين الزنزانة الفردية و خيانة الحقيقة
- احتراق
- حقيقة واقعية
- حالة ضعف


المزيد.....




- ضربات -تركية- على نفق أسلحة لقوات سوريا الديمقراطية.. ما حقي ...
- مصدر مصري لـCNN: السلطة الفلسطينية تستعيد إدارة معبر رفح.. و ...
- 12 سؤالا للحفاظ على صحة دماغك طوال الحياة
- سوريا: مقتل 15 في انفجار سيارة مفخخة في منبج
- مقتل مؤسس كتيبة المتطوعين في جمهورية دونيتسك بانفجار في مبنى ...
- البحرين.. عبد العاطي يؤكد التزام مصر بأمن الخليج
- طريقة رصد المناطق المحمومة في العالم
- سقوط سيارات من فوق جسر في تركيا
- صحة غزة تنشر حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- إيران ترسل 4 سفن حربية إلى الإمارات لمناورات مشتركة


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إكرام فكري - عندما تذبل اللذة وتبقى الحقيقة