أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - الجوانب الاجتماعية والسياسية لعلم الآثار الكتابي المعاصر في إسرائيل















المزيد.....



الجوانب الاجتماعية والسياسية لعلم الآثار الكتابي المعاصر في إسرائيل


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8242 - 2025 / 2 / 3 - 02:48
المحور: القضية الفلسطينية
    


شيمون آميت
ترجمة محمود الصباغ
1.الحركة الصهيونية وعلم الآثار الكتابي
لا بأس، من أجل الدخول في صلب الموضوع، البدء بمراجعة مبتسرة لتطور علم الآثار الكتابي على خلفية العقيدة اليهودية المسيحية والهُوية الصهيونية. ومن نافل القول التأكيد على حجم التحديات المباشرة التي مثلتها الدراسات الكتابية للتقاليد اليهودية المسيحية والاعتقاد بأن موسى هو من كتب الأسفار الخمسة الأولى من أسفار العهد القديم، ولعل أهم هذه التحديات، يتمثل بجهود يوليوس فلهاوزن، في مؤلفه "المقدمة النقدية لتاريخ إسرءيل القديمة Prolegomena to the History of Ancient Israel" (2013 [1878]) الذي صاغ "الفرضية الوثائقية" تأسيساً على وجود أربعة مصادر مختلفة لتدوين تلك الأسفار، تعود لعصور مختلفة وتكوّن في مجموعها البنيان الأدبي للأسفار الموسوية. وجاء عمل الحاخام دافيد زفي هوفمان -كأحد الدفوعات البارزة والمعارضة لأطروحة فلهاوزن- حين حاول حماية الإيمان بالأصل الإلهي للأسفار الموسوية ومجمل المعمار الأدبي لنصوص الكتاب المقدس (Hoffmann, 1902).
ولم تشكل الأبحاث الأكاديمية الحديثة، منذ ظهورها، منهجاً ناقداً لجذور الهُوية اليهودية-المسيحية فحسب، بل عبرت أيضاً عن القيم الشخصية والاجتماعية والثقافية تجاه هذه الهُوية. فقد ظهر تأثر عمل فلهاوزن، بخلفيته البروتستانتية (كان أستاذاً في اللاهوت، لكنه استقال في العام 1882 لشعوره بعدم قدرته على منع أفكاره من الانتقال لتلامذته كهنة المستقبل). ويعتبر فلهاوزن أصدق تعبيراً عن الرومانسية والمثالية الألمانيتين، في القرن التاسع عشر. فقد رأى في اليهودية، التي وضعتها المؤسسة الكهنوتية في زمن الهيكل الثاني، نظاماً عقائدياً يتألف من وصايا وطقوس، أو هي تعبير عن انحطاط للدين والملكية الإسرءيلية واليهوذية لما هو أكثر طبيعية (الدولة). وحاول، في هذا الصدد، إظهار اليهودية، كما تجسدت في الشريعة الكهنوتية، كيف "تفصل نفسها، أولاً، عن الحياة اليومية، ثم كيف تمتص هذه الحياة بـأن تصبح شغلها الشاغل؛ بالمعنى الدقيق للكلمة" (Wellhausen, 2013 [1878]: 81).
ولا يزال السجال يدور، حتى يومنا هذا، حول ما إذا كانت مقاربة فلهاوزن معادية للدين أو مؤيدة للمسيحية أو معادية لليهود أو حتى معادية للسامية، وإلى أي مدى كان عمله تعبيراً عن النزعات الرومانسية والمثالية في ألمانيا (Kratz, 2009).
قام علماء الآثار المسيحيون، منذ نهاية القرن التاسع عشر، بأعمال الحفر والتنقيب حاملين كتابهم المقدس في يد والمعول في اليد الأخرى، أفكارهم اللاهوتية وإيمانهم بيد، ويحملون باليد الأخرى ما يعثرون عليه من حقائق على الأرض ولقى أثرية، واضعين في افتراضهم صدقية النصوص المقدسة، فاستخدموا اللقى الأثرية تلك للتأكيد على حقائق الرواية الكتابية، عبر تأويل المكتشفات واللقى وفقاً للسرد الكتابي.[فعلى سبيل المثال] تعرض فلهاوزن لتهمة الانتماء للفكر الهيغلي على يد عالم الآثار البارز، ويليام فوكسويل أولبرايت (وهو ابن مبشرين إنجيليين)، الذي كان يرى في علم الآثار أداة علمية أثبتت دقة وموثوقية النصوص الكتابية من الناحية التاريخية. كما كان على قناعة بأن نظرية مدرسة فلهاوزن انتهت لتكون مجرد نوع من "المفارقات التاريخية" تعاني من عدم الدقة (Albright, 1968: 1-2). ولم يتوقف الأمر عند أولبرايت، حيث يمكننا أن نرى مثل هذا الوضوح في التعبير عن أجندة علماء الآثار المسيحيين عند عالم الآثار والكاهن الدومينيكي الفرنسي رولان دوفو بقوله: "إن لم يتأسس الإيمان التاريخي لإسرءيل بطريقة معينة في التاريخ، فهو لا شك إيمان غير قويم ولا يمكنه أن يتوافق مع إيماني ما لم يشر إلى وجود هذه الإسرءيل بطريقة ما" (Vaux, 1965: 16).
أما لجهة المواقف اليهودية، فقد عمل المؤرخ اليهودي هاينريش غريتز منذ منتصف القرن التاسع عشر على صياغة القالب القومي لكتابة التاريخ اليهودي بتأليفه "تاريخ اليهود من أقدم العصور حتى الوقت الحاضر History of the Jews from the Oldest Times to the Present". وهو أول محاولة لإنتاج سردية تاريخية كبيرة عن "الشعب اليهودي"، ليس بوصفهم جماعة دينية فحسب، بل بوصفهم، ولو جزئياً على الأقل، أمّة حديثة. وتضمنت هذه المقاربة الجديدة تأويلاً حديثاً للكتاب كمصدر تاريخي موثوق مع حذف بعض الجوانب ذات الطابع الغرائبي والإعجازي. وزعم غريتز، عندما نشر فلهاوزن عمله، أن هذا الأخير "يصب كراهيته للأنف اليهودي على إبراهيم وموسى وعزرا". وتركز نقده لفلهاوزن على التأكيد بأن جزءً كبيراً من الأسفار الموسوية لم يُكتب إلا بعد العودة من السبي.
بعبارة أخرى، قوّضت فرضية فلهاوزن مصداقية أهم وثيقة تصف أصل الأمة اليهودية وماضيها البطولي. وأصبح عمل غريتز نوعاً من كتاب توجيهي مدرسي تاريخي قومي لمنظمة أحباء صهيون Hovevei Zion التي كان أعضاؤها من رواد الحركة الصهيونية.
أثر عمل غريتز في العديد من الشخصيات اليهودية مثل موسى هيس؛ أحد مؤسسي الصهيونية، فضلاً عن مثقفين يهود آخرين وقادة المستوطنين الصهاينة في فلسطين. وكان سيمون دوبناو أحد هؤلاء الذين تقفوا أثر غريتز. وتوافق عمله هذا مع المقاربة الصهيونية التي كانت تميل، من ناحية، إلى العلمانية ورفض الإيمان الأرثوذكسي المحافظ، وفي المقابل لا تمانع من استغلال الدين، بصفته ثقافة قومية توحّد يهود العالم. وضمن هذا الإطار، تطور العمل في تفسير القصص الكتابية، فصار ينظر إليها كتصوير للأحداث والعمليات التاريخية، رغم مجازية ورمزية العديد من هذه القصص (Sand, 2009: 78-109).
تجدر الإشارة إلى أن قصة أبراهام ترمز، على سبيل المثال، إلى انفصال العبرانيين عن البدو الساميين البدو، وترمز القصص عن إسحاق ويعقوب إلى فصل "شعب إسرءيل" عن الشعوب العبرية الأخرى. هذا وقد حاول دوبناو، والمؤرخين الصهاينة بعده، التوفيق بين الكتاب المقدس والأدلة الأثرية والبحوث الحديثة، على سبيل المثال. القصص الكتابية عن الخروج من مصر وفتح كنعان فيما يتعلق بالأدلة غير الكتابية عن حكم مصر على كنعان في الوقت المفترض لوقوع الأحداث
ورأى دافيد بن غوريون، زعيم الحركة الصهيونية وأول رئيس وزراء لإسرائيل، في الكتاب المقدس وثيقة تأسيسية للأمة اليهودية في [أرض إسرائيل].
لقد كان الكتاب من الناحية العملية، بدرجة كثيرة أو قليلة، بالنسبة له وللمؤسسة الإسرائيلية العلمانية، عنصراً أساسياً من عناصر تشكيل الروح القومية، كما أسهم، حسب بن غوريون، في خلق صلة مباشرة بين إسرءيل القديمة ودولة إسرائيل الجديدة، متجاوزاً الشتات والإرث الديني الأصولي الأرثوذكسي. وكما قال: ".. ما قمنا به على هذه الأرض "قفزة فوق التاريخ اليهودي". ثمة هناك قفزة في الزمن، وقفزة في الفضاء. أما نحن، فقد قمنا، هنا، بالاثنتين معاً سواء بسواء". وأوضح أن الحياة في الدولة اليهودية الجديدة ليست استمراراً لحياة كراكوف أو وارسو، بل هي بداية جديدة ترتبط مباشرةً بالماضي البعيد ليشوع وداود والحشمونيين (Ben-Gurion, 1957). [الترجمات من العبرية للمؤلف، رغم أنه في العديد من الاستشهادات أدناه استخدم كلياً أو جزئياً الترجمات الإنجليزية التي تظهر في المواقع الإخبارية]
استمر البناء الإيديولوجي لفكرة الأمة اليهودية في التطور على يد المؤرخين الصهاينة، وعلماء الآثار، قبل وبعد إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948. وكان المؤرخ بن تسيون دينور (من الجامعة العبرية في القدس) واحداً من أهم هؤلاء المفكرين الذين أسهموا في هذه العملية.
جرّد دينور الكتاب المقدس من اللاهوت بالكامل تقريباً، واستخدمه لخلق ما يشبه بياناً تاريخياً قومياً مدعوماً بالقليل من الوثائق المكتشفة من الحفريات الأثرية في مواقع مختلفة من الشرق الأدنى.
كان دينور عضواً في الكنيست الأولى، وأصبح، في العام 1951، وزيراً للتربية والتعليم. كما شارك، خلال خمسينيات القرن الماضي، رفقة مثقفين آخرين مثل عالم الآثار الكتابي البارز بنيامين مزار والباحث الكتابي يحزقيل كوفمان إلى جانب كبار السياسيين، في تنشيط ما اصطلح عليه اسم الحلقة الكتابية التي كانت تعقد في منزل بن غوريون.
كان الكتاب [المقدس]، بالنسبة لبن غوريون ودينور والمؤسسة بأكملها، جزءً عضوياً من الخطاب السياسي، وأداة مهمة في تشكيل مجتمع المهاجرين ضمن شعب موحد وربط جيل الشباب بالأرض. ولابد هنا من التذكير بخطاب بن غوريون الذي وجهه لعناصر الجيش الذين استولوا على شبه جزيرة سيناء خلال حرب العام 1956: "يمكننا أن نرتل، من جديد، أنشودة موسى ومن كان معه من بني إسرءيل.... لقد مددتم، بعملكم الجبار ومهمتكم وجهودكم المتضافرة عبر الأذرع المختلفة لوحدات الجيش الإسرائيلي، يد العون للملك سليمان..". كما شجعت هذه المؤسسة على القيام بالحفريات الأثرية، وأوضح بن غوريون عن رغبته في تفضيل السردية الكتابية في حال كان ثمة تناقض بينها وبين أي مصدر غير كتابي: "لدي الحرية المطلقة، من منظور علمي بحت، قبول الشهادة الكتابية عن حدث ما، حتى لو طعن فيه من مصدر خارجي غير كتابي، بشرط ألا تحتوي هذه الشهادة على تناقضات داخلية أو عيوب واضحة" (Sand, 2009: 105-115 see also: Silberman and Small (eds), 1997 Abu El-Haj, 2002).
لقد كان علم الآثار جزءً من السياسة وكانت السياسة جزءً منه. وانعكست سردية عزو يشوع لكنعان والمملكة العظيمة لداود وسليمان في الروح القومية الحديثة. واعتمد علماء الآثار الصهاينة، الذين تبعوا نهج أولبرايت وعلماء الآثار المسيحيين، على تبني ممارسة "الكتاب بيد والمعول بيد" لتنفيذ أجنداتهم الخاصة. واستندت وجهة نظرهم تلك إلى تأريخ قومي وضعه المفكرون اليهود المذكورون أعلاه، بهدف تعزيز هذا الرأي.
لقد كانوا، في الواقع، جزءً من النخبة الحاكمة. فلم يكن يغائيل يادين، تلميذ أولبرايت، مجرد عالم آثار وابن الباحث إليعيزر ليبا سوكنيك -مؤسس قسم الآثار في الجامعة العبرية في القدس، ولكنه كان، أيضاً، رئيسٌ للعمليات العسكرية خلال حرب العام 1948، وثاني رئيس أركان للجيش الإسرائيلي وعمل وزيراً أيضاً. وأسهم في تقديم تأويل للاكتشافات التي عثر عليها أثناء تنقيبه في حَاصُور ومَجِدّو، في الستينيات، إلى جانب مكتشفات جَزَرْ، باعتبارها تؤكد النشاط العمراني العظيم للملك سليمان حسب الوصف الكتابي.
وذكرت حَاصُور ومَجِدّو وجَزَرْ في النصوص الكتابية كجزء من المدن التي أسسها سليمان:" 15وَهذَا هُوَ سَبَبُ التَّسْخِيرِ الَّذِي جَعَلَهُ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ لِبِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِهِ وَالْقَلْعَةِ وَسُورِ أُورُشَلِيمَ وَحَاصُورَ وَمَجِدُّو وَجَازَرَ." (ملوك أول 9 :15). وهكذا بدت البوابات والقصور والمدن وكأنها تنتمي إلى مملكة سليمان العظيمة في القرن العاشر ق.م. (Yadin, 1975).
وكان بنيامين مزار، الذي شكل مع يادين النموذج الصهيوني لعلم الآثار، رئيساً للجامعة العبرية، وصهراً ليتسحاق بن تسفي ثاني رئيس لإسرائيل، وتربطه علاقات وثيقة مع بن غوريون. وبصفته أحد ممثلي النخبة الصهيونية؛ لم يشب التزامه بالسرد الكتابي أدنى ذرة من الشكوك. وحاول، في عمله، على سبيل المثال، موائمة علم الآثار مع التوصيفات غير المتسقة لصورة الآباء البطاركة الكتابية، فتذكر نصوص العهد القديم الفلستيين والآراميين في سياق قصص البطاركة رغم ظهورهم بعد مئات السنين من العصر الذي يُزعم أن البطاركة عاشوا فيه. وتمثل اقتراح مزار في أن هذه القصص تصف بشكل موثوق حقبة ما قبل فترة الملوك (Mazar, 1974).
كما شغل موشيه ديان، خلال مسيرته المهنية، وهو الذي كان أحد أكثر قادة إسرائيل الذين امتلكوا كاريزما شخصية، منصب رئيس الأركان الرابع للجيش الإسرائيلي ووزيراً للدفاع وللخارجية. كما نشر، بصفته عالم آثار هاوٍ (كان دايان، في واقع الأمر، لص آثار)، كتاب "العيش مع الكتاب Living with the Bible"، والذي دمج فيه بين إسرءيل القديمة وإسرائيل الحديثة (Dayan, 1978).
وقام يوحنان أهاروني، أحد مساعدي يادين، بتأسيس معهد الآثار في جامعة تل أبيب. وسلك كل منهما طرقاً مختلفة وأصبحا نديين متنافسين، حيث أيّد يادين الرأي القائل باستيلاء الإسرءيليين على كنعان عن طريق غزو عسكري كما يرد في سفر يشوع، في حين وقف أهاروني (1957) بجانب الرأي القائل بالتوطن التدريجي للإسرءيليين، كما هو موضح في سفر القضاة.
ومن هنا بدأ التنافس بين قسمي الآثار في الجامعة العبرية في القدس وجامعة تل أبيب، كما سوف أصفه تالياً أدناه. وعكست هذه الخلافات بين وجهتي النظر، وفقاً لنيل سيلبرمان، رؤيتهما لإسرائيل الحديثة. فقد كان لقصة الغزو، بالنسبة للجنرال يادين، صدىً يتردد في حرب العام 1948 [حرب الاستقلال] وإقامة دولة إسرائيل. بينما ينتمي أهاروني، من ناحية أخرى، إلى حركة الكيبوتس (الجناح اليساري للصهيونية العمالية) ويفضل التأويل استناداً إلى روح الاستيطان الصهيوني الحديث (Silberman, 1993 Abu El-Haj, 2002: 99-105). ورغم هذا التنافس، كان يادين وأهاروني مصممين على حماية الرواية الكتابية، أي أساس الروح القومية. وبالتالي فهما يمثلان، بهذا المعنى، الجيل بأكمله.
2.الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومخاطر التيار التنقيحي الكتابي Minimalism
اتسم علم الآثار المسيحي وعلم الآثار الصهيوني بتبنيه للنزعة المحافظة الأصولية maximalism، أي قبول السرد الكتابي كمصدر تاريخي موثوق وأساسي بما يتوجب تعديل جميع الأدلة الأثرية الأخرى بما يوافقه. وقد تعرضت هذه المقاربة إلى العديد من التحديات منذ ظهور مقاربة جديدة في أوروبا تبناها عدد من الباحثين الكتابيين والذين باتوا يعرفون باسم المدرسة التنقيحية أو التقليلية minimalists الذين اتجه رد فعلهم ضد فرضيات ومقاربات الباحثين الكتابيين، مثل ألبرخت ألت (1966) ومارتن نوث (1960). وتمثلت الخلفية التي ظهرت فيها النزعة التنقيحية في سياق لاهوت التحرير (أي رفض الكتاب [المقدس] كنص مميز يبرر الاستعمار والإمبريالية) وكذلك في التيارات الفكرية والسياسية الراديكالية في الأوساط الأكاديمية التي ظهرت أواخر الستينيات.
ومن بين أبرز ممثلي هذا التيار؛ يمكن الإشارة إلى نيلز بيتر لمكة (1988؛ 2008: 316-317) وتوماس طومسون (1992؛ 1999) من جامعة كوبنهاغن، بالإضافة إلى فيليب ديفيز (1992) وكيث وايتلام (1996) من جامعة شيفيلد، وقد أبدى هؤلاء شكوكاً جدية بشأن السردية الكتابية وتعرضوا بالنقد إلى التزام الباحثين الكتابيين وعلماء الآثار بالإيمان اليهودي المسيحي والهُوية الصهيونية.
وتفصل المدرسة التنقيحية إسرءيل الأسطورية المذكورة في النصوص الكتابية عن إسرءيل التاريخية. ويجادلون بعدم وجود للسردية الكتابية قبل زمن تدمير الهيكل الأول والسبي البابلي (القرن السادس ق.م)، أي قبل العصر الفارسي (حوالي القرنين الخامس والرابع ق.م)، بل وحتى خلال العصر الهلنستية (حوالي القرنين الثالث والثاني ق.م). وتسبب هجومهم ضد التحيز اليهودي المسيحي والصهيوني لعلم الآثار الكتابي والدراسات الكتابية في إثارة ضجة أكاديمية اتهموا على إثرها بمعاداة السامية، وتبني أجندة معادية لإسرائيل. وزعم [توماس] طومسون أنه تعرض للاضطهاد وأصبح عاطل عن العمل فعلياً بعد ما نشر أطروحته في العام 1976.
ويصف، في مقالتين منفصلتين، مسار الأحداث التي تعرض لها حتى وقت التحاقه بجامعة كوبنهاغن في العام 1993 بمساعدة [نيلز بيتر] لمكة. فيذكر، على سبيل المثال، أنه حصل على درجة الأستاذية من المدرسة الكتابية في القدس École Biblique، في العام 1985، غير أن هذا القرار لم يرضِ العديد من الوسط الأكاديمي الكتابي، بل إن الباحثة الكتابية سارة يافت من الجامعة العبرية اتهمته بمعاداة السامية، أثناء نشرها مراجعة كتاب طومسون في مقال لها في [الصحيفة الإسرائيلية] الجيروزاليم بوست (24 كانون الأول 1999). كما كتب عنه عالم الآثار الإسرائيلي البارز ماغن بروشي: "أخبرني أحد المعارف المشتركين أن طومسون أكد له إيمانه الشديد ببروتوكولات الحكماء صهيون". وفي مؤتمر عقد في تشرين الأول 1999، عرّف عالم الآثار الأمريكي ويليام ديفر عمل طومسون بأنه معادٍ لإسرائيل، ومعاد للكتاب [المقدس]، وعدمي "نهلستي" (Thompson 2011 2001).
ووفقاً لديفر، يلامس عمل وايتلام "حدود معاداة السامية"، بسبب التعميمات التي تميز اتهاماته للباحثين الإسرائيليين واليهود والمسيحيين. حيث يشير وايتلام، على سبيل المثال: "إلى انخراط الدراسات الكتابية في عملية حرمان لها ما يناظرها في السياسات الحديثة المتمثلة في محاولة الصهيونية الاستحواذ على الأرض الفلسطينية وسلبها من سكانها وأصحابها الفلسطينيين". ويزعم ديفر أن عبارات كهذه سوف تسمح لويتلام بالقول بوجود مؤامرة يهودية غير شرعية (Dever, 2003 Whitelam, 1996: 46).
ولخص غاري ريندسبيرغ (من جامعة كورنيل) الاتهامات السياسية ضد التنقيحيين على النحو التالي: للإجابة على سؤالي الثاني، من هم هؤلاء الناس، هؤلاء التنقيحيون، العدميون؟ وما هي دوافعهم؟ ولنقدم أسماء الأفراد الأربعة الأكثر شهرة بينهم: توماس طومسون، وفيليب ديفيز، ونيلز لمكة، وكيث وايتلام. بعضهم يسير، كما أشرت أعلاه، مدفوعاً بالأفكار الماركسية والسياسات اليسارية. وبعضهم من المسيحيين الإنجيليين السابقين الذين يرون الآن في مذهبهم السابق جميع شرور الكون، وبعضهم من تيار الثقافة المضادة counterculture، الذين ينتمون لبقايا حركة الستينيات والسبعينيات هذه، الذين تمتاز جوانبهم الحياتية بالنقد الشخصي للسلطة (Rendsburg, 1999).
ولكن هذه الكوكبة من الباحثين التنقيحيين ليسوا معاديين للسامية، كما يدعي بعض معارضيهم. غير أن هذا لا يمنع من القول بتشابك نقدهم ورفضهم للأصولية الكتابية المحافظة وعلم الآثار الصهيوني مع نقدهم للروح الصهيونية وآرائهم المؤيدة للفلسطينيين. ولا يمكن، في هذا الصدد، لأي من المعارضين الادعاء أنه غير متحيز. إذ لا يمكن فصل الافتراضات البحثية والنظرية عن الآراء الاجتماعية والسياسية والهُوية الثقافية. ومن الواضح أن وجهة نظر طومسون وعمله مؤيدان للفلسطينيين، [يقول طومسون]: "في نهاية مدة عملي في المدرسة الكتابية في القدس [École Biblique]، تم تعييني مديراً لأحد مشاريعها الذي ترعاه اليونسكو، وهو مشروع يتعلق بتسمية الطوبوغرافيا الفلسطينية Toponomie Palestinienne، ويدور حول تكامل واندماج أسماء الأماكن القديمة في الطوبوغرافيا الفلسطينية الحديثة، ويوجه، من بين أمور أخرى في العمل الذي كان في الأساس عمل جغرافي وتاريخي، انتقاداً الإسرائيليين لسعيهم نحو إزالة ومحو الأسماء المحلية ونزع الطابع العربي عنها ضمن الطوبوغرافيا الفلسطينية وإلحاق الضرر بالتراث الثقافي للمنطقة. وقد توقفت اليونيسكو عن دعم المشروع بعد سحب التمويل السعودي، وتعرضها لاتهامات "معاداة السامية" (Thompson, 2011).
