أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الجسار - لماذا نقرأ؟















المزيد.....


لماذا نقرأ؟


احمد الجسار
كاتب وصحفي

(Ahmed Al-jassar)


الحوار المتمدن-العدد: 8240 - 2025 / 2 / 1 - 22:09
المحور: الادب والفن
    


تتعدد الأسباب التي تجعل الإنسان يقبل على الكتاب ويعكف على صفحات الكتب بقلق ورغبة لا تُقاوم، فكل فرد منا قد تكون له دوافعه الخاصة لفتح صفحات الكتاب واغتراف المعرفة واللذة من بين سطوره. ومع ذلك، يظل السؤال البسيط والجواب العميق: لماذا نقرأ؟ لماذا نذهب إلى الكتب في أوقات السكون وأوقات الاضطراب؟ لماذا نسمح للكلمات المطبوعة على ورق أن تأخذنا إلى عوالم بعيدة عن الواقع، وتغمرنا بتجارب الآخرين؟ قد يختلف الجواب من شخص لآخر، إلا أن القراءة تبقى عالماً مشتركاً بين جميع البشر، يحركه البحث عن المعنى والحقائق والتجارب التي يمكن أن تكشف جوانب جديدة في الحياة.

إذا نظرنا إلى القراءة من زاوية فلسفية، فإننا نجد أن القراءة هي أولاً وقبل كل شيء عملية اتصال عميقة بين القارئ والنص. يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: "القراءة هي بمثابة اللقاء بين عقلين، عقل الكاتب وعقل القارئ". الكتاب هو الوعاء الذي يحتوي على أفكار الكاتب وآرائه، بينما القارئ هو من يسعى لفهم هذه الأفكار وفتح أفقه نحو عوالم متعددة. إن الكتاب ليس مجرد ورقة مكتوبة بل هو نافذة نطل منها على تجارب الآخرين، فكل قراءة هي نوع من الحوار الداخلي مع النص، وهي رحلة ممتعة في اكتشاف أسرار الكلمات التي قد تكون نُسجت بتأملات وتجارب غنية. وهذا ما يجعلنا نغرق في القراءة، كما يغرق السباح في البحر.

القراءة تفتح أمامنا أبواب المعرفة وتمنحنا قدرة على الفهم والتفسير، فهي توسع آفاقنا وتساعدنا على فحص الأفكار التي نعيش بها ونؤمن بها. ليس من الضروري أن يكون الكتاب مجرد مصدر للمعلومات، بل هو أكثر من ذلك بكثير. الكتاب هو رفيق السهر في ليالي الوحدة، وهو نافذة نطل منها على تجارب بشرية متنوعة، وهو مرشد في أوقات الشكوك والقلق. كما يقول الأديب الفرنسي فيكتور هوغو: "الكتاب هو صديق لا يخون". وهذا بالفعل ما تمنحه لنا القراءة؛ فهي تفتح أمامنا عالمًا واسعًا من القصص والحكايات والتجارب الحية التي تتلاقى مع آلامنا وأفراحنا. نحن لا نقرأ فقط لكي نعلم، ولكن لكي نشعر، لكي نعيش لحظات مختلفة عبر حروف مكتوبة.

عندما نقرأ، نفتح بابًا للسفر عبر الزمان والمكان، نتنقل بين عصور وأماكن نجهلها أو لم نكن لنتخيلها لو أننا لم نقرأ. القراءة تمنحنا قدرة على التعايش مع الشخصيات التي تعيش في تلك الأزمنة والأمكنة، وتجعلنا نختبر العالم من خلال عيونهم. يقول الكاتب الأمريكي مارك توين: "من لا يقرأ الكتب جيدًا، لا يعيش الحياة جيدًا". إن الكتب تعيدنا إلى تاريخنا البعيد والقريب، وتفتح لنا مسارات متوازية يمكن أن نسلكها في عالمنا المعاصر. نحن نقرأ لنعرف كيف عاش الآخرون، وكيف تطوروا، وكيف استطاعوا أن يواجهوا التحديات التي عصفت بهم. من خلال هذه القراءات نكتسب الحكمة ونفتح قلوبنا لاستقبال معاني جديدة.

ولكن لماذا نبحث عن هذه الحكمة؟ لماذا نبحث عن إجابات في الكتب؟ هل لأننا نسعى للمعرفة فقط؟ أم أننا نبحث عن طريق للمضي قدماً في الحياة؟ في بعض الأحيان، نجد أن القراءة تتيح لنا الفرصة للاسترشاد؛ فهي تفتح أمامنا أفكاراً قد تبدو بعيدة عن واقعنا، لكنها تلامس فينا شيئاً ما، تدفعنا للتفكير في أفكارنا الخاصة وفي عالمنا الذي نعيش فيه. كما يقول الكاتب الروسي ليو تولستوي: "الكتاب هو كائن حي يبعث فيه الكاتب روحه". هذا الروح التي يزرعها الكاتب في كتابه، هي التي تجعل من الكتاب رفيقًا نذهب إليه في لحظات الفرح والحزن على حد سواء.

إذا أردنا أن نغوص أكثر في أبعاد السؤال "لماذا نقرأ؟"، يمكننا أن نلاحظ أن القراءة لا تقتصر على طلب المعرفة وحسب، بل هي بحث مستمر عن الهروب. الهروب من الواقع المادي إلى عوالم أخرى مليئة بالخيال والإبداع. قد يهرب القارئ إلى صفحات الكتاب لكي ينعم بفكرة جديدة، أو حتى يهرب من عبء الحياة اليومية ومن المسؤوليات التي قد تقيده. ففي القراءة، يجد القارئ مساحته الحرة التي تمكنه من التنقل بين عوالم الأدب والفكر والفلسفة بحرية مطلقة. إن الكتاب يفتح الأبواب لعوالم لا يستطيع الإنسان الوصول إليها إلا من خلال الكلمات. وهذا الهروب هو نوع من العلاج النفسي الذي يهدئ الروح ويبعث فيها الطمأنينة.

القراءة هي أيضاً مرافقة لحياتنا الشخصية. كل كتاب نقرأه يُضاف إلى مرجعية شخصيتنا، يجعلنا نرى أنفسنا بشكل جديد، أو ربما يكشف لنا عن جوانب كانت مخفية عنا. هذا ما يراه الكاتب الأمريكي ويليام فوكنر في قوله: "الكتب ليست مجرد أشياء نقرأها، بل هي الأشياء التي تصنعنا". عبر الكتب، تتشكل شخصياتنا، تزداد رغبتنا في تحسين حياتنا، وتكتسب حياتنا أبعادًا أكثر عمقًا. الكتب تمنحنا الأدوات التي نحتاجها لنحيا حياةً مليئة بالإحساس والتفكير.

من جانب آخر، يمكننا القول إن القراءة ليست مجرد فعل فردي، بل هي أيضًا فعل اجتماعي. عندما نقرأ، نحن نمتلك القدرة على فهم الآخر والتواصل معه بشكل أعمق. يقول الكاتب البريطاني جورج أورويل: "القراءة الجيدة هي التي تجعلك تفكر في العالم بشكل مختلف". القراءة تمنحنا القدرة على الاستماع إلى أصوات الآخرين، وتعزز قدرتنا على التفهم والتعاطف مع الثقافات المختلفة. من خلال قراءة الأدب من مختلف أنحاء العالم، نحن لا نكتسب فقط فهما أفضل لعادات وتقاليد الشعوب الأخرى، بل نكتشف أيضًا أوجه التشابه بيننا وبينهم، وتغدو الإنسانية بأسرها محط اهتمامنا.

إن من الأسباب التي تجعلنا نقرأ هي ببساطة أنها تمنحنا الإحساس بالزمن. فعندما نغرق في كتاب، نشعر أننا خارج حدود الزمن، وأن الوقت يمر بلا حساب. هذا الزمن الذي نعيشه في صفحات الكتاب قد يكون مزيجًا من الماضي والحاضر والمستقبل، وكلما قرأنا، كلما توهجت في داخلنا القدرة على فهم التاريخ والجغرافيا والفكر البشري في أبعاده المختلفة. هذا التوهج هو الذي يجعلنا نعيش في كل لحظة وكل كلمة نقرؤها.

وبالعودة إلى السؤال الرئيس: لماذا نقرأ؟ نجد أن الإجابة تكمن في أن القراءة هي مصدر للاستكشاف الشخصي والاجتماعي والفكري. القراءة لا تقتصر على مجرد ملء الفراغ، بل هي رحلة داخل النفس البشرية وخارجها، رحلة نبحث فيها عن أجوبة للأسئلة الكبرى التي تثير ذهن الإنسان، وتظل تمنحنا الإلهام والتوجيه. إن القراءة لا تقتصر على لحظة من الزمن، بل هي عملية متجددة، شبيهة بمجرى نهر لا يتوقف عن التدفق في أرواحنا وعقولنا.



#احمد_الجسار (هاشتاغ)       Ahmed_Al-jassar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة البحث عن العم سامي - قصة قصيرة
- لماذا نكتب؟
- العلاقة بين الأدب والسياسة في العالم العربي
- حلم كاتب... من أوراق الحلم إلى -أرض بلا أكاذيب-
- الأدب الرقمي: هل هو امتداد للأدب التقليدي؟
- أدب التصوف: تجربة روحية وفنية
- الموت يزورنا مرتين - قصة قصيرة
- تأثير الجوائز الأدبية على حركة الإبداع العربي
- القيم الاجتماعية في المعلقات الجاهلية
- كيف يغير الأدب حياتنا؟
- هل الفصحى والعامية تمثلان لغة تقاطع أم لغة تكامل؟
- في الشعر الجاهلي: بين النقد والتحليل لطه حسين
- العقلية السياسية الإسرائيلية: تحليل علمي سياسي
- علم الاجتماع الرقمي وتأثيره على المجتمع العراقي
- حيادية الدولة: مفتاح المساواة والاستقرار للجميع
- الدولة: مفهومها، إدارتها، ومهامها الأساسية
- مخاطر تقييد الحريات الشخصية وتأثيرها على الشعوب
- التحليل السكاني وفقاً للنتائج الاولية للتعداد العام للسكان ل ...
- دور الذكاء الاصطناعي في السياسة الإقليمية
- تاريخ الصراعات في الشرق الأوسط: جذورها وتطورها حتى العصر الح ...


المزيد.....




- مصر.. السلطات تتحرك بعد انتحار موظف في دار الأوبرا
- مصر.. لجنة للتحقيق في ملابسات وفاة موظف بدار الأوبرا بعد أنب ...
- انتحار موظف الأوبرا بمصر.. خبراء يحذرون من -التعذيب المهني- ...
- الحكاية المطرّزة لغزو النورمان لإنجلترا.. مشروع لترميم -نسيج ...
- -شاهد إثبات- لأغاثا كريستي.. 100 عام من الإثارة
- مركز أبوظبي للغة العربية يكرّم الفائزين بالدورة الرابعة لمسا ...
- هل أصلح صناع فيلم -بضع ساعات في يوم ما- أخطاء الرواية؟
- الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي ...
- رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع ...
- فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الجسار - لماذا نقرأ؟