|
البنك الوطني للتبرع بالأعضاء البشرية في العراق بين القانون الدولي والالتزامات الأخلاقية
صدام الحميد
الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 18:42
المحور:
حقوق الانسان
طرح مقترح محافظ البصرة السيد اسعد العيداني لانشاء "البنك الوطني للتبرع بالأعضاء البشرية" في العراق تساؤلاتٍ جوهرية حول مدى توافقه مع القوانين المحلية والدولية، خاصةً في ظل اعتماده على حوافز مادية قد تستهدف الفئات الفقيرة. تُعتبر هذه الفكرة اختبارًا لالتزام الدولة بحماية حقوق المواطنين الاقتصادية والصحية، وفقًا لأطر قانونية دولية ومحلية تُجرم استغلال الضعفاء. ويمكن ان نناقش المقترح وفق العناوين والتساؤلات التالية.
القانون الدولي بين حماية الفقراء وتحريم الاستغلال
1. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)
ينص العراق كدولة مُوقعة على هذا العهد على التزامه بـ"ضمان الحق في الصحة" (المادة 12)، والذي يشمل توفير خدمات زراعة الأعضاء للمحتاجين. لكن المادة 7 تُحظر أي عمل يُجبر الأفراد على التصرف بأعضائهم تحت ضغوط اقتصادية، مما يُشكل تناقضًا مع فكرة "المكافآت المالية" التي قد تُغري الفقراء بالتبرع تحت وطأة الحاجة.
2. إعلان إسطنبول (2008)
يُحذر الإعلان من تحويل التبرع بالأعضاء إلى "تجارة سياحية" تستغل الفقراء، ويؤكد أن التبرع يجب أن يكون طوعيًا دون مقابل مادي. كما يدعو الدول إلى منع أي ممارسات تدفع الأفراد إلى "بيع الأعضاء" كملاذٍ أخير للهروب من الفقر.
3. مبادئ منظمة الصحة العالمية (2010). تشير المبادئ التوجيهية للمنظمة إلى أن أي نظام للتبرع يجب أن يَمنع الاستغلال ويُعزز العدالة في توزيع الأعضاء. كما تُحذر من تقديم "حوافز غير مناسبة" قد تُؤثر على قرار التبرع الحر.
اما في التشريعات العراقية فان فيهاثغرات في الحماية نود ان نبينها فيما يلي :- 1. قانون وزارة الصحة العراقية رقم (76) لسنة 1983 وينظم القانون عمليات زراعة الأعضاء ويشترط موافقة المتبرع كتابيًا، لكنه لا يتطرق إلى مسألة الحوافز المالية. هذا الغموض يفتح الباب لتأويلات قد تُبيح استغلال الفقراء تحت مسمى "التعويضات".
2. قانون الرعاية الاجتماعية رقم (11) لسنة 2014.
حيث يُلزم الدولة بتوفير الحماية الاجتماعية للفقراء، مما يُثير إشكاليةً في مشروعية ربط الدعم الاجتماعي (كمنح الراتب أو الأرض) بالتبرع بالأعضاء. فبدلًا من تحسين أوضاع الفقراء عبر سياسات إنمائية، قد يُحوّلهم المشروع إلى "مصدرٍ للأعضاء".
3. الدستور العراقب (2005) حيث تنص المادة (30) على أن "تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين"، لكن المشروع المقترح يربط بين الحق في الصحة و"التضحية الجسدية" للمواطن الفقير، مما يُناقض روح الدستور.
والسؤال التالي مما تقدم هو هل ان المخاطر القانونية استغلال أم تمكين؟
فيما يخص انتهاك مبدأ "الموافقة الحرة والمستنير قد اجمعت المواثيق الدولية على أن أي تبرعٍ بعضوٍ يجب أن يكون طوعيًا دون ضغوط. لكن الحوافز المالية الكبيرة (كـ15 مليون دينار) في مجتمعٍ يعاني 30% من سكانه من الفقر (حسب بيانات البنك الدولي 2023) قد تُشكل إكراهًا معنويًا، مما يُفقد الموافقة شرعيتها القانونية.
