|
المركزية البغدادية وهامش المحافظات
رياض قاسم حسن العلي
الحوار المتمدن-العدد: 8241 - 2025 / 2 / 2 - 14:45
المحور:
قضايا ثقافية
منذ تأسيس الدولة العراقية بعد نهاية الحكم العثماني، عملت مؤسسة الحكم على تأصيل مفهوم بقي إلى يومنا هذا وهو أن بغداد هي المركز وما عداه هوامش ، ويبدو أن هذا هو التفكير العثماني نفسه، حيث كان الأتراك يركزون على إسطنبول وأن غيرها لا يعدو أن يكون هامشًا يدور حول هذا القطب ، وحينما أدرك أتاتورك تلك المشكلة، قرر أن تكون العاصمة أنقرة. لكن مع ذلك، بقيت الهيمنة الاقتصادية والثقافية لإسطنبول، لكن على الأقل تحول الأصل السياسي من إسطنبول إلى أنقرة. في مصر مثلاً، كانت ولا تزال القاهرة المركز السياسي والثقافي والاقتصادي الذي تدور حوله الأقاليم، كما تُسمى في مصر. في العراق، كانت بغداد تمثل المركز الحضري منذ تأسيسها على يد العباسيين، حيث حولوها من قرية ذات بساتين إلى مدينة حكمت البلاد الإسلامية. وكانت في زمن ما قبلة لكل باحث عن عمل أو دراسة أو منصب أو مغنم، حتى سقوطها وخرابها على يد المغول، ثم انحسار دورها الحضاري وتحولها إلى مجرد دور طينية ومقر للحامية العثمانية ومكان مميز للصراعات الطائفية ومركزًا للأوبئة والطاعون والفيضانات. قسم العثمانيون العراق إلى ثلاث ولايات، لكنهم اعتبروا بغداد مركز تلك الولايات، بحيث كان والي بغداد هو المتحكم ببقية الولايات، بينما البصرة والموصل كانتا بالكاد تُنشِئان مركزين حضاريين تقوم أساسًا على التجارة، لكن الرغبة البريطانية كانت في سلب البصرة ريادتها التجارية، ومنحها للكويت. فتحولت أكثر الوكالات التجارية من البصرة إلى الكويت الناشئة بحماية بريطانية. ويبدو أن مؤسسي الدولة العراقية الحديثة أخذوا بالمذهب الثقافي للدول الكبرى من حيث هيمنة المركز، والتي بقيت سمة بارزة في عصر الكولونيالية. لذا تم اتخاذ بغداد لتكون هي المحور الذي تدور حوله أفلاك المدن والأرياف العراقية التي لم يعلم سكانها ما يحدث، خاصة وأن ثورة العشرين لم تكن ضد الهيمنة الثقافية لبغداد بقدر ما كانت ضد الوجود البريطاني ومخططاته بتمكين النخبة الهندية من حكم العراق لكن طُبِّقت خطة أخرى لاحقًا، حيث قررت الإدارة البريطانية تسليم العراق لحكم أشخاص لم يكونوا يعرفوا العراق. قامت الدولة القومية بتركيز الحكم في بغداد، وهيمنة العوائل الأرستقراطية، وقمع أي بروز للمدن الأخرى. ففي خلال الحكم الملكي، مثلاً، لم تكن البصرة ولا الموصل ذا قيمة إلا في وقت متأخر، من خلال سياسة مجلس الإعمار الذي خصص جزءًا من وارداته لإقامة مشاريع في عموم العراق. وفي سياق آخر، كانت الهيمنة الثقافية لبغداد هي السائدة. فبعد القضاء على الحكم الملكي، هُمّشت صحافة المحافظات، وتم إنهاؤها نهائيًا بعد عودة البعث إلى الحكم سنة 1968 حيث تم تكريس هيمنة بغداد، على الرغم من أن رأس النظام كان ينتمي إلى تكريت، لكن هذه المدينة كانت تتبع بغداد حتى السبعينيات، حينما استحدثت محافظة صلاح الدين ، لكن بقيت بغداد هي المهيمنة، وعلى سبيل المثال، يقال إن صدام حسين كان يتحدث باللهجة البغدادية حتى تم تعيينه نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، حيث أخذ يتحدث بلهجة تكريت، وبالتحديد لهجة أهل العوجة. في المقابل، ولأن الثراء اللغوي يكمن في لهجات الجنوب العراقي، فقد أصدر النظام البعثي توجيهات بمنع الشعر الشعبي من الظهور الإعلامي، لكنه تراجع عن ذلك بعد الحرب العراقية الإيرانية، حيث وجد في هذا الشعر نوعًا من الحماسة الشعبية التي تدعم توجهاته في الحرب. لكن في الدراما العراقية، تم التوجيه بأن تكون اللهجة البغدادية هي المعتمدة في المسلسلات، مع بعض الاستثناءات القليلة. حيث وجدنا الإرث الجنوبي يظهر بشكل متميز في مسرحية المحطة، مثلاً، على الرغم من أن الاتجاه العام للدراما والمسرح العراقي كان، ولا يزال، يظهر الشخص الجنوبي إنسانًا جاهلاً وساذجًا ومنحطًا. ومن جهة أخرى، وبسبب سياسة الدولة العراقية منذ التأسيس الأول، كانت النظرة لأهل الجنوب سيئة، فيقال عن الجنوبي بأنه "شروكي" أو "محافظات"، وهكذا صارت هاتان الكلمتان مثل الشتيمة والسباب.