وأظهر ديفز، وبصورة واضحة أجندة علنية مؤيدة للفلسطينيين، في رده على ديفر وآخرين، بقوله: تكمن خطورة البحوث الكتابية في كونها "صهيونية" وتشارك في القضاء على الهُوية الفلسطينية، وكأن أكثر من ألف عام من وجود المسلمين على هذه الأرض لا يعني شيئاً. فالتركيز على سنوات محدودة من تاريخ طويل يسهم في إنشاء نوع من استعمار الماضي بأثر رجعي. وسوف يؤدي هذا إلى اعتبار الفلسطينيين المعاصرين مجرد متسللين أو "أجانب مقيمين" في أراضي الغير. ولا أعني بهذا القول كاتهام ضد أحد، بل هو، باعتقادي، ليس سوى نتيجة حتمية لهوسنا بالكتاب. ويصبح من الخطأ الصريح عندما نتجاهل هذا أو ننكره (Davies, 2002).
ويعتبر عمل وايتلام مؤيداً، بوضوح، للفلسطينيين، كما يظهر من العنوان الفرعي لكتابه "اختراع إسرائيل القديمة: إسكات التاريخ الفلسطيني" The Invention of Ancient Israel: The Silencing of Palestinian History (1996).
حيث يجادل فيه، على خطى إدوارد سعيد، بأن الخطاب الكتابي "جزء من شبكة معقدة من العمل الأكاديمي الذي عرّفه سعيد على أنه "خطاب استشراقي" أكاديمي عمل على تجاهل تاريخ فلسطين القديمة وإسكاته لأن موضوع اهتمامه ينصب على إسرءيل القديمة التي تم تصورها وتقديمها باعتبارها المعين والجذر الرئيس للحضارة الغربية".
ويعرّف وايتلام عمله كمحاولة لإظهار أن "التاريخ الفلسطيني القديم هو موضوع منفصل في حد ذاته ويجب تحريره من قبضة الدراسات الكتابية"، أي من قبضة دراسة الكتاب المقدس العبري [التناخ] ومن المنظورين اليهودي والمسيحي. ويشكو من ازدواجية المعايير حين يتم تقديم الخطاب السائد على أنه خطاب موضوعي وغير متحيز، في حين يعتبر الخطاب التنقيحي خطاب سياسي وإيديولوجي. علاوة على ذلك، يتهم وايتلام -رفقة آخرين- علماء الآثار الكتابيين، مثل إسرائيل فنكلشتين، بأنهم منحازون نحو "البحث عن الكيان القومي [إسرءيل] "في الفترة الانتقالية من العصر البرونزي المتأخر إلى العصر الحديدي"؛ وبالتالي تهميش وفصل المناطق الكنعانية التي لا يرونها مهمة وذات صلة في عملية معرفة وفهم التوطن الإسرائيلي (Whitelam, 1996: 1-18).
وعلى هذا، تشكل دراسات علم الآثار الكتابي جزءً من حرب السرديات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث تلعب الهُويات الصهيونية الإسرائيلية؛ ونظيرتها العربية الفلسطينية دوراً رئيساً في بناء التوقعات والافتراضات والتحيزات النظرية وتأويل البيانات. وبطبيعة الحال، ينحاز الجانب الفلسطيني للنزعة التنقيحية في الدراسات الكتابية، وينعكس هذا في كتاب نور مصالحة؛ "الكتاب المقدس والصهيونية: التقاليد المخترعة وعلم الآثار وما بعد الكولونيالية في فلسطين وإسرائيل" The Bible and Zionism: Invented Traditions, Archaeology and Post-Colonialism in Palestine-Israel (2007). ومصالحة مؤرخ عربي فلسطيني وأستاذ الدين والسياسية، مولود في إسرائيل (التي يشكل العرب حوالي 20% من سكانها).
ويظهر محتوى الكتاب كصور معاكسة تماماً لوجهة النظر الصهيونية. بمعنى آخر، يبدو كتاب مصالحة بمنزلة بيان فلسطيني متأثر بإنتاج مفكرين مثل إدوارد سعيد وإيلان بابيه، وهذا الأخير، يساري وناشط ما بعد صهيوني وأحد المؤرخين الجدد في إسرائيل الذين يتحدّون الرواية الصهيونية. ويمثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الإطار الذي طور فيه مصالحة مقاربته للكتاب [المقدس].
فإذا كانت النكبة الفلسطينية "محرقة صغيرة" وإذا كان "نفي مئات الآلاف من السكان الأصليين الذي ترافق مع إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948 -تقرر باسم الكتاب المقدس- فهذا بحد ذاته إحدى أعظم جرائم الحرب في القرن العشرين" (Masalha, 2007: 1)، وإذن؛ من المغري جداً الوصول إلى الاستنتاج التنقيحي التالي: "يمكن القول بانهيار تاريخية نصوص العهد القديم، بناءً على الأدلة الأثرية والعلمية الحديثة الحالية" (Masalha, 2007: 10).
فثمة ترابط واضح، إذن، فيما يتعلق بالاشتباك بين الدراسات الآثارية الصهيونية ونظيرتها الفلسطينية، وكذلك الصراع بين السرديتين القوميتين. وفي هذا الصدد يعد الآثاري الفلسطيني، من جامعة القدس، هاني نور الدين هو وزملائه -كما قال لصحيفة "نيويورك تايمز": علم الآثار الكتابي محض جهد إسرائيلي" لموائمة الأدلة التاريخية مع السياقات الكتابية، فالصلة مفقودة، بدرجة كبيرة، بين الأدلة التاريخية والمرويات الكتابية المدونة لاحقاً، وهناك نوع من الخيال عن القرن العاشر ق.م، لذلك نراهم يحاولون ربط أي شيء يجدونه بالسردية الكتابية، وهم بذاك يشبهون من يمتلك زراً ثم يقوم بصنع بدلة تناسبه" (Erlanger, 2005).
وفي شرح نور الدين لمجلة "ناشيونال جيوغرافيك" يبين ما يقصده بالمنظور الفلسطيني بقوله: "عندما أرى النساء الفلسطينيات يصنعن الفخار التقليدي الذي يعود لأوائل العصر البرونزي، وعندما أشم رائحة خبز الطابون المخبوز بذات تقاليد الألفية الرابعة أو الخامسة ق.م. عندما أرى كل هذا، فكأني أرى الحمض النووي الثقافي ينتقل عبر هذه السنين. ففي فلسطين لا توجد وثيقة مكتوبة ولا تاريخية- ومع ذلك [فما أراه وأشمه] هو التاريخ" (Draper, 2010).
ينكر الفلسطينيون السرديات الكتابية والصهيونية؛ ويترافق إنكارهم هذا مع تأكيدات تضع الفلسطينيين الحاليين بموقع أسلاف الكنعانيين أو غيرهم من سكان الأرض القدماء. وكشف جلال قزوح، رئيس قسم الآثار في جامعة القدس، في تصريح له في العام 1988، عن أطلال منازل تعود للمدينة الكنعانية القديمة تل صوفر غربي نابلس، وتظهر الأدلة، حسب زعم قزوح، على الاستمرارية بين التاريخين الكنعاني والفلسطيني.
لم يتفق جميع علماء الآثار الفلسطينيون مع نظرية قزوح. وعلّق حامد سالم، أستاذ علم الآثار في جامعة بيرزيت: "ليس بشيء من علم الآثار الجاد تتبع استمرارية شعب إلى زمن يعود لنحو 5000 عام إلى الوراء". كما أوضح حمدان طه، المدير العام لدائرة الآثار والتراث الثقافي الفلسطيني في رام الله، الدوافع الاجتماعية والسياسية وراء التأويل الأثري لقزوح: "إذا كان بعض الفلسطينيين يحاولون تعيين أنفسهم مع الكنعانيين القدماء، فهذا باعتقادي جزء من رد فعل آثاري لاواعي، واستجابة مباشرة للممارسات الإسرائيلية في علم الآثار" (Eltahawy and Klein, 1998 Wallace, 2013). وكان الآثاري خالد ناشف، من جامعة بير زيت، قد أسس في العام 2000، مجلة الآثار الفلسطينية، التي تتحدى علم الآثار الكتابي باسم السردية الفلسطينية الصامتة والمحرومة.
3.علم الآثار الكتابي في طور جديد
أسهم تفكك المجتمع "المشتبك"، أو "المعبأ" كما يطلق عليه في إسرائيل، وتراجع النزعة الجماعية الصهيونية-الاشتراكية في أواخر السبعينيات، في ظهور روايات وخطابات مختلفة. فعلى سبيل المثال، تحدى المؤرخون الجدد، وبعضهم ممن يوصفون بأنهم ينتمون لأفكار ما بعد صهيونية، الرواية الصهيونية فيما يتعلق بجذور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحرب 1948، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
وبدأ عمل هؤلاء، مثل "بيني موريس" (Morris, 1987) خارج الأكاديمية الإسرائيلية، وأدى إلى خلق ضجة من حولهم. وكما يصف موريس حاله: "عوملت كعدو للدولة وبقيت هذه الصورة عالقة لدى الجميع. لقد نُبذت، فلم أكن أدعَ إلى حضور المؤتمرات، وبطبيعة الحال، لم يقدم لي أي منصب جامعي" (Morris in Ben-Simhon, 2012).
وهيمن التيار الجديد لعلم الآثار الكتابي خلال تسعينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، وقامت مدرسة جديدة في جامعة تل أبيب، يقودها إسرائيل فنكلشتين، وزئيف هرتسوغ، ونداف نعمان، التي رفضت المنطق الدائري التعميمي لعلم الآثار التقليدي، وطرحت مقاربة أكثر نضجاً ونقداً.
وابتدأ في العام 1999 سجالاً شرساً إثر نشر هرتسوغ مقالة في هآرتس (صحيفة النخبة الفكرية في إسرائيل) (Herzog, 1999).
وتنتمي تلك السجالات والنقاشات، حول المقاربة الجديدة في علم الآثار الكتابي، في جزء منها لسجالات ونقاشات أعمال المؤرخين الجدد، نظراً لما تنال أعمالهم من هيبة الروح والأساطير القومية، وتعريض الهُوية الصهيونية والهُوية اليهودية للخطر. وكان هرتسوغ قد لخص، في مقالته تلك، نتائج أعمال مدرسة تل أبيب وهاجم المقاربة التي شكلها الجيل السابق من علماء الآثار.
وبحسب هرتسوغ، لا تثبت الأدلة الأثرية والكتابية قصص البطاركة والخروج، وغزو كنعان، ووجود المملكة المتحدة في عصر داود وسليمان، فضلاً عن أن التوحيد لم يظهر إلا أواخر عصر الملكية.
كان التأريخ الكتابي أحد أركان بناء الهوية القومية للمجتمع اليهودي-الإسرائيلي، ولذلك اعترف هرتسوغ بصفته ابن الشعب اليهودي وتلميذ للمدرسة الكتابية، بشعوره بالإحباط والأسى على "شعبه". وفي هذا السياق، كان لاعترافه هذا علاقة غير مباشرة بعمل المؤرخين الجدد، وهو يقدر بأن المجتمع الإسرائيلي مستعد للاعتراف بالظلم الذي وقع على الفلسطينيين، لكنه ما زال لا يمتلك القوة الكافية لقبول الحقائق الأثرية التي تحطم أسطورة النص الكتابي. واستعرض هرتسوغ، وفقاً لنظرية توماس كون، الأحداث على أنها نقلة نوعية: فقد انهار النموذج القديم لعلم الآثار الكتابي بسبب تراكم الحالات الشاذة، وفي ظل هذه الأزمة، نهض النموذج الجديد لمدرسة تل أبيب.
وتجدر الإشارة، عند هذه النقطة، إلى أنه مع نهاية القرن العشرين لم يحدث التغيير في مقاربة علم الآثار للكتاب فحسب، بل حتى في ممارسته أيضاً، فأضحى علم الآثار الكتابي، كما لاحظ فنكلشتين، "علماً كبيراً" بتأثير من العلوم الطبيعية (Finkelstein, 2006-2007: Lecture 1)، وحتى في العام 1970، عندما بدأ [فينكلشتين] دراسته، كان لا يزال علم الآثار غير مرتبط بالعلوم الطبيعية. ومنذ ذلك الحين تطورت الروابط والاتصالات بشكل كبير. فإذا كان يتم، في بداية القرن العشرين توقيع تقارير أعمال الحفر والتنقيب -على سبيل المثال- من قبل عالم آثار واحد، مثل روبرت ماكاليستر، بات يتطلب الأمر، اليوم، التوقيع على مثل هذه التقارير (لبعثات فينكلشتين) عشرات الخبراء من مختلف المجالات، مثل الفيزياء والجيولوجيا وعلم المعادن وعلم النبات الأحفوري وكذلك علم الحيوان الأحفوري.
يطعن فينكلشتين، ومن خلفه مدرسة تل أبيب، بالتحقيب التقليدي [الكرونولوجيا] لعلم الآثار الكتابي، ويستبدله بنظرية التحقيب المنخفض، فقام بخفض زمن مجاميع لقى القرن الحادي عشر ق.م إلى أوائل القرن العاشر ق.م، ومجاميع لقى القرن العاشر ق.م إلى أوائل القرن التاسع ق.م. ووفقاً لهذا الرأي، حصل الانتقال من أواخر العصر الحديدي الأول إلى أوائل العصر الحديدي الثاني II /الدور A مع نهاية القرن العاشر ق.م، أي بعد عصر داود وسليمان، ما يعني بأن المملكة المتحدة العظيمة لم توجد في عصر داود، ولم تكن يهوذا سوى مملكة قبلية صغيرة غير محصنة، وأورشليم مجرد "قرية صغيرة". ولم يكن هناك سوى 500 من الذكور البالغين تقريباً في يهوذا من القرن العاشر ق.م، والتي لم يكن يتجاوز عدد سكانها، بشكل عام، بضعة آلاف على أكثر تقدير (Finkelstein, 1996 Finkelstein, 2005 Finkelstein, 2006-2007 Finkelstein and Silberman, 2001: 142).
في الوقت الذي لاتزال فيه مجموعة منافسة من علماء الآثار المحافظين ينتمي أبرزهم للجامعة العبرية في القدس، تنظر إلى الكتاب كمصدر تاريخي صادق عن أحداث العصر الملكي، وتدافع عن نظرية التحقيب العالي.
وتعتبر مدرسة القدس هذه، بالمقارنة مع مدرسة تل أبيب، أقرب بكثير إلى الجيل السابق من علماء الآثار الصهاينة. وتم نشر مجموعة من المقالات التي تعرض وجهات النظر المختلفة في هذه المناقشة في العام 2001 (Levine and Mazar (eds), 2001).
سوف يتم التركيز في هذا القسم، وفي الأقسام التالية، على الجوانب الاجتماعية والسياسية المرتبطة بالسجال الدائر بين أنصار التحقيب المنخفض وأنصار التحقيب العالي.
يحاول عميحاي مزار، عالم الآثار البارز من الجامعة العبرية (والأستاذ الفخري فيها) وابن شقيق بنيامين مزار، الذي يعرف نفسه بأنه "محافظ معتدل"، التقليل من تأثير الجوانب الاجتماعية والسياسية على عمل زملائه من كلتا المدرستين: "جميع هؤلاء هم -بالدرجة الأولى- من العلمانيين الذين ينحدرون من أطر تعليمية مماثلة ويحملون آراء سياسية مماثلة ليست متطرفة. لن تجد أناساً من أقصى اليمين أو من أقصى اليسار، فهؤلاء يقعون في مكان ما في الوسط. لا أعتقد أن الاعتبارات السياسية ستكون حاسمة".
من ناحية أخرى، يزعم أهارون مئير من جامعة بار إيلان أن "إحدى المشاكل تكمن في الدوافع السياسية"، فهو يقول عن الباحثة الآثارية إيلات مزار، من مدرسة القدس المحافظة وابنة بنيامين مزار، "ستقول إن عملها ليس له دوافع سياسية، ولکن يمكنك أن تلحظ رؤيتها للعالم، ومن أین تجني أموالها [جزء منه من جمعیة "إلعاد" القومية المتطرفة]". لكنه تراجع عن تصريحاته هذه، فيما بعد، وقال إن إيلات مزار لا تمتلك، على أية حال، أية أجندة سياسية (Shtull-Trauring, 2011).
وفي الواقع، ينتمي معظم الآثاريين الإسرائيليين إلى التيار الصهيوني السائد، لكن لا يعني عم تأثر عملهم بالجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية. فالآثاريون الصهاينة المعاصرون أقل تشككاً بالكتاب [المقدس] بالمقارنة مع نظرائهم التنقيحيين الأوروبيين غير اليهود المؤيدين للفلسطينيين، ومن الفلسطينيين أنفسهم، وحتى من الإسرائيليين الذين ينتمون لتيار ما بعد الصهيونية. وعلاوة على ذلك، هناك ثمة اختلافات حتى بين مدرستي تل أبيب والقدس بخصوص بعض المسائل الاجتماعية والسياسية، كما يعترف مئير بمرارة -وعلى مضض-.
فمن جهة هناك زئيف هيرتسوغ الذي تم اعتباره من ضمن المؤرخين الجدد، والأكثر تشككاً في الكتاب من الجيل السابق من الآثاريين الصهاينة. وفي الجهة المقابلة تقف إيلات مزار، حيث يعكس عملها وجهة نظر قومية، وهي تحمل إرث الجيل السابق. ويمكن رؤية ترابط الآراء الاجتماعية والسياسية والافتراضات النظرية وتفسير الأدلة من خلال مقارنة وجهات النظر الصهيونية وما بعد الصهيونية.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما يكتبه أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب شلومو ساند العلماني واليساري والمفكر ما بعد صهيوني، فقد أصبح كتابه المثير للجدل "اختراع الشعب اليهودي" The Invention of the Jewish People (2009) من أكثر الكتب مبيعاً في إسرائيل، وبعد نجاح كتابه الأول، نشر ساند تكملتين له: "اختراع أرض إسرائيل" (2012) The Invention of the Land of Israel و"كيف لم أعد يهودياً". (2013) How and When I Stopped Being Jewish. وتعرض لانتقادات شديدة من قبل ممثلي النخبة الصهيونية، من أمثال: أنيتا شابيرا وإسرائيل برطال ويوآف غيلبر (Shapira, 2009 Karpel, 2012 Haaretz, 2012 Gelber, 2012).
وكان يدور، في جزء من هذا النقاش، السؤال حول طبيعة حدود المجالات العلمية والتوتر بين التخصصات المختلفة. فيدّعي خصوم ساند أن ليس لديه سلطة للحكم على مثل هذه القضايا، لأنه متخصص في التاريخ الثقافي لفرنسا والعلاقة بين الفيلم والتاريخ.
ومن المهم أن نلاحظ في هذه المناقشة عدم التمييز الواضح بين الجوانب التالية:
(أ) الرؤية الصهيونية أو الرؤية ما بعد الصهيونية لمختلف الأطراف المشتركين في الجدل.
(ب) مقاربتهم للتاريخ وموقفهم منه، وظهور وتطور النزعة القومية والكتاب [المقدس] وعلم الآثار الكتابي ومسألة ما إذا كان اليهود اليوم ينحدرون مباشرة من يهود الهيكل الثاني أو ما إذا كان الفلسطينيون أحفادهم جزئياً.
شكلت جميع هذه الجوانب والقضايا جزءً حيوياً من السجال ذاته.
ويهدف ساند، على سبيل المثال، إلى الكشف عن الكيفية التي قام بها "أتباع القومية اليهودية" بنقل الكتاب [المقدس] من رف اللاهوت إلى رف التاريخ و "بدأوا في قراءته كما لو كان شهادة صادقة عن الصيرورات والأحداث"(Sand, 2009: 127).
فهل من المستغرب أو المفاجئ، إذن، أن يدعم ساند التنقيحيين الكتابيين، ويكون أكثر تشككاً في الروايات الكتابية من المفكرين الصهاينة، بما في ذلك أتباع مدرسة تل أبيب؟
يعتقد ساند أن أعمال "رواد مدرسة تل أبيب" أمثال نعمان وفنكلشتين وهرتسوغ "تقدم استنتاجات لافتة للانتباه". ويصف جدالهم الذي يفسر عدم إمكانية تأليف الكتاب قبل نهاية القرن الثامن ق.م، بأنه جدال "مقنع إلى حد ما"، بيد أنه يرفض الموضوع الرئيس، في أعمالهم، التي ترى أن مادة النص الكتابي جرت صياغتها وتحريرها بدرجة كبيرة وفقاً لمصالح وآراء مملكة يهوذا في عصر الملك يوشيا (القرن السابع ق.م). ويرى بأن تفسيراتهم هذه غير دقيقة تاريخياً. فعلى الرغم من أن كتاب فنكلشتين وسيلبرمان: "التوراة مكشوفة على حقيقتها"The Bible Unearthed (2001) هو كتاب "غني ومحفز"، لكنه، كما يشير ساند، "يصور مجتمعاً قومياً حديثاً إلى حد ما، يسعى ملكه، ملك يهوذا عن طريق اختراع التناخ، لتوحيد شعبه مع لاجئي مملكة إسرءيل المهزومة".
ويرى ساند أن فنكلشتين وسيلبرمان وزملائهما، يعكسان المجتمع الحديث والثقافة التقنية ويسقطانه على مجتمع الفلاحين الأميين الذين عاشوا في القرن السابع ق.م، على الرغم من عدم احتواء مملكة يهوذا على نظام تعليمي، ولغة موحدة نموذجية مشتركة ووسائل اتصال متقدمة. قد تكون التوراة، بالنسبة لغير المتعلمين، "رمزا مقدساً fetish، غير أنه لا يمكنها أن تكون راية إيديولوجية.. ناهيك عن أنه لم يعتمد الملك قديماً في حكمه على رضا أو حسن نية الشعب أو على الآراء السياسية للجماهير، بل على ضمان إجماع إيديولوجي ضمني بين الطبقة الإدارية وشريحة ضيقة من الطبقة الأرستقراطية" (Sand, 2009: 123-124).
ويخلص ساند إلى أن شرح أصل التوحيد الأول في سياق البروباغاندة الواسعة التي تقوم بها مملكة هامشية صغيرة، تسعى إلى ضم الأرض إلى الشمال، لا تعدو أن تكون حجة تاريخية غير مقنعة. وقد يكون هذا مؤشراً على مزاج معارض لسياسات الضم والإلحاق في إسرائيل في القرن الحادي والعشرين.
