أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الجسار - رحلة البحث عن العم سامي - قصة قصيرة














المزيد.....

رحلة البحث عن العم سامي - قصة قصيرة


احمد الجسار
كاتب وصحفي

(Ahmed Al-jassar)


الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 19:49
المحور: الادب والفن
    


في زوايا الغرفة الضيقة، حيث تتناثر الذكريات بين الأثاث البسيط، جلس أسعد وحيدًا، يمرر يديه على صفحات ألبوم الصور القديمة، كمن يلمس أطياف الماضي التي لا تزال ترفرف في الأرجاء. كانت الصور تروي حكايات من زمن بعيد، حيث كانت الضحكات تملأ أرجاء المنزل، وترتسم على الوجوه البريئة، قبل أن يبتلعها الصمت فجأة. نظرات أسعد توقفت عند صورة لعمه سامي، الذي رحل إلى لندن منذ عشر سنوات. دمعت عيناه وهو يتذكر وعد سامي بأن يكون دائمًا بجانبهم.

كانت تلك الصورة تذكّره بأيام كانت فيها العائلة بأكملها تحيطه بالحب والدفء، قبل أن تبتلعهم الحياة وتقذفهم في أتون المآسي. الآن، كانت الغرفة فارغة، غير قادرة على إخفاء الفراغ الذي خلفه رحيل سامي. بينما كان قلبه يغرق في الذكريات، وقع نظره على ورقة خضراء صغيرة داخل الألبوم. كان مكتوبًا عليها عنوان عمه في لندن. الورقة قديمة، ممزقة الأطراف، لكنها أشعلت شعلة الأمل في قلبه، وكأنها تفتح له بابًا قد طال انتظاره.

في تلك اللحظة، قرر أسعد أن يترك كل شيء خلفه: وحدته، وألمه، وذكرياته التي ما زالت تنقضّ عليه في كل زاوية من الغرفة. ارتدى معطفه، وحمل حقيبته بيدٍ مرتجفة، ثم توجه نحو الباب في صمت مطبق. وقبل أن يغادر، تأمل طويلاً في الورقة الخضراء، كما لو كانت مفتاحًا لعالم جديد.

أخذ الهاتف بيدين ترتجفان. كانت أصوات الماضي تتصارع في ذهنه بين الأمل والخوف. هل سيكون عمه كما يتذكره؟ هل سيظل كما كان، أم سيبدو شخصًا آخر، بعيدًا عن كل ما كان بينهما؟

عندما رد الطرف الآخر، جاء الصوت من خلف الخط بلهجة مترددة، كأنّه يحمل معه سنوات من الغربة والشكوك:
"نعم، أسمعك جيدًا، لكنني لست في العنوان الذي تعتقده. سأرسل لك التفاصيل قريبًا."

تنهد أسعد بمرارة، وشيء من الخيبة التسلل إلى قلبه. لكنه لم يكن يمتلك رفاهية التردد. حمل حقيبته، وقرر السفر على أي حال، معتقدًا أن هناك دائمًا أملًا في اللقاء، حتى وإن كان ذلك اللقاء بعيد المنال.

في المطار، كان قلبه يخفق كطبول الحرب، وعيناه تتبعان البوابة رقم D17 وكأنها تمثل بوابةً بين عالمين؛ بين الماضي الذي غادره، والمستقبل الذي يجهله. وداخل الطائرة، كان عقله مليئًا بالتساؤلات التي لا تنتهي: ما الذي ينتظره في لندن؟ هل سيكون عمه كما يتذكره؟ هل سيظل هناك مكان له في حياة هذا الرجل الذي طالما كان الأمل الوحيد لعائلته؟

عندما هبطت الطائرة، شعر أسعد بالضياع. كانت لندن ليست كما تصوّرها. المدينة بدت ككائن ضخم، غريب، ضبابي، وأوسع من أن يتمكن من استيعابها. الشوارع كانت تشبه تيارات من أفكار مبعثرة، كانت تقود إلى أماكن مجهولة. في سيارة الأجرة التي حملته عبر شوارع المدينة الممطرة، بدا كل شيء كأحلام مكسورة، وكلما اقتربت السيارة من وجهتها، زادت الخيوط التي تربط أسعد بالمدينة غموضًا.

وصل إلى العنوان الذي كان مكتوبًا على الورقة الخضراء، وأمام الباب المتداعي وقف. كان صوته يكاد يختنق وهو يطرق الباب بعنف، ثم وقف في صمت مطبق، منتظرًا. لكن لم يكن هناك جواب. دقائق طويلة مرت، وساعة الزمن تمددت بلا رحمة. طرق الباب مجددًا، هذه المرة بشدة، لكن الجواب غاب مرة أخرى.

