أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة العذل .














المزيد.....


مقامة العذل .


صباح حزمي الزهيري

الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 10:18
المحور: الادب والفن
    


مقامة العذل :

عَذَلَ يعني لامَ , ((عَذَلَ رفيقَه )) , يضرب المثل القائل : (( سَبَقَ السيف العَذَلَ )) في انقضاء الأمر وعدم جدوى اللوم أو العتاب , كما ان العاذِلُ : اسم العِرْق الذي يَسِيلُ منه دَمُ المستحاضة , وفي بعض الحديث : تلك عاذِلٌ تَغْذُو , يعني تَسيلُ , ورُبما سُمِّي ذلك العِرْق عاذِراً , بالراء , وقد تقدم وأُنِّث على معنى العِرْقَةِ , وجمع العاذِلِ العرقِ عُذُلٌ مثل شارِف وشُرُف .

تُعتبر اللغة العربية بحر اللغات والحروف , وتمتاز بالفصاحة والمعاني الكثيرة والمميزة , واشتهر العرب عبر التاريخ بالشعر والمعلّقات والأمثال التي وُجدت بسبب قصة أو طرفة , ودائماً ما تحمل معاني هذه الأمثال الكثير من الحكم والعبر المستفادة , وغالباً ما تكون هناك قصص وراء هذه الأمثلة , مثل قصة المثل الشهير: (( سبق السيف العذل)) , وهو يضرب في حالة التسرع في إصدار القرارات وتنفيذها دون التفكير جيداً قبلها , كما أن البعض يطلقه لمنع الإكثار في الكلام حول إحدى المسائل وإلقاء اللوم وعتاب أحد الأشخاص لتنفيذ أمر ما , ومطلق هذا المثل هو ( ضُبَّة بن أَدِّ بن طابخة بن إلياس بن مضر) , وكان ضبّة راعياً يملك قطيعاً من الإبل , وكان لديه ابنان سعد وسعيد , وفي إحدى الليالي بدأت الإبل بالتفرق , فطلب ضبّة من ولديه إرجاعها , وبعد ساعات طولية عاد سعد بالإبل لكنّ سعيداً لم يعد مطلقاً , وبعد فترة زمنية خرج ضبة إلى السوق لشراء حاجياته , وخلال تسوقه لمح رجلاً يضع عليه لباساً شبيهاً بلباس نجله المفقود , فسأله ضبة عنها , فكان جواب الرجل الذي يدعى الحارث بن الكعب أنها لفتى قتله على الطريق بعد أن طلبها منه ورفض , عندها علم ضبة أن نجله هو القتيل , فلم يُظهر أيَّ رد فعل وطلب من الحارث سيفه , فأعطاه دون أن يعلم أنه يقف أمام والد ضحيته , ليقوم ضبة بقتل الحارث بعدها , فاجتمع الناس على القتيل ولاموا قاتله بسبب استعجاله بذلك , عندها أطلق مقولته (( سبق السيف العذل)) , فأصبح المثل قولًا شهيرًا منذ ذلك الحين.

من روائع عنترة بن شداد قصيدته (( حكم سيوفك في رقاب العذل , وإذا نزلت بدار ذل فارحل , وإذا بليت بظالم كن ظالما , وإذا لقيت ذوي الجهالة فاجهل )) , وكأن عنترة يصف حال وطننا في هذا العصر, فالعالم يريدنا ضحايا سواء كأفراد أو كقيمة مجتمعية , نرى الصمت والتعامي الدولي عن الاعتداءات السافرة والتجنيات على هذا الوطن وكأنهم في انتظار هذه اللحظة , مخيف جدا أن لا تدرك أنك مُحارب , بل يحاك لك الشر ليل نهار , فلا ينبغي السلم مع أهل الشر , لهذا مضاعفة القوة الدفاعية عن هذا الوطن مباركة وضرورة , وقد حان الوقت لأن يندمج كافة أطياف المجتمع بالخط الدفاعي , بدلا من انتظار المجهول , وفعلا كما قال عنترة فأن الابتلاء بالظالمين لا يدفعه إلا القوة , والقوة التي نعنيها هنا ليست فقط القوة العسكرية , بل قوة العلم والإعلام والصحة والفكر , وأراهن أن التركيز على قوة الفكر في السنوات العشر القادمة سيعيد هيكلة المشهد السياسي في هذه المنطقة , ولو انه لا يزال البعض يستخدم السرديات القديمة بأننا رعاة غنم وأننا لولاهم لكنا نكرات , نحن لا نخجل أن نكون رعاة غنم وإبل وخيل , بل كنا ولا زلنا نمتلكها ونتباهى بها , لكن زدنا عليها بالعلم والحضارة والقوة.