ومن النظريات الغريبة القول بأن الاحتياجات البيروقراطية والمركزية لحكومة أورشليم الصغيرة ولدت العبادة التوحيدية "يهوه فقط"، وذلك قبيل سقوطها، فضلاً عن تدوين عمل لاهوتي بأثر رجعي في شكل الأجزاء التاريخية من الكتاب [المقدس]. ومن المؤكد أن معاصري يوشيا، الذين قرأوا الروايات التي تصف قصور سليمان العظيمة، كانوا يتوقعون رؤية بقايا من هذه العظمة الماضية في شوارع مدينتهم، ولكن بما أن تلك القصور القديمة العظيمة لم تكن موجودة قط، كما أظهرت البحوث والتنقيبات الأثرية، فكيف يمكن وصفها قبل تدميرها الخيالي؟ (Sand, 2009: 124).
وهكذا، فمن المرجح، وفقاً لساند، أن السجلات الإدارية فقط ونقوش الانتصارات المشبعة بالغرور التي كتبها مدونو البلاط، مثل شافان كاتب يوشيا، هي ما تم حفظها في أرشيف مملكة يهوذا ومملكة إسرءيل. ويقر ساند بأننا "لا نعرف، ولن نعرف قط ما تحتويه تلك السجلات".
يفضّل ساند، ضمن مجال واسع من التفسير النظري، الوقوف إلى جانب التنقيحيين الكتابيين، أو مدرسة "كوبنهاغن- شيفيلد"، الذين تبدو نظريتهم أكثر إقناعاً على الرغم من أنه لا ينبغي قبول جميع افتراضات واستنتاجات تفسيراتهم النظرية. ويجادل ساند بأن استخدام السجلات والنقوش في تأليف الكتاب حصل فقط بعد سقوط مملكة يهوذا، تحت تأثير الأمثال والأساطير والخرافات من الشرق الأدنى، فضلاً عن السبي والنفي من أرض يهوذا والعودة خلال القرن السادس ق.م. ويعتقد أنه تم خلق التوحيد والكتاب نتيجة لقاء بين النخب الفكرية اليهوذية والدين الفارسي المجرد. وحرر غياب النظام الملكي الكتبة والكهنة، وسمح لهم ليس فقط بالإشادة، بل بانتقاد حتى داود مؤسس السلالة. (Sand, 2009: 124-128)
4.دفوعات فنكلشتين وكبش فداء من شارع شينكين
اقتبس فنكلشتين، في محاضرة له في جامعة تل أبيب، ما كان يجول في خاطر الآثاري المسيحي "رولان دوفو" من مخاوف إزاء إيمانه بالعقيدة اليهودية-المسيحية. ويتساءل فنكلشتين، بأسلوب خطابي، ما إذا كان ملتزماً برأي "دوفو". ليجيب على الفور بالنفي، لا من حيث الهُوية والإيمان ولا من حيث البحث (Finkelstein, 2006-2007: Lecture 1). ويبدي، على نحو مماثل، تعاطفاً مع الجيل السابق من علماء الآثار الصهاينة، غير أنه يحدد في الوقت عينه خطاً فاصلاً بينهم وبين الجيل الجديد: كانت هناك حاجة عميقة هنا لخلق وتقديم ثقافة وجذور، على الترتيب، لأناس من قوميات مختلفة كانوا قد أتوا من أماكن مختلفة كثيرة، وكان علم الآثار بمنزلة الأداة القوية التي تفي بهذا الغرض.
استقطب الجميع في هذا الجهد وفقاً لقناعة داخلية عميقة، وليس هناك ثمة أي خطأ في ذلك. رأى يادين بأن التاريخ يكرر نفسه: غزو الأرض آنذاك والآن، ومملكة داود وسليمان المجيدة آنذاك والآن، وهذه المرة تأخذ شكل ديمقراطية في الشرق الأوسط. في الحقيقة، يمارس الآثاريون لعبتهم المفضلة بين الماضي والحاضر، ولا يمكن انتقادهم جراء ذلك (Finkelstein in Shtull-Trauring, 2011).
وعندما سأله أحد الصحفيين عن حجم القلق الذي قد ينتابه من استغلال البعض، الذي ينكر الحجة الصهيونية، نظريته، كانت إجابته بتقديم رواية أكثر نضجاً ونقداً للصهيونية من أسلافه. كان جوابه" إن النقاش حول حقنا في الأرض أمر يثير لدي الكثير من الأسى والسخرية، كما لو أن هناك لجنة دولية في جنيف تعاين تاريخ الشعوب، فيأتي شعبان يقفان أمامها ليقول أحدهما: "لقد كنا هنا منذ القرن العاشر ق.م"، فيرد الشعب الآخر: "لا، إنهم يكذبون، إنهم هنا منذ القرن التاسع ق.م فقط". فما العمل في هذه الحالة؟ كيف ستتصرف اللجنة؟ هل تطرد هذا الشعب؟ وتطلب من أفراده توضيب أغراضهم وحزم أمتعتهم والرحيل؟، في جميع الأحوال، يعود تراثنا الثقافي إلى تلك الفترات، لذلك فالقصة برمتها مجرد هراء، لقد كانت أورشليم موجودة وكان لها معبدها الذي يرمز إلى شوق اليهوذيين الذين عاشوا هنا، وبعد ذلك أصبح يرمز، في زمن عزرا ونحميا، إلى شوق اليهود. ألا يكفي هذا؟ أليس هذا كافياً؟ كم هو أصلاً عدد الشعوب التي تعود بتاريخها إلى القرن التاسع أو العاشر ق.م؟ ولنقل إنه لم يكن ثمة خروج من مصر، ولا وجود لمملكة متحدة عظيمة، وأننا، في الواقع، لسنا سوى كنعانيين. هذا يعني أن لا خوف علينا ولا على حقوقنا، أليس كذلك؟ (Finkelstein in Lori, 2005).
يؤكد فنكلشتين دائماً في كتبه ومحاضراته ومقابلاته، على إيمانه الشديد بـ "الفصل التام" بين الإيمان والتقاليد والبحوث الأثرية، بيد أنه لا يستبعد لاهوت الكتاب معتبراً إياه "لاهوتاً مثيراً" بطريقة مذهلة. ومن المهم، بالنسبة له، أن يتعرف جمهوره الإسرائيلي على مدى فخره بالتقاليد اليهودية وأنه لا يحاول تقويضها. لم يبن سكان يهوذا، الذين عاشوا في أواخر عهد الملكية، جداراً أو أنتجوا فخاراً يستحق وضعه في متحف، ولكنهم أنتجوا، عبر موجة استثنائية من الإبداع كما حصل في أثينا وفلورنسا، الوثيقة التأسيسية لليهودية والمسيحية. وبما أن الهُوية تشكل تهديداً للموضوعية؛ والبحوث تشكل تهديداً للهوية، فإن حلّ فينكلشتين يكمن في الإصرار على الفصل [بين الإيمان والتقاليد والبحوث الأثرية]، الأمر الذي من شأنه أن "يحرر؛ بالأحرى يخفف التصعيد والتوتر" (Finkelstein, 2006-2007: Lecture 13).
يقدم فينكلشتين، وأقرانه المحافظين، أعمالهم على أنها أعمال "موضوعية" و"غير متحيزة"، ولكن النقاش بينه وبينهم، يظهر، بجلاء، طغيان الآراء الاجتماعية والسياسية والقيم الثقافية على هذا النقاش، وهذا يفسر عدم اختفاء البعد الاجتماعي السياسي لعلم الآثار الكتابي رغم كل ما يزعمه فنكلشتين، إذا يبدو استحالة فصل هوية الباحث عن مجال دراسته. وما انفك فنكلشتين ومنافسيه يواصلون إلقاء اللوم على بعضهم البعض بسبب تأثرهم بالآراء الاجتماعية والسياسية.
فمن ناحية، يتهمه ويتلام، كما رأينا من قبل، بتضخيم موضوعة التوطن الإسرءيلي، في البحث عن الكيان القومي، أي "إسرءيل"، في حين يهمّش المناطق الكنعانية. ويهمش، في المقابل، الصهاينة المحافظون، عمل فنكلشتين ومدرسة تل أبيب ويتهمونه بالتآمر مع التنقيحيين. ويوضح فينكلشتين، على نحو متكرر، بعدم قيام أعماله بأي تهديد للصهيونية أو اليهودية، وهو يقدم نفسه للجمهور الإسرائيلي بطريقة خطابية باعتباره واحداً من أولئك الذين يتقاسمون ذات القيم والانشغالات.
ويشرح فنكلشتين وسيلبرمان في المقدمة العبرية لكتاب "التوراة المكشوفة" (Finkelstein and Silberman, 2001)، ضرورة فصل مطابقة القارئ اليهودي مع النص الكتابي عن الدراسة العلمية للنص: فالإيمان والتقاليد والبحوث موجودة بأبعاد متوازية. ووفقاً للمؤلفين، فقد نضج المجتمع الإسرائيلي، والقول بأن شرعية إسرائيل تعتمد على دقة التصورات الكتابية ليس سوى فكرة طفولية. فلا يهم ما إذا كان سليمان حكم مملكة كبيرة أو قرية صغيرة وعدد قليل من الأراضي في القرن العاشر ق.م، فليس هناك أدنى شك في أن مملكتي يهودا وإسرءيل وجدتا بالفعل في القرن التاسع ق.م. وعلاوة على ذلك، قد يتحول الاستخدام السياسي للتاريخ القديم إلى سيف ذو حدين، فالتأكيد على انحدار الإسرائيليين من نسل الكنعانيين قد يبدو بدعة، ولكن يعتقد فينكلشتين وسيلبرمان أن ذلك يسحب البساط من تحت بعض التأكيدات التي ترى بإمكانية العثور على جذور مجموعة أخرى في العالم الكنعاني.
تستهدف مثل هذه الخطوة البلاغية لفنكلشتين وسيلبرمان سجالات التنقيحيين في بعدها السياسي، مثل السردية الفلسطينية، وحجة "الإسكات" التي ينادي بها ويتلام. ويضيفان بأنه ينبغي على إسرائيل، بوصفها مجتمعاً ديمقراطياً وليبرالياً منفتحاً اجتماعياً، التعاطي مع ماضيها ودعم حرية البحث، التي تعد أهم بكثير من قصور القرن العاشر ق.م الرائعة. وقد ألفا كتابهما، كما يقولان، مع الشعور بالاحترام العميق لـ "الحقيقة" الكتابية، التي تتعامل مع واقع واحتياجات وصعوبات شعب يهوذا في نهاية الحقبة الملكية وخلال العصر الفارسي.
وأحد الموضوعات الرئيسة في نظرية فينكلشتين ترى بتشكل السرد الكتابي، بدرجة كبيرة، وفقاً إلى مجموعة من الدفوعات، أي الدفاع عن سلوك الملك داود أو الدفاع "التثنوي الثاني" الذي كان عليه تفسير دمار الهيكل الأول، ومملكة يهوذا والسبي البابلي (Finkelstein, 2006-2007 Finkelstein and Silberman, 2001).
ويجد فنكلشتين، في بعض الأحيان، رابطاً بين الماضي والحاضر، فيقول: "قال شعب يهوذا أن ملوك إسرءيل كانوا أوغاداً فاسدين، ولكن بالنسبة للشعب هناك، ليس لدينا أي مشكلة معهم، هم جميعاً على حق" هم قالوا عن إسرءيل ما يقوله شخص أرثوذكسي متطرف أصولي عنك أو عني: "فلا تزال إسرءيل هي إسرءيل، رغم خطأها" (Finkelstein in Lori, 2005).
ومن المفارقات أنه عندما يتحدث فنكلشتين عن دفوعات الكتاب، يقوم بإنشاء دفوعاته الخاصة. لقد أتت عائلة والدته إلى فلسطين في العام 1860، وعائلة والده قبل تسعة عقود. ويوضح، في مقابلة مع صحيفة "هآرتس"، أنه لا ينتمي إلى أولئك العلمانيين العدميين المترفين الذين يعيشون في تل أبيب أو إلى اليسار ما بعد الصهيوني، مستخدماً، في توصيفه، ذات الاتهامات التي يسوقها الحاخامات الأرثوذكسيين والسياسيين من الأحزاب الدينية والسياسيين اليمينيين أو الصهاينة المتطرفين القدامى، ضد شارع شينكين الذي أصبح رمزاً لعلمانية تل أبيب، وضد ثقافته وناسه: ما الذي لم يقولوه عنا؟ إننا نهلستيين، ونهاجم بالثقافة الغربية، ونقوض حق إسرائيل في الوجود. حتى أن أحدهم استخدم وصف "منكري الكتاب".. أنا لست شينكاني نهلستي مشرك [أي لا يهودي].. فماذا يتوجب عليّ فعله؟ أغادر البلاد؟ وأين من المفترض أن أذهب؟ إلى غرودنو*؟ لا أريد الذهاب إلى هناك.. ربما تكون بوسطن أو باريس أكثر هدوءً وراحة، ولكن إن كنت تعيش هنا، فينبغي لك أن تكون، على الأقل، جزءً من التجربة التاريخية الجارية وتفهم قوتها. أما إذا كان هدفك من العيش هنا هو التمتع بحفلات ليلة الخميس الشاطئية، فمن الأفضل لك ألا تكون هنا أصلاً، لأن هذا المكان خطير. وأي شخص يعتقد أن تل أبيب هي نوع من غوا [شاطىء في الهند] إنما هو شخص غابت عنه هذه الفكرة تماماً (Finkelstein in Lori, 2005) [يقول فينكلشتاين في العبرية "gentile nihilist Sheinkinai بمعنى شنكاني وثني عدمي"، ولكنه يستخدم في النسخة الإنجليزية جملة "عدمي مترفyuppie nihilist"، وهي عبارة مخففة وأكثر وضوحاً للقارئ غير الإسرائيلي. وغرودنو مدينة تقع الآن ضمن أراض جمهورية بيلاروسيا وتقع قرب الحدود الليتوانية والبولندية، انتقلت عدة مرات بين بيلاروسيا وليتوانيا، سكانها خليط من اليبلاروس والبولونيين والليتوانيين]
سبق لبن غوريون، الذي كان صهيونيا بيوريتانياً أن دعا في رسالة له تعود للعام 1955 تل أبيب وحيفا بـ "سدوم وعمورة المعاصرتين" (Sima, 2012).
ويمكن لأي شخص ملم في الخطاب الإسرائيلي أن يلحظ أن الشيء الوحيد الذي نسي فنكلشتين قوله عن تضحيته (كبش فدائه) من شارع شينكين هو أنهم يأكلون السوشي هناك. وعندما يستخدم اليهود المتطرفون، في العادة، مصطلح "الأممي/ غير اليهودي gentile" في هذا السياق، تكون الخطوة التالية اتهام خصمهم بالتحول إلى المسيحية. ويبدو فنكلشتين كأبعد ما يكون عن الأرثوذكسية، ولكنه كشخص قومي ملتزم بالتقاليد اليهودية، ويزعم أن عمله لا يقوض اليهودية أو الصهيونية، عليه أن يقدم رواية للآخرين الحقيقيين والمتخيلين، ولعل أحد هؤلاء هو آدم زرطال، الأستاذ الفخري في جامعة حيفا الذي يمثل الجيل القديم من الآثارين الصهاينة. لقد كان زرطال هو من اعتبر فنكلشتين، وهرتسوغ ومدرستهما في عداد منكري الكتاب، وهو مصطلح له سمات تشبه دلالات "إنكار المحرقة" (Zertal, 1999 Zertal 2000).
ويمكن العثور على رد غير مباشر من الشينكينايم في الكوميديا الشهيرة "هذه هي سدوم"، وهو عمل روائي من إخراج مولي سيغيف وآدم ساندرسون (2010). تم إعداده من قبل فريق "إريتس نهيدريت" ארץ נהדרת [البلد الرائع]، أحد أشهر البرامج التلفزيونية وأكثرها نجاحاً في إسرائيل في العقد الماضي. يعتبر عرض إريتس نهيدريت عرضاً ساخراً في قالب يماثل عرض "ساترداي نايت لايف Saturday Night Live " وذو هُوية اجتماعية سياسية واضحة، وينتمي مؤلفو العرض، كرجال أشكناز من تل أبيب، لجناح اليسار الوسط الليبرالي، العلماني، وكثيراً ما يتعارض عملهم مع مواقف السياسيين الدينيين واليمينيين. يعرف سيغيف، المؤلف ورئيس تحرير البرنامج، نفسه بأنه ناخب نموذجي لحزب العمل، على الرغم من أنه في انتخابات العام 2013 صوّت لمصلحة حزب ميريتس اليساري، الذي يقدم موقفاً أقوى حول حل الدولتين وتفكيك المستوطنات، فضلاً عن الفصل بين الدين والدولة، والتشريع الديني، والمؤسسة الأرثوذكسية المتشددة.
ويعبر سيغيف في مقابلات مع وسائل الإعلام (Halutz, 2013) عن الخوف من تدمير الرؤية الديمقراطية الليبرالية في إسرائيل على يد رؤية مقابلة من طبيعة قومية ثيوقراطية. يحمل عمل سيغيف وزملائه دلالات رمزية للصراع بين تل أبيب والتيار الإسرائيلي العلماني، من جهة، وبين التيار الصهيوني القومي واليهودية الدينية من جهة أخرى. فالرب، كما يظهر في العرض، بائع بارع يخدع أبراهام في نهاية المطاف، الزبون الانتهازي الساخر، لتوقيع عقد معه.
يمثل أبراهام الأرثوذكسية اليهودية. ويجسد الملك بيرا، الديكتاتور الشرير من سدوم، عمدة تل أبيب ونظام الحكم بأسره في إسرائيل. يرسل الرب إلى سدوم الملاكين رافائيل وميكائيل متنكرين في زي ضباط شرطة ويقودان دراجات نارية. ومن المهم أن نلاحظ، في هذا السياق، أن الإسرائيليين والفلسطينيين كثيراً ما يعقدون صلات ببعضهم البعض بصفتهم بناء عمومة، أي أحفاد الآباء البطاركة الكتابيين إسحق وإسماعيل.
وعندما تلتقي، في سياق العرض، هاجر وابنها إسماعيل في الملائكة في الطريق إلى سدوم، تقدم شكوى ضد أبراهام الذي طردها وابنها إلى الصحراء. لقد تُركت وحيدةً مع والصبي بلا شيء: "كيف سيكون مستقبل الطفل؟ وفي ظل حالة اليأس هذه، سيقوم بعمل متطرف، وسوف يأخذ جمله، ويدخل إلى خيمة ويفجرها بمن فيها، يا رحمة الله! "يسأل اسماعيل المتفاجئ "ماذا ؟!"، تهمس هاجر "امض.. فقط تابع".
في المشهد الأخير من العرض، لا يتم تدمير سدوم، ويصبح لوط ملك المدينة-الدولة / عمدتها، وتنتقل اللقطة من مشهد بانورامي لسدوم القديمة إلى مشهد بانورامي لتل أبيب الحديثة، ويوضح التعليق: "ظلت سدوم مدينة مزدهرة. وانتقل سكانها لاحقاً إلى موقع أفضل". ينضم بيرا لعائلة أبراهام بعد أن يهرب بالمال من سدوم متنكراً في شكل لوط، ويوضح التعليق أن "أبراهام وبيرا أسسا سلالة رائعة وعاشا كجيران طيبين مع شعوب المنطقة"، بينما نرى في الخلفية أبراهام وبيرا يجلسان في الصحراء، في الوقت الذي تقوم فيه هاجر بتنظيف المكان تحت أقدامهما.
استقلال سدوم الجديد مستثنى من الصراع العربي الإسرائيلي.
ثمة رد آخر غير مباشر من الشينكينايم يتصل بموضوع القسم التالي: الحفريات بالقرب من جبل الهيكل واتهامات فنكلشتين لهذه الأعمال التي تقوم بها مدرسة القدس.
يعرّف أعضاء فرقة غنائية إسرائيلية أنفسهم بأنهم شينكينايم (مقابلة يوم 12 كانون الثاني 2015 مع فرقة مع فرقة Cain and & 90210 على إذاعة KZRadio http://pod.icast.co.il/bfcc402e-cdc4-4fc1-b964-94d2bcbacc67.icast.mp3
وانظر أيضاً Penn, 2011. وتعرف الفرقة باسم Cain & Abel 90210) ولها أغنية بعنوان "نيفيلا هوفشيت (حفيروت) " נפילה חופשית (הפירות): وتعني السقوط الحر (الحفريات)، [بالإنكليزية This is a free fall [Nefila Hofshit]! Shit! Shit! Shit...] وكلمة حر هنا قابلة للتلاعب حيث إن نطقها خطأ باللغة العبرية يحولها إلى كلمة "خرا".... تقول الأغنية
حفريات في جمجمتي
حفريات في جمجمتي
آلات جاهزة لتسحق وتدمر
ليس وقتاً سيئاً لتشعر به
يوم الدينونة...
واجه الكابوس
قاتل من أجل جبل الهيكل أو مت
لا تقلق بشأن بزوجتك
فالموت واجب وأيضاً شرف ...
ذكريات أثرية تمر عبر الزمن
صور تمر في ترتيب زمني.. إلى أين تقودني؟
إنه سقوط حر [نيفيلا هوفشيت]!
خر خر خر ...
(Cain & Abel 90210, “Free Fall (Excavations)”، Album: “Cain & Able Bogus Journey” , 2010)
5.الحفريات في مدينة داود
تعد إيلات مزار، عالمة آثار من الجامعة العبرية في القدس ومركز شاليم، من أتباع النهج الصهيوني المتطرف الذي صاغه جدها بنيامين مزار والذي تقول عنه: "أحد الأشياء العديدة التي تعلمتها من جدي كان كيفية الارتباط بالنص الكتابي والتعامل معه: قم بتدويره وانظر إليه عدة مرات وكرر الأمر، لأنه يحتوي في داخله على وصف للواقع التاريخي الحقيقي"(Mazar, 2006b: 20). تسترشد مزار بقراءة أصوليةmaximalist للكتاب، وأسهمت هُويتها اليهودية الصهيونية بتشكيل افتراضاتها النظرية وتوقعاتها والأهمية التي تعطيها لإيجاد المملكة العظمى لاثنين من الأبطال الأسطوريين القوميين والعالميين -داود وسليمان. وكانت قد قالت في الدورة "الوطنية والأمن القومي في إسرائيل"، في مؤتمر هرتسليا السادس، أن عملها يكشف "أهمية الكتاب [المقدس] كمصدر تاريخي رائع يجسد ثروة من المرويات التاريخية الأصيلة".
وبالنسبة لها، يظهر الكتاب وبقايا الأبنية في القدس منقوشاً "في جذور وجودنا ومن كليهما نرضع قوتنا القومية". وهي تعرّف عملها الأثري بأنه "حبل سري شخصي بيني وبين التاريخ القديم لشعب إسرءيل في أرض إسرائيل. يمكنك أن تسميها، إذا كنت ترغب، القوة القومية من الناحية الشخصية" (Mazar, 2006a).
ترتبط الحفريات في المدينة القديمة في القدس، وموقع مدينة داود جنوب جبل الهيكل، ارتباطاً مباشراً بالسياسة الوطنية المحلية والدولية، وهي تقع في بؤرة وسائل الإعلام. فحتى مجرد اكتشاف بسيط يمكن أن يقدح زناد آلة البروباغاندة القومية. فعلى سبيل المثال، نشرت مزار في أيلول 2013 أن حملتها في منطقة أوفيل [وادي حلوة؟]، وهو موقع يقع بين جبل الهيكل ومدينة داود، تكللت بالعثور على كنز ذهبي يعود للعصور البيزنطية المتأخرة (حوالي القرن السابع الميلادي). يتضمن الكنز ميدالية ذهبية تحمل صورة شمعدان [מנורה] الرمز القومي لدولة إسرائيل، والبوق "شوفار שופר"، ولفائف التوراة، وأصبح مثل هذا الإعلان، على الفور، موضوعاً رئيسياً في الأخبار (Reinstein, 2013 Hasson, 2013b).