فجأة، ظهر كلب من بعيد، عيناه تلمعان بشدة وكأنها أسنان من الخوف والجوع. اقترب من أسعد بهدوء، ولسانه يلهث وكأنّه يطالب بشيء لم يره من قبل. في تلك اللحظة، تغلب الغضب على أسعد، فسحب قدمه ودفع الكلب بعيدًا، لكنه سقط على الأرض بلا حراك.

سكت المكان لوهلة. ثم شعر بشيء من الرعب يغزو قلبه. خطوات قادمة من بعيد، وصوت شاحنة بعيدة يتردد في ذهنه. لكنه لم يكن يسمع سوى صوت أنفاسه المتسارعة. سمع صرخات من الشارع، وعيناه اتجهتا إلى جارٍ يراقب المشهد من نافذته. دقائق أخرى مرت، حتى وصلت الشرطة وألقت القبض عليه.

وكان أسعد يقف بلا حراك، يحدق في الورقة الخضراء التي كانت في يده، لكن الآن أصبحت لا قيمة لها. كل ما تبقى هو صوت كلمات سامي الأخيرة التي تتردد في ذهنه: "سأرسل لك التفاصيل قريبًا."

في الزنزانة، كان أسعد جالسًا على الأرض، عينيه تراقبان الجدار البارد الذي بدا وكأنه يبتلع كل أحلامه. كل زاوية من الزنزانة كانت كالحفرة التي تقبع فيها أفكاره. الورقة الخضراء اختفت، وكل ما تبقى هو صدى الخيبة. لكنه رفع رأسه نحو النافذة الصغيرة في الزنزانة، متسائلًا في صمت:
هل سيبقى العم سامي مجرد ذكرى؟ أم أن اليوم سيأتي الذي يفتح فيه ذلك الباب؟



#احمد_الجسار (هاشتاغ)       Ahmed_Al-jassar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا نكتب؟
- العلاقة بين الأدب والسياسة في العالم العربي
- حلم كاتب... من أوراق الحلم إلى -أرض بلا أكاذيب-
- الأدب الرقمي: هل هو امتداد للأدب التقليدي؟
- أدب التصوف: تجربة روحية وفنية
- الموت يزورنا مرتين - قصة قصيرة
- تأثير الجوائز الأدبية على حركة الإبداع العربي
- القيم الاجتماعية في المعلقات الجاهلية
- كيف يغير الأدب حياتنا؟
- هل الفصحى والعامية تمثلان لغة تقاطع أم لغة تكامل؟
- في الشعر الجاهلي: بين النقد والتحليل لطه حسين
- العقلية السياسية الإسرائيلية: تحليل علمي سياسي
- علم الاجتماع الرقمي وتأثيره على المجتمع العراقي
- حيادية الدولة: مفتاح المساواة والاستقرار للجميع
- الدولة: مفهومها، إدارتها، ومهامها الأساسية
- مخاطر تقييد الحريات الشخصية وتأثيرها على الشعوب
- التحليل السكاني وفقاً للنتائج الاولية للتعداد العام للسكان ل ...
- دور الذكاء الاصطناعي في السياسة الإقليمية
- تاريخ الصراعات في الشرق الأوسط: جذورها وتطورها حتى العصر الح ...
- تطبيقات الإحصاء في البحوث الطبية


المزيد.....




- رحيل الكاتب البيروفي الشهير ماريو فارغاس يوسا
- جورجينا صديقة رونالدو تستعرض مجوهراتها مع وشم دعاء باللغة ال ...
- مأساة آثار السودان.. حين عجز الملك تهارقا عن حماية منزله بمل ...
- بعد عبور خط كارمان.. كاتي بيري تصنع التاريخ بأول رحلة فضائية ...
- -أناشيد النصر-.. قصائد غاضبة تستنسخ شخصية البطل في غزة
- فنانون روس يتصدرون قائمة الأكثر رواجا في أوكرانيا (فيديو)
- بلاغ ضد الفنان محمد رمضان بدعوى -الإساءة البالغة للدولة المص ...
- ثقافة المقاومة في مواجهة ثقافة الاستسلام
- جامعة الموصل تحتفل بعيد تأسيسها الـ58 والفرقة الوطنية للفنون ...
- لقطات توثق لحظة وصول الفنان دريد لحام إلى مطار دمشق وسط جدل ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الجسار - رحلة البحث عن العم سامي - قصة قصيرة