أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان - الشمس المعتمة (3)














المزيد.....


الشمس المعتمة (3)


حسين سليمان
كاتب وناقد سوري مقيم في الولايات المتحدة الامريكية


الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 18:44
المحور: الادب والفن
    


كان الحب بالنسبة لنا هو تلك العلاقة المحرمة بين الصبي والصبية، بين أثنين نتخيل الأشياء عندها تذهب الى نهايتها، تصل إلى باب مغلق نسعى إلى فتحه كل مرة كي نكتشف المغارة الكبيرة داخل أنفسنا. لسبب ما نغض الطرف عن الفطرة التي راحت مع النمو تتلاشى وتفقد قواها فينا، ونغض الطرف أيضا عن علاقتنا الشاملة بالعالم، هذه العلاقة الروحية بالأصل التي جزء منها أسطورة لم تحدث في الواقع إنما حدثت في مكان ما وزودتنا بالخبرات اللامتناهية التي بدأت تندثر حال وصولنا الى هذا العالم، ونضع أمام أعيننا بدلا من ذلك العلاقة الجسدية المباشرة كي تتعرف أرواحنا على عالم مادي يحمل على الدوام ازماته غير المنتهية. في الشارع والحارات كان العالم بالنسبة لنا يختلف اختلافا بيناً عن البيت، فهو من رجل وامرأة وليس بالضرورة من ذكر وأنثى. الذكورة والأنوثة هي أقرب الى طبيعة الحيوانات منها الى الناس الذين نحيا بينهم، ذلك الاختلاف البين بين الجنسين في الشارع يذوب ويغيب حالما نعود الى البيت بين الام والاخوات والخالات، فهؤلاء ليسوا نساء الشارع بل حافظات ومربيات ومطعمات لنا.

كان يظهر على عزو ملامح إعجاب وهيام بإبنة الجار الحلبي. يقول: إنها حمامة ...وردة، جنغ جنغ.. (ويدفع وسطه الى الامام)..."هي خطيبتي، ما حدا يقرب عليها". قوية مثله، حادة اللسان ولم أر فيها ملامح بنت سوى قلبها الذي ينكسر بسرعة. حين تجتمع معنا يصاب عزو بالعته، لا يجرؤ على النظر اليها ولا التكلم معها، يصبح رقيقا يهدهد قلبه الصامت بين يديه.

يقول حين تمضي: هي تحبني!

يجيبه كميل بصوت عال فيه انتقام قديم: حتى يا رجل لم تنتبه إليك!

كانت تعلم بحبه الخفي، حين يرمقها بنظرات سريعة ثم إذ تلتفت نحوه يهرب ليختبئ في مكان ما. من جانب آخر كان الجميع يعرف خشونة عزو ورعونته، ثمة احساس باطني أنها كانت تشعر أن حضورها يروض هذا الأزعر ويجعله حسن الخلق.
ما كسر هذه الحلقة كان مرور صبي في الحي يبيع آيس كريم وبوظا. رأيتها من بعيد عند البئر وحولها الصبيان. عندما اقتربت كان بين يديها بنطال الصبي ولباسه الداخلي الملوث بالبراز، تنضح الماء من البئر ثم تغسل مافي يديها بالماء والصابون. الصبيان حولها يتندرون على الصبي الذي لم يحسن التحكم بامعائه. لم أفهم ما جرى، سمعت أحدهم يقول: إنها تحبه لهذا تغسل لباسه المتسخ!

ترفع رأسها قائلة: ولك، صبي مسكين، لا أريده ان يذهب ملوثا هكذا الى أهله.

أشيع حينها انها تحب ذاك الصبي منذ سنوات.

حين سمع عزو ذلك أصابته رجفة، توقف عن الكلام ثم ابتعد ولم نره لأيام. بعد ذلك وقف تحت كوابل الكهرباء كي يرى مقدار النار التي في صدره تتبدد في الفضاء. كان يكبرنا بسنوات ورأيناه يحذف بجنزير طويل كوابل الكهرباء التي تغذي الحي. وإذ يلمس الجنزير الكوابل، تتوهج نار ترقص في السماء. وهو ينظر الى الأعلى لا يكترث أن الكهرباء تحرر كل تلك النار. يعيد الكرة مرة تلو الأخرى.