وتلت التقارير الإخبارية عن الاكتشاف ردود الفعل المعتادة حول "الحق اليهودي" في الأرض و"الأسطورة" الفلسطيني. واستدعى رئيس الوزراء اليميني بنيامين نتنياهو الباحثة إيلات مزار وهنأها. كما نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية هذا الاكتشاف، كما هو الحال عادة في حالات الاكتشافات الأثرية التي تتعلق بالتاريخ اليهودي في إسرائيل. ووفقاً للتقارير الإخبارية، قال نتنياهو لمزار: هذا حدث هائل واكتشاف رائع على الصعيد القومي، ويشهد على الوجود اليهودي القديم وقدسية المكان، وهذا واضح تماماً مثل الشمس.. هذه شهادة تاريخية من أعلى درجة لربط الشعب اليهودي بأورشليم، وبأرضه وتراثه. إنه أمر مؤثر وعاطفي جداً. هذا الاكتشاف هو جوهر تراثنا -شمعدان، وبوق، ولفائف التوراة. إن جوهر الشعب اليهودي لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً وإيجازاً من هذا (Netanyahu Israel Ministry of Foreign Affairs, 2013)..
وفي كانون الأول 2013، أبلغ نتنياهو أعضاء من حزب الليكود حول اجتماعه مع وزير الخارجية الصيني قبل بضع ساعات: أخذته إلى مكتبي، وأظهرت له الختم هناك، من زمن الهيكل الثاني [ينبغي أن يكون من الهيكل الأول]، من عصر الملك حزقيا. منذ 2700 سنة مضت، قبل ما يقرب من 3000 سنة.. أظهرت له الختم الرسمي للملك حزقيا، وهو الختم الذي عثر عليه بجوار الجدار الغربي.. قلت له: "انظر، هناك اسم عليه هنا. إنه مكتوب بالعبرية، وهو اسم تعرفه -نتنياهو!" وقلت له: "هذا منذ ما يقرب من 3000 سنة، ولكن هل تعلم أن اسمي الأول يعود إلى نحو4000 سنة؟". (Netanyahu in Verter, 2013).
ولكن ما لم يخبر نتانياهو الزائر الصيني بأن والده، وهو مؤرخ صهيوني يميني واسمه بن صهيون نتنياهو والذي ولد في وارسو باسم "بن زيون ميليكوسكي"، هو من اختار لقب نتنياهو.
في الواقع، تعد عبرنة الألقاب والأسماء عنصراً أساسياً في بناء الهُوية القومية منذ بدايات الصهيونية.
أجرى نفتالي بينيت، وزير الاقتصاد وزعيم حزب البيت اليهودي الذي يمثل الجناح اليميني الديني والمستوطنون، مقابلة مع شبكة CNN (17 تشرين الثاني 2013)، وعندما سئل عن المستوطنات في الأراضي المحتلة، لوّح بعملة قديمة، وأخبر كريستيان أمانبور: "هذه العملة، التي تقول" الحرية لصهيون" باللغة العبرية، كان يستخدمها اليهود منذ 2000 سنة في دولة إسرائيل، التي تدعوها أنت أرض محتلة. لا يمكن للمرء أن يحتل وطنه"( انظر نهاية المقابلة مع بينيت هنا http://www.nrg.co.il/online/1/ART2/523/195.html). ولم يلبث بينيت نفسه بعد شهر من المقابلة من مهاجمة استخدام علم الآثار عندما وجده لا يتطابق مع أجندته السياسية الدينية بسبب تهديده لهُويته: "في الأشهر الأخيرة، هناك حملة منظمة ومتسقة ومقررة لمحو الهُوية اليهودية لدولة إسرائيل. وتتولى العديد من المنظمات، إلى جانب صحيفة هاآرتس قيادة هذه الحملة مرة [من خلال] مقالات [تزعم] عدم وجود أساس واقعي تاريخي/ أثري للعلاقة بين الشعب اليهودي وأرضه. ومرة [من خلال] الاعتداء على الطلاب الذين يزورون مواقع التراث اليهودي في إسرائيل. والآن [من خلال] حملة مركزة ضد الختان (Naftali Bennett, Facebook, 26 December, 2013). (للمزيد انظر، https://www.facebook.com/NaftaliBennett/posts/671099339578404)
لا يختلف الوضع كثيراً على الجانب الفلسطيني، ففي مؤتمر عقد في كانون الثاني 2014، قال صائب عريقات، كبير المفوضين الفلسطينيين، لجمهوره أمام نظيرته الإسرائيلية، الوزيرة تسيبي ليفني إنه سليل الكنعانيين الذين عاشوا في الأرض منذ آلاف السنين قبل أن يدمر يشوع وبني إسرءيل أريحا (Beck, 2014 Yaakov, 2014). وادعت وسائل الإعلام والمدونون المؤيدون لإسرائيل أن عريقات هو في الواقع شخص بدوي، من قبيلة الحويطات من شبه الجزيرة العربية (أنظر مثلا http://elderofziyon.blogspot.co.il/2014/02/erekats-latest-lie-my-family-was-in.html#.VSz9V_mUftt-
http://elderofziyon.blogspot.co.il/2014/02/saeb-erekat-admits-he-is-jordanian.html#.UxY2LWDNvyc
http://www.assawsana.com/portal/pages.php?newsid=167478)
وقد ميزت السخرية بعض ردود الجناح اليساري لهذا النوع من الحجج. ويصف سيد قشوع في أحد أعمدته الساخرة، (الذي تعكس كتاباته التوتر بين هُويته العربية الفلسطينية وجنسيته وهُويته الإسرائيلية)، كيف ساعد ابنته في مشروع مدرسي عن الجذور. فبعد أن سألته ابنته عن معنى اسمها، قال سيد لزوجته: "علينا أن نذهب أعمق بكثير مع الجذور - 3000 سنة أعمق. فأنت تعرفينهم- يعودوا إلى قصة المدفن الذي اشتراه الأب أبراهام في الخليل، أو أينما كان". وقرر أن يخبر ابنته أن اسمها يعني "آلة موسيقية كانت محبوبة بشكل خاص من قبل الكنعانيين"، فسأله هل تُكتب بحرف الكاف أم القاف، فيصيح بها بـ "القاف".. واحترمي حالك أحسن لك.. اللعنة! فنحن نتحدث عن أجدادك هنا"(Kashua, 2012).
وكان زميل يهودي لقشوع، هو بيني زيفر، المؤلف والمحرر الأدبي لصحيفة "هآرتس"، قد رد بطريقة مماثلة على استغلال مزار ونتنياهو لاكتشاف الميدالية الذهبية. حيث يشكو زيفر من أن علم الآثار "المعبأ" تحول إلى مهزلة بصورة مضحكة.. وانتقل من كونه علماً نقياً إلى علم يلوثه غبار الإيديولوجيا القومية الدينية". كما يرى فيه "شكل من أشكال التعويض العلاجي للدول التي تعاني من مشكلة تدني تقدير الذات في الحاضر"، والتي يمكن مقارنتها بهوس الرومانيين في أيام تشاوشيسكو لإثبات أنهم من نسل الداسيين، أو هاجس الأتراك لإثبات أنهم أحفاد الحثيين. وأخيراً، يرى زيفر أن بوسع القادة الآخرين استخدام حجة نتنياهو ذاتها عندما نعثر على كنز عثماني أو بيزنطي أو عربي في القدس (Ziffer، 2013).
وبالعودة إلى حفريات مزار، فهي تعتقد أن قصر الملك داود موجود في موقع مدينة داود استناداً إلى حفريات سابقة، وإلى ما ورد في الإصحاح 5 من سفر صموئيل الثاني: "7 وَأَخَذَ دَاوُدُ حِصْنَ صِهْيَوْنَ، هِيَ مَدِينَةُ دَاوُدَ.. () 9 وَأَقَامَ دَاوُدُ فِي الْحِصْنِ وَسَمَّاهُ «مَدِينَةَ دَاوُدَ». وَبَنَى دَاوُدُ مُسْتَدِيرًا مِنَ الْقَلْعَةِ فَدَاخِلًا".
وتعتقد مزار، أن قصر داود بني خارج أسوار أورشليم المحصنة بسبب نقص المساحة داخل المدينة. وعندما تعرضت المدينة للهجوم كان بإمكان داود النزول إلى الحصن اليبوسي القريب، أي قلعة صهيون، كما هو موضح في الكتاب.
رفضت الأوساط الأثرية وجهات نظرها هذه؛ ولم تتمكن مزار من جمع الأموال اللازمة لاستكمال الحفريات في الموقع. وفي نهاية المطاف، أصبحت مزار عضو بارز في مركز شاليم، وساعدها رئيس المركز دانيال بوليسار في جمع الأموال المطلوبة من رئيس مجلس إدارة المركز روجر هيرتوغ. وبدأت التنقيب بالتعاون مع "إلعاد" في العام 2005 برعاية أكاديمية من الجامعة العبرية في القدس (Mazar, 2007 Mazar, 2006b).
وتمتلك إلعاد ومركز شاليم أجندة سياسية -دينية، وهما المنظمتان اللتان موّلتا ودعمتا عمل مزار. و"إلعاد" جمعیة دینیة متطرفة تشجع الاستيطان اليهودي في المنطقة (Rapoport, 2006).. ويعترف دورون سبيلمان، مدير "إلعاد": "عندما نجمع المال للحفريات، فما يلهمنا هو الكشف عن الكتاب المقدس، وهذا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسيادة في إسرائيل" (Draper, 2010).
أما مركز شاليم فهو معهد بحثي يميني محافظ يتمتع بأجندة دينية قوية. وقال هيرتوغ، رئيس مجلس إدارة المركز، والذي قام بتمويل الحفريات شخصياً، لصحيفة نيويورك تايمز، أن الهدف هو إظهار "كيف يعكس الكتاب المقدس التاريخ اليهودي" (Erlanger, 2005). أو، كما أوضح تلك الأجندة بوليسار، رئيس المركز، إلى ناشيونال جيوغرافيك: ادعاؤنا بأن نكون من بين الأمم الكبرى في العالم، أن نكون لاعباً حقيقياً في مجال أفكار الحضارة، أن يكون كتابنا [أم الكتب]، أي الكتاب المقدس. ماذا لو حذفنا داود ومملكته من الكتاب؟ ماذا يتبقى لنا؟ بالتأكيد لن يبقى إلا كتاب مختلف. ولا يعود السرد عملاً تاريخياً، بل عمل روائي. ومن ثم ستصبح بقية الكتاب المقدس مجرد بروباغاندة تسعى جاهدة لخلق شيء لم يكن. وإذا لم تتمكن من العثور على الأدلة على ذلك، فربما لم يكن هناك حدث ولهذا السبب فإن الرهانات مرتفعة جداً" (Draper, 2010).
وتأثر بوليسار ويورام حزوني ويوشع فينشتين، الذين أسسوا وأداروا مركز شاليم، بصفتهم شباباً وطلاباً، بالحاخام مئير كاهانا وتحولوا إلى أصوليين. كان كاهانا زعيم الجناح اليميني المتطرف، ومنع حزبه "حركة كاخ" في العام 1988، من الترشح للكنيست بسبب عنصريته (في العام 1994 أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن كاخ منظمة إرهابية).
وعلى الرغم من نفوذه عليهم، ترفض إدارة المركز أجندة كاهانا العنفية، وهم أقرب إلى رئيس الوزراء نتنياهو وحزب الليكود. وعمل حزوني لمصلحة نتنياهو. والجهات المانحة للمركز هي أيضاً الجهات المانحة لنتنياهو. وعمل موشيه يعلون، رئيس أركان الجيش السابق ووزير الدفاع الحالي [أثناء نشر هذه المقالة 2014- المترجم]، في مركز شاليم. وتم الاعتراف بالمركز كمؤسسة أكاديمية بمساعدة وزير التعليم السابق جدعون ساعر (Lanski and Berman, 2007 Nesher, 2013).
وكشفت البعثة التنقيبية في مدينة داود عن هيكل حجري كبير حددته مزار على أنه قصر الملك داود. وعثر تحت البناء الكبير على هيكل حجري يتجه صعوداً على المنحدر الذي كشفته الحفريات السابقة (البناء الحجري المدرج هو أكبر بناء حجري يعود للعصر الحديدي في البلاد). وتعتقد مزار أن البناء الحجري يشكل دعامة للقصر. ووضعت حجارة القصر في مكب ترابي (كان الموقع عبارة عن منطقة مفتوحة، قبل بناء القصر).. ترجع مزار تاريخ معظم الفخار الموجود في المكب إلى العصر الحديدي الأول، أو إلى القرنين الثاني عشر والحادي عشر ق.م، وهو العصر الذي يسبق استيلاء داود على القدس من اليبوسيين.
تم بناء الهيكل الحجري الكبير، وفقاً لمزار، في وقت لاحق. وتم اكتشاف مرحلة ثانية من البناء في غرفتين في القسم الشمالي من المبنى الحجري الكبير، وقد تكون هناك مرحلة ثالثة من البناء على الحافة الشمالية الشرقية من المبنى. ويعود الفخار المرتبط بهذه المراحل إلى العصر الحديدي الثاني IIA، أي القرنين العاشر والتاسع ق.م. وبالتالي يمكن تأريخ المرحلة الأولى من البناء إلى "بداية العصر الحديدي الثاني IIA، وربما إلى منتصف القرن العاشر ق.م، عندما يذكر الكتاب أن الملك داود حكم مملكة إسرائيل الموحدة"، كما تم العثور على فخار من العصر الحديدي الثانيIIB (القرون الثامن والسابع والسادس ق.م) في الزاوية الشمالية الشرقية من المبنى، مما يشير إلى أن المبنى ظل قيد الاستخدام حتى نهاية زمن الهيكل الأول.
كما عثر المنقبون، على ختم يهوخل ابن شلميا، ابن شوفي، المذكور في سفر إرميا (37: 3) كموظف في بلاط الملك صدقيا (597-586 ق.م) (Mazar, 2007 Mazar, 2006b). وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ صِدْقِيَّا يَهُوخَلَ بْنَ شَلَمْيَا، وَصَفَنْيَا بْنَ مَعْسِيَّا الْكَاهِنَ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ قَائِلًا: «صَلِّ لأَجْلِنَا إِلَى الرَّبِّ إِلهِنَا»".
تتعرض استنتاجات مزار إلى الهجوم المستمر لكونها استنتاجات من طبيعة سياسية. ويصف مراسل ناشيونال جيوغرافيك روبرت درابر، الذي أجرى مقابلة مع مزار وفنكلشتين وزملاؤه الآخرون من المدارس المتنافسة، حادثاً حين لمحت مزار مرشداً سياحياً، وهو طالب سابق لها، يقود سياحاً في الموقع ويشرح لهم كيف لم تعثر مزار على قصر الملك داود، وأن الحفريات في مدينة داود هي جزء من أجندة يمينية لتعزيز المستوطنات وتهجير الفلسطينيين. فواجهته مزار، وقد اعتراها الغضب والاضطراب. ولاحظ درابر بعد هذا الحادث أنه "لا يوجد مكان آخر في العالم يكون فيه علم الآثار أشبه برياضة الاتصال والتماس أكثر من هذا المكان" (Draper, 2010).
وعندما أعلنت مزار أنها وجدت قصر الملك داود في موقع مدينة داود، علًق فنكلشتين على ذلك بوصفه "انفجار مسياني".. "يحدث أن يجدوا، كل بضع سنوات، شيئاً في القدس يبدو لهم أنه يؤكد وصف الكتاب لحجم المملكة في عصر داود. ثم بعد بضع الوقت، يتضح أنه لا يوجد أي مضمون حقيقي للنتائج، فتنحسر الإثارة، بانتظار اندلاعها التالي" (Finkelstein in Shapira, 2005).
يصور فنكلشتين التحيز النظري لمدرسة القدس بشكل عام، ومزار بشكل خاص تجاه الموقف المتطرف على أنه "انفجار مسياني"، مع تلميح إلى الهوس أو الذهان الديني المعروف باسم متلازمة القدس Jerusalem syndrome. ويتصل هذا الاتهام مباشرة، في حالة مزار، بالخطاب السياسي الإسرائيلي وبأجندة المنظمات اليمينية الدينية التي دعمت عملها أي مركز شاليم و "إلعاد".
ويبدو، على كل حال، من الناحية العملية، أن النقد السياسي الذي يكيله فنكلشتين للبحث في موقع مدينة داود، معتدل نسبياً (Finkelstein, 2011). ويأتي نقده من موقع التيار السياسي الوسط في إسرائيل اليوم. فأولاً، يزعم بأن اتهامات الفلسطينيين بشأن مدينة داود تقبل في بعض الأحيان من قبل وسائل الإعلام الدولية دون تدقيق، فموقع مدينة داود ليس جزءً من قرية سلوان الفلسطينية ولا يتم حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى. وعلاوة على ذلك، يتم العمل الميداني في مدينة داود وفقاً للقانون ولمعايير التقنيات الآثارية الحديثة تحت إشراف سلطة الآثار الإسرائيلية.
ويشكو فنكلشتين من أن المباني في الجهة الشرقية في قرية سلوان أنشأت بالأساس على مقابر يهوذية صخرية فريدة تعود للقرنين الثامن والسابع ق.م. ويضيف أن القبور تغمرها مياه الصرف الصحي وتملؤها نفايات سلوان، على الرغم من أنه يختار عدم الإشارة إلى حالة القرى والأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية. وباعتباره عنوان وعوده في مقالته الافتتاحية؛ فهو يتعامل مع قضايا "تتجاوز السياسة".
ويؤكد، مثل مزار والعديد الآخرين، أن أكبر دمار لحق بالتراث الأثري في جبل الهيكل/ الحرم الشريف يعود إلى مشروع هيئة الأوقاف الإسلامية التي قامت بأعمال إنشائية تحت الأرض. لكنه يبدو غير مقتنع بإدارة موقع مدينة داود ومركز الزوار للموقع من قبل "منظمة غير حكومية ذات توجهات سياسية يمينية". ويحث منظمات الدولة، مثل سلطة الآثار الإسرائيلية وسلطة الحدائق الوطنية الإسرائيلية، على إيجاد طريقة للإشراف على إدارة الموقع (Finkelstein, 2011).
وكما سأبين أدناه، من الأهمية بمكان لفنكلشتين، شخصياً ومعرفياً، أن يكون في معسكر الوسط، بل وأن تعكس وجهات نظره الموقف السياسي لهذا التيار في إسرائيل. وهكذا تقع إيلات مزار وجمعية "إلعاد" على يمينه، وشلومو ساند وجمعية "عمق شبيه Emek Shaveh" على يساره. وخلافاً لما ذكره فنكلشتين، فإن تقارير جمعية الجناح اليساري "عمق شبيه" تحدد الهدف من الحفريات في القدس الشرقية/ القدس "كوسيلة للسيطرة على قرية سلوان والبلدة القديمة في القدس". كما تدعي الجمعية أن بعض الأنشطة الأثرية في المنطقة تخضع لإشراف "إلعاد" ولا تستوفي المعايير العلمية، لا سيما مشروع غربلة الحطام المستخرج من جبل الهيكل أثناء أعمال بناء الأوقاف الإسلامية (Emek Shaveh Association, 2013 2012).
يهدف عمل إيلات مزار بأكمله إلى حماية السردية الكتابية من التنقيحيين الكتابيين، وكذلك من النظرية الأكثر اعتدالاً التي تتبنى التحقيب المنخفض (وهذا بالطبع لا يعني عدم مهنية عملها، تماماً مثل عمل أولبرايت أو عمل علماء الآثار الآخرين من الأجيال السابقة). وقد كانت ردة فعل زملائها من تل أبيب، الذين طوروا نظرية التحقيب المنخفض متوقعة، فكتب فنكلشتين وهرتسوغ وآخرين: "الأهمية الظاهرة لهذا الاكتشاف وهيجان وسائل الإعلام التي رافقت التنقيب تتطلب مناقشة فورية" (Finkelstein et al., 2007).
رفضت مدرسة تل أبيب (فنكلشتين وزملاءه) تأويل مزار للقى التي عثر عليها في مدينة داود كما رفضت استنتاجاتها. ويستند تأويلهم البديل على ثلاثة تأكيدات:
(1) الجدران التي اكتشفتها مزار لا تنتمي إلى المبنى ذاته.
(2) قد تكون الجدران الأكثر تعقيداً مرتبطة بعناصر اكتشفت في عشرينيات القرن الماضي، ويمكن أن تؤرخ -على الأرجح-للحقبة الهلنستية.
(3) هناك، على الأقل، مرحلتين لبناء الهيكل الحجري الذي يدعم المنحدر: الجزء السفلي منه ويعود إلى عصر سابق، ربما إلى العصر الحديدي الثاني IIA في القرن التاسع ق.م، بينما يمكن تأريخ الجزء العلوي منه المتصل بأعلى نقطة من منحدر الجدار الأول الحشموني بالعصر الهلنستي.
تهدف مجمل تأويلات لقى مدينة داود من قبل فنكلشتين وزملائه إلى حماية نظرية التحقيب المنخفض Low Chronology، التي ترجع أحدث اللقى الفخارية التي عثر عليها في المكب إلى القرنين العاشر - التاسع ق.م. وعلاوة على ذلك، لا يمكن استخدام فخار العصر الحديدي الثاني IIA الذي عثر عليه في الهيكل الحجري الكبير لتأريخ الجدران المحيطة، لعدم العثور على أرضية في المكان. حتى مزار نفسها تشك فيما إذا كان الفخار وجد في الموقع الأصلي in situ. وأشار فنكلشتين وآخرون (2007) إلى عدم وجود علاقة فعلية بين الهيكل الحجري الكبير والهيكل الحجري الداعم، ويشككون في إمكانية وجود مثل هذه الصلة، حيث يبدو أن الجزء الأعلى من الهيكل الصخري هو ترميم يعود للحقبة الهلنستية.
وبشكل عام؛ حاول فنكلشتين وآخرون، إظهار أن بعضاً أو جميع أجزاء الهيكل الحجري الكبير بنيت بعد العصر الحديدي الثانيIIA، وحددوا أن الجدران بنيت قبل العصر الهيرودي الروماني، استناداً للقى الفخارية التي عثر عليها مؤخراً في المكب (العصرين الحديدي المتأخر الأول/ والحديدي المبكر IIA). ومع ذلك، فهم يؤكدون على عدم إمكانية تحديد زمن جدران الهيكل بدقة بسبب فقدان الأرضيات، والبناء خلال فترات الرومانية والبيزنطية، والنشاط في الموقع خلال الحفريات الأثرية السابقة.
6.مملكة إسرءيل الشمالية في مواجهة مملكة يهوذا
من الأمور المثيرة للسخرية أكثر من كونها مصادفة؛ أن الجدل بين مدرسة تل أبيب (المدينة التي تمثل مدينة إسرائيلية علمانية) ومدرسة القدس (والتي تمثل مدينة يهودية محافظة) يستعاد في شكل جديد من التنافس والصراع بين المملكتين القديمتين: مملكة إسرءيل الشمالية ومملكة يهوذا.