وفيما يخص مسؤولية الدولة تجاه الفقراء. فبدلًا من تحميل الفقراء عبء حل أزمة نقص الأعضاء، يتوجب على الدولة تطبيق المادة (14) من الدستور التي تلزمها "بمحاربة الفقر وتوفير فرص العمل". المشروع الحالي يُحوّل الفقراء من فئة تحتاج الحماية إلى "أدوات" لمعالجة إخفاقات النظام الصحي.
ومن ناحية اخرى فان ذلك قد يعرض العراق مخاطر الملاحقة الدولية في حال ثبت أن المشروع يشجع على الاتجار بالأعضاء، وقد يتعرض العراق لانتقادات دولية تصل إلى حد فرض عقوبات وفقًا لـ"بروتوكول باليرمو" (2000) الخاص بمكافحة الاتجار بالأشخاص.
ويمكن ان نلخص البدائل المقترحة نحو نموذج أخلاقي وقانوني بثلاث نقاط :-
اولا. تعزيز التبرع الطوعي عبر تبني حملات توعوية تستند إلى قيم التضامن الاجتماعي، كما فعلت إيران التي خفضت قوائم الانتظار عبر نظام تبرع طوعي دون حوافز مالية.
ثانيا. تفعيل القوانين المحلية عبر تطبيق المادة (3) من قانون زراعة الأعضاء العراقي التي تُجرم الاتجار بالأعضاء، مع تشديد الرقابة على المستشفيات الخاصة.
ثالثا. الاستفادة من التجارب الدولية كالاسترشاد بنموذج إسبانيا، التي أصبحت الرائدة عالميًا في التبرع بالأعضاء عبر نظامٍ يعتمد على التبرع المجاني ويوفر تعويضاتٍ رمزيةٍ لتغطية نفقات المتبرع دون استغلال.
خلاصة الكلام ان الفقراء ليسوا "بنكًا للأعضاء البنك الوطني للتبرع بالأعضاء فكرةٌ تستحق النقاش، لكنها يجب ألا تُبنى على استغلال الفئات الهشة. القانون الدولي والدستور العراقي يضعان حدودًا واضحةً بين التبرع الإنساني والاتجار المُقنَّع. على الدولة أن تلتزم بتحمل مسؤولياتها في تحسين النظام الصحي ومكافحة الفقر، بدلًا تحميل الضعفاء ثمن أزمات النظام. فقط عبر سياسات عادلة وشاملة يمكن تحقيق التوازن بين إنقاذ الأرواح وحماية الكرامة الإنسانية.
#صدام_الحميد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تردي الخدمات الصحية في العراق... مدينة الطب انموذج لافضل الخ
...
-
شهاب احمد حسن الحميد ... عامل ونقابي عراقي
-
الشعائر الحسينية ... السير والتطبير ام التفكر والتبصير
-
حكام العرب ... لا يجتمعوا الا للقتل والغدر
-
شخصية الفرد العراقي ... بين الاعتبار من تجارب الماضي ... وإن
...
المزيد.....
-
ترامب يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية.. ماهي؟
-
ترامب:إجراءاتنا ضد المحكمة الجنائية الدولية قد تشمل حظر المم
...
-
ترامب يوقع مرسومًا بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية
...
-
ترامب يعاقب المحكمة الجنائية الدولية ويعلن الطوارئ الوطنية ض
...
-
غزة.. دمارٌ وركامٌ ورياحٌ عاتية أجهزت على ما تبقى من ملاجئ و
...
-
ليبيا.. ترحيل طوعي لمهاجرين مصريين غير شرعيين
-
الاحتلال الإسرائيلي يفرض تدابير تحول دون الانجاب في قطاع غزة
...
-
بسبب إسرائيل.. ترامب يقر عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية
...
-
جالانت: أعطينا أوامر للجيش بقتل الأسرى مع آسريهم
-
البنتاغون ينشر فيديو لترحيل أول دفعة من المهاجرين إلى غوانتا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|