اجتمع من كان في الجوار ينظر الى ما يفعله عزو، يرفعون رؤوسهم يفكرون في طبيعة الكهرباء التي ليست سوى نار متخفية تجري في الكوابل والأسلاك. نحن لا نراها، يقولون، لكن الجنزير يفتح خباءها ليظهرها للناس.

يفعل ذلك فعل المجربين الذين يفرجوّن عن أنفسهم، ربما يرغب بمعرفة سر الحياة الذي تحمله الكوابل وتنير الأضواء من كبسة زر. عيناه لا تنظران نحونا بل الى المادة التي اخترقها، في ذهنه أن يكتشف الأسرار الروحية للحب الذي كان هو دافعه الوحيد لما يفعله.
بينما الرجال يتحققون من تلك الفعلة مع خوف من الحريق قال أحد الرجال، اترك يا ولد ذلك الجنزير، إن ترغب في التعلم وفهم هذه الأشياء الصعبة فعليك الذهاب الى المدرسة.

لم يذهب الى المدرسة وما فعله لم يكن من أجل الفهم لكن من أجل الحرية واختبار رد الفعل. كوابل الكهرباء مادة يعبث بها بالعصا كي يكتشف رد فعلها، هل تهاجمه هذه الأنثى المميتة أم تستلم؟

كنا نطلق عليه احيانا اسم "جيمنكو" حيويته ونشاطه رغم بنيته النحيلة، شعره الأشعث قريب من الشقرة ثم الزنار المائل كل ذلك لا يقاس مع الوقفات بوزات Pauses التي تشبه وقفات جوليانوجيما في أفلام رعي البقر، لم يكن يذهب الى السينما مثلنا، نحن المداومون على أفلام الكابوي والأفلام الهندية في أربعة سينمات لم تكن كافية لبلدة القامشلي الصغيرة آنذاك، ولدت الجماعات التي نزلت للتو إلى هذه البلدة الحديثة ولادات متلاحقة متعددة حتى امتلأت الشوارع والحارات بالصبيان والشبان المراهقين الذين كانوا يرتادون السينما بانتظام. يتقمصون أبطالها في الشوارع ويعيدون تمثيل الأدوار، يغني الشباب أغاني شامي كابور ويسلك الآخرون سلوك جوليانوجيما ... كلينت إستود من أجل حفنة من الدولارات... خيال السينما ينتقل الى عالم الواقع في هذه المدينة المولودة حديثا.

لم يكن من المستغرب أن تولد تلك المنطقة في بداية القرن العشرين، حيث السهول الممتدة ينبت فيها القمح المتوحش وماكان اسمه نبت القاميش، يمتد ذلك الزرع البري حتى يصل حدود تركيا، يقال إنه من هذا النبت تم اشتقاق اسم مدينة القامشلي. ويدفع تلك المنطقة النائية إلى الحياة رجال هم في طبيعتهم أطفال. هي مدينة حديثة العهد في العام 1915 كانت خانا كبيرا اسمه "خان قدور بيك."



#حسين_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشمس المعتمة - 2
- الشمس المعتمة
- سبب اختفاء انسان النياندرتال
- منبع الحب - وجه الوحي (3)
- منبع الحب، وجه الوحي - 2
- الحب والحرية ، وجه الوحي -1
- المقام العراقي
- شاعرتان كرديتان تكتبان بالعربية وتشتركان بمجموعة شعرية واحدة
- كتابة ميت ينظر بعينه ويكتب بقلبه
- زمان حلب - تحية الى روح مصطفى العقاد
- بعين التكنولوجيا إلى الأدب العربي المعاصر:( -حسن مطلك- جبران ...
- ردا على المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
- معنى الظلام
- النبي اليهودي شبتاي صبي
- البـقرة الضــائــعة قراءة في قصيدة -ولا أجنّ- للشاعر والسياس ...


المزيد.....




- شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43 ...
- اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
- ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران- ...
- 80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع ...
- بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب ...
- مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند ...
- كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت ...
- إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
- هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف ...
- كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين سليمان - الشمس المعتمة (3)