وتبدي، بشكل عام، كلية العلوم الإنسانية في الجامعة العبرية في القدس تحفظا أكثر بكثير مما تبديه كلية العلوم الإنسانية في جامعة تل أبيب. فالاتجاهات الفكرية للتاريخ الجديد، وما بعد الحداثة وما بعد الصهيونية هي أكثر شيوعاً في تل أبيب منها في القدس. وليس من قبيل الصدفة تطور التيار الجديد في علم الآثار الكتابي في قسم الآثار الكتابية في جامعة تل أبيب، في حين يهيمن تيار أكثر تحفظاً على قسم الآثار الكتابي في الجامعة العبرية.
هذا على مستوى العالم المعاصر الحالي، أما بالنسبة للعالم القديم، فقد كانت اليد العليا في كتابة "التاريخ" لمملكة يهوذا التي تعرضت للدمار بعد مملكة إسرءيل.
واليوم هناك صراع متجدد حول إعادة كتابة التاريخ وتجري عملية استعادة للنضال الكتابي على أرضية جديدة من الأبحاث تستند إلى تقنية الكربون 14. ويتحدث فنكلشتين باسم مملكة إسرءيل المنسيةForgotten Kingdom of Israel [وهو عنوان كناب فنكلشتين المقدم هنا- المترجم]: "هنا تكمن المعضلة: كيف يمكن التقليل من مكانة "الأشخاص الطيبين "والسماح بانتصار "الأشخاص السيئين"؟ (Finkelstein, 2005: 39 Finkelstein, 2013).
ويحاول يوسف غارفينكل من جهة أخرى حماية "إنجازات مملكة يهوذا" (Garfinkel, 2012-2013).
وانصب النقاش، على مدى السنوات القليلة الماضية، على خربة قيافا، وهو موقع يطل على وادي إيله، على بعد نحو 30 كلم جنوب غرب القدس.
كشفت حفريات الموقع عن مدينة صغيرة محصنة تعود للعصر الحديدي المبكر. وكانت البعثة التي عملت في قيافا بين عامي 2007 و2013 بإدارة يوسف غارفينكل من الجامعة العبرية في القدس وساعر غانور من هيئة الآثار الإسرائيلية. ويعتقد غارفينكل أن موقع قيافا كان واحداً من ثلاثة مراكز لمملكة داود وسليمان، بالإضافة إلى أورشليم وحبرون.
فهل كانت المملكة المتحدة موجودة؟
يرى غارفينكل أن الجواب سيأتي من مواقع في شمال البلاد. كما أنه يرفض تحقيب فنكلشتين المنخفض في يهوذا من خلال التعرف على قيافا كمدينة يهوذية ويتساءل عن تحليل فنكلشتين الذي خفض تاريخ الاكتشافات في المواقع الشمالية من زمن داود وسليمان إلى نهاية القرن العاشر ق.م -بداية القرن التاسع ق.م، أي صعود مملكة إسرءيل الشمالية والأسرة العُمْرية. (Garfinkel and Ganor, 2008a Garfinkel, 2011 Garfinkel, 2012-2013) وقدم اقتراحات أخرى بشأن هوية قيافا. وكان [نداف] نعمان قد اقترح اعتبار قيافا موقع فلستي (2008)، ثم صنفه لاحقاً موقعاً كنعانياً (2012). كما اقترح فنكلشتين وفنتلكين (2012)، وكذلك ليفين (2012) اعتبار قيافا موقعاً إسرءيلياً.
وعلى الرغم من الاختلافات بين الباحثين الكتابيين في كوبنهاغن وشفيلد وعلماء الآثار في تل أبيب، يضع غارفينكل جميع منافسيه في سلة واحدة ويحددهم كمطورين للاستراتيجيات التنقيحية. فهم اقترحوا في البداية النموذج "الأسطوري" وشككوا في وجود داود. ومع ذلك انهار هذا النموذج، حسب غارفينكل، بعد اكتشاف تل دان في الأعوام 1993-1994، حيث إن النقش يذكر "بيت داود" فقط بعد زمن لا يتعدى 100-120 سنة من عصره. يرفض غارفينكل التفسيرات الأخرى للنص التي يعرفها بأنها "صدمة انهيار النموذج"، فضلاً عن الادعاء بأن وجود سلالة داودية لا يثبت وجود داود. فبعد انهيار النموذج الأول، "وضعت استراتيجية جديدة من قبل التنقيحيين "، ونموذج “التحقيب المنخفض" الذي كان، كما يقول غارفينكل، غير مؤكداً لتأريخ موقع خربة قيافا.
وبدلاً من الاستسلام، اعتمد التنقيحيون استراتيجية أخرى: النموذج "الإثنوغرافي". ووفقاً لهذه الاستراتيجية، لم يكن سكان قيافا يهوذيين، بل فلستيين أو كنعانيين أو إسرءيليين من مملكة شاول (Garfinkel, 2011 Garfinkel, 2012-2013).
وهكذا تتضح الجوانب السياسية والثقافية والدينية في علم الآثار الكتابي.
وكان غارفينكل قد وضح هذه الأمور في إحدى محاضراته بقوله: ماذا يهم إذا ما كانت قيافا فلستية أم لا؟ صحيح؟ طيب، لتكن إذن فلستية. فهذا لن يؤثر علينا. لنفترض أنه كان [في] قيافا سكان كنعانيين؛ فهذا لن يؤثر علينا أيضاً. صح؟ ثم ماذا يعني كل هذا؟ حتى لو كانت مملكة إسرءيل الشمالية قد دمرت؛ فلن يؤثر علينا أيضاً لاستمرارية يهوذا برفقة الكتاب والتوحيد، وستبقى مستمرة مع كل هذه الأمور، في الواقع حتى يومنا هذا.
ولذلك، هنا تكمن القضية التي تتعرض دائماً للهجوم، والتي هي في الواقع القضية الأكثر أهمية والأكثر مساهمة في تاريخ العالم وثقافته. فلماذا ينبغي، إذن، لأي شخص أن يهتم بالكنعانيين [أو] الفلستيين؟ كل هذه الأمور قد مضت بالفعل. حقاً هذا مثير للاهتمام. لاحظوا إذن ليس من قبيل المصادفة تركيز النزاعات على مملكة يهوذا لأنها في الواقع أهم شيء حدث في هذا المكان على مر التاريخ البشري (Garfinkel, 2012-2013: Lecture 11).
ويبدو، من الناحية النظرية البلاغية، إن كل جانب من جوانب هذه المناقشة يعرض عمله الخاص بوصفه عملاً علمياً سليماً، في حين يدعي أن الجانب الآخر منحازٌ بعوامل ومصالح غير علمية، ومدفوعاً باعتبارات إيديولوجية غير سليمة. فأعضاء مدرسة تل أبيب يصورون أعضاء مدرسة القدس على أنهم متطرفون-أصوليون، في حين أن أعضاء مدرسة القدس يصورون أعضاء مدرسة تل أبيب تنقيحيين- تفكيكيين.
يحدد إسرائيل فنكلشتين، عالم الآثار من مدرسة تل أبيب، عمل مجموعته بأنه "رؤية من الوسط"-"نظرة متوازنة" في هذه القضايا. من المهم جداً أن يكون فنكلشتين، على الصعيد الشخصي الإبستمولوجي، جزءً من التيار الرئيس: "الجميع يريد أن يكون في الوسط. كيف تعرف أنك حقاً في الوسط؟ سوف تكتشف موقعك الوسطي هذا عندما تُركل من كلا الجانبين.. عليك، عندها، أن تكون راضياً. فهو مكان جيد، أي عندما تتعرض للهجوم من كلا الجانبين"(Finkelstein, 2006-2007: Lectures 1& 13).
الافتراض الضمني لفنكلشتين هو أن الوسط غير متحيز حيث يبقى دائماً كما هو وعلى مسافة واحدة من جميع الأطراف. ومن الناحية السياسية، يميل الخطاب السائد إلى أن يكون شفافاً. ومن أجل كشف الانحياز السياسي للخطاب السائد والتيار العام ينبغي مواجهتهما ببدائل محلية وأجنبية.
يضع فنكلشتين نفسه بين النزعة التنقيحية التي تتجاوز ذروتها وبين التطرف الصهيوني الذي يرفض أتباعه الاعتراف بأن البيانات الأثرية لا تتماشى مع الوصف الكتابي لزمن الهيكل الأول. ومنافساه الرئيسيان هما يوسف غارفينكل وإيلات مزار من مدرسة القدس، وكان فنكلشتين قد كتب بخصوص تأويل غارفينكل لمكتشفات خربة قيافا: "هذا الموقف غير النقدي للنص الذي يراد له أن يعبر عن القرن الحادي والعشرين، ليس سوى بقايا نهج سبينوزا لمقاربة الكتاب المقدس العبري" (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 48).
كما اعتبر أن استنتاجات إيلات مزار من عملها في مدينة داود "تستند إلى قراءات حرفية مبسطة للنص الكتابي، ولا تدعمها الحقائق الأثرية" (Finkelstein, 2011).
ولاتزال مزار، كما أوضحت أعلاه، تواصل تقليد الجيل السابق من الآثاريين الصهاينة، ويتهمها فنكلشتين وزملاؤه بتجاهل الأدلة الكاملة كافة، والدراسات الآثارية والكتابية: "إن النص الكتابي، وليس علم الآثار، هو المهيمن على هذه العملية الميدانية". فتحليلها للقرن العاشر ق.م، على سبيل المثال، يستند حتى على سفر أخبار الأيام الذي يعود تأليفه لحوالي القرن الرابع ق.م. وبالمثل، يشكون من تجاهل مزار لنحو "ثلاثين عاماً من البحث في سفر التكوين والروايات البطريركية"، بينما تفسر "سفر التكوين على أنه يعكس وقائع العصر البرونزي الأوسط".
وفيما يتعلق بعمل مزار في أوفيل، المنطقة الواقعة بين جبل الهيكل ومدينة داود، يشكو فنكلشتين ورفاقه من إصرارها، دون وجود بيانات مؤكدة، على أنه الجدار السليماني الذي وصفته النصوص الكتابية، على الرغم من اعترافها بأن الجدار المكتشفة في هذه المنطقة كان قيد الاستخدام خلال القرنين الثامن والسابع ق.م (Finkelstein et al., 2007: 160-162).
كما تلعب السلطة والنفوذ والسياسات الأكاديمية والميزانيات دوراً في الصراع بين مدرستي تل أبيب والقدس. وتتجسد هذه الجوانب في حادث يعود للعام2011 حين قدمت مجموعتان من علماء الآثار، واحدة بإدارة يوفال غورين وعوديد ليبشيتس من جامعة تل أبيب والأخرى بإدارة غارفينكل وزميله الأمريكي مايكل هاسل، طلبات إلى سلطة الآثار الإسرائيلية، للقيام بحفريات في تل سوكوه، القريب من خربة قيافا في وادي إيله. وقام غورين وليبشيتس، مثلهما مثل غارفينكل، بحفريات في وادي إيله، لكنهما لم يقبلا مقولته حول يهوذية قيافا. ووفقاً لهما تنتمي قيافا إلى كيان كنعاني صغير.
مُنح كلا الفريقين تصريحاً لإجراء المسوح الآثارية. ولكن في رسالة ليبشيتس التي أرسلها إلى سلطة الآثار اتهم فيها غارفينكل بالحفر في الموقع دون تصريح. ونفى غارفينكل هذه الاتهامات وادعى أن ليبشيتس غير قادر على التمييز بين السرقات الأثرية والحفريات البدئية، كما رفض جدعون أفني من هيئة الآثار شكوى ليبشيتس، ورداً على ذلك، اشتكى ليبشيتس من أن العلاقات بين الجامعة العبرية في القدس وهيئة الآثار غير منتظمة وغير واضحة: ويعمل أفني مدرساً مع غارفينكل في الجامعة العبرية وغانور الذي يعمل مع غارفينكل في قيافا هو رئيس الوحدة في هيئة الآثار للوقاية من السرقات الآثار (غانور هو أيضاً طالب سابق عند غارفينكل).
ورداً على ذلك ادعى غارفينكل أنه منذ أن هدم نظريات التنقيحيين لمدرسة تل أبيب من خلال إيجاد مدينة محصنة في قيافا يحاول أتباع تلك المدرسة مضايقته و"بدلاً من إجراء نقاش علمي تراهم يستخدمون حيلاً غير نظيفة". وكان غارفينكل قد وصف فنكلشتين بأنه دكتاتور وادعى أنه وراء هذا الاضطهاد: "تحاول مدرسة تل أبيب إعاقتنا. لا أعتقد أن لديهم الحرية العلمية هناك. فنكلشتين هو من يوجههم. من أين ليوفال غورين ميزانية التنقيب إن لم تكن من ميزانيات فنكلشتين"؟
كما نرى اتهامات مماثلة أطلقها غابرييل باركاي، وهو عضو آخر في مجموعة من علماء الآثار المحافظين، حين قال عن فرض فنكلشتين ما أطلق عليه "جماعية مفاهيمية" على القسم في تل أبيب، الأمر الذي أدى إلى مغادرة باركاي لجامعة تل أبيب في العام 1997. وكان جواب فنكلشتين على ذلك بأنه لا علاقة له بالمناقشة بين غارفينكل ومجموعة غورين وليبشيتس، وأن ميزانياته البحثية تستخدم فقط لعمله الخاص (Hasson, 2011 Shtull-Trauring, 2011). ومع ذلك، استغل غارفينكل موضوع منحة البحث التي حصل عليها فينكلشتين والتي تبلغ قيمتها أربعة ملايين دولار، في المعركة الخطابية حين قال: "حتى أنه لا يستخدم العلم، وهنا تكمن السخرية، إنها أشبه بمنح صدام حسين جائزة نوبل للسلام "(Garfinkel cited in Draper, 2010). واصل غارفينكل، في نهاية المطاف، العمل في قيافا ومنحت مجموعة غورين التصريح لإجراء الحفريات في تل سوكوه [شويكة].
7.الصبي الهولندي الذي وضع إصبعه في ثقب السد
ثمة، هناك حروب عالمية تدور حول قيافا، هذا ما يقوله غارفينكل لطلابه. في حين يقارن نفسه بذلك الصبي الصغير الذي وضع إصبعه في مكان تسرب مياه السد ليمنع الفيضان (Garfinkel, 2012-2013: Lecture 1). ويحدد غارفينكل جماعة التنقيحيين الكتابيين كمنتج ثانوي لنزعات ما بعد الحداثة والتفكيكية. ووفقاً له، بدأت المشاكل عندما صاغ مفكرون مثل ميشيل فوكو وجاك دريدا مقولة عدم وجود حقائق مطلقة، بل توجد نظريات مختلفة في ذات الوقت. وبالتالي، لم يعد هناك علم تقليدي في العلوم الإنسانية اليوم، كما أن الهدف من البحث قد تغير اليوم، إذ تحول من عملية بحث؛ إلى تفكيك المفاهيم والنماذج القديمة. فالجميع يريد خلق نموذج جديد. ويلوم غارفينكل توماس كون على ذلك. ويلاحظ، فوق كل هذا، أنه وبسبب انفجار المعرفة والضغوط الأكاديمية، يحتاج كل شخص إلى الابتكار ونشر ما بين اثنين إلى أربع مقالات كل عام.
من ناحية أخرى، يقول لطلاب كلية الرياضيات والعلوم الطبيعية، الأمر ليس كذلك على الإطلاق في العلوم الطبيعية: 1+1 = 2 دائماً.
على الرغم من أنه سمع من فيلسوف رياضي يقول إن الأمر ليس كذلك دائماً، وهذا ما شجعه على المضي في أبحاثه؟ فالأسطورة المحيطة بالعلوم الطبيعية قد تصدعت قليلاً (Garfinkel, 2012-2013: Lecture 1)
وبما أن غارفينكل يعرّف فنكلشتين على أنه تنقيحي، فهو يستخدم ضده الاتهامات ذاتها: المشكلة مع فنكلشتين هي عدم اتفاقه قط مع ما يقوله أي شخص آخر غيره. فهو ما ينبغي له أن يكون الأصل والمبتكر دائماً، وهو ما يجب أن يملك تصوراً أو نموذجاً مختلفاً [ويتابع غارفينكل القول ضاحكاً] لو قلت إن معطفك رمادي، سيقول لك، بل هو بني غامق، وبذات الطريقة لو قلت هذه مدينة فلستية، سيقول: لا.. بل يهوذية (Garfinkel in Shtull-Trauring, 2011).
بيد أن إسرائيل فنكلشتين ليس تنقيحياً صرفاً، كما أنه، بالتأكيد ليس تفكيكياً أو ما بعد حداثياً، ولكن عندما يصوره غارفينكل على أنه عدمي راديكالي، فهو يضع نفسه في مركز متوازن غير متحيز. ورداً على الاقتباس المذكور أعلاه، يدعي فنكلشتين أن غارفينكل يعبر عن "موقف ارتيابي مرضي"، وكما هو الحال دائماً يحاول تصوير غارفينكل باعتباره متطرفاً أصولياً: "لا يوجد ثمة فرق بين غارفينكل ويادين وأولبرايت. كل ما في الأمر أن الأمور [مع غارفينكل] ازدادت سوءً"(Finkelstein in Shtull-Trauring, 2011).
يسارع غارفينكل في اتهام الآخرين بمحاولة التمايز وحب الظهور عبر تدمير النظريات القديمة السائدة، وابتكار نماذج جديدة. ولكن هذا هو بالضبط ما يفعله غارفينكل نفسه. حين يحاول من خلال عمله في قيافا تفكيك ما يسميه نماذج النزعة التنقيحية، ولا سيما النموذج الحالي لتصنيف التحقيب الزمني الذي وضعه فنكلشتين وزملاؤه. فإن لم يقم بذلك من أجل إحياء الموقف الأصولي القديم الذي لم يعد صالحاً؛ فإنه يفعل ذلك للترويج لنظرية جديدة تمثل نسخة معتدلة ومرنة من الموقف الأصولي. [في الحقيقة يستمتع غارفينكل بما يراه هزيمة التفكيكيين على طريقتهم الخاصة. انظر، على سبيل المثال، مراسلاته الدؤوبة مع فيليب ديفيز: للمزيد انظر، http://www.biblicalarchaeology.org/scholars-study/the-great-minimalist-debate/ وأشار كارنيYoav Karny (2010) الذي أجرى مقابلة مع غارفينكل إلى أنه يستمتع كثيراً بالضجة التي تثار حوله وهو حريص على القتال. ويقارن النص الكتابي بكتاب "حقيبة الأكاذيب Bag of Lies"، وهي مجموعة شهيرة من القصص الطويلة التي تصف أيام البالماح (مقاتلي قوات النخبة في الييشوف) إذ لا ينبغي أخذ تلك القصص بحرفيتها، لكنها تحتوي على بذور الحقيقة حول المواقع الجغرافية والعلاقات بين اليهود والعرب والبريطانيين. ويزعم غارفينكل بطريقة مماثلة أنه يمكن استخدام الكتاب المقدس كدليل في البحث عن الحقائق والقرائن عن الحقائق (Karny, 2010) ـ]
استخدم غارفينكل وغانور، في استعراضهما لخربة قيافا صورة فوتوغرافية ممنتجة لمقبرة قديمة أتبعاها بعنوان: "ها قد دفن رسمياً التحقيب المنخفض الآن" (Garfinkel and Ganor, 2008b) وأكد ما يشبه ذلك، في مقال له بعنوان "ولادة وموت التنقيحية الكتابية The Birth and Death of Biblical Minimalism" أن "فنكلشتين ليس فقط الأب المؤسس لعلم التحقيب المنخفض، بل أيضاً متعهده وحفار قبره" (Garfinkel, 2011: 50).
ويربط فينكلشتين وفانتالكين في مقالهما عن قيافا "اللغة المروعة" لغارفينكل بدوافع أخروية. ويمكن القول إن المقال كان محاولة لحل البيانات الشاذة عن قيافا في إطار العلوم التقليدية.
وفي الواقع، أوضح فينكلشتين وفانتالكين أن شذوذاً واحداً لا يمكنه هدم النظرية القائمة: لا يمكننا إغلاق هذه المادة دون التعليق على الطريقة المثيرة التي تم بها نقل وتقديم اكتشافات خربة قيافا لكل من الوسط الأكاديمي والجمهور. فالفكرة التي ترى بأنه يمكن لاكتشاف واحد مذهل أن يعكس مسار البحث الحديث وإنقاذ القراءة الحرفية للنص الكتابي، فيما يتعلق بتاريخ إسرائيل القديمة من البحوث العلمية النقدية، ليست سوى فكرة قديمة يمكن العثور على جذورها في هجوم وليم فوكسويل أولبرايت على مدرسة فلهاوزن في أوائل القرن العشرين، وهو الهجوم الذي انحازت له البحوث الأثرية والكتابية والتاريخية [وانحرفت عن مسارها] لعقود عدة.
وظهر هذا الاتجاه بأشكال مختلفة -وإن بشكل متقطع في السنوات الأخيرة، باستخدام علم الآثار كسلاح لقمع تقدم البحوث النقدية. وليست خربة قيافة سوى أحدثها لجهة التوق نحو إلحاق هزيمة كارثية في البحوث النقدية الحديثة عن طريق كشف أثري إعجازي (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 58).
كان صيف العام 2013 لآخر موسم لحفريات غارفينكل وغانور في قيافا. وأعلنا في مؤتمر صحفي، أنهما وجدا قصر الملك داود. وبشكل أدق، وجدا صفين أو ثلاثة من الحجارة تمتد على طول 30 متراً. ووفقاً لتقديراتهما، بلغ حجم مساحة القصر نحو 1000 م2، وارتفاعه طابقين على الأقل.
ويؤكد غارفينكل "ليس هناك شك في أن حاكم المدينة جلس هنا، وعندما جاء الملك داود لزيارة التلال نام هنا". تم تدمير القصر بسبب بناء معمار بيزنطي كبير في نفس الموقع بعد 1400 سنة من بنائه. وشكك خصوم غارفينكل في تأريخ القصر وصلته بالملك داود وتحديد مدينة قيافا كمدينة يهوذية. وأشار فنكلشتين، بشكل غير مباشر، إلى مزار، التي زعمت، قبل عدة سنوات، أنها وجدت قصر الملك داود في القدس: "هذا يذكرني بقصة الطفلة والذئب. فبالأمس وجدوا قصر الملك داود في القدس، واليوم هو في قيافا، وغداً سيجدونه... من يدري أين. هذه البيانات تسترعي انتباه الجمهور".
كما رد جاكوب ل. رايت من جامعة إيموري بطريقة مشابهة:
"إن أكثر طريقة مؤكدة لإثار الضجة هي الادعاء بأنك وجدت شيئاً يتعلق بعصر الملك داود"... هناك ملوك وأمراء حرب محليين آخرين في القرن العاشر ق.م في المرتفعات (التي أصبحت فيما بعد جزءً من ممالك إسرءيل ويهوذا)". وبالنسبة له، فإن مثل هذا الإسناد التلقائي للقى بردها للملك داود ليس سوى نوع من "فقر الخيال التاريخي" (Garfinkel, 2013a Hasson, 2013a Fridman, 2013).
