رشيد عوبدة
الحوار المتمدن-العدد: 8240 - 2025 / 2 / 1 - 08:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في كتابه "الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري"، يؤسس طه عبد الرحمن لرؤية تقوم على أن لكل عصر إشكالاته الوجودية والمعرفية، وأن مسؤولية كل أمة تكمن في استنباط أجوبتها انطلاقا من مرجعيتها الفكرية الخاصة. وفي السياق الإسلامي، تتجلى هذه الإجابة في بعدين جوهريين:
1-الإيمان: وهو ثمرة "النظر الملكوتي"، الذي يتجاوز الإدراك الحسي إلى سبر أغوار الآيات الكونية والوحيية، بحيث لا يقف عند ظاهرها، بل ينفذ إلى أعماق معانيها، امتثالا لقوله تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ"(فصلت: 53).
2ـ التخلق: ويتحقق عبر "العمل التعارفي"، أي من خلال الانخراط في علاقات إنسانية قائمة على التعاون والتكامل، في إطار مؤسسات تسهم في ترسيخ قيم القبول بالاختلاف والتفاعل الإيجابي مع الآخر، مما يجعل الأخلاق جوهر الفعل الإنساني.
أما بخصوص "الاختلاف"، فيرى طه عبد الرحمن أنه ليس حالة طارئة، بل هو حقيقة متجذرة في بنية الوجود، والإسلام يعترف به كضرورة كونية واجتماعية، يقوم على مبدأين محوريين:
1- مبدأ "اختلاف الآيات": وهو التعدد في مظاهر الوجود ودلالاته، حيث تتجلى عظمة الخلق الإلهي في تنوع السنن الكونية، تصديقا لقوله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِين" (الروم: 22).
2ـ مبدأ "اختلاف الناس": وهو التفاوت بين الأمم والثقافات، الذي ليس مظهرا للتفاضل أو التنازع، بل سنة ربانية تثري التجربة الإنسانية، كما في قوله تعالى: "لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجا (المائدة: 48).
بذلك، يقدم طه عبد الرحمن تصورا فلسفيا للاختلاف، لا بوصفه معضلة تفضي إلى التناحر، بل باعتباره مدخلا للتعارف والتكامل، حيث يغدو التنوع عاملا للائتلاف لا باعثا للفرقة، ومنصة للارتقاء الإنساني لا معتركا للصراع.
#رشيد_عوبدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