أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - بين الوحي والعقل، المأزق الديني














المزيد.....


بين الوحي والعقل، المأزق الديني


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8239 - 2025 / 1 / 31 - 18:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يتباهى الدين بكونه وحي إلهي يسمو على العقل البشري. ولا يكل ولا يمل مبررو الأديان من ترديد مقولة أن الدين كلمة (وحي) الرب المنزلة من السماء لهداية البشر الخطائين في دنيا الأرض السفلية. ونحن هنا لا نشكك في تصديقهم لمثل هكذا مقولة. في النهاية، يتحدد صدق أو كذب القول ليس على أساس نوايا قائليه، التي قد تكون صادقة ونبيلة بحق، لكن على أساس حقيقة المقولة نفسها. وتتحدد هذه الأخيرة من مدى تطابق عناصر المقولة مع بعضها البعض بما يجنبها التناقض الذاتي من داخلها، ثم مدى تطابق المضمون العام للمقولة مع نتائجها المرجو تحقيقها في دنيا البشر. المقولة ليست ضوضاء في فراغ. بل يجب أن تكون ذات فحوى وغاية نافعة يُراد بلوغها في الواقع.

بدايةً، هَبْ أن وحي الله قد نزل على قوم عديمي الفهم ومجانين. ما قيمة هذا الوحي لقوم لا يفقهونه؟ الوضع أشبه برسالة، لابد لها من طرفين أحدهما مُرسل والآخر مُستقبل حتى تنتقل بينهما ويسري مفعولها، أي يفهمها الطرف المستقبل ويبدأ تطبيق ما قد فهمه- ولو منقوصاً أو خاطئاً- من مضمونها في دنياه الأرضية. أو، في مثال آخر، ما قيمة الوحي الإلهي لعالم الحيوان الذي لا يملك العقل الذي يمكنه من فك رموز الكلمة الإلهية وفهم مقاصدها؟ في عالم البهائم ذلك يغيب الطرف المستقبل المناسب كليتاً، وبالتالي يصبح الطرف المرسل بلا قيمة، وجوده كعدمه. سواء بوحي أو بدون، ستستمر حياة هؤلاء المجانين والبهائم سائرة كعادتها وفق قوانين طبيعية نافذة فيهم منذ ملايين السنين، من دون أي حاجة على الاطلاق لا إلى وحي ولا إلى عقل. لكن، إذا كان يُراد للوحي أن يوجد، لابد كشرط ضروري لوجوده أن يوجد العقل قبلاً منه. لا يمكن أن تكون هناك رسالة قبل أن تصل؛ ولا يمكن أن تصل من دون أن يتوفر أولاً المستقبل المناسب- العقل. من ذلك، هل يمكن استنتاج أن العقل أسبق في الوجود على الوحي؟ وإذا كان، هل يجعل ذلك من العقل متقدماً على الوحي، مزامناً له، أم متأخراً عنه؟

أياً ما كان، العقل شرط ضروري من أجل الوحي، ولا وجود البتة لأي منهما دون الآخر. إذا كان كذلك، وكان شرطاً جوهرياً أن يمر مضمون الوحي عبر وسيلة العقل لكي يُبلغ رسالته السماوية إلى عالم البشر، معنى ذلك أن العقل مسؤول عن فك رموز الرسالة الإلهية وفهم مقاصدها طبقاً لقوانينه ذاته، قواعد المنطق الطبيعي النافذة عبر الكون وفي عالم البشر. عندئذٍ، حين ينظر العقل وفق مبادئه الأساسية في العناصر المكونة لمضمون الوحي الإلهي، لا يعثر على أي شيء غير مألوف وغير معتاد لعالم البشر حتى من قبل الوحي ومن دونه. كل مضمون الوحي هو في نهاية المطاف مفاهيم ومعتقدات ومرويات وممارسات وتقاليد استخلصها وتعلمها البشر وترسخت في وجدانهم من تجاربهم المعيشية الحسية مع بيئاتهم الطبيعية، بقيت محفوظة ومنقولة ومتوارثة عبر الأمم والأجيال من أزمنة سحيقة القدم. أكثر من ذلك لا يزال، نطاق التناقض الذاتي بين العناصر الداخلة في تكوين الوحي يصدم ويدهس قواعد العقل الطبيعي إلى حد لا تُجدي معه أي إسعافات أو علاجات مهما جرب ومارس من الحيل والألاعيب الميتافيزيقية التوفيقية. في النهاية، لن يجد العقل أمام فحوى الوحي المليء بألغاز ومعجزات خارقة لقواعد الطبيعية وغيبيات لا سبيل أبداً إلى العلم بأسرارها سوى الإقرار بالهزيمة والاعتراف بقصوره وعجزه عن فك طلاسم الرسالة الإلهية. وهو ما يدفعنا دفعاً إلى معاودة الكرة من نقطة الصفر: هل تُشكل الرسالة النصية أي فائدة أو قيمة لشخص معتوه، معاق ذهنياً، أو حتى عاقل لكنه أُمي لا يقرأ، أو عالم جليل لكنه لا يزال عاجز عن فك رموز وألغاز الرسالة الإلهية؟!

ألم أقل لك أنك أحمق لا تفقه شيئاً، سيرد حتماً مبرر الدين بغضب. كيف تساوي بين الوحي والعقل، بل وتقدم الأخير على الأول؟! ليس هناك البتة وجه للمقارنة بين الاثنين. العقل هو مجرد وسيلة ليس لإدراك وفهم الوحي كما تدعي، بل لخدمته في بلوغ مقاصده فقط. العقل يسترشد بالوحي ويتخذ منه معياراً وحيداً لأحكامه وتشريعاته، لا العكس. وعندما يحدث تعارض بين الاثنين، لا يحتاج الوحي إلى أي وسيط مثل العقل أو غيره حتى يبلغ مقصده. ألا تعرف أيها المفتون بقواعد المنطق أن الوحي ليس مبحثاً ميتافيزيقياً لكيلا يستغني عن العقل؟! الوحي هو كلمة الرب، يصطفي بها من يشاء من خلقه، لأسباب تخصه. هؤلاء المصطفين نسميهم نحن أنبياء وقديسين ولاهوت وفقهاء أئمة. الوحي نور رباني يقذفه الله مباشرة، دون واسطة أو ميزة إدراكية أو عقلية، في قلوب من يختارهم من البشر. حتى لو كان مضمون الوحي مناقض بالكلية لقواعد العقل، هذا ليس معناه خطأ الوحي، بل يؤكد قصور العقل وضلاله عن الصراط المستقيم. ألا تعرف أيها الجاهل أن نبيك أنت ذاتك كان أُمياً لا يقرأ ولا يكتب، وكان بالتأكيد لا يكافئ فلاسفة وعلماء فطاحل أمثال أفلاطون وأرسطو وإقليدس علماً وعقلاً؟! رغم ذلك، اختاره الله لهديه ورحمته وتركهم لضلالاتهم العقلية.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس طمعاً في نعيم الجَنَّة ولا خوفاً من جَحيم النار
- كيف أزاح الشيطان الإله من مُلْكه - أحمد الشرع
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (6)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (5)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (4)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (3)
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا (2)
- في مآلات المشروع العربي الناصري
- عن الله- قراءة في فلسفة سبينوزا
- حاسبوا أنفسكم مع بشار
- هل تُبالي حكومة حماس بحياة الفلسطينيين؟
- السيد صاحب مفتاح مطبخ الفرح
- ما ضير الديمقراطية لو انتخب المعاتيه معتوهاً منهم؟
- عن حاجة الإنسان إلى رَبْ
- في القانون بين الرذيلة والفضيلة
- في معرفة الواحد
- العُقْدَة اليهودية في العقل العربي
- تمرير ديمقراطية عربية تحت غطاء ديني!
- رأسمالية روسيا ما بعد الشيوعية
- باسم العدالة والمساواة حكومات تحتكر الاقتصاد


المزيد.....




- الصحة الفلسطينية تكشف موعد إعادة فتح معبر رفح لإجلاء المرضى ...
- إسبانيا: القبض على -عصابة إجرامية- سرقت 10 ملايين يورو من من ...
- العثور على الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية الأمريكية الم ...
- ابتكار لفحص الهرمونات بالهاتف المحمول
- لبنان.. شخص يقتحم موكب تشييع قتيل في -حزب الله- ويصدم عددا م ...
- المغرب يعلن رفضه دعم إيران للحوثيين
- رئيسة الوزراء الدنماركية: ما زلنا لا نعرف من أين سنحصل على ا ...
- مصادر أوروبية: سيسمح لـ50 جريحا فلسطينيا بمغادرة غزة في السا ...
- التساقط الكثيف للشعر قد يكون مؤشرا لأمراض مزمنة
- أردوغان: تركيا متمسّكة بالقضاء على جميع التنظيمات الإرهابية ...


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - بين الوحي والعقل، المأزق الديني