وحينما نذهب إلى التكوين الثقافي في العراق، نجد أن 90 ٪ منه إنشاء جنوبي. فالسياب وسعدي يوسف والبريكان ومحمد خضير وامل خضير وأيناس طالب وأبتسام الدخيل و باقر ياسين وجمال حسين علي و جواد الحطاب و حازم قاسم وديزي الامير وسيتا هاكوبيان و ضياء جبيلي و طالب غالي وياسين النصير من البصرة وجواد الشكرجي وعبد الرحمن مجيد الربيعي وطالب القره غولي وعزيز السيد جاسم وشوقي عبد الامير وصلاح نيازي وعبد العظيم فنجان وعريان السيد خلف وكاظم جهاد وكمال سبتي ومحسن اطيمش من الناصرية وجمعة اللامي وخضير ميري وصلاح كرم وعبد العظيم السبتي وعبد عون الروضان وعلاء مجيد وفؤاد جميل ومحمد شمسي ومالك المطلبي من العمارة وحميد العقابي وسامي قفطان وعبد الجبار كاظم وعلي جعفر العلاق ومحسن فرحان ومقداد مراد ومحمد الشبوط ونصير شمة من الكوت وخالد المعالي زيد الشهيد وسامي عبد الحميد وشاكر حسن آل سعيد وكاظم السماوي وناظم السماوي من السماوة وسلام ابراهيم وشفيق المهدي وعلي الشباني وعناد غزوان ورياض شهيد ومهدي الحافظ من الديوانية واحمد سوسة وانور شاؤول واعتقال الطائي وجبر علوان وسعدي الحلي وطه باقر وعلي جواد الطاهر من الحلة واحمد البحراني واقبال فليح وباسم فرات وبدري حسون فريد وفريدة محمد علي من كربلاء واحمد الوائلي والتفات عزيز وبلقيس شرارة وجعفر الخليلي وعبد الامير معلة وغانم حميد من النجف ورشدي العامل وسعدي الحديثي وعبد القادر العاني وكمال الحديثي من الانبار وحسن مطلك ومحسن الرملي من تكريت وسعد خليفة وسعد محمد رحيم وصلاح عبد الغفور ومنير العبيدي ونور صبري وعلي المندلاوي وصفاء الجميلي وخيري الهنداوي من ديالى. هذا على سبيل المثال... فإذا حذفنا كل مثقفي وأدباء وفناني وعلماء الجنوب، ماذا سيتبقى من الثقافة العراقية؟ أعتقد لا يبقى إلا القليل النزير الذي لا يقدم شيئًا للثقافة العراقية. إنهاء المركزية البغدادية يعني إعادة العراق إلى أصوله الأولى، أصوله الحقيقية، فليس كل شيء بغداد . بل إن كل شيء ليس في بغداد. فالعراقيون الأصليون هم الذين يسكنون فوق وتحت بغداد، ولو لا هؤلاء لما كان للعراق من وجود. لذا فعلى بغداد أن تعترف بقصورها وجحودها تجاه أبناء المحافظات الذين هم أساس هذا الوطن.
#رياض_قاسم_حسن_العلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شقشقة عراقية 4 غضب العراقي وحزنه
-
شقشقة عراقية 3
-
شقشقة عراقية ( 2)
-
شقشقة عراقية
-
ظهيرة سوق البصرة القديم
-
شذرة 15 الدين والتحريم
-
شذرة 14 الدين والأخلاق
-
حسين منه وهو من حسين
-
شذرة 13 الارادة الانسانية
-
شذرة 12 العقيدة والانسان
-
غدير الاتمام لدين أكتمل/ رؤية شخصية
-
ليس شعرا بل واقعة حدثت
-
شذرة 10. الفرق الإسلامية/ التوافق والاختلاف
-
شذرة 11 الدين والحرب
-
شذرة 9 نظرة إلى التراث
-
شذرة 7
-
عبد الإله منشد المحمداوي وملحمة يمحمد
-
شذرة 6 النص والنسخ
-
شذرة 5
-
شذرة 4
المزيد.....
-
كيف ردت الصين على ترامب بعد فرضه الرسوم الجمركية؟
-
نبيذ الكوبرا وخصيتي الثعبان.. إليك وجبات غريبة يأكلها الأشخا
...
-
واشنطن تضغط على كييف: لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول
...
-
بعد صورة الشرع متوجها إلى الرياض.. إغلاق حساب للرئاسة السوري
...
-
البحرية الإسرائيلية تعتقل صيادا لبنانيا عند نقطة رأس الناقور
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن توسيع عملياته شمالي الضفة الغربية
-
سموتريش يطالب نتنياهو بتدمير -حماس- و-نصر كامل- في غزة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ 3 غارات جوية على شمالي الضفة الغ
...
-
علماء روس يبتكرون نظاما للتحكم بكثافة البلازما
-
Lenovo تعلن عن حاسبها الجديد لمحبي الألعاب الإلكترونية
المزيد.....
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|