العذل في الشعر, نسق من الصياغة الشعرية , يستحضر فيه الشاعر صوتا آخر غير صوته المباشر أو يجرد من نفسه نفسا أخرى يحاورها على سبيل التقليد الفني المتوارث الذي لا يعرف جذره , مثلما وقف الشعراء على الطلل و بكوا الضعن و كلموا الحجارة و الأثافي، كل ذلك على سبيل التقليد الفني، و العذل الذي يجابه الشاعر يصدر دوما عن امرأة, لأن اللوم و الملاحاة و العذل اقرب إلى نفوس النساء منه إلى نفوس الرجال , و العذل يدور حول مواقف من بعض القضايا الاجتماعية مثل الإفراط في شراب الخمور , و الإسراف في الكرم , وركوب الأهوال و السفر , والتغرب , والشيب , وغيرها , يلح الشعراء القدامى على موضوعات بعينها و يكثرون من طرقها , من ذلك حقيقة أن النساء يحببن المال و يفتدين صاحبه بالغالي و النفيس , أن عصيان العاذلة من مفاخر الشعراء إذ صرحوا بهذا في مواضع كثيرة , عدوا عصيانهم لعواذلهم دليل رسوخ إيمانهم بأفكارهم , واعتزازهم بسلوكهم , وقد كشف هذا الاتجاه عن رؤية العربي للحياة , ولفكرة البطولة , فقد رأى أن الحياة السامية تقوم على مواجهة الهائل من الأمور , وترفض الكائن المألوف , وترى في الاعتدال عجزاً , وأن الحياة العالية تقوم على القوة , ولا يتصور وجودها إلا وهي محاطة بالتهديدات.

يقول المتنبي : (( وَإذا العَذْلُ في النّدَى زَارَ سَمْعاً فَفَداهُ العَذُولُ وَالمَعْذُولُ )) , ومن شعر ابي تمام ((وعاذلٍ عذلته في عذله فظنَّ أني جاهلٌ من جهلهِ )) , وللشريف الرضي قوله : ((قَدْ سَبَقَ السّيفُ عَذْلَ عاذِلِهِ لمَّا تَجَارَى الحُسَامُ والعذل ) , أو كما يقول عماد الدين ألأصبهاني : (( مضرية عذلت على حب الندى من ليس يسمع فيه عذل العاذل)) , وهناك قول عبد الغفار الأخرس : (( وعذرتها وعذلت عاذلها والعذل بيَّنَ بَيِّنَ العذر)) , كما ان لصفي الدين الحلي : ((عذلُ العواذلِ في هواكَ مضيعُ، هَبْ أنّهم عذَلوا، فمن ذا يَسمعُ)) , وقد قيل : وَشَرُّ الْعَذِيلَةِ عَذِيلَةُ أَحَدِكُمْ نَفْسَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ .

صباح الزهيري .



#صباح_حزمي_الزهيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامة التدفق .
- مقامة التستخج .
- مقامة حق الكسل ( الأوبلوموفية ) .
- مقامة اللي مضيع وطن .
- مقامة الخوخ الزردالي .
- مقامة انكسارات الروح .
- مقامة الوجع الطيب .
- مقامة النديم .
- المقامة العجلية .
- مقامة سجن الحب .
- مقامة التشبيه الراكب .
- مقامة اللحية .
- مقامة الغناء بالهمس .
- مقامة القهوة والحب .
- مقامة دمشق .
- مقامة نجمة الصبح .
- مقامة الأنكار .
- مقامة لغة العشاق .
- مقامة الصليب .
- مقامة الغصن المكسور .


المزيد.....




- شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43 ...
- اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
- ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران- ...
- 80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع ...
- بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب ...
- مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند ...
- كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت ...
- إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
- هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف ...
- كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح حزمي الزهيري - مقامة العذل .