أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد محمود خدر - حوار افتراضي مع نخبة من قادة الفكر الادبي والإنساني















المزيد.....


حوار افتراضي مع نخبة من قادة الفكر الادبي والإنساني


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8238 - 2025 / 1 / 30 - 10:18
المحور: الادب والفن
    


كثيرا ما تقود الإنسان أفكار الأدباء والمفكرين وما قدموه من مؤلفات، وقصص، ومقالات، ولقاءات أدبية، وسير ذاتية ، إلى عوالم فكرية عميقة ، لأن افكارهم تلك تشكل مصدر إلهام لمن يقرأها ويستقي منها الحكمة ويستلهم العبر من مواقف ومحطات فيها ، ذلك أن الأدب والفكر يساهمان في تعزيز لغة المحبة والتفاهم والتعاون بين الناس، وتساعدهم في التغلب على التحديات والصعاب.

من هنا، راودتني فكرة إجراء حوار افتراضي مع بعض هؤلاء الأدباء والمفكرين ، و أطلقت فيه العنان لما قرأته من مؤلفات بعضهم على مدار سنوات متباعدة. واليوم، وجدت الفرصة لصياغة جانب مما استخلصته من تلك الأعمال، عبر حوارٍ يجمع نخبةً من تلك العقول التي تركت بصمتها العميقة في الأدب والفكر الإنساني ، وكان اختيار قسما منهم قد جاء انعكاسا لما تختزنه ذاكرتي من قراءاتي السابقة عن أولئك الذين خلّدوا أسماءهم بأفكارهم وإبداعاتهم.

استحضرت في ذاكرتي عند إعداد هذا الحوار، كتاب "أعلام الحضارة" بأجزائه الثلاثة، لمؤلفه الكبير سمير شيخاني، الذي أبدع في تقديم لقاءات افتراضية مع كبار العلماء والفلاسفة والأدباء والفنانين والمبدعين، جامعاً إرثهم الفكري والأدبي والمعرفي في نسيجٍ يمزج بجمالية حوارية احاديث افتراضية خرجت بمعلومات ثرية تمتلك الحيوية والاستمراريه تنسى معها ان ذلك ليس إلا حوارا افتراضيا عبر سؤال منه وجواب انفراديا عن كل منهم وان كان الجواب حقيقة عبر عنها كل منهم في مناسبة ما.

يتجلى نص هذا الحوار الافتراضي في ما يلي :

بالأمس، كنت غارقًا في التفكير، بعد أن قادتني قراءتي لأحد الكتب ، الذي لا يزال بين يدي الآن ، في رحلة عبر الزمن، بحثًا عن سرّ الحياة ووجود الإنسان فيها. تأملت أثر قادة الفكر البشري، وما تركوه من بصمات تعين القارئ على استكشاف جوهر الحياة والتأمل في معانيها العميقة.

إنه حوار ممتد بين الماضي والحاضر، حيث يعاد تشكيل الأفكار بلغة جديدة، تتواءم مع إيقاع العصر، ويتكيف مع تطور الزمن، مدعوما بإضافات متلاحقة من تطورات العلم والأدب وكل جوانب المعرفة الإنسانية.
كنت أتأمل بصمات هؤلاء المفكرين والأدباء ، وأتساءل كيف تركوا لنا إرثا فكريًا يتيح لنا استكشاف جوهر الحياة والتأمل فيها.

بداية كان الحوار همسًا بيني وبين ذاتي، لكنه ما لبث أن تجاوز حدود الزمان والمكان، باحثًا في أعماقي عن هؤلاء الأدباء والفلاسفة والعلماء الذين غيّبهم الموت قبل أن يكملوا رسالتهم أو يقولوا كلمتهم الأخيرة. وكأن سرّ الخلود الحقيقي لا يكمن في بقائهم الابدي على قيد الحياة ، بل في ما خلدوه من أعمال أدبية وفكرية التي بقيت وستبقى حيّة، يستكملها من يأتي بعدهم، ويضيف إليها رؤيته الخاصة، ليعبّر عن فكر جديد يتناسب مع تقلبات العصر وتطور الفكر، بما بجعل من نتاج الفكر الإنساني يمثل جهود الكل ، كبناء الاهرام التي لا يمكن لناظرها أن يشيد بقمتها دون الإشارة إلى سر قاعدتها.

وقفت متأملاً وقلت لنفسي:
في قلب كل إنسان نبتة صالحة، إن سقاها بالخير ومحبة الآخرين، أزهرت وأثمرت، وكانت بستانًا نافعًا له ولغيره، وإن سقاها بالشر، ذبلت وأفسدت أرضه، وربما أرض غيره معه.

استحضرت كلمات حكيمة قالها يوما مفكر منهم ورددتها بيني وبين نفسي قائلا في سري :
كبيرٌ هو من يفكر في وقع كلماته على القلوب قبل أن ينطق بها، وأعظم منه من يمنحك مساحة من يومه، حتى يستحق أن تبني له في قلبك وطنا يليق به.

وفجأة سمعت صوتًا قادما من بعيد، كأنه يعبر الزمن والمكان، و يدرك ما يجول في خاطري، قائلاً:
رغم كل ما كتبه الفلاسفة، ورغم ما توصل إليه العلماء في مختلف العلوم، لا يزال الإنسان وكأنه في بداية رحلته على هذه الأرض، وكأنه وضع قدمه عليها لأول مرة ليكتشف خفاياها.

ولكن لا تقلق، فلا يزال أمام الإنسان مشوار طويل ليعرف نفسه وقَدَره.

ثم تابع مكملا لحديثه شش:
لو استيقظنا ذات صباح، ووجدنا أن الجميع أصبحوا من نفس السلالة والعقيدة واللون، لاخترعنا أسبابًا جديدة للتفرقة قبل حلول المساء. ولعل هذا هو ما يؤخر مسار الإنسانية في الوصول إلى هدفها المنشود.

عندها، سألته باندهاش:
ألستَ جبران خليل جبران، المجدد الكبير في الأدب؟
فأجابني متسائلًا:
وكيف عرفتني؟
قلت له:
وهل يُخفى أديبٌ كبير مثلك. لقد أحدثت مؤلفاتك نقلة نوعية في الأدب العربي والعالمي، بما احتوته من رؤى لم يشهدها العالم قبلك.

ثم واصلت الحديث قائلاً:
اليست مقولتك:
ما أكثر الناس، وما أندر الإنسان؟

أجابني سريعًا:
لا، ليست لي، بل لصديقي ورفيقي من جبل لبنان، ميخائيل نعيمة.
فأجبته واين الفيلسوف الكبير نعيمة
أفادني :
هو الآن برفقتي ، نستعيد ذكريات الرابطة القلمية التي أسسناها مع زملائنا اللبنانيين في المهجر بأميركا ، في الربع الأول من القرن العشرين.

كنت أود أن أطرح عليه سؤالا يتعلق بكتابه النبي ، ولكن سرعان ما سمعت صوتًا آخر، كان هذه المرة صوت ميخائيل نعيمة ، يتكلم ويجيب بنبرة هادئة أثقلها عمره الذي قارب المئة عام حين غادر الدنيا.

قال لي:
في حياتي، كنت أؤثر العزلة في جبل صنين على صخب المدينة، وأؤمن أن الناس قسمان: متكلمون وساكتون. أما أنا، فأمثّل القسم الساكت من الإنسانية، وما تبقى فهم المتكلمون. فالصدق في النوايا لا في البيان، لكن النوايا يحجبها البيان، ولهذا ظل الناس في عذاب مستمر، تختلط لديهم الحقيقة بالكذب. فكم من نية صالحة شوّهها بيان فاسد، وكم من نية فاسدة خدعت ببيان متقن يوهم بالصدق.

الكلام مزيج من الصدق والكذب، أما الصمت فصدقٌ لا غش فيه. لذا سكتُ حين كان الناس يتكلمون، وأدركتُ حلاوة الصمت، بينما لم يدرك المتكلمون مرارة الكلام.

فأجبته بإعجاب:
صدقتَ، أيها الأديب والفيلسوف الكبير. لقد وردت هذه الكلمات في كتابك الأرقش، وهو كتاب مفعم بالحكمة، لا يقدر القارئ على مفارقته حتى ينتهي منه. قرأت معظم أعمالك منذ أكثر من ثلاثين عامًا، لكن ما شدّني إليها حقًا كان سيرتك الذاتية سبعون، التي قرأتها قبل أربعين عامًا، عندما كنت في مهمة على قمة جبل تحيطه وديان غنية بأشجار الحور والجوز واللوز، وتكسوه جبالٌ امتدت سفوحها بأشجار البلوط والصنوبر. لوحة رسمتها العناية الإلهية بجمال يبعث في النفس الطمأنينة، تمامًا كما كانت طبيعة جبال لبنان التي فضّلت العيش فيها بعيدًا عن صخب المدن، رغم هجرتك في بدايات القرن العشرين إلى أميركا.

ثم استأنفت حديثي قائلاً:
كما تعرف ايها الفيلسوف والأديب الكبير نعيمة ، فقد ترك لنا مثلك جبران إرثًا خالدًا من الحكمة في كتابه رمل وزبد، حيث لا تزال كلماته معينًا لا ينضب لكل الأجيال. وليس غريبًا أن تتلاقى أفكاركما، فأنتما من جيل واحد، ومن وطن واحد هو لبنان ، وقد أثّرت طبيعة جبل لبنان وجماله على مجمل كتاباتكم ، رغم اختلاف سيرة حياتكم. جبران مات مبكرًا وهو في الثلاثين من عمره وعانى في حياته من الفقر والمرض والحرمان، بينما امتدت حياتك لما يقارب قرنًا من الزمان، وكنتَ أوفر حظًا منه في حياتك، صحة ومعيشة.

فجأة، سمعت صوت جبران ثانية مؤكّدًا :
هو كذلك، فقد هد المرض الرئوي حياتي وقبلي حياة كل أفراد عائلتي تباعا ولم يمهلنا حتى لفظنا أنفاسنا الأخيرة واحدا تلوا الآخر. ويبقى عزائي أن اللبنانيين أبوا الا أن ينقلوا جثتي من أميركا إلى لبنان وكتبوا شاهدا على جثماني المحنط : هنا يرفد بيننا نبينا جبران قبل أن يغيروها باقتراح من البعض الآخر منهم إلى:هنا يرقد بيننا جبران.
ولعل هذا القرب جعل صوتي مسموعا أكثر.

فأجبته بحزن:
"لكن للأسف، يا جبران، لا يزال الإنسان يبحث عن زمن يسوده السلام والمحبة، ليعيش فيه فرحًا بالحياة كما تشدو الطيور في فصل الربيع. أما لبنان، مسقط رأسك، فلا يزال بعيدًا عمّا تمنيتَ له منذ أن افضت بالحديث عن أهله ومعاناتهم مع الحكم العثماني ، وان مر بفترات سادها السلام ولكنه ما زال ينتظر أن ترفرف فيه رايات السلام.

فاجابني :
يا لها من خيبة أمل

ثم تابعت حديثي إليه قائلاً:
لقد كتبت الكثير عن الحياة والمحبة، حتى إن كتبك تُرجمت إلى أكثر من مئة لغة، ووُضعت إلى جانب الكتب المقدسة في بعض المكتبات والأماكن الدينية، وعلى رأسها كتابك النبي.

عندها، سمعت صوته مفعمًا بالدهشة والسعادة:
هاه... لم أكن أعرف كل هذا.
وسرعان ما توارى بعيدا صوت جبران وميخائيل نعيمة.
و لكن ما لبث أن أعقب ذلك الهدوء الذي استغرق دقائق معدوده ، صوت رن في أذني، وكأنه أقرب إلي في الزمان والمكان. دون أن يعرف نفسه ، ليهتف بنبرة عالية:
يهمني في الإنسان قيمه الإنسانية، أخلاقه، صدقه، فكره، روحه، أسلوبه، وإنسانيته، ونقاء قلبه في عالم مزدحم بأشباه الإنسان.
وأضاف تذكر جيدا:
إن الكلمة الطيبة التي تأتي من أفواه المواقف هي أجمل وسيلة يُفرغ فيها القلب مما امتلأ به من هموم الدنيا.
هناك أوجاع تصيبنا في العمق، نعجز عن نسيانها. عندما نكون في أمس الحاجة لمن يخفف عنا آلامنا النفسية ولا نجد أحدًا بجوارنا، فيتضاعف الألم.
ليس بالضرورة عليك رد الجميل الذي يُسدى إليك، حتى لو كانت كلمة طيبة أو موقف إنساني، ولكن عليك ألا تنكره على الأقل، كي لا يضيع المعروف بين الناس.
قالها مسرعًا وغادر دون أن يعرفني بنفسه، وكأنه في ذلك يريد أن يقول إن تراث الإنسانية هو ملك للجميع. والأهم أن يعيشه الجميع واقعًا، كي تتقرب المسافات بين البشر، وكي يقتربوا أكثر من فهم جوهر الحياة وغايتها.
لكن ذلك الصوت ذكرني بما قرأته يوماً لمجهول آخر مثله كتب كلماته مؤخرا باسم مستعار على موقعه للتواصل الاجتماعي قائلا :
هناك أوجاع تعيش في قلوبنا، نختنق بها وحدنا، لا نخبر أحداً بها، نعجز عن البوح بها. تسلب منا الشعور بالحياة حولنا، ومهما ادعينا أننا تجاوزناها، فهي لا تغادرنا أبدًا، تخرج من أعماقنا على شكل تنهيدة لتخبرنا: أنا هنا.
كان ذلك الصوت اقرب الى تنهيدة منه الى إلقاء لابيات من الادبح. ولعل سرّ تنهيدته ورغبته في أن يبقى مجهولا لي أو لغيري هو أن معرفتي به أو قبله لا تغير من ما مروا به في حياتهم من إحباط أو قناعة في فهم النفس البشرية.
ولكن لا بأس
فسرعان ما وجدت نفسي مستمعًا لصوت آخر قريب من الأول زماناً:
لا تغير نفسك لتكسب قلب أحدهم.
قل الحقيقة وستجد من اختارك لكونك أنت.
وأيضًا بالمقابل:
لا تكن كالمجهر الذي يضخم التفاصيل الصغيرة ويكشف مواطن القبح، بل كن كمرآة تعكس ما أمامها بحيادية.
فأجبته وقلت له:
لعلك تقرأ لنيتشه وشوبنهاور؟
فلم يكلف نفسه بالرد.
بعدها ببرهة، رد أحدهم قريب من مكانه وزمانه أيضًا:
لا تتعجب من أقواله او تستغربها، ذلك أنه :
مهما خدمت البشر ومهما ضحيت من أجلهم، لا تنتظر منهم عرفانًا بالجميل.
فأجبته فرحًا:
ألست أنت الأديب الروسي الكبير ديستوفسكي؟
أجابني:
نعم
ثم أردف قاىلا :
كيف حال أفكاري التي وردت في مؤلفاتي؟
وما رأي أهل زمانكم بها؟
قلت له:
لا تزال بخير، ولا زالت معينًا للنفس البشرية في التخلص من أدرانها بالبحث عن حلول لمشاكلها.
تبقى كتبك بخير ما دامت الإنسانية تبحث عن منقذ بأفكاره ورؤيته للحياة، مثلك ومثل مواطنك تولستوي الذي انشغل مثلك طوال حياته بالإنسان ومعاناته وحبه وحرمانه، ولكن أيضًا بسعادته وكل جوانب حياته.
وفي الحال تدخل أديب آخر مختص في علم النفس، عرفته من صوته ووقع كلماته ونوعها، فهو قد غادرنا منذ زمن قريب. إنه عالم في علم النفس إبراهيم الفقي، ليقول بصوت واضح:
لا يمكنك أن ترى صورتك في الماء وهو يغلي، كذلك لا يمكنك أن ترى الحقائق وأنت غاضب.
وأضاف مسرعًا كأنه مشغولا :
لا تستمع لطرف واحد في كل الأمور الشخصية، فكم مجروح ينزف صمتًا وكم جلاد يعيش دور الضحية.
إن أجبرتك الظروف على التلون، فكن مثل الورود. وإن أجبرتك على السقوط، فكن كنفحات المطر. وإن أجبرتك الظروف على الصمت، فكن كسكون الليل. وإن احرقوك ، فكن كعود البخور ذو رائحة طيبة. وإن أجبروك على الغياب، قل لهم: وهل يخفى القمر؟
وفي الحال استدركت عجلته ، وسألته :
كم تأسف العالم على رحيلك ، وأنت في أوج عطائك العلمي، في زمن تحتاج فيه البشرية، وخاصة جيل الشباب، إلى نصائحك وإرشاداتك القيمة.
فأجابني قبل أن يختفي عن مخيلتي:
هكذا تأتي الأقدار بلا تمهيد.
ولكن ستبقى بعدي مؤلفاتي بينكم ، تتحدث عني وتعوضني في الاستشهاد عما قلته وما كنت أريد قوله.
وهنا جاءني صوت من طرف آخر بعيد، حسبته ألبير كامو، يقول:
الكلمة الطيبة التي تأتي من أفواه المواقف هي أجمل وسيلة يُفرغ فيها القلب مما امتلأ به من هموم الدنيا.
ولكن قال لي أنا لست البير ماموا ورحل ليختفي صوته في الحال.
وسرعان ما أجابني صوت عرّف نفسه بأنه ألبير كامو قائلاً:
لست أنا صاحب هذه المقولة، ولكن أضيف لها مكملاً:
لا تصدقوا الكلام الطويل والحلو، خذوا الحقيقة من أفواه المواقف، وانتهى الأمر.
وما لبث أن ساد السكون فترة غير قصيرة غمرها ظلام الليل الحالك ، فأدركت أن السكينة كلمة، وكلمتها الآن في آنٍ وقت الحوار قد انتهى.
لم أجد أثرها غير أن أحيي جميع من تشرفت بسماع كلماتهم، معقبًا شاكراً بالقول: اليوم أدركت أننا جميعًا كبشر، وبعيدًا عن اهتماماتنا الخاصة، نلتقي لنرتقي بارواحنا وعقولنا وقلوبنا. نلتقي بمحبة وعطاء سواء كنا منشدين أم مستمعين، أدباء أم قراء، أساتذة في المعرفة أم طلبة لها.
ثم أفصحت في حديثي لأردد من بعيد بما يمثل صدى لاصوات رددها الكثير هذا الزمان من أدباء ومفكرين ، حكماء ومنشدين للخير والمحبة بين الناس ، ممن يبحثون عن أسس ودعائم المحبة والسلام بين البشر ، وكن كل على حدى في سره ، منشدا بما هو أشبه بالتراتيل :
نعم، المواقف تتكلم كما تكلمتم أنتم وعبّرتم عن كلمتكم في حياتكم، مثلما عبر غيركم ممن لم نتشرف بسماع أصواتهم، ليقول باسم الإنسان كل منهم لكل منا في كل زمان:
إن كنت تريد شفاء جراحك، فتوقف عن لمسها. البعض يفسر الاحترام حبًا والبعض يظنها مصلحة. وفي الحقيقة، ما هي إلا أخلاق تربى عليها صاحبها.
من أراد فهمك بشكل خاطئ سيفعل حتى وإن وصل به أحد إلى أن يعتبر كلمة الشكر هذه التي تأتي منك بمثابة شتيمة له.
ثم ما لبث أن تذكرت ما أفاد به آخرون من اقوال وحكم :
هي كؤوس إن شئنا ملأناها حبًا، وإن شئنا ملأناها حقدًا، وكل منا سيشرب مما وضع. ولا تقترب إلا ممن يسعدك قربه، ولا تفتح نوافذك إلا على المناظر التي يسرك رؤيتها، ولا تمضِ في طرق لا تشبهك، فإن حياتك مسؤوليتك، وسعادتك رهينة لاختياراتك. إن ضاق بك درب، فأرض الله واسعة، وإن ساءك أمر، فأعلم أنه لا دوام لحال.
وقبل أن ألمّ في ذاكرتي ما زاحمها من أقوال هؤلاء الكبار، عرفني عن نفسه من بعيد جدًا من كان ولا يزال يعتبر حكيم زمانه وكل زمان قائلا بهمس :
هكذا، جالس جميلي الروح تصيبك عدوى جمالهم.
فقلت له :
حقا أنك حكيم زمانك وكل الأزمنة.
وفي سري تعجبت من إقحامه لنفسه مع أحاديث هؤلاء الفلاسفة والأدباء والحكماء، وهو العفيف عن أمور دنياه في زمانه، وكأنه قد قرأ ما أفكر فيه في ذاكرتي ليبادرني بالقول:
لا يهمك، كلنا نلتقي في إنسانيتنا وهدفنا إسعاد الإنسان وصقل معرفته، وكل بطريقته وأسلوبه.
فشكرته.
في النهاية، لم يكن في وسعي، وأنا مرتبط بمشاغل الحياة، محاورة كل هؤلاء الكتاب والأدباء الكبار، إلا بالتعبير عن شكري لمداخلاتهم الافتراضية ، قبل أن أقول لهم:
سأعود إليكم بعد أن أشبع نفسي المتوقة أكثر للنهل من معين أدبكم وعصارة ما توصلتم إليه أنتم وغيركم، لأكون لائقًا بمحاورتكم.
حقا، معكم وجدت، كما قال أحدكم ذات يوم:
أن أوسع اللغات وأجملها وأبسطها هي لغة الأفكار والقلوب، أما لغة الشفاه والألسنة فهي ليست أكثر من سلم يصعد به البشر إلى لغة الأفكار والقلوب.
ثم أضفت:
أحيانًا لا يعرف الناس قيمة ما تفعلهُ لأجلهم، حتى تتوقف عن فعله.
هنيئًا لمن لا ترحل قيم الخير ومحبة الناس عن قلبه، ولا تفارق أعمالها يداه.
هنيئًا لمن ظل الخير والعطاء إيثارًا مغروسًا في نفسه النقية الصافية التي لا يهمها إلا زرع الخير والمحبة بين الناس.
هنيئًا لمن كان وبقي نقاء قلبه فطرة وليس غباءً.
هنيئا للقلوب الرائعة التي تدفعنا للتفاؤل دائمًا.
هنيئا لمن تسعدنا كلماتهم وتدخل القلب وتريح النفس وتملأ الروح نقاءً وبهجة.
هنيئا للأشخاص الذين يتركون لنا وردة على أبواب قلوبنا بكلمة، بهمسة، بلمسة، ببسمة.
هنيئا للقلوب الرائعة التي تدفعنا للتفاؤل دائمًا.
هنيئا لمن تسعدنا كلماتهم وتدخل القلب و تريح النفس وتملأ الروح نقاءً وبهجة.
هنيئا لأصحاب القلوب الجميلة والنوايا الطيبة.
هنيئا كم جميعًا، فقد أديتم ما عليكم تجاه الإنسان في كل زمان ومكان قبل أن ترحلوا عن دنياكم، لتبقى أعمالكم تشير إلى جميل أفعالكم، وليبقى أثركم خالدًا بكتاباتكم وكلماتكم وقيمكم.
وبعدها استميحكم عذرًا، فقد أيقظتكم دون سابق طلب مني أو سماح.
يبقى عزائي أيضًا في إيصال جانب من رسالتكم الأدبية ، وعذرًا إن وقعت خياراتي على البعض منها بما لم يتوقعه البعض منكم، ولكن أعدكم بالرجوع إليكم ثانية بعد أن أستفيد مما عبرتم عنه في مؤلفاتكم وكتبكم وأبحاثكم.
دمتم منارًا للبشرية يسترشد بكم الذين أتعبتهم الحياة في دروبها الصعبة.
بقي أن أشير إلى أنه في تساؤلاتي واجاباتي لهؤلاء الأدباء والمفكرين الكبار ، لم أكن وحدي في اختيارها ، نعم لم أكن وحدي بالمعنى الفكري ، بل كان معي الكثير ممن قرأت له واستعنت بآرائه وكلماته وتجاربه ليكون الجواب بالمجمل يعبر عن رأي المجموع في فهم حقيقة الحياة ولغز النفس الإنسانية فيها.
كم هي ممتعة رحلة سبر أغوار الماضي ، ماضي الفكر وماضي الإنسان ، ففيه عالم آخر بعيد في الزمان والمكان، ولكن فيه محطات استراحة كثيرة يمكن أن يتشرف الإنسان فيها برؤية ولقاء وسماع أقوال وكلمات وإسهامات كبار الذين انهمكوا في حياتهم بدراسة النفس الإنسانية في كل ميادين اهتماماتها، للوصول بالإنسان إلى ذاته، إلى ضميره الحي، نقيا، عفيفا، محبا للحياة ومن فيها.
وتلك هي غاية الكون في انسانه
فمتى يعي الإنسان ذلك؟


ب. د. خالد محمود خدر



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم يعد عند الكثير ذلك الاهتمام المفروض في قراءة الكتب الثقاف ...
- أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء ...
- أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء ...
- أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء ...
- أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) / الج ...
- أزمة المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) / الج ...
- أزمه المياه في إقليم كردستان/ العراق (الأسباب والحلول) الجزء ...
- أزمه المياه في إقليم كوردستان / العراق (الأسباب والحلول) / ا ...
- يبقى العالم المنشود هو العالم الذي تجمعه القيم والفضائل الإن ...
- فقدان الارادة بين الانتظار واتخاذ القرار يفقد الإنسان الكثير ...
- هكذا ينبغي ان تكون وتبنى النفوس ليرتقي الجميع بأنفسهم ومجتمع ...
- كن منشدا للسلام لتببني جسوراً من الفهم المتبادل لردم الخلافا ...
- محبتك للناس تبدأ بمحبتك لنفسك ليسهل انتدابها للأعمال الجليلة
- عش كل يوم من ايام حياتك كيوم جديد وسيكون هكذا
- قراءة لدروس الحياة في محطاتها
- الأخلاق في الميزان بين المنصب و العلم والمال
- وقفة تأمل مع الساعات الأخيرة التي تسبق حلول رأس السنة الميلا ...


المزيد.....




- 80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع ...
- بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب ...
- مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند ...
- كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت ...
- إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
- هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف ...
- كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض ...
- أحلام سورية على أجنحة الفن والكلمة
- -أنا مش عايز عزاء-.. فنان مصري يفاجئ متابعيه بإعلان وصيته
- ماذا نعرف عن غزة على مر العصور؟ ولماذا وصفت بـ-بنت الأجيال-؟ ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد محمود خدر - حوار افتراضي مع نخبة من قادة الفكر الادبي والإنساني