غير أنه لا يمكن اختزال المسألة بأسئلة حول الفائدة المباشرة والفورية من العناوين الرئيسة في وسائل الإعلام والشهرة والوضع الأكاديمي وتمويل البحوث. فرغم أنه لا يمكن اعتبار غارفينكل أصولياً تقليدياً أو كلاسيكياً، إلا أنه لا يزال منحازاً للقراءة الأصولية للكتاب. وعلى الرغم بمعرفتنا القليلة عن الملك داود، سواء تاريخياً وأثرياً، فإن غارفينكل يخلص، من خلال سلسلة من القفزات النظرية، إلى استنتاج أن قيافا ليس فقط مدينة يهوذية من القرن العاشر ق.م، بل هي مدينة شعاريم. وستكون الخطوة التالية لغارفينكل، إذن، الزعم بانتماء الملك داود للمدينة، طالما هناك قصر في المدينة، وبالتالي من الواضح [لغارفينكل] أن "الملك داود نام هنا عندما جاء لزيارة هذه التلال".
أسهمت مدرسة القدس وتقاليدها البحثية في بناء وتصميم المعمار النظري الذي فسر من خلاله غارفينكل البيانات واللقى الأثرية، ويتمحور تعليمه الأكاديمي ومهنته حول معهد الآثار التابع للجامعة العبرية. وكان مشروعه البحثي الأولي قد تركز على عصور ما قبل التاريخ، ولكن عندما تقاعد عميحاي مزار وغيره من علماء الآثار الكتابيين، استدعي إلى العمل في هذا التخصص، وتم تعيينه في العام 2004 رئيساً لقسم الآثار الكتابية. وكما أسلفنا سابقا يعترف غارفينكل بأن مملكة يهوذا مهمة جداً ومثيرة للجدل، لأنها تؤثر علينا اليوم.
وفي الواقع، إذا ما كانت تعابير مثل "(مملكة) يهوذا والكتاب والتوحيد...مستمرة فعلاً حتى يومنا هذا" ومازالت تؤثر علينا، فالهوية الصهيونية اليهودية والقومية تؤثر في حالة غارفينكل على طموحاته في العثور على بعض الأشياء وتفسير الاكتشافات بطريقة معينة.
ويبدو غارفينكل ملتزماً بكل تأكيد بما يسميه في محاضراته "الإنجازات المادية والفكرية لمملكة يهوذا" وحمايتها. وهو يتحدث بحماس ضد التنقيحيين الذين يحاولون "محو" هذه الإنجازات، وبطبيعة الحال فنكلشتين واحدا منهم. ويسخر من نموذج التحقيب المنخفض من خلال الزعم بأن داود وسليمان، وفقاً لفنكلشتين، كانا مجرد شيوخ بدو حكما قرية صغيرة. وهو يسرد بعض الأمثلة على محاولات التنقيحيين “تجريد مملكة يهوذا من إنجازاتها المادية والفكرية":
(أ) لم تكن المملكة المتحدة ليهوذا وإسرءيل موجود خلال عصر داود وسليمان
(ب) إعمار وإنشاء مملكة يهوذا حدث فقط في نهاية القرن الثامن ق.م، أو، وفقاً لنموذج فنكلشتين الجديد، في نهاية القرن التاسع ق.م
(ج) خطة المدينة الفريدة للمدن اليهوذية تم نسخها من قيافا وهي مدينة فلستية أو كنعانية أو إسرءيلية
(د) أصبحت أورشليم مدينة مركزية فقط بسبب العدد الكبير من السكان الذين فروا من مملكة إسرءيل إلى يهوذا بعد دمار مملكة إسرءيل
(ه) وضعت الأبجدية العبرية ربما خلال القرن الثامن ق.م فقط.
(و) تطور مفهوم التوحيد خلال العصور الفارسية أو الهلنستية فقط.
ويبدو أن غارفينكل مستعداً للاعتراف بأن كل ادعاء من هذه الادعاءات يمكن أن يكون معقولاً كل على حدة، ولكن اجتماعها معاً، بالإضافة إلى العديد من المزاعم الأخرى، إنما يخلق "اتجاه غريب" (Garfinkel, 2012-2013: Lectures 11 & 12). ويظهر غارفينكل في هذا الصدد بأنه يشبه حقاً الصبي الهولندي الذي تقول عنه الحكاية كيف أنقذ البلد من الغرق بوضع إصبعه في مكان التسرب في السد.
8.حرب خربة قيافة والتفاعل المتبادل بين النظريات والبيانات
يرى برونو لاتور يتحول الأدبيات لتصبح أمراً تقنياً عندما تثار الخلافات في العلوم (Latour, 1987: 30-44). ويمكن رؤية مثل هذا التحول في النقاش الدائر بين [مدرستي] تل أبيب والقدس حول قيافا (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 39-41)، كما تجسّده تصريحات فنكلشتين وفانتالكين حول "العيوب المنهجية" و"التسرع" في تنفيذ الحفريات في قيافا، أو في تأريخ الكربون المشع وجوانب أخرى.
1.8. التفاعل المتبادل بين النظريات والبيانات
1.1.8. التحقيب التاريخي باستخدام تقنية الكربون المشع 14C
ابتدء العصر الحديدي الثاني IIA حوالي 1000 ق.م. وانتهى حوالي 925/900 ق.م، وفقاً للنظرية المحافظة للتحقيب العالي، أي خلال عصر داود وسليمان/المملكة المتحدة. وكان فنكلشتين، الذي ينكر وجود المملكة المتحدة ويعزز نظرية التحقيب المنخفض، اقترح في العام 1996 أن بداية العصر الحديدي الثاني IIA حوالي 900 ق.م (Finkelstein, 1996). وحاول، في السنوات الأخيرة، إظهار بداية العصر الحديدي الثاني IIA حوالي 930/920 ق.م، ونهايته خلال النصف الثاني من القرن التاسع ق.م. (Finkelstein and Piasetzky, 2011 Toffolo et al., 2014)، وقام شارون وآخرون (2007) بدراسة شاملة تدعم نظرية التحقيب المنخفض والتأكيد على أن العصر الحديدي الثاني IIA بدأ حوالي 900 ق.م.
وكان عميحاي مزار، الممثل البارز لمدرسة القدس والذي أصبح محافظاً معتدلاً، اقترح نسخة معدلة للتحقيب العالي استناداً لآرائه المحدثة، يبدأ فيها العصر الحديدي الثاني IIA حوالي 980 وينتهي حوالي 840/830 ق.م.
اختلف مزار مع استخدام فنكلشتين لنماذج بايز لتأريخ لكربون المشع، وأشار بأنه حتى "برونك رامزي"، الذي طور هذه النماذج، "شكك إذا ما كانت نماذج بايز حساسة بما فيه الكفاية عند استخدامها للتحقق في العديد من العينات من مواقع مختلفة، وعندما توجد فجوات مشكوك فيها في تسلسل التواريخ المتاحة" (Mazar, 2011).
ويحاول فنكلشتين، خلال السنوات الأخيرة، إثبات ضآلة الفجوة بين التحقيبين؛ والفرق اليوم بين الآراء لا يتعدى خمسين عاماً أو حتى أقل: 985-935 ق.م، أو حتى ~ 970-940 ق.م (Finkelstein and Piasetzky, 2011 Toffolo et al., 2014).
لم يُذكر غارفينكل في هذه المقالات. وكما سوف نرى، يتعامل فينكلشتاين مع تفسير غارفينكل لبيانات الكربون 14 في قيافا في مقالات أخرى. ويزعم غارفينكل نفسه أن بيانات الكربون 14 الجديدة تبشر بـ "موت" نظرية التحقيب المنخفض. ويؤرخ غارفينكل ومعه غانور سوية العصر الحديدي في قيافا إلى حوالي 1026-975 ق.م. ويشيران إلى أن هذه التواريخ تناسب الوقت المفترض لمملكة داود (حوالي 1000-965 ق.م) وتعد هذه تواريخ مبكرة جداً بخصوص العصر المفترض لمملكة سليمان (حوالي 965-930 قبل الميلاد) ويرى غارفينكل وغانور، أن الموقع وجد لعدة عقود فقط، ودمر في تاريخ لا يتجاوز 969 ق.م (احتمال ينسبة77.8٪). ومن غير المحتمل أن يكون الموقع استمر في الوجود حتى العام 940 ق.م (احتمال بنسبة 6.2٪).
وهكذا، فإن نظرية التحقيب العالي صحيحة، فيما يتعلق بيهوذا: فالانتقال من أواخر العصر الحديدي الأول إلى أوائل العصر الحديدي الثاني IIA في يهوذا حدث حوالي 1000 ق.م (Garfinkel and Ganor, 2009: 4, 8 Garfinkel, 2011: 51 Garfinkel et al., 2012: 364). ويمكن وضع الفروقات بين نظريتي التحقيب المخفض والعالي لبداية العصر الحديدي الثاني IIA حسب الآراء المختلفة كما يلي:
-إسرائيل فنكلشتين "تحقيب منخفض": حوالي 900 ق.م (آخر التحديثات تحدد البداية بحوالي 920-940 ق.م)
-إيلان شارون "تحقيب منخفض": حوالي 900 ق.م
-عميحاي مزار "تحقيب عالي": حوالي 1000 ق.م (تم تعديل هذا التأريخ إلى حوالي 980 ق.م)
-يوسف غارفينكل "تحقيب عالي": حوالي 1000 ق.م على الأقل في يهوذا (بالنظر إلى بدايات المملكة الموحدة، وظهور مملكة إسرءيل الشمالية).
لا تعتبر تقنية تأريخ الكربون المشع في قيافا مسألة أكاديمية مستقلة بذاتها، بل هي جزء من النقاش الكبير بين نظريات التحقيب المنخفض والعالي. وأحد أهداف البحث، أساساً، هو العثور على تطابق بين التحقيب الزمني المطلق والنسبي، أي، بين تأريخ الكربون 14 ومنتجات الثقافة المادية، مثل الفخار. ويعود تأريخ سوية العصر الحديدي في قيافا حسب غارفينكل وغانور إلى حوالي 1026-975 ق.م. (بنسبة احتمال 58٪)، باستخدام عينات الكربون 14. وتحققت النتيجة النهائية عن طريق حساب متوسط نتائج الكربون 14 في أربع أنوية زيتون عثر عليها في مواقع مختلفة في الموقع. ومما هو غير مفاجئ أن التأريخ كان يفسر كتأكيد على التحقيب العالي الذي يدحض، مع بقية الأدلة، من قيافا تسلسل فنكلشتين المنخفض للتحقيب المنخفض: ".. وقع الانتقال من العصر الحديدي الأول إلى العصر الحديدي الثاني في نهاية القرن الحادي عشر ق.م، وبالتالي يوفر هذا أدلة واضحة إزاء تأريخ التحقيب المنخفض".
وحدد غارفينكل وغانور مشكلتين منهجيتين رئيستين، فيما يتعلق بالنتائج الإشعاعية التي تدعم التحقيب المنخفض، فمن الناحية الجغرافية، أخذت عينات العصر الحديدي الثاني IIA أساساً من مواقع في المملكة الشمالية "إسرءيل" وليس من مواقع في مملكة يهوذا. وثانياً، أخذت العينات من سويات نهايات العصر الحديدي الثانيIIA وليس من بداية العصر (Garfinkel and Ganor, 2009: 4, 8, 15, 35-38).
علاوة على ذلك، اتهم غارفينكل في مقالته "ولادة وموت النزعة التنقيحية الكتابية" فنكلشتين وزميله الفيزيائي إيلي بياسيتزكي بأنهما ترددا في نشر عدة نتائج للكربون 14 الذي يرجع تاريخها إلى مملكة إسرءيل الشمالية، لأن النتائج (حوالي 1000 ق.م) كانت تتفق مع التحقيب التقليدي العالي. واستناداً إلى هذه النتائج، لم يتردد غارفينكل في إعلان أن فنكلشتين ليس فقط الأب المؤسس لعلم التحقيب الزمني المنخفض، بل حفار قبره أيضاً (Garfinkel, 2011: 50)
إلى جانب المعايرة والصحة والدقة والفعالية الزمنية لطريقة التأريخ ونوع المادة التي أخذت منها العينة واختيار إجراءات الحساب والنماذج الإحصائية (مثل متوسط النتائج ونماذج بايزي)، هناك عوامل واعتبارات أخرى لها تأثير على تأريخ الكربون المشع. والنتيجة المنشودة التي تدعم التحقيب العالي، وفقاً لغارفينكل وغانور، هي النصف الأول من القرن العاشر ق.م. وقدّما للتأريخ مجموعتين من أربع أنوية زيتون محترقة (تم استخدام نواة من الأنوية السبع في كلتا المجموعتين من العينات).
لم تعط المجموعة الأولى من العينات، التي جمعت من جدار حظائر المدينة، النتائج المرجوّة. كما أن عينة واحدة لم تنتج كربون 14 على الإطلاق، لكنها استخدمت مرة أخرى في المجموعة الثانية. تم تأريخ عينيتين من أنوية زيتون أخرى إلى العصر البرونزي الوسيط، وهي نتيجة تتطابق مع اللقى الفخارية التي عثر عليه في الموقع. وكانت العينة التالية أرخت بالعصر الحديدي الأول (1130-1046 ق.م، احتمال بنسبة 59.6٪)، وهي نتيجة "مرتفعة قليلا، حتى بالنسبة للتحقيب العالي".
وكانت العينة الأخيرة من الحقبة الهلنستية. ووفقاً لتفسير غارفينكل وغانور، هناك ثمة فجوات كبيرة بين الحجارة الضخمة للحظائر casemate؛ وتكمن المشكلة في انتقال المواد العضوية بسبب النشاط الحيواني والنباتي. وقد تكون ما نسبته حوالي 10٪ -30٪ من العينات، عموماً، ملوثة نتيجة لحركة المواد العضوية بين الطبقات.
وبعد ذلك، قدم غارفينكل وغانور المجموعة الثانية من العينات للتأريخ. كما ذكر سالفاً، وتم حساب النتيجة النهائية عن طريق متوسط نتائج العينات الأربعة، وهي عملية مكنتهما من تقليل النطاق الزمني لعصر داود أو ما قبله بقليل (Garfinkel and Ganor, 2009: 35-38 Garfinkel, 2012-2013: Lecture 8).
ومن المعروف أن الحسابات تؤثر على صحة النظريات، ولكنها تتأثر بها أيضاً. وفي هذه الحالة، يؤثر تأريخ الكربون المشع على نظريات التحقيبين المنخفض والعالي، ولكنه يتأثر بهما أيضاً. وقد كانت استجابة غارفينكل وغانور سريعة: ففي العام 2010 نشر فنكلشتين وبياسيتزكي مقالاً هاجما فيه مقاربة غارفينكل وغانور (Finkelstein and Piasetzky, 2010). وذهبا إلى القول بأن حساب المتوسط هو إجراء مقبول فقط عندما تكون جميع العينات من عمر واحد تماماً. وتتحقق مثل هذه الشروط، على سبيل المثال، عندما يتم تحديد الدمار نتيجة للحريق أو عندما تؤخذ العينات تحت آثار انهيار سميك من طبقة التدمير ذاتها. وإلا فإن العينات يمكن أن تمثل مراحل مختلفة في حياة المستوطنة والتي تكون مدة كل منها غير معروفة.
وفي هذه الحالة، أخذت العينات من مواقع مختلفة ولا تمثل حدثاً واحداً في تاريخ قيافا. واستناداً إلى الجوانب التالية، قدّر فينكلشتين وبياسيتزكي أن العينات تمثل مدة النشاط في الموقع، التي بدأت حوالي 1050 ق.م وانتهت في وقت ما خلال القرن العاشر، في تاريخ لا يتعدى العام 915 ق.م:
(1) البيانات التي نشرها خصومهم
(2) تحليل يظهر أن مجاميع الفخار في قيافا تنتمي إلى مرحلة فخار أواخر العصر الحديدي الأول.
(3) بيانات إضافية على مجاميع الفخار ونتائج الكربون المشع من العصر الحديدي الأول المبكر والوسيط.
ومن غير المفاجئ أن يتوصلا إلى نتيجة مفادها أن "تحديدات الكربون المشع لخربة قيافا تتطابق مع عدد كبير من القياسات من مواقع العصر الحديدي الأول المتأخر في شمال وجنوب البلاد وتدعم التحقيب المنخفض".
وأخيراً، يتهم فينكلشتين وبياسيتزكي غارفينكل وغانور بـ "الخطأ والتضليل" من خلال الادعاء بأن:
(أ) النتائج السابقة كانت تستند إلى عينات مأخوذة من الشمال فقط
(ب) تأريخ الانتقال من العصر الحديدي الأول إلى العصر الحديدي الثاني كان يستند إلى عينات من سويات العصر الحديدي الثاني المتأخرIIA وليس على عينات من بداية العصر.
هناك 107 قياسات من ثماني سويات من العصر الحديدي الأول المتأخر و32 قياس من خمس سويات أخرى من العصر الحديدي الثاني المبكر الحديد IIA ويعتقد فينكلشتين وبياسيتزكي أن القياسات تمثل على نحو كاف كل من شمال البلد وجنوبه.
لا تنته القصة هنا بالطبع. فأولاً، أجاب غارفينكل أن عملية حساب المتوسط كانت مشروعة، لأن المدينة كانت موجودة لمدة قصيرة قبل تدميرها بالكامل. ثانياً، وجد فريق غارفينكل في العام 2012 كسر فخارية تحتوي على عشرين حبة زيتون. وبما أن جميع أنوية الزيتون وجدت في ذات المكان، وفي ذات السياق، فهي تستوفي معايير المتوسط، على الرغم من أن العينات يمكنها تعيين التاريخ المقدر لتدمير المدينة وليس تاريخ إنشائها (Garfinkel, 2012-2013a: Lecture 8)
من المهم، على أي حال، التأكيد مرة أخرى على أن مسألة التأريخ عن طريق الكربون المشع لا يمكن فصلها عن الجوانب الأخرى من النقاش بين التحقيبين المنخفض والعالي، وعن مسألة ما إذا كانت المدينة القديمة في قيافا يهوذية على الإطلاق. وبعبارة أخرى، سوف يؤثر السؤال عما إذا كان الباحث يتوقع أن يجد مدينة يهوذية محصنة تعود لعصر الملك داود، والطريقة التي يحدد لها ما إذا كانت البيانات واختيارها وتأويلها، والطريقة التي يتحدد بموجبها ما إذا كانت هذه البيانات والنتائج ذات صلة وما إذا كان احتساب المتوسط والحسابات الأخرى مشروعة في ظل ظروف معينة.
لا يعتمد تأريخ الكربون المشع في قيافا على قياسات الكربون المشع من مواقع أخرى فحسب؛ ولكن على بقية الأدلة، منها، المجاميع الفخارية، كما أنه يعتمد كذلك على النظرية التي يلتزم فيها الباحث. وعندما يعترف فنكلشتين أن "هناك مسافة معينة في علم الآثار بين الاكتشافات والتفسير" (Finkelstein in Fridman, 2013 Finkelstein, 2006-2007: Lectures 1)، فإنه يصور، في الواقع، مأزق العلوم برمتها، كما يعلمنا تاريخ وفلسفة العلم. وتتميز المؤسسة العلمية بقفزات نظرية لا يمكن تجنبها. وفي هذه الحالة، ينظر إلى جميع الأدلة وتفسر لقى قيافا وفقاً للأطر النظرية لمختلف الفرقاء، كما يلخص فينكلشتين وبياسيتزكي موقفهما واعتباراتهما:
"لقد تقلصت حدة نقاش الاختلافات بين الأطراف إلى عدة عقود فيما يتعلق ببداية العصر الحديدي الثاني IIA (المرحلة الانتقالية بين العصرين الحديدي الأول والثاني)، وهي فجوة تتجاوز دقة نتائج الكربون المشع، حتى عند نشر عدد كبير من التحديدات. وبإدخال الاعتبارات التاريخية، فضلاً عن الملاحظات المتعلقة بسرعة وتيرة تغيير التقاليد الفخارية، قد يستغرق الانتقال من العصر الحديدي الأول إلى الثاني عقداً أو عقدين، وينبغي أن يوضع بعد وقت قصير من منتصف القرن العاشر ق.م (Finkelstein and Piasetzky, 2011: 52).
ودعونا نستمر في دراسة الطريقة التي تفسر بها الاكتشافات في قيافا وفقاً للأطر النظرية المختلفة للتحقيبين المنخفض والعالي:
2.1.8. التخطيط العمراني.
يؤكد غارفينكل وغانور أن التخطيط الحضري لقيافا سمة يهوذية فريدة تتثمل في وجود سور للمدينة على هيئة حظائر استحكامات مزدوجة casemate وحزام من المنازل تستخدم فيها الحظائر المزدوجة كغرف خلفية.
يدعي غارفينكل وغانور وجود بوابتين في المدينة يعرّفانها باسم شعاريم (كلمة عبرية تعني بوابتان) وقد ذكرت في سقر يوشع (36: 15) في قائمة مدن يهوذا في وادي إيله حيث وقعت أحداث قصة داود وجالوت المذكورة في سفر صمويل الأول (17: 52) " فَقَامَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا وَهَتَفُوا وَلَحِقُوا الْفِلِسْطِينِيِّينَ حَتَّى مَجِيئِكَ إِلَى الْوَادِي، وَحَتَّى أَبْوَابِ عَقْرُونَ. فَسَقَطَتْ قَتْلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ فِي طَرِيقِ شَعَرَايِمَ إِلَى جَتَّ وَإِلَى عَقْرُونَ.". وبحسب غارفينكل وغانور، فإن قيافا هي الموقع الوحيد في يهوذا وإسرءيل الذي يوجد فيه بوابتان ومدخلها الرئيس يواجه القدس. في حين أن المدن الكبيرة مثل لَخِيِشْ ومَجِدّو، لا يوجد بها سوى بوابة واحدة. لقد كانت قيافا حصن يهوذا على حدودها مع فيليستيا (Garfinkel and Ganor, 2008a Garfinkel et al., 2012).
ينكر فنكلشتين وجود بوابتين في قيافا كما سنوضح أدناه، وعلى أية حال، يرفض هو وآخرون مطابقة قيافا مع شعاريم. فوفقاً لتفسيره، لا يمثل تصوير شعاريم في النص الكتابي واقع يهوذا في القرن العاشر ق.م، بل واقع يهوذا في العصر الحديدي الثاني، وخاصة يوشع 15 الذي يصور التنظيم الإداري ليهوذا في أواخر القرن السابع ق.م، وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكن أن تقع شعاريم، وفقاً للوصف الكتابي في قيافا.
هنا، أيضا، لا يفوت فنكلشتين الفرصة لاتهام غارفينكل في القراءة الحرفية، غير النقدية للكتاب (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 46-48 Dagan, 2009). ويجادل بوجود مواقع مشابهة لقيافا تتمتع بحظائر مسورة مزدوجة casemate من العصر الحديدي الأول حتى العصر الحديدي الثاني المبكر IIA، وليس فقط في يهوذا، بل في المرتفعات في المناطق الداخلية من بلاد الشام وعمّون وموآب ومرتفعات النقب ومرتفعات القدس الشمالية. ويفضل فنكلشتين عزو الموقع إلى بدايات ما يدعوه كيان جبعون-جبعا الإسرءيلي الشمالي للأسباب التالية:
(أ) في الواقع تقع قيافا على مقربة من القدس، ولكن لم يكتشف نشاط بناء هام في هذا العصر في القدس وغيرها من مواقع يهوذا الأخرى، فضلاً عن النشاط الاستيطاني القليل في المرتفعات اليهوذية واستنزافها الديمغرافي. ولذلك، ليس من الواضح [لنا] كيف بنى داود وشعبه قيافا وحكمها. ومن ناحية أخرى، كان كيان جبعون-جبعة مأهولاً بكثافة ولا يعاني من مشكلة في القوى البشرية العاملة
(ب) عثر على نظام عمراني كثيف لجدران حظائر معاصرة في هضبة جبعون -بيتئيل
(ج) يتحدث الكتاب عن وجود شاؤول، ملك إسرءيل، في وادي إيله حيث وقعت المعركة بين الإسرءيليين والفلستيين
(د) إذا كانت قيافا مدينة إسرءيلية، فيمكن تفسير تدميرها خلال حملة شيشنق الأول بسهولة (Finkelstein, 2013: 56-59 Finkelstein and Fantalkin, 2012).
في الختام، إن ما يعتبره غارفينكل وغانور دليلاً قوياً على وجود مدن محصنة في مملكة داود وحجمها، وصحة التحقيب العالي، يفسره فنكلشتين كدليل على حجم مملكة إسرءيل، نظراً لأنه يتوافق مع نظرية التحقيب المنخفض.
3.1.8. عظام الخنزير ومجاميع الفخار.
يفسر غارفينكل وغانور غياب عظام الخنازير في قيافا كدليل على أن المدينة كانت يهوذية وليست فلستية. كما أن مجاميع الفخار التي عثر عليها تختلف عن الفخار الفلستي الذي عثر عليه في غَتْ. ويظهر التحليل البتروغرافي للصخور أن الفخار من إنتاج محلي، أي من وادي إيله. كما عثر في قيافا على حوالي 600 قطعة من مقابض الجرار التخزينية مع طبعات الأصابع. كما عثر على مقابض بطبعات أصابع في القدس. كان هناك تقليد إداري في يهوذا في تصنيع الجرار يتمثل بوجود مقابض جرار مختومة لأغراض الضريبة (Garfinkel et al., 2012 Garfinkel, 2013b).
يقر فنكلشتين بأنه حتى السنوات الأخيرة، كان يُفسر غياب عظام الخنزير -في مواقع مختلفة- كإشارة إلى أن السكان كانوا إسرءيليين/يهوذيين، ولكن في السنوات الأخيرة تم اكتشاف أن عظام الخنزير نادرة أيضاً في مواقع غير إسرءيلية وتعود للعصر الحديدي الأول في المناطق الداخلية والسهول، وحتى في المواقع الريفية في قلب فيليستيا. كما تعد مجاميع الفخار نموذجية للمنطقة، وبالتالي لا يمكن تحديد الهوية الخاصة لسكان قيافة وفقاً لهذه الاكتشافات. وعلاوة على ذلك، يؤكد فنكلشتين عدم إمكانية تعيين سكان قيافا حتى على أساس البيانات المعروفة من هذا الموقع ومن مواقع أخرى (Finkelstein, 2013: 55)
4.1.8. النقوش
وجدت بعثة قيافا عدة كسر تحتوي نقوشاً، حظيت بدراسة العديد من الخبراء، وأثار أحد النقوش جدلاً حاداً، فهو مكتوب بخط ما قبل كنعاني الذي تطورت منها الأبجدية الفينيقية. كما تطور الخط العبري القديم، فضلاً عن غيره من الخطوط المحلية، من الأبجدية الفينيقية. وقد اختفى العديد من أحرف النقش، لكن الباحثين حاولوا فك رموزه باستخدام تقنيات التصوير. (بخصوص قيافا: انظر: http://qeiyafa.huji.ac.il/ostracon.asp). وتشير عدة مقالات إلى أن النقش قد يكون من أقدم النقوش العبرية، ويمثل المرحلة التي سبقت تحول الخط ما قبل الكنعاني إلى خط فينيقي معياري. وكان حجاي مسغاف وغارفينكل وغانور هم من اقترحوا هذه الفكرة عن النقش. ويزعم مسغاف، على سبيل المثال، أن عبارة "لا تفعل" باللغة العبرية تظهر في النقش (in Garfinkel and Ganor, 2009: 243-257 Garfinkel, 2012-2013: Lectures 11 & 12).
وحاول غرشون غليل، أحد مؤيدي هذا الرأي، إعادة بناء النص، واقترح أنه مشابه للنصوص الكتابية. وهذا التشابه -وفقاً لغليل- إشارة قوية على أن نصوصاً عبرية أدبية معقدة ابتدأ تأليفها في بدايات القرن العاشر ق.م. ويطابق موقع قيافا مع نتاعيم التي كانت، وفقاً للكتاب، مركزاً إدارياً محصناً بناه الملك داود على الحدود بين مملكته وفيلستيا (Galil, 2009). ولكن لا تتوفر، وفقاً لمقالات أخرى، دلائل على أن الكتابة مدونة باللغة العبرية القديمة (Rollston, 2011 Millard, 2011).
وتستمد المواقف في هذا السجال من النقاش الأكبر بين نماذج paradigms التحقيب المنخفض والتحقيب العالي. وعندما يسعى غارفينكل وغانور ومسغاف إلى تحديد لغة سكان قيافا بالعبرية القديمة، فإنهم يقومون بذلك كجزء من نمط شامل من التحقيب العالي. وبالنسبة لغارفينكل، يعد التأكيد بأن الخط العبري تطور فقط خلال القرن الثامن ق.م، جزء من الاتجاه التنقيحي لمحو "الإنجازات المادية والفكرية لمملكة يهوذا" (Garfinkel, 2012-2013: Lectures 11 & 12).
تؤثر هوية الباحث على تحليل وتفسير النص، ويميل الباحثون الصهاينة والدينيون، مثل مسغاف، إلى أن يكونوا أكثر تحفظاً برفضهم لموقف التنقيحيين، على الرغم من أن وجهة نظر الأصوليين maximalist اليوم تبتعد عن العقائد الأرثوذكسية.
يجب على الباحث الديني التعامل مع النزاعات الخطيرة، كما يصف ميسغاف نفسه في محاضرة له عن التناقضات بين علم الآثار والكتاب، ألقاها في المؤسسة الأكاديمية الدينية - كلية هرتسوغ (Misgav, 2010) أشار خلالها إلى مراسلاته مع غليل حول مسالة النقش [المذكور أعلاه].
لا يبدي مسغاف موافقة على التأكيدات الأصولية القوية لغليل حول هذه القضية. وفي هذا السياق كتب إلى غليل أنه إذا اقترح هو، أي مسغاف تأويل غليل، -وهو يضع "الكيباه" على رأسه- فسوف يتهم بأنه أصولي متعصب.
وفي هذا الصدد؛ يدعم فينكلشتين وفنتلكين وجهة النظر القائلة بأن النقش لم يكتب باللغة العبرية. ويؤكدان أن جميع النقوش ما قبل الكنعانية المتأخرة تقريباً عثر عليها في شيفلة والسهول الساحلية الجنوبية، لا سيما قرب مدينة غَتْ الفلستية. كما عثر على نقوش هيراطيقية مصرية تعود لحقبة العصر البرونزي المتأخرIII في المنطقة عينها، وبشكل خاص حول لَخِيِش.
كانت المنطقة مركز الإدارة المصرية في كنعان، في العصر البرونزي المتأخر. وبالتالي قد تعكس النقوش ما قبل الكنعانية المتأخرة تأثير التقاليد الإدارية والثقافية القديمة. وعندما يتبنى فينكلشتين وفنتلكين الموقف القائل بأن نقش قيافا لم يكتب باللغة العبرية، فإنهما يقومان بذلك كجزء من النمط الشامل للتحقيب المنخفض. ويتهمان، بالتالي، غليل، على سبيل المثال، باتخاذ موقف أصولي (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 50-51 Finkelstein, 2013: 55).
لا ينكر فينكلشتين وزملاؤه تأريخ النص القصير للنقش لبدايات مملكة يهوذا. كما أنهم لا ينكرون أن الكتاب يحفظ ذكريات قديمة. لكنه يعتقد -رفقة آخرين- بأن العنصر الأساسي لنظرية التحقيب المنخفض يتمثل في عدم وجود نصوص أدبية معقدة في يهوذا قبل نهاية القرن الثامن ق.م: إذ أسهم نمو المملكة، والبيروقراطية، والكتابة، والازدهار الاقتصادي، والعلاقات الدولية -كل ذلك معاً، من الناحية الإيديولوجية واللاهوتية والتاريخية، في تأليف الكتاب المقدس، وتحريره بصورة رئيسية منذ القرن السابع ق.م كجزء من الإصلاح التثنوي للملك يوشيا (Finkelstein and Silberman, 2001 Finkelstein, 2006-2007)
5.1.8. العبادة.
لم يجد غارفينكل وغانور تماثيل أو علامات عبادة في قيافا مما يؤكد على أنها موقع يهوذي. وقد عثرا على صندوقين، أو "نماذج أضرحة"، أحدهما مصنوع من حجر والآخر من طين. وصناديق مماثلة من حفريات أخرى تحتوي على رموز أو أيقونات آلهة، ولكن في هذه الحالة كانت الصناديق مكسورة، ولم يعثر على أي رموز. ويمكن تفسير أشكال الطيور على الجزء العلوي من الصندوق الطيني وأشكال الأسود في الأسفل كعلامات على آلهة الخصوبة.
ويحتوي الصندوق الحجري على درج مزين بثلاثة إطارات مرصّعة كما يحتوي على ثلاثة شقوق عمودية غائرة وعوارض مسطحه مزخرفة بأشكال ثلاثية الأبعاد، ووفقاً لغارفينكل وغانور، يتشابه النموذج المعماري للصندوق الحجري مع عمارة هيكل وقصر سليمان كما تصفه النصوص الكتابية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن نسب الباب في النموذج مشابهة لنسب الأبواب في الهيكل الثاني كما هو موضح في المشنا ويرى غارفينكل ذلك على أنه استمرارية العبادة في يهوذا. وأخيراً، كانت طقوس العبادة لسكان قيافا تتم في غرف العبادة داخل المنازل الخاصة. هذه الممارسة غير الاعتيادية لا تظهر في الثقافات الكنعانية أو الفلستية، ولكنها تتفق مع الوصف الكتابي لما قبل إنشاء هيكل سليمان (Garfinkel et al., 2012 Garfinkel, 2012-2013: Lectures 10 & 11 Garfinkel, 2013b).
لا يبدو فنكلشتين مرتاحاً لعدم العثور على تماثيل في الموقع، ويتساءل: "هل يقول غارفينكل أن غلاة الموحدين عاشوا في خربة قيافا في القرن العاشر ق.م؟ هل هذا ما حدث؟ لقد قمت شخصياً في التنقيب في موقع معين ولم أجد مواضيع طقسية، ولكن لم يحدث أن خطر لي القول بأن سكانه موحدون غلاة"(Finkelstein in Shtull-Trauring, 2011).
ومن جديد، ترتبط هذه الحوارات بالسجال الأوسع حيث يعترض غارفينكل على فكرة أن التوحيد لم يتطور إلا بعد زمن الهيكل الأول، وهو ادعاء يعده مثالاً على طمس الإنجازات الفكرية لمملكة يهوذا، بيد أنه يقبل فكرة القبول التدريجي للتوحيد، كما تصف ذلك النصوص الكتابية.
من جهة أخرى يؤكد فنكلشتين على هيمنة نوع من التوفيق بين المعتقدات في يهوذا في زمن الهيكل الأول. ووفقاً للعهد القديم، كانت الوثنية شائعة في يهوذا حتى في عصر الملك سليمان. وتبين الأدلة الأثرية أن الإصلاح التثنوي Deuteronomic reform، الذي سمح بعبادة إله واحد فقط ومركزية العبادة في معبد سليمان، حدث في أيام يوشيا (القرن السابع ق.م)، رغم أن الشعب كان لا يزال يستخدم التماثيل في المنازل (حتى في المنازل القريبة من الهيكل).
ووفقاً للنصوص الكتابية ظهر التوافق بين المعتقدات مرة ثانية بعد عصر يوشيا الذي قتل على يد نخو الثاني (Finkelstein, 2006-2007: Lectures 11 & 12). لنلاحظ هنا أن التوحيد، أو الاعتقاد بوجود إله واحد، لا يعادل بالضرورة لاهوتاً تثنوياً يعود لزمن الهيكل الأول. كما رتّل موسى وبني إسرءيل: "مَنْ بين الآلهة مثلك يا رب" (خروج 15: 11).
وعموماً يتعارض المنظور القومي المحافظ الذي يتبناه غارفينكل حول هذا الموضوع حتى مع وصف الكتاب لزمن الهيكل الأول. ويعتمد غارفينكل على نصوص الكتاب والأنبياء الذين أدانوا أولئك الذين يعبدون الآلهة الأخرى ووصفوهم بالخطاة، لكنه يتجاهل حقيقة أن الكتاب يصور هيمنة الوثنية/التوافق الديني في ذلك الوقت. ويقول إن الأدلة الأثرية تعاملت حتى الآن مع الأيام الأخيرة لمملكة يهوذا، ولكن قيافا تقدم -الآن- أدلة جديدة عن الأيام الأولى للمملكة (Garfinkel, 2012-2013: Lectures 10 & 11).
والمشكلة هي أنه عثر، في العام 2012، على معبد وثني قديم يعود تاريخه إلى القرن التاسع ق.م في تل موتسا [خربة بيت مزة، موقع قرب قرية قالونيا على بعد 5 كيلومترات من جبل الهيكل (الحرم الشريف) - المترجم]. وتشمل النتائج تماثيل للرجال والحيوانات. كان من السهل على فنكلشتين تفسير ذلك:
أولاً، هناك مواقع أخرى مماثلة في يهوذا حتى نهاية القرن الثامن ق.م؟
ثانياً، نظراً لأن هناك العديد من مواقع الطقوس في إسرائيل ويهوذا كان الكتاب نفسه طالب مراراً أن على يهوذا وإسرءيل التخلص من جميع مواقع العبادة المعاصرة لهيكل سليمان في أورشليم.
ولكن بالنسبة إلى غارفينكل كان الأمر أكثر صعوبةً: "أفترض احتياج سكان النقب موقع لأداء طقوسهم، ولكن موتسا على بعد خمسة كيلومترات من القدس. فلماذا كانوا بحاجة إلى معبد آخر؟ "ويعترف بأن معبد تل موتسا لا يمكن تجاهله، لكنه يعد بأن الخطاب حول هذا الموضوع سوف يتغير بعد نشر مقالات جديدة مع الأدلة الكافية من خربة قيافا (Hasson, 2012 Garfinkel, 2012-2013: Lecture 11)
9.تحيز النظرية في الملاحظة
يشرح غارفينكل وغانور ومايكل هاسل أن البيانات تشبه أحجار الفسيفساء: يمكن تجميع الحجارة/البيانات بأشكال مختلفة لخلق صور/نماذج مختلفة، لكن الحجارة/البيانات تبقى كما هي (Garfinkel et al., 2012: 45). ولكن؛ كما أوضح توماس كون (1970) وآخرون، لا تعد البيانات/الملاحظات/الأدلة مستقلة عن التصور والنموذج paradigms، بل على العكس فهي تعتمد عليه.
ومن الواضح أن حمولات تحيز النظرية في الملاحظة أو تأثرها بها تتجلى بوضوح في السجال بين فنكلشتين وغارفينكل، حيث ينظران ويفسران البيانات واللقى من خلال منظورات نظرية مختلفة. وفي حين يحدد غارفينكل وغانور أن هناك ثمة بوابة ذات غرف أربع في استحكامات Casemate السور الجنوبي لمدينة (قيافا)، لا يرى ذلك فنكلشتين وفنتلكين، حيث تم تبني وجود بوابة بناء على وجود: (أ) صخرتين ضخمتين، تزن كل واحدة نحو عشرة أطنان، على جانبي البوابة -في المقدمة. (ب) اتجاه الاستحكامات على جانبي البوابة، حيث تتغير مداخلها في هذه البقعة.
ووفقاً لغارفينكل وغانور، تعود البوابة إلى القرن العاشر ق.م، وقد سدت في الحقبة الهلنستية، وتعرضت للتلف بسبب النشاط العمراني (Garfinkel and Ganor, 2009: 108-111 Garfinkel et al., 2009: 218 Finkelstein and Fantalkin, 2012: 45-47).
وفي العام 2011 قال فنكلشتين: "ليس هناك بوابتان [في قافا]، بل هناك بوابة واحدة فقط، وهي البوابة الغربية. 90% مما تراه في البوابة الجنوبية تم ترميمه. أعتزم نشر صورة من نهاية أعمال الحفر وصورة أخرى التقطت بعد الترميم، وسوف يرى كل شخص عاقل أنه لم يكن هناك بوابة"(Finkelstein in Shtull-Trauring, 2011).
وقارن فنكلشتين وفنتلكين في مقالهما المشترك صورتين: واحدة التقطت للبوابة الجنوبية قبل الترميم (الشكل 1) وأخرى لها بعد الترميم (الشكل 2). ويزعمان أن الترميم اعتمد بشكل فضفاض على الاكتشافات:
أولاً، في الجناح الشرقي للبوابة، تم ترميم الدعامة المركزي من جدار يسد مدخل البوابة، وفي الجناح الغربي لا يوجد دعامة داخلية (شمالية) وتم ترميم الدعامة المركزية من البقايا الصغيرة.
ثانياً، وفقاً لتفسيرهما للقى، يتطلب وجود بوابة ذات أربع غرف في هذا الموقع افتراض أنها بنيت على منشآت صخرية ويجب أن يؤرخ البناء إلى العصر البرونزي الأوسط، أو إلى مرحلة مبكرة من توطن متأخر يعود لأواخر العصر الحديدي الأول.
ثالثاً، في الحجرة الجنوبية الشرقية، بالقرب من ممر البوابة المرممة، هناك ثمة علامات قطع للصخور وعلامات تشبه الكأس.
ويشير فنكلشتين وفنتلكين إلى أنه من خلال المقارنة بين الصور يمكن أن نرى أن القطاع الشمالي الغربي من البوابة المرممة مبني فوق المنشآت وعلامات الكأس، ومعظمها لا يظهر في البوابة المرممة. ويبدو أيضاً أن الدعامة المركزية للجناح الشرقي قد شيدت فوق مبنى أيضاً (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 45-47).
تتشابك الملاحظة والتفسير على الدوام. أما مسألة ما إذا كان هناك بوابتان في قيافا أم لا، فهي لا تعد مسألة قائمة بذاتها. ويأتي كل جانب من جوانب هذا السجال بمجموعة مختلفة من الافتراضات والتوقعات والالتزامات النظرية.
إن تحديد البوابتين في قيافا مهم للصورة الكبيرة التي يحاول رسمها غارفينكل. وإذا أمكن تعريف المدينة التي تم التنقيب عنها في قيافا بأنها مدينة يهوذية كما مدينة شعاريم "بوابتين"، فإن وجود مدن محصنة في القرن العاشر ق.م في يهوذا هو أمر مؤكد.
وبعبارة أخرى، مطابقة شعاريم هو تأكيد على أطروحة غارفينكل عن قِدَم ومكانة وأهمية وحجم مملكة يهوذا، والتي تحفزها الرغبة في حماية "إنجازات مملكة يهوذا".
ومن ناحية أخرى يريد فينكلشتين حماية نموذجه الذي وضعه، أي التحقيب المنخفض، من عمل غارفينكل الذي ينحاز نحو التحقيب العالي المحافظ. وبالتالي فإن تحديد المدينة التي تم التنقيب عنها في قيافا بوصفها شعاريم الكتابية قد لا يؤكد جزءً كبيراً من أطروحته.
10. الخلاصة: الفصل بين البحث والهُوية
دعونا نتفحص مرة أخرى حجة فنكلشتين حول الفصل بين البحث والتقاليد والمعتقدات: "أنا مؤمن بدرجة كبيرة في الفصل التام بين التقاليد والبحوث، وأحتفظ -شخصياً- ببقعة دافئة في قلي للكتاب [المقدس] وقصصه الرائعة. ولا تستمع فتاتي اللتان تبلغان الحادية عشرة والسابعة من عمرهما، خلال عيد الفصح Pesach seder أي كلمة عن عدم وجود خروج من مصر، وعندما يصلان إلى سن الخامسة والعشرين سنقول لهما قصة مختلفة. الاعتقاد والتقاليد والبحوث هي ثلاثة خطوط متوازية يمكنها أن تتواجد في وقت واحد. ولا أرى في ذلك تناقض فادح" (Finkelstein in Lori, 2005).
يبالغ، بالطبع، فنكلشتين هنا بعض الشيء. فإذا كان هناك فصل كامل بين البحث والتقاليد والمعتقد، فلماذا لا يخبر ابنتيه أنه لم يكن هناك خروج من مصر؟
لأنه، في هذه الحالة سوف يشكل البحث تهديداً للهُوية.
إن نظرية فنكلشتين بمكانة تهديد مباشر للهُويات الصهيونية المحافظة واليهودية. والواقع أن التهديد متبادل: فالأبحاث تشكل خطراً على الهُوية، والهُوية تشكل خطراً على الموضوعية. ولذلك فإن حل فنكلشتين هو الإصرار على الفصل الذي "يحرر التوتر" (Finkelstein, 2006-2007: Lecture 13).
وكما حاولت أن أظهر، إن إصرار فنكلشتين على الفصل هو أداة خطابية شديدة البلاغة يستخدمها في دفوعاته لتهدئة مخاوف الجمهور الإسرائيلي اليهودي عن تصوراته، فضلاً عن أنها أداة خطابية أيضاً يستخدمها ضد خصومه في السجالات المحتدمة حول التحقيب المنخفض والتحقيب العالي.
ما يريد فينكلشتين قوله هنا هو قدرته على التوفيق بين أبحاثه ونظرياته وآرائه في المسائل الاجتماعية والسياسية والثقافية بصفته صهيونياً يهودياً / علمانياً تقليدياً. فهو يقول، على سبيل المثال، "لدي آراء قوية جداً بشأن الهُوية والخلفية التاريخية. لا أشعر بالذعر.. حقاً لست مذعوراً ولا أشعر بالارتباك (Finkelstein in Feldman, 2006). وبعبارة أخرى، لا يعتريه الذعر لأن وجهات نظره ونظرياته التي يسترشد بها إبستيمولوجياً واجتماعياً من خلال "الرؤية من الوسط" (Finkelstein, 2006-2007: Lectures 1& 13 Finkelstein, 2011) تتناغم مع بعضها البعض. وهذا لا يعني أن نظرياته لا تعرض هُوية الآخرين للمخاطر، مثل وجهات نظر الصهاينة المحافظين، والتيارات المحافظة المهيمنة بين اليهود الأرثوذكس، وبطبيعة الحال، اليهود المتزمتين.
لماذا من المهم جداً أن يسد فينكلشتين "الفجوة المتزايدة غير المحتملة بين ما يجري في علم الآثار اليوم وما يعرفه الجمهور"؟ (Finkelstein in Feldman, 2006)
لأن علم الآثار لا يتشكل بالهُويات فقط، وإنما يمثل أيضاً قوة تكوينية تصوغ الهُويات. لقد كتب فينكلشتين كتباً لعامة الناس، وكانت محاضراته ومقابلاته جزء من الصراع حول هُوية إسرائيل.
ومن وجهة نظره يجب أن يستمر تطور الهُوية الصهيونية اليهودية في مسار ديمقراطي ليبرالي: "إن قوة إسرائيل تتحدد، أولاً وقبل كل شيء، من كونها مجتمعاً منفتحاً وديمقراطياً وليبرالياً، يمكنه التعامل مع ماضيه القريب والبعيد. وفي هذا الصدد، فإن البحوث الحرة والحيوية والنابضة بالحياة هي اليوم أكثر أهمية بكثير من القصور الرائعة التي تعود للقرن العاشر ق.م "(2002 Finkelstein and Silberman, 2001 من المقدمة العبرية).
وبطريقة مماثلة، تنعكس أعمال فنكلشتين وسلطته العلمية في البرامج التلفزيونية التي يستخدمها ناشطون ملحدون في الصراع حول وعلى هُوية إسرائيل، ومنها على سبيل المثال:
(أ)أشرطة فيديو ScienceReasonIsrael، كالذي يتحدث عن الخروج من مصر http://www.youtube.com/watch?v=NTxBNVVxXd0 (تاريخ 3 أيلول 2013)
(ب):http://www.daatemet.org.il/articles/article.cfm?article_id=10 شريط لمنظمة Daatemet، وهي منظمة ملحدة تهدف إلى تقويض التفسير الأرثوذكسي للكتاب المقدس، والتي "أصبحت أداة سياسية في يد الأصوليين الذين يدّعون ملكية حصرية لهذا الإرث: http://www.daatemet.org/aboutus.cfm
في الختام، لا يمل فنكلشتين من تكرار القول بضرورة الانفصال، فقط لأنه في الواقع لا وجود له. لا يمكن لأحد أن يفصل هُويته عن الأسئلة المتعلقة بتعيينها. ولكي نكون نقديين حقاً علينا الاعتراف بأن هُويته ونظرياته مترابطة؛ بدلاً من الادعاء بموضوعيته وعدم تحيّزه. وينبغي استبدال التظاهر بالموضوعية بالتفاعل المتبادل بين الأفراد.
.......
العنوان الأصلي: Israel vs. Judah: The Socio-Political Aspects of Biblical Archaeology in Contemporary Israel
الناشر: http://www.HPS-Science.com / 2014
المصادر
Abu El-Haj, Nadia (2002) Facts on the Ground: Archaeological Practice and Territorial Self-Fashioning in Israeli Society (Chicago, Ill.: University of Chicago Press).
Aharoni, Yohanan (1957) The Settlement of the Israelite Tribes in the Upper Galilee [in Hebrew] (Jerusalem: Magnes Press, Hebrew University).
Albright, William Foxwell (1968) Yahweh and the Gods of Canaan: A Historical Analysis of Two Contrasting Faiths (London: University of London, Athlone Press).
Alt, Albrecht (1966) Essays on Old Testament History and Religion. Translated by R.A. Wilson (Oxford: B. Blackwell).
Beck, Eldad (2014) ‘Kerry: Israel s security - an Illusion, Boycott is in the Doorway’, Ynet.co.il (1 February). Available at http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4483419,00.html.
Ben-Simhon, Coby (2012) ‘Benny Morris on Why He s Written his Last Word on the Israel-Arab Conflict’, Haaretz.com (20 September). English version available at http://www.haaretz.com/weekend/magazine/benny-morris-on-why-he-s-written-his-last-word-on-the-israel-arab-conflict-1.465869.
Dagan, Yehudah (2009) ‘Khirbet Qeiyafa in the Judean Shephelah: Some Considerations’, Tel Aviv 36: 68–81.
Davies, Philip (1992) In Search of ‘Ancient Israel’ (Sheffield: JSOT).
Davies, Philip (2002) ‘Minimalism, “Ancient Israel,” and Anti-Semitism’, Bibleinterp.com. Available at http://www.bibleinterp.com/articles/Minimalism.shtml.
Dayan, Moshe (1978) Living with the Bible (London: Weidenfeld and Nicolson).
Dever, William (2003) Contra Davies’, Bibleinterp.com. Available at http://www.bibleinterp.com/articles/Contra_Davies.shtml.
Draper, Robert (2010) Kings of Controversy: Was the Kingdom of David and Solomon a Glorious Empire—or Just a Little Cow Town? It Depends on which Archaeologist You Ask’, National Geographic (December). Available at http://ngm.nationalgeographic.com/2010/12/david-and-solomon/draper-text
Emek Shaveh Association (2013) ‘From Silwan to the Temple Mount: Archaeological Excavations as a Means of Control in the Village of Silwan and in Jerusalem’s Old City – Developments in 2012’, Alt-arch.org. Available at http://alt-arch.org/en/wp-content/uploads/2013/04/Frm-Sil-to-Tmpl-Mnt-English-Web-.pdf.
Emek Shaveh Association (2012) ‘Archaeology on a Slippery Slope: Elad’s Sifting Project in Emek Tzurim National Park’, Alt-arch.org. Available at http://alt-arch.org/en/archaeology-on-a-slippery-slope/.
Erlanger, Steven (2005) King David s Palace Is Found, Archaeologist Says’, The New York Times (5 August). Available at http://www.nytimes.com/2005/08/05/international/middleeast/05jerusalem.html?pagewanted=-print-.
Feldman, Maya (2006) Breaking with Tradition’, Ynet.co.il (16 October). Available at http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3314122,00.html.
Finkelstein, Israel (1996) ‘The Archaeology of the United Monarchy: An Alternative View’, Levant 28 (1): 177-187.
Finkelstein, Israel (2005) “A Low Chronology Update: Archaeology, History and Bible”, in Thomas Levy & Thomas Higham (eds), The Bible and Radiocarbon Dating: Archaeology, Text and Science (London: Equinox): 31-42.
Finkelstein, Israel (2006-2007) Ancient Israel: Archaeology, the Bible and What Happened (A course at Tel Aviv University). Available at http://www.youtube.com/watch?v=BQGul9OYI7s&list=PLL6llhM6ViT1x4kNxJpFy3DMjPgmw1bRu.
Finkelstein, Israel (2011) ‘In the Eye of Jerusalem’s Archaeological Storm: The City of David, Beyond the Politics and Propaganda’, The Jewish Daily Forward (26 April issue of May 06, 2011). Available at http://forward.com/articles/137273/in-the-eye-of-jerusalem-s-archaeological-storm/.
Finkelstein, Israel (2013) The Forgotten Kingdom: The Archaeology and History of Northern Israel (Atlanta: Society of Biblical Literature).
Finkelstein, Israel & Alexander Fantalkin (2012) ‘Khirbet Qeiyafa: An Unsensational Archaeological and Historical Interpretation’, Tel Aviv 39: 38-63.
Finkelstein, Israel & Eli Piasetzky (2010) ‘Khirbet Qeiyafa: Absolute Chronology’, Tel Aviv 37: 84–88.
Finkelstein, Israel & Eli Piasetzky (2011) ‘The Iron Age Chronology Debate: Is the Gap Narrowing?’, Near Eastern Archaeology 74 (1): 50–54.
Finkelstein, Israel & Neil Silberman (2001) The Bible Unearthed: Archaeology s New Vision of Ancient Israel and the Origin of Its Sacred Texts (New York: Free Press).
Finkelstein, Israel, Lily Singer-Avitz, Ze ev Herzog & David Ussishkin (2007) ‘Has King David s Palace in Jerusalem Been Found?’, Tel Aviv 34 (2): 142-164.
Friedman, Julia (2013) ‘Crying King David: Are the Ruins Found in Israel Really his Palace?’, Haaretz.com (26 August). Available at http://www.haaretz.com/archaeology/.premium-1.543216.
Galil, Gershon (2009) ‘The Hebrew In-script-ion from Khirbet Qeiyafa/Neta im: -script-, Language, Literature and History’. Ugarit Forschungen 41: 193-242.
Garfinkel, Yosef (2011) ‘The Birth and Death of Biblical Minimalism’, Biblical Archaeology Review 37: 46–53, 78.
Garfinkel, Yosef (2012-2013) The Beginning of the Kingdom of Judah (A course at the Hebrew University of Jerusalem). Available at http://www.youtube.com/watch?v=V4F51-_98Gc&list=PLcysIED5sYMl_oEKBtB8_jfn2afyftm73.
Garfinkel, Yosef (2013a) Khirbet Qeiyafa Project 2007-2013: Final Summary of Field Results by Excavation Area and Season. Available at http://qeiyafa.huji.ac.il/Reports/Seven_Seasons_of_Excavations.pdf.
Garfinkel, Yosef (2013b) Why Khirbet Qeiyafa is a Judean city. Available at http://qeiyafa.huji.ac.il/Reports/Is_Khirbet_Qeiyafa_a_Judean_site.pdf.
Garfinkel, Yosef & Saar Ganor (2008a) ‘Khirbet Qeiyafa: Sha’arayimn’, Journal of Hebrew -script-ures 8: Article 22.
Garfinkel, Yosef & Saar Ganor (2008b) Khirbet Qeiyafa: An Early Iron IIA Fortified City in Judah presentation at the 2008 ASOR meeting. Available at http://www.judaea.ru/upload/files/ASOR_2parts.pdf.
Garfinkel, Yosef & Saar Ganor (2009) Khirbet Qeiyafa: Excavation Report 7002 - 7002 (Jerusalem: Israel Exploration Society).
Garfinkel, Yosef, Saar Ganor, Michael Hasel & Guy Stiebel (2009) ‘Notes and News: Khirbet Qeiyafa, 2009’, Israel Exploration Journal 59: 214–220.
Garfinkel, Yosef, Saar Ganor & Michael Hasel (2012) Footsteps of King David in the Valley of Elah (Tel Aviv: Yedioth Ahronoth Books and Chemed Books).
Gelber, Yoav (2012) ‘How and When the Land of Israel was Invented? They Say, there is a Land’, Haaretz.co.il. (27 September). Available at http://www.haaretz.co.il/literature/study/1.1829868.
Haaretz (2012) Comments Following the Interview with Shlomo Sand’, Haaretz.co.il (8 June). Available at http://www.haaretz.co.il/magazine/1.1724795.
Halutz, Doron (2013) The Election Season of Muli Segev and Eretz Nehederet’, Haaretz.co.il (2 February). Available at http://www.haaretz.co.il/magazine/1.1918617.
Hasson, Nir (2011) ‘The University of Tel Aviv and The Hebrew University in Excavations War’, Haaretz.co.il (11 March). Available at http://www.haaretz.co.il/news/science/1.1166225.
Hasson, Nir (2012) Were There Two Holy Temples? Israeli Archaeologists Uncover Ancient Temple Just Outside Jerusalem’, Haaretz.co.il (26 December). English version available at http://www.haaretz.com/news/national/israeli-archaeologists-uncover-ancient-temple-just-outside-jerusalem.premium-1.
Hasson, Nir (2013a) ‘Archaeologists are Divided: Has King David s Palace been Found?’, Haaretz.co.il (18 July). English version available at http://www.haaretz.com/news/features/.premium-1.536594.
Hasson, Nir (2013b) ‘Ancient Golden Treasure Trove Found at Foot of Jerusalem s Temple Mount’, Haaretz.co.il (9 September). English version available at http://www.haaretz.com/archaeology/.premium-1.545965.
Herzog, Ze ev (1999) ‘The Bible. There are no Finds in the Field’, Haaretz (29 October). Available at http://www.hayadan.org.il/bible-no-evidence-291099/.
Hoffmann, David Zvi (1902) Die Wichtigsten Instanzen gegen die Graf-Wellhausensche Hypothese (Berlin: Itzkowski).
Israel Ministry of Foreign Affairs (2013) ‘PM Netanyahu on the Gold Treasure Uncovered in Jerusalem’, mfa.gov.il (9 September). Available at http://mfa.gov.il/MFA/PressRoom/2013/Pages/PM-Netanyahu-on-the-gold-treasure-uncovered-in-Jerusalem-9-Sept-2013.aspx.
Eltahawy, Mona and Amy Klein (1998) ‘Palestinian Dig Unearths Canaanite Homes’, Reuters /Jerusalem Post (4 August). Available at http://www.highbeam.com/doc/1P1-16487322.html.
Karny, Yoav (2010) Yossi Garfinkel, Detective of History’, Yoavkarny.com. (9 January). Available at http://yoavkarny.com/2010/01/09/%D7%99%D7%95%D7%A1%D7%99-%D7%92%D7%A8%D7%A4%D7%99%D7%A0%D7%A7%D7%9C-%D7%91%D7%9C%D7%A9-%D7%94%D7%99%D7%A1%D7%98%D7%95%D7%A8%D7%99/
Karpel, Dalia (2012) ‘Author of The Invention of the Jewish People Vents Again’, Haaretz.co.il (26 May). English version available at http://www.haaretz.com/weekend/magazine/author-of-the-invention-of-the-jewish-people-vents-again.premium-1.432371.
Kashua, Sayed (2012) Sayed Kashua s Daughter s School Project isn t Homework, it s War’, Haaretz.com (25 October). Available at http://www.haaretz.com/weekend/weekend/sayed-kashua-s-daughter-s-school-project-isn-t-homework-it-s-war.premium-1.472257.
Kratz, Reinhard (2009) ‘Eyes and Spectacles: Wellhausen’s Method of Higher Criticism’, The Journal of Theological Studies 60 (2): 381-402.
Kuhn, Thomas (1970) The Structure of Scientific Revolutions (Chicago: University of Chicago Press).
Lanski, Na ama and Daphna Berman (2007) Storm in a Neo-Con teapot’, Haaretz.co.il (29 November). English version available at http://www.haaretz.com/weekend/week-s-end/storm-in-a-neo-con-teapot-1.234226.
Latour, Bruno (1987) Science in Action: How to Follow Scientists and Engineers through Society (Cambridge, Mass.: Harvard University Press).
Lemche, Niels (1988) Ancient Israel: A New History of Israelite Society (Sheffield: Jsot Press).
Lemche, Niels (2008) The Old Testament between Theology and History (Louisville, Ky.: Westminster John Knox Press).
Levin, Yigal (2012) ‘The Identification of Khirbet Qeiyafa: A New Suggestion’, Bulletin of the American Schools of Oriental Research 367: 73-86.
Levine, Lee & Amihai Mazar (eds) (2001) The Controversy over the Historicity of the Bible (Jerusalem: Yad ben Zvi – Dinur Center).
Lori, Aviva (2005) The Greatest Spin in History’, Haaretz.co.il (26 February). English version [‘Grounds for Disbelief’] available at http://www.haaretz.com/grounds-for-disbelief-1.10757.
Masalha, Nur (2007) The Bible and Zionism: Invented Traditions, Archaeology and Post-Colonialism in Palestine-Israel (London: Zed Books).
Mazar, Amihai (2011) The Iron Age Chronology Debate: Is the Gap Narrowing? Another Viewpoint’, Near Eastern Archaeology 74 (2): 105-111.
Mazar, Benjamin (1974) Canaan and Israel: Historical Essays (Jerusalem: Bialik).
Mazar, Eilat (2006a) ‘Patriotism and National Security in Israel’, The Sixth Herzliya Conference (24 January). Available at http://www.herzliyaconference.org/?ArticleID=2097&CategoryID=258.
Mazar, Eilat (2006b) ‘Did I Find King David s Palace?’, Biblical Archaeology Review 32 (1): 16-27.
Mazar, Eilat (2007) Preliminary Report on the City of David Excavations 2005 at the Visitors Center Area. Translated by Ben Gordon. (Jerusalem: Shalem Press).
Millard, Alan (2011) The Ostracon from the Days of David Found at Khirbet Qeiyafa’, Tyndale Bulletin 61: 1-13.
Misgav, Haggai (2010) Contradictions between Archeology and the Bible (A lecture delivered at Herzog College). Available at http://www.youtube.com/watch?v=7hB3_bvdhxI.
Morris, Benny (1987) The Birth of the Palestinian Refugee Problem (Cambridge: Cambridge University Press).
Na aman, Nadav (2008) ‘In Search of the Ancient Name of Khirbet Qeiyafa’, Journal of Hebrew -script-ures 8: Article 21.
Na aman, Nadav (2012) ‘Khirbet Qeiyafa and the Philistine-Canaanite Struggle in South Canaan in the Early Iron Age’, Cathedra 143: 65–92.
Nesher, Talila (2013) With the Support of Sa ar, Shalem Center was Recognized as Academic Institution’, Haaretz.co.il (3 January). Available at http://www.haaretz.co.il/news/education/1.1899517.
Noth, Martin (1960) The History of Israel (New York: Harper and Row).
Penn, Lea (2011) Cain & Abel 90210 Present: Laughter and Rage’, Haaretz.co.il (28 March). Available at http://www.haaretz.co.il/gallery/music/discovery/1.1168932.
Rapoport, Meron (2006) The republic of Elad’, Haaretz.com (23 April). Available at http://www.haaretz.com/-print--edition/features/the-republic-of-elad-1.185892.
Reinstein, Ziv (2013) Gold Treasure Including a Model of Menorah was Discovered Near Temple Mount’, Ynet.co.il (9 September). Available at http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4427447,00.html.
Rendsburg, Gary (1999) ‘Down with History, Up with Reading: The Current State of Biblical Studies’, McGill University Department of Jewish Studies Thirtieth Anniversary Conference (expanded version). Available at http://jewish30yrs.mcgill.ca/rendsburg/.
Rollston, Christopher (2011) ‘The Khirbet Qeiyafa Ostracon: Methodological Musings and Caveats’, Tel Aviv 38: 67–82.
Sand, Shlomo (2009) The Invention of the Jewish People. Translated by Yael Lotan. (London: Verso).
Sand, Shlomo (2012) The Invention of the Land of Israel. Translated by Geremy Forman. (London: Verso).
Sand, Shlomo (2013) How and When I Stopped Being Jewish (Or Yehuda: Kinneret, Zmora-Bitan).
Segev, Muli & Adam Sanderson (2010) This is Sodom feature film (Israel: United King Films).
Shapira, Anita (2009) ‘The Jewish-People Deniers’, The Journal of Israeli History 28 (1): 63-72.
Shapira, Ran (2005) ‘A Debate of Biblical Proportions’, Haaretz.co.il (8 September). English version available at http://www.haaretz.com/-print--edition/features/a-debate-of-biblical-proportions-1.169365.
Sharon, Ilan, Ayelet Gilboa, AJ Timothy Jull & Elisabetta Boaretto (2007) ‘Report on the First Stage of the Iron Age Dating Project in Israel: Supporting a Low Chronology’, Radiocarbon 49:1–46.
Shtull-Trauring, Asaf (2011) The Keys to the Kingdom’, Haaretz.co.il (21 April). English version available at http://www.haaretz.com/weekend/magazine/the-keys-to-the-kingdom-1.360222.
Silberman, Neil (1993) A Prophet from amongst You: The Life of Yigael Yadin: Soldier, Scholar, and Mythmaker of Modern Israel (Reading, MA: Addison-Wesley).
Silberman, Neil & David Small (eds) (1997) The Archaeology of Israel: Constructing the Past, Interpreting the Present (Sheffield, England: Sheffield Academic Press).
Sima, Gil (2012) ‘Ben-Gurion Stated: Rechovot is Part of Tel Aviv’, Mynet.co.il (16 December). Available at http://www.mynet.co.il/articles/0,7340,L-4318985,00.html.
Thompson, Thomas (1992) Early History of the Israelite People: From the Written and Archaeological Sources (Leiden, the Netherlands: Brill).
Thompson, Thomas (1999) The Mythic Past: Biblical Archaeology and the Myth of Israel (New York: Basic books).
Thompson, Thomas (2001) ‘A view from Copenhagen: Israel and the History of Palestine’, Bibleinterp.com.
Available at http://www.bibleinterp.com/articles/copenhagen.shtml.
Thompson, Thomas (2011) ‘On the Problem of Critical Scholarship: A Memoire’, Bibleinterp.com. Available at http://www.bibleinterp.com/opeds/critscho358014.shtml.
Toffolo, Michael, Eran Arie, Mario Martin, Elisabetta Boaretto & Israel Finkelstein (2014) ‘Absolute Chronology of Megiddo, Israel, in the Late Bronze and Iron Ages: High-resolution Radiocarbon Dating.’ Radiocarbon 56 (1): 221-244.
Vaux, Roland (1965) ‘Method in the Study of Early Hebrew History’, in J. Hyatt (ed), The Bible and Modern Scholarship (Nashville, TN: Abingdon): 15-29.
Verter, Yossi (2013) ‘From the Palestinians to His Own Coalition, Netanyahu Faces a Year of Decisions’, Haaretz.co.il (27 December). English version available at http://www.haaretz.com/weekend/1.565698.
Wallace, Jennifer (2013) ‘Archaeology and the Israel-Palestine Conflict’, ISN (January). Available at http://www.isn.ethz.ch/Digital-Library/Articles/Special-Feature/Detail/?id=143890&contextid774=143890&contextid775=143886&tabid=1452426438.
Wellhausen, Julius (2013 [1878]) Prolegomena to the History of Ancient Israel (New York: Cambridge University Press).
Whitelam, Keith (1996) The Invention of Ancient Israel: The Silencing of Palestinian History (New York: Routledge)
Yadin, Yigael (1975) Hazor: The Rediscovery of a Great Citadel of the Bible (London: Weidenfeld and Nicolson).
Yifa, Yaakov (2014) ‘Israel Said Set to Accept Kerry’s Framework Proposals’, The Times of Israel (2 February). Available at http://www.timesofisrael.com/israel-said-set-to-accept-kerrys-framework-proposals/?utm_source=dlvr.it&utm_medium=twitter.
Zertal, Adam (1999) Go to Mount Ebal - says Herzog s rival, Adam Zertal , Haaretz (11 November). Available at http://www.hayadan.org.il/go-to-eival-mt-sais-zertal-111199
Zertal, Adam (2000) A Nation is Born: The Altar on Mount Ebal and the Emergence of Israel (Tel Aviv: Yedioth).
Ziffer, Benny (2013) ‘A Breathtaking Jewish Archaeological Discovery? Give Me a Break’, Haaretz.com (18 September). Available at http://www.haaretz.com/jewish-world/high-holy-days-2013/high-holy-day-news-and-features/.premium-1.547727. 87



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الطوفان وأشياء أخرى (29)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (28)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (25)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (24)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (23)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (26)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (27)
- استثمار الكارثة بين العقاب الإلهي والشخصنة والتأويل
- قتل الأب عند دوستويفسكي
- عن الطوفان وأشياء أخرى (22)
- مختبر فلسطين: تسويق وتصدير تقنيات الاحتلال
- الطوفان وأشياء أخر (21)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (20)
- علم الآثار الكتابي في إسرائيل: حين يغمّس -إسرائيل فنكلشتين- ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (19)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (18)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (17)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (16)
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى( 15)


المزيد.....




- ترامب يكشف موعد اتصاله مع رئيس وزراء كندا ويؤكد: -سيدفعون-
- الصين لديها ورقة رابحة في مواجهة رسوم أمريكا الجمركية.. ما ه ...
- أمراض يشير إليها تضخم الغدد اللمفاوية
- روسيا تنشئ أنظمة تبريد تساعد على تطوير أجهزة الكمبيوتر الكمو ...
- روسيا تستخدم الدرونات لمراقبة مسارات السكك الحديدية
- روسيا تختبر منظومة جديدة مضادة للدرونات
- البول الأسود.. اضطراب نادر يسبب مشاكل صحية خطيرة
- الدنمارك.. اكتشاف نوع جديد من الفطريات تحوّل العناكب إلى زوم ...
- روسيا تنتج بطاريات الليثيوم الأيونية للطائرات المسيرة
- أمراض تسمى -القاتل الصامت-.. ما هي وكيف نكتشفها مبكرا؟


المزيد.....

- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - الجوانب الاجتماعية والسياسية لعلم الآثار الكتابي المعاصر في إسرائيل