|
يوم الوفاء.. وتجليات الفكر النهضوي
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 8239 - 2025 / 1 / 31 - 14:00
المحور:
قضايا ثقافية
مقدمة كتاب "جمر الحروف - في الطريق إلى الحريّة والحداثة والتنوير" بقلم: د. سعاد محمد الصباح
في مسيرة الفكر العربي الناصع تساؤلات مُهمّة وشائكة تشوب منهجه أحياناً؛ تضفي عليه شيئاً من الضبابية، وتزيده وضوحاً أحياناً أخرى وفق حيثيات الأسئلة المطروحة وسائلها وحاملها.. فمن متطلبات الحكمة في العمل الفكري الحر أن يكون مَن يقولُ به متخلصاً من أهوائه الشخصية، مُتحلّياً بالنكران الإيجابي للذات، مُقْصِياً جمود التعصب الفكري، مُتأقلماً مع الزمن ومتطلبات العصر، يحسب حساب الظروف ومتغيراتها لتحديد رؤيته الآنية والمستقبلية، بعدم تَجاهل الثوابت الفِكرية والاجتماعية وما يدور في فلكها. ولهذا كانت الحاجة لوجود مفكّرين عرب مُلحَّة جداً في عصر كثُر فيه المتكلمون، وازدحمت الطاولات بميكروفونات القنوات، وتكاثفت الأضواء حتى كادت الرؤية تضيع. ونحن أمام قامة من قامات الفكر العربي، نُشرِّع لها قلوبنا تحية وتكريماً واحتفاء في زمن أصبحت الأمة فيه تأكل أبناءها.. برغم كل ما تُقدِّمه من مبدعين هنا وهناك، في مراكز الثقافة الحزينة التي انشغلت بصراعاتها، ودخلت دوامة الاتهامات المتبادلة ونفي التعصّب بالتعصب، ومعالجة التطرّف بالتطرّف، وبالأطراف التي عانت من هذا المسمّى المجحف والإضاءة الخافتة التي توفرت لها. لقد كانت الروافد العذبة والتاريخية المتجلّية في أنهار: النيل، الفرات، ودجلة، والعاصي.. سخية في عطاءاتها، إذ تكاثف حولها الناس، لتشكّل حاضنة لنماء فكري حضاري غير مسبوق، تكوّنت على أثرها تلك العقول النيرة والأيدي المنتجة. وها نحن اليوم، ومن خلال مبادرة (يوم الوفاء)، نستقبل أحد عطاءات نهر الفرات السخية، متمثلاً بالمفكر العراقي الدكتور عبدالحسين شعبان.. استكمالاً لما بدأناه منذ مطلع التسعينيات، تنفيذاً لخطٍّ رسمه الراحل الكبير سمو الشيخ عبدالله مبارك الصباح طيب الله ثراه، حين اقترح تكريم المفكّرين العرب في حياتهم، كسراً للعادة المحزنة التي اعتدناها وورثناها بعدم تكريم أهل العطاء إلا بعد رحيلهم عن الدنيا، ليختلط التأبين بالتكريم، ونركض لمصافحة يدٍ ملفوفة بكفنها. كانت نظرة ثاقبة من المغفور له بإذن الله وجب تنفيذها فوراً، فبدأنا برجل التنوير في الكويت الأستاذ عبدالعزيز حسين حين ذهبنا إليه في بيته الدافئ، فاستقبلنا برحابته التي نعرف.. ثم تحرك القطار نحو الدول العربية: رحلة طويلة شملت شاعر البحرين الكبير الأستاذ إبراهيم العريض، وشاعر الأجيال الأستاذ نزار قباني في سوريا، ورائد حركة التنوير والدبلوماسي والعسكري والمفكر د. ثروت عكاشة في مصر، وصاحب السمو الملكي الأمير الشاعر عبدالله الفيصل في المملكة العربية السعودية، والكاتب والمناضل والمفكر د. عبدالكريم غلاب في المغرب، والإعلامي والدبلوماسي الأستاذ غسان تويني في لبنان، والعالم الفلكي الكويتي د. صالح العجيري ، والمفكر المعروف د. الحبيب الجنحاني في تونس، والأديب والمفكر إبراهيم الكوني في ليبيا ، ثم الرائدة و البرلمانية والمبدعة د. زهور ونيسي في الجزائر. وها هو اليوم يقف في محطة جديدة عريقة هي العراق، تكريماً لهذه القامة الفارعة في عطاءاتها الإنسانية والحقوقية والأدبية.. مشكلاً أنموذجاً فكرياً متجدداً، واعياً رافضاً للانغلاق، مُرحِّباً بكل بشارات التجديد في الفكر والإثراء الفكري والمعرفي بطريقة مستدامة. عبدالحسين شعبان مفكّر انشغل بمَهمة تحويل مشكلات الإنسان من حقل الاحتمال والحدث والظن إلى المجال الذهني الواقعي: المرتكز على معطيات منطقية .. بعيداً عن ذلك النوع المحكوم بفكر يتبنى مواقف حادة رافضة لأطروحات المفكرين المجددين، متناسياً أو ناسياً أن التطور أمر يُحتّمه القانون الطبيعي للزمن بصفة عامة من حيث مواكبة واستيعاب متغيرات الحياة وتجدد أفكار الشباب في كل عصر، مما يستوجب تتبع مسار هذه الحركة والكشف عن الجوانب التي أتت عليها. تنطلق أهمية الدكتور شعبان من أهمية اشتغاله الفكري، وما قام به من تغلغل في طبقات النصوص التراثية للحضارة العربية، عاملاً على تفكيك ما تجمع من الركام الميثولوجي الذي كان شاهداً على استقالة العقل.. في ظروف تستوجب محاكمة الإرث الطويل المنقول بلا سند، والمعتمد على أقاويل واجتهادات أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، فمن غير هذا الفعل لا يمكننا معرفة طريق الحق الناصع الذي تكدس حوله غبار الخرافات، ليتم بناءً على ذلك تحديد الموقف من الحاضر والمستقبل، نافياً للجدل المثار حول شكل الحلول المفترضة لقضايا الراهن.. وعلى منهج عصر التنوير القائم على كتابة فلسفية تستقطب جمهوراً ثقافياً واسعاً نحو الإبداع الأدبي، قدّم د.شعبان أطروحات تأسيسية رائدة في النقد الثقافي والاجتماعي والقانوني، واهباً المجتمع خارطة طريق لما يجب أن يكون عليه.. نائياً بنفسه عن تبجيل الغرب وعن التغريب كذلك، مما هيأ عمق تلك المراجعات، وأشكال الإفصاح عنها، فكان هادئاً ومنطقياً، كأنما يضع قدميه على قاعدة المقدمات التي تؤكدها نتائجها.. إذ إن العقل لا ينتقل من فرضيّة إلى نتيجةٍ إلا إذا كان لديه مُبرِّر يجعل من تلك الفرضيّة مهيَّئة فعلاً لتوليد تلك النتيجة، وهذا المبرر هو ما نسميّه منهجاً. وإزاء المآزق النهضوية التي تعيشها المنطقة العربية تخرج أصوات ترمي تهمة التعطيل على المثقفين العرب، ترشقهم بصفة الخمول أو اللامبالاة أو التعالي والانعزالية وتجاهل هموم الناس.. وربما الانصهار في أدلجة ما، مما يعيد الانتباه إلى مدى انتماء المثقف لمجتمعه والمهمة المنوط بها لإحداث تغيير ما، يحقق النهضة المرجوّة في أوطان تنظر إلى مفكريها بعين الأمل وإلى مستقبلها بعين الوجل. يمثل المحتفى به في هذه الدورة علَماً بارزاً من رواد الدفاع عن حقوق الإنسان في العراق والوطن العربي.. باعتباره سمفونية الفكر المتنور، وبستان الثقافة المتجدد. شغل حياته بقضايا الحداثة والديمقراطية والإصلاح والمجتمع المدني، وتجديد الفهم لقضايا حقوق الإنسان ونشر ثقافة التعايش وقبول الآخر في ظل صراع أيديولوجي محموم بدأ يتجاوز العلاقات الفردية ليشعل أطراف ثياب العلاقات الدولية، ورغم كل تلك الظروف القاسية أمتعنا بنتاجاته التي حملت عناوين متفرقة منها: أمريكا والإسلام، الإسلام وحقوق الإنسان، الإسلام والإرهاب الدولي، فقه التسامح في الفكر العربي الإسلامي، وجدل الهويات في العراق: المواطنة والدولة.. إنها مناسبة سعيدة ومميزة أن نقوم بتكريم هذا العَلَم في حفل يليق به بحضور كوكبة من أصحابه ورفاق مسيرة العطاء الفكري.. مترافقاً مع إصدار هذا الكتاب التكريمي الذي تميّز بشهادات الأصدقاء الصادقة.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة تعزية لرحيل أبو أحمد فؤاد
-
قيس الزبيدي حين تكون الحياة شاشة سينما
-
لماذا مدّدت واشنطن العقوبات على دمشق؟
-
لا تتركوا الأمازيغ...!
-
قصائد الصباح امتطت صهوة المجد وابياتها شامخة انيقة الإحساس:
...
-
وَفُاءً .. لِوْفاّء مثقفي الأمة من شعبان إلى الصباح
-
الى د.عبدالحسين شعبان… صانعُ الفجر من رماد الليل
-
يوم الوفاء لعبد الحسين شعبان
-
حوار النجف – أربيل
-
عبد الحسين شعبان أيقونة الثقافة المشرقية
-
قلادة الإبداع على صدر شعبان
-
سوريا التفاؤل المفرط والتشاؤم المحبط
-
منصور الكيخيا وحكاية الاختفاء القسري
-
طيران فوق عش الوقواق
-
الكويت ونخبها الفكريّة والثقافية تكرّم عبد الحسين شعبان
-
فقه العدالة الانتقالية
-
كوب 29 والعدالة المناخية
-
اللّاجئون والهجرة غير الشرعية
-
الحياة المشتركة في الشرق الأوسط سؤال شك أم سؤال يقين؟
-
مفكران وسبعة وزراء في أصيلة
المزيد.....
-
فيديو نادر يظهر مجموعة ضخمة تضم أكثر من 2000 دلفين قرب كاليف
...
-
الداخلية السعودية تقبض على فتاتين وافدتين لممارستهما الدعارة
...
-
-البديل من أجل ألمانيا-: واشنطن تتفاوض مع موسكو و-ألمانيا وق
...
-
سرعة الجري المثالية لتفادي خطر -حلقة الإصابات-
-
إيطاليا تختبر جيلا جديدا من المروحيات الضاربة
-
المعركة على الموارد الأوكرانية بدأت: أوروبا ضد الولايات المت
...
-
تقلّبات ترمب الأيديولوجية
-
أوروبا تُغيّر استراتيجيتها في الأزمة الأوكرانية
-
خبير يوضح لماذا اقترح بوتين على واشنطن الاستثمار المشترك في
...
-
أوروبا تتقبل الواقع الجديد الذي يفرضه ترمب
المزيد.....
-
العرب والعولمة( الفصل الأول)
/ منذر خدام
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
مقالات في الثقافة والاقتصاد
/ د.جاسم الفارس
-
قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أنغام الربيع Spring Melodies
/ محمد عبد الكريم يوسف
المزيد